الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الاستثناء
وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلا لم يقع الطلاق
ــ
[البناية]
[فصل في الاستثناء]
[قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلا]
م: (فصل في الاستثناء) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الاستثناء وهو التكلم بالباقي بعد الاستثناء وهو الاستفعال من المثنى وهو العرف، يقال ثنيته أي عطفته، وألحق الاستثناء بالتعليق، لأنها في بيان التفسير، ولأن الشرط يمنع كل الكلام، والاستثناء بعضه، والجزء مقدم على الكل.
م (وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلاً لم يقع الطلاق) ش: قيل: كان ينبغي أن يذكر هذه المسألة في الفصل المتقدم، لأنها ليست باستثناء، بل هي تعليق.
وأجيب: بأن التعليق - بمشيئة الله تعالى - شبهاً قوياً بالاستثناء بمنع حكم صدر الكلام عما كان قبل الاستثناء بحيث لا يتوقف وجوده على وجود الشرط، فكذا حكم صدر الكلام يمتنع أصلا في التعليق بمشيئة الله تعالى، ولا يتوقف على وجود الشرط، فلهذه المناسبة ذكر التعليق بالمشيئة في فصل الاستثناء.
قوله: متصلا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قولاً متصلاً، والمراد من الاتصال أن لا يقطع قوله إن شاء الله تعالى قبل قوله أنت طالق بكلام آخر أو سكوت.
وأما الفصل لانقطاع النفس فلا عبرة به لعدم إمكان التحرز عنه. ولو أتى بحروف الاستثناء بحيث لا يسمع يقع الاستثناء صحيحاً، وهو اختيار الكرخي، لأن السماع ليس بشرط صحة الكلام، ولهذا يصح استثناء الأصم، وإن لم يسمع هو أيضاً، وعلى شرط الاتصال جمهور العلماء، وهو قول الأئمة الأربعة، ومنهم من جوز الاستثناء ما لم يقم من المجلس، وبه قال الحسن البصري، وطاوس وعن ابن عباس رضي الله عنه جوازه إلى مدة سنة، وعنه جوازه أبداً.
وقال سعيد بن جبير: بعد أربعة أشهر. وقال قتادة: بعد سنتين. وقال أحمد: له الاستثناء ما دام في ذلك الأمر. ولو جرى على لسانه إن شاء الله من غير قصد لا يقع طلاقه، لأن الاستثناء وجد حقيقة، وهو صريح في بابه، والصريح لا يفتقر إلى النية كقوله أنت طالق ومطلقة وطلقتك، وفيه خلاف الشافعية.
قوله: لم يقع الطلاق به قال طاوس وإبراهيم النخعي والحكم والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وهو قول عطاء ومجاهد والزهري والشعبي وحماد وعبد الرزاق وسعيد بن المسيب والأوزاعي وعثمان البتي، وبه قالت الظاهرية وأبو سليمان.
وقال مالك ومكحول وقتادة وغيره قال أصحابنا: لا شيء عليه، وبه قال الشعبي وابن أبي
لقوله صلى الله عليه وسلم «من حلف بطلاق أو عتاق وقال إن شاء الله تعالى متصلا به فلا حنث عليه» .
ــ
[البناية]
ليلى وإسحاق وأبو عبيد.
وقال مالك: لا استثناء في الطلاق والعتاق والصدقة ويعتبر اليمين والنذر. وعند أحمد لا يرفع الطلاق خاصة ويرفع العتاق والأيمان، ثم اختلفوا في عمله أي في عمل الاستثناء فقال أبو يوسف إبطال، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال محمد: تعليق. وبه قال بعض أصحاب الشافعي رحمهم الله.
وتظهر ثمرة الخلاف فيما إذا قدم المشيئة فقال: إن شاء الله تعالى أنت طالق، فعند أبي يوسف رحمه الله أنه لإبطال الكلام، سواء قدم أو أخر بحرف الفاء أو بغيره. وعن محمد رحمه الله يقع، لأنه للتعليق، فإذا قدم الشرط ولم يذكر حرف الجزاء لم يتعلق نفي الطلاق بلا شرط، كذا في " الجامع الكبير " لقاضي خان. وذكر في " الفتاوى الصغرى " الفتوى على قول أبي يوسف، وذكر في " الإيضاح " الاختلاف على العكس.
ثم اختلف أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في الطلاق المقرون بالاستثناء في موضع يقع الاستثناء هل يكون يمينا؟ قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يكون يمينا، حتى لو قال لها: إن حلفت بطلاقك فعبدي حر، ثم قال لها: أنت طالق - إن شاء الله - يحنث في يمينه عند أبي يوسف. وقال محمد رحمه الله: لا يكون يميناً ولا يحنث ولا يقع الطلاق، وكذا العتاق لو قال لعبده: إن حلفت بعتقك فأنت حر، ثم قال: أنت حر إن شاء الله تعالى.
م: (لقوله صلى الله عليه وسلم (من حلف بطلاق أو عتاق وقال: إن شاء الله تعالى متصلا فلا حنث عليه) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وروى أصحاب السنن الأربعة من حديث أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه» بلفظ الترمذي وقال: هذا حديث حسن.
ولأنه أتى بصورة الشرط، فيكون تعليقا من هذا الوجه، ولأنه إعدام قبل الشرط، والشرط لا يعلم هاهنا، فيكون إعداما من الأصل، ولهذا يشترط أن يكون متصلا به،
ــ
[البناية]
وقد روي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً. وروي عن سالم عن ابن عمر موقوفاً، ولا نعلم أحداً رفعه غير أيوب السختياني، وقال إسماعيل بن إبراهيم: كان أيوب أحياناً يرفعه، وأحياناً لا يرفعه، ولفظ أبي داود فيه: فقد استثنى.
وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن سليمان صلى الله عليه وسلم قال: لأطوفن الليلة به". وفيه لو قال: إن شاء الله تعالى لكان كما قال» . وروى ابن عدي في " الكامل" عن إسحاق بن أبي يحيى الكعبي عن عبد العزيز بن أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: من قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله، أو لغلامه أنت حر أو علي المشي إلى بيت الله إن شاء الله فلا شيء عليه، وهو معلول بإسحاق الكعبي.
فإن قلت: ليس في الحديث الذي رواه أصحاب "السنن" متصلاً به، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لأغزون قريشاً " ثم قال بعد سنة: "إن شاء الله تعالى» .
قلت أجيب: بمنع صحة هذا وبعد التسليم بصحته نقول: إن الاستثناء كان من قوله لأغزون قريشاً الذي سبق قبل سنة، لأنه يحتمل أن الاستثناء كان منه، لكن لا نسلم أن قصد النبي صلى الله عليه وسلم كان من قوله:"لأغزون" الاستثناء فلم يجز أن يكون قصده الاستدراك المأمور به الثابت من قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23]{إلا أن يشاء الله} [الكهف: 24]{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24](الكهف: الآيتان 23، 24) .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المستثني بكسر النون م: (أتى بصورة الشرط) ش: أي بحرف صريح دون حقيقة الشرط، لأن حقيقة الشرط عبارة عما يكون على خطر وتردد ومشيئة الله تعالى ليست كذلك لثبوتها قطعا أو انتفائها كذلك، وما هو كذلك م:(فيكون تعليقاً من هذا الوجه) ش: يعني من حيث الصورة م: (ولأنه) ش: أي قوله: إن شاء الله تعالى م: (إعدام) ش: للعلية م: (قبل) ش: وجود م: (الشرط، والشرط) ش: وهو مشيئة الله تعالى م: (لا يعلم هاهنا) ش: أي في صورة التعليق بمشيئة الله تعالى لأنا لا نطلع عليها م: (فيكون إعداماً) ش: أي للجزاء م: (من الأصل) ش: أي من ابتداء العدم العلم بالمشيئة، فصار كأنه لم يقل أنت طالق أصلاً، فكان إبطالاً للكلام.
م: (ولهذا) ش: أي ولأن في الاستثناء معنى الشرط م: (يشترط أن يكون متصلاً به) ش: وعليه