الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أحكام اللعان
قال: إذا
قذف الرجل امرأته بالزنا
وهما من أهل الشهادة، والمرأة ممن يحد قاذفها، أو نفى نسب ولدها وطالبته بموجب القذف فعليه اللعان،
ــ
[البناية]
[باب أحكام اللعان][قذف الرجل امرأته بالزنا]
م: (باب أحكام اللعان) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اللعان وهو مصدر من لاعن يلاعن ملاعنة ولعانا، وأصله من اللعن، وهو الإبعاد والطرد في اللغة، يقال: التعن، أي لعن نفسه ولاعن إذا لعن غيره، ورجل لعنة بفتح العين إذا كان كثير اللعن لغيره ولعنة بسكونها إذا لعنه الناس كثيرا، ومعناه شرعا عبارة عما يجري بين الزوجين من الشهادات الأربع، واللعن والغضب، وسمي الكل لعانا لما فيه من ذكر اللعن كالصلاة تسمى ركوعا لما فيها من الركوع، وكالتحيات تسمى تشهدا لما فيها من التشهد وركنه الشهادة المؤكدة باليمين، وسببه قذف الرجل زوجته قذفا يوجب الحد في الأجانب، وشرطه قيام النكاح. وحكمه حرمة الوطء بعد التلاعن. وأهله من كان أهلا للشهادة عندنا حتى لا يجزئ بين مملوكين أو أحدهما صبي أو مملوك.
م: (قال) ش: أي القدوري - رحمة الله تعالى - م: (إذا قذف الرجل امرأته بالزنا) ش: سواء في ذلك قوله رأيتك تزنين، وقوله أنت زانية ويا زانية عند الجمهور، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية. وفي المشهور عنه لا يجب بقوله: يا زانية أو أنت زانية بل يجب فيه الحد، وبه قال الليث وعثمان البتي ويحيى بن سعيد م:(وهما من أهل الشهادة) ش: يعني من أهل الأداء، ولهذا لا يجزئ بين مملوكين.
فإن قلت: يجزئ بين الأعميين والفاسقين، مع أن الشهادة لهؤلاء.
قلت: الأعميان من أهل الشهادة، وعدم قبول شهادتهما لعدم التمييز بين المشهود له، وعليه لو قضى القاضي بشهادة الفاسقين جاز. وقال في " النهاية ": ولو قضى القاضي بشهادة هؤلاء جاز.
م: (والمرأة ممن يحد قاذفها) ش: حتى لو كانت ممن لا يحد قاذفها بأن تزوجت بنكاح فاسد ودخل بها أو كان لها ولد وليس له أب معروف لا يجزئ اللعان، أو زنت في عمرها ولو مرة، أو وطئت وطئا حراما ولو مرة، ذكره الأسبيجابي م:(أو نفى نسب ولدها) ش: بأن قال: هذا الولد من الزنا، أو قال: ليس مني قبل الإقرار بالولد. وقيل: مضي التهنئة التي هي قائمة مقام الإقرار، بخلاف ما إذا نفى الحبل، حيث لا لعان ولا حد عند أبي حنيفة رحمه الله على ما يجيء م:(وطالبته بموجب القذف) ش: أي طالبت المرأة زوجها بموجب القذف م: (فعليه اللعان) ش: أي فعلى الزوج اللعان، أي يلاعنها، وإنما شرطت مطالبتها، لأنه حقها، لأنه لبراءة عرضها حيث قذفها بالفجور، فاشترطت مطالبتها كسائر حقوقها، حتى لو كانت كفت عن
والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن والغضب، قائمة مقام حد القذف في حقه، ومقام حد الزنا في حقها، لقوله عز وجل:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6](النور: الآية 6) ، والاستثناء إنما يكون من الجنس، وقال الله تعالى:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6](النور: الآية 6) نص على الشهادة واليمين، فقلنا: الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين.
ــ
[البناية]
مدافعته، فهي امرأته.
م: (والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان) ش: إنما قال: عندنا، لأن عند الشافعي أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة، حتى إن عند أهل اللعان من كان أهلا للشهادة، وعنده من كان أهلا لليمين، فلا يجري اللعان إلا بين زوجين مسلمين حرين عاقلين بالغين غير محدودين في القذف عندنا وعنده يجري بين المسلم وامرأته الكتابية، وبين الكافر وامرأته وبين العبد وامرأته، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد في رواية كقولنا م:(مقرونة باللعن والغضب) ش: صفة لما قبله، وهذا المجموع هو اللعان، وهو ركن اللعان م:(قائمة) ش: أي اللعان قائمة إنما أنثه باعتبار الملاعنة أو باعتبار أنه شهادات إلى آخره م: (مقام حد القذف من حقه) ش: أي في حق الزوج، ولهذا يشترط كونها ممن يحد قاذفها ولا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا.
م: (ومقام حد الزنا في حقها) ش: أي في حق الزوجة، ولهذا لو قذفها مرارا يكفي لعانا واحدا كالحد م:(لقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ش: وجه الاستدلال أن الله تعالى قال {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6](النور: الآية 6)، واستثناء الأزواج من الشهداء م:(والاستثناء إنما يكون من الجنس) ش: هذا هو الأصل، ولا شهداء إلا بالشهادة، ولا شهادة فيما نحن فيه إلا كلمات اللعان، فدل أنها شهادات أكدت بالأيمان نفيا للتهمة.
م: (وقال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) نص على الشهادة واليمين، فقلنا: الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين) ش: لأن الحاجة ها هنا إلى إيجاب الحكم في الطرفين، والذي يصلح لإيجاب الحكم الشهادة دون اليمين، إلا أنها مؤكدة باليمين، لأن يشهد لنفسه، التأكيد باليمين لا يخرجه من أن يكون شهادة. فقلنا الركن الشهادة المؤكدة باليمين عملا بحقيقة لفظ القرآن والسنة على ما يأتي.
وقال الماوردي في " الحاوي ": وتأويل أبي خطأ، لأن شهادة المرء على نفسه غير مقبولة (بل) فاسدة، لأن من قال بحقيقة لفظ الشهادة المذكورة في القرآن والحديث لم يكن قوله تأويلا، بل التأويل قول من ترك حقيقة اللفظ بالإشهاد الفاسد وتعطيل القرآن بالحديث.
ثم قرن الركن في جانبه باللعن لو كان كاذبا، وهو قائم مقام حد القذف، وفي جانبها بالغضب، وهو قائم مقام حد الزنا.
ــ
[البناية]
وأما شهادته لنفسه فغير مقبولة لمكان التهمة، لا لأنه لا يصلح للشهادة، ألا ترى إلى قوله عز وجل {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18]
…
الآية، وكان من أصدق الشهادات لانتفاء التهمة والتهمة فيما نحن فيه منتفية باليمين، مع أنها بإذن الله تعالى أو شرع رسوله عليه السلام، وأما تكرار الشهادة لقيامها مقام أربع شهادات، فإن الواجب عليه إقامة أربع شهادات من شهود أربعة، وقد عجز عن إقامة شهود أربعة، ولم يعجز عن إقامة أربع شهادات فما عجز عنه.
م: (ثم قرن الركن) ش: هو الشهادة م: (في جانبه) ش: أي في جانب الزوج م: (باللعن لو كان كذابا) ش: تأكيدا م: (وهو قائم مقام حد القذف) ش: ولهذا لا يثبت بالشهادة على الشهادة، ولا بشهادة النساء، وكتاب القاضي إلى القاضي م:(وفي جانبها) ش: أي وفي جانب الزوجة م: (بالغضب) ش: أي قرن الشهادة بالغضب، وإنما خص الغضب في جانبها في المرة الخامسة لأنهن يستعملن اللعن كثيرا في البيوت على ما جاء في الحديث: أنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، وسقطت حرمة اللعن عند أعينهن فيجرين على الإقدام عليه لكثرة حربه، فأقيم الغضب مقامه في حقهن ليكون أدعى لهن عن الإقدام، وإنما أفردت الخامسة بالغضب لأنها ليست من جنس الشهادة لعدم ذكر الشهادة فيها م:(وهو قائم مقام حد الزنا) ش: ولهن لو قذفها مرارا يكفي لعان واحد كالحد.
فإن قيل ما معنى إقامة الشهادة مقام الحد في الطرفين، وهنا المناسبة بين الحد والشهادة أجيب بأن الحد زاجر، والاستشهاد بالله تعالى كاذبا مقرونا باللعن على نفسه سبب الهلاك، وفي ذلك زجر عن الإقدام على سببه.
فإن قيل: لو كان اللعان قائما في حقه مقام حد القذف لجرى كجريانه في الاتحاد والتعدد، وليس كذلك، فإن من قذف أربع نسوة له في كلمة واحد، وفي كلام متفرق فعليه أن يلاعن عن كل واحدة منهن على حدة، وإن قذف أجنبيان فإنه يقام عليه حