الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب طلاق المريض
إذا
طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة
ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها
ــ
[البناية]
[باب طلاق المريض][طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة]
م: (باب طلاق المريض)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام طلاق المريض، ولما فرغ من بيان طلاق الصحيح شرع في بيان طلاق المريض، لأن المرض عارض، والأصل عدمه، والمرض معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع.
م: (وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقاً بائناً فمات وهي في العدة ورثته) ش: أي ورثت المرأة زوجها المطلق ميراثها الشرعي م: (وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها) ش: في هذه أربعة عشر قولاً:
الأول: أنه يقع طلاقه، وعزاه ابن حزم إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
الثاني: يقع طلاقه وترثه بشرط قيام العدة، وهو قول عمر، وابنه، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال المغيرة، والنخعي، وابن سيرين، وعروة، والشعبي، وشريح، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وطاوس، والأوزاعي، وابن شبرمة، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وحماد بن أبي سليمان والحارث العكلي.
الثالث: ترثه ما لم تتزوج زوجاً آخر، وإن انقضت عدتها، وهو قول ابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد.
الرابع: ترثه، وإن تزوجت عشرة أزواج، وبه قال مالك رحمه الله، والليث في رواية عنه، وذكره ابن رشيد في " الفوائد ".
الخامس: ترثه ويرثها، وبه قال الحسن البصري.
السادس: إن صح منه، ومات من مرض آخر لا ترثه عندنا. وقال الزهري والثوري والأوزاعي وزفر وأحمد وإسحاق: ترثه إن مات قبل انقضاء عدتها منه، ذكره عنهم ابن حزم في " المحلى ".
السابع: ترثه ويرثها إذا كان لها حمل أو قصد المضارة، وهو قول عروة بن الزبير.
الثامن: ترثه وتنتقل عدتها إلى عدة الوفاة ما لم تنكح، وبه قال الشعبي.
التاسع: تعتد بأبعد الأجلين من ثلاث حيض أو أربعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله.
وقال الشافعي رحمه الله لا ترث في الوجهين، لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض وهي السبب، ولهذا لا يرثها إذا ماتت، ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد إبطاله، فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى زمان انقضاء العدة دفعا للضرر عنها، وقد أمكن؛ لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار،
ــ
[البناية]
العاشر: ترثه قبل الدخول، وعليها العدة، وهو قول الحسن وإسحاق وأبي عبيد (....) .
الثاني عشر: لو خيرها فطلقت نفسها ثلاثاً أو اختلعت منه أو حلف بطلاقها على دخولها الدار، وهو صحيح عند الحلف مريض عند الدخول أو قال وهو صحيح: إن قدم فلان، فأنت طالق ثلاثاً فقدم وهو مريض طلقت ثلاثاً، لا ترثه عندنا وعند مالك: ترثه في الكل.
الثالث عشر: يجب الصداق لها كاملاً، ولا ميراث لها ولا عدة عليها، وبه قال جابر بن زيد.
الرابع عشر: لا ترثه أصلاً قبل الدخول وبعده، وهو قول الظاهرية وأبي ثور، واختاره ابن المنذر في الأشراف، وهو الجديد للشافعي. وفي القديم: الزوج فار والميراث فيه ثلاثة أقوال:
الأول: مثل قولنا. الثاني: مثل قول أحمد. والثالث: مثل قول مالك أبداً.
م: (وقال الشافعي: لا ترث في الوجهين) ش: أي قبل العدة وبعدها. وفي شرح الأقطع والشافعي أقوال: أحدها: أنها لا ترث في الوجهين، سواء مات في العدة أو بعد العدة، والآخر: أنها ترث ما لم تتزوج بزوج آخر، وإن انقضت العدة، وهو قول مالك. والآخر: أنها ترث وإن تزوجت بزوج آخر، وهو قول ابن أبي ليلى م:(لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض) ش: أي بعارض الطلاق البائن م: (وهي السبب) ش: أي الزوجية هي سبب الميراث.
م: (ولهذا) ش: إيضاح لقوله: لأن الزوجية بطلت بهذا العارض م: (لا يرثها إذا ماتت) ش: لأن سبب الإرث قد زال، فلا يثبت الحكم بلا سبب.
م: (ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد إبطاله) ش: أي إبطال إرثها (فيرد عليه قصده) ش: أي يرد على الزوج قصده، وهو قصد إبطال الإرث م:(بتأخير عمله) ش: أي عمل الطلاق م: (إلى زمان انقضاء العدة دفعاً للضرر عنها) ش: أي لأجل دفع الضرر عن المرأة، وكأن الطلاق لم يوجد في حق الإرث م:(وقد أمكن) ش: جواب عما يقال: إن كان سبب تأخير العمل دفع الضرر عنها، وجب أن يستوي في ذلك الموطوءة وغيرها وما قبل انقضاء العدة وما بعدها، فأجاب بقوله: وقد أمكن دفع الضرر، وتقديره إنما يصح توريثها منه إذا أمكن تأخير عمل الطلاق، ليكون السبب وهو النكاح قائماً، وقد أمكن ذلك إلى زمان انقضاء العدة.
م: (لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار) ش: من حرمة التزويج وحرمة الخروج
فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه، بخلاف ما بعد انقضاء العدة، لأنه لا إمكان، والزوجية في هذه الحالة ليست بسبب لإرثه عنها، فتبطل في حقه خصوصا إذا رضي به
ــ
[البناية]
والبروز، وحرمة نكاح الأخت ونكاح أربعة سواها م:(فجاز أن يبقى في حق إرثها منه) ش: دفعاً للضرر عنها م: (بخلاف ما بعد انقضاء العدة؛ لأنه لا إمكان) ش: أي لا إمكان لتأخير عمل الطلاق، لعدم بقاء النكاح أصلاً م:(والزوجية في هذه الحالة) ش: هذا جواب عن قوله: ولهذه لا يرثها إذا ماتت أي الزوجة فيما إذا كان الزوج مريضاً مرض الموت م: (ليست بسبب لإرثه عنها) ش: لأنه لم يتعلق حقه بمالها لكونها صحيحة (فتبطل في حقه) ش: قال السغناقي: فيبطل بالنصب لأنه جواب النفي. وقال الأكمل: وقال بعض الشارحين بالرفع لا غير، ولكل منهما وجه خلا قوله: لا غير، فإنه لا وجه له، انتهى.
قلت: أراد بقوله: بعض الشارحين الأترازي، فإنه قال في شرحه: فقوله يبطل في حقه بالرفع لا غير، أي فتبطل الزوجية بالطلاق البائن في حق الرجل حقيقة وحكما، فلا يرثها إذا ماتت لبطلان الزوجية أصلاً، بخلاف ما إذا مات الزوج حيث ترثه المرأة، لأن الزوجية وإن بطلت بالطلاق البائن حقيقة جعلت باقية في حقها دفعاً للضرر عنها، لأنه قصد إبطال حقها. ولا يجوز أن يقال بالنصب جواباً للنفي، لأنه حينئذ ينعكس الغرض، لأنه يكون معناه: لو كانت الزوجية سبب إرث الزوج عنها لبطلت، ولكنها ليست بسبب، فإذا لم تبطل الزوجية يجب أن يرثها ولا يقول به أحد لا نحن ولا الشافعي رضي الله عنه، والذي وقع في بعض الشروح بنصب اللام سهواً، انتهى.
قلت: الكاكي تبع السغناقي فقال: فيبطل بالنصب، لأنه جواب النفي، والذي قاله الأكمل هو الوجه، فافهم.
م: (خصوصاً إذا رضي به) ش: أي لا سيما أن الزوج إذا رضي بحرمانه من الإرث، حيث أقدم على الطلاق.
واعلم أن أصحابنا استدلوا في هذا الباب بالنقل والعقل، وصاحب الهداية لم يذكر شيئاً من النقل، فنقول بإجماع الصحابة توريث امرأة الفار، بيانه أن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طلق امرأته تماضر في مرض موته فورثها عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فحل محل الإجماع.
فإن قلت: لا نسلم الإجماع، لأنه روي عن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في حديث تماضر أنه قال: لو كان الأمر إلي لما ورثتها.
قلت: أجيب: بأنه قد صح عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال هذا الكلام في وقت إمارته بعد سبق الإجماع، والخلاف المتأخر لا يرفع الإجماع السابق، ولئن سلمنا أنه قاله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقت توريث تماضر، فنقول: ما ورثها لخفاء وجه الاستحسان عليه، أو نقول: كانت تماضر سألت الطلاق فاعتقد ابن الزبير رضي الله عنه أن سؤالها يسقط الإرث، وبه نقول، ولكن عثمان إنما ورثها عند وجود سؤال الطلاق فعند عدمه أولى. انتهى.
وفي السروجي: وأجابوا عن قول ابن الزبير في خلافته: لو كنت أنا لم أقل بتوريثها إن لم يكن في ذلك الوقت من الفقهاء. وفي " البدائع ": وكان الإجماع قد انعقد على ذلك، وخلافه بعد وقوع الإجماع من الصحابة لا يقدح فيه، لأن انقراض العصر ليس بشرط لصحة الإجماع، أو خالفه لتوريثه بعد سؤالها، وقد روي ذلك، ولعل عثمان كان يرى أن ذلك لا يسقط إرثها، وفي " الجوهر " و" المحلى " في رواية كان توريث عثمان رضي الله عنه بعد انقضاء العدة، وروى هشام عن أبي مسلم عن أبيه أنه كان بعد العدة، وروى عنه أبو عمر أنه كان في العدة، وقال ابن حزم وعمر: هذا ضعيف، لكن ثبت من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي مليكة أنه سأل عبد الله بن الزبير قال: طلق عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بنت الأصبع الكلبية فبتها، ثم مات في العدة فورثها عثمان، رواه عنه الحجاج بن المنهال وسعيد بن منصور، وقد اتفقا على أن توريثها كان في العدة، وهو قول الجمهور.
ويحتمل قول من قال: إنه ورثها بعد انقضاء العدة مع ضعفه أنه كان تأخير المخاصمة والقسمة وقع بعد العدة، وكان موته قبل انقضاء العدة يدل عليه قوله: فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات، وتماضر بضم التاء المثناة من فوق، وتخفيف الميم، وكسر الضاد المعجمة في آخره، بنت عمر بن الشريد السلمية. قال أبو عمر: وهي الخنساء الشاعرة بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن ثعلبة بن جفاف بن امرئ القيس بن نهبة بن سليم قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم مع قومها فأسلمت فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستشهد بها ويعجبه شعرها، فكانت تنشده، وهو يقول فيه بأجناس ويومئ بيده عليه السلام وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها. وقالوا: اسم الخنساء تماضر، وكانت حضرت حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، واستشهد الأربعة فيها، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائتي درهم حتى قبض - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وفي السروجي: وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما قضى بتوريثها قال: فر من كتاب الله، وروي عنه أنه قال: ما فررت من كتاب الله أي ما قصدت الفرار، وحصل لها بالصلح عن ربع سهمها ثمانون ألفاً. وذكر بعض أهل الحديث أنها كانت دنانير. وذكر عبد المغني في الأربعين أن ورثته كانوا يقطعون مسائل الذهب بالقوس ويقتسمونها.
ومن الدليل في هذا الباب ما روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: جاء عروة البارقي إلى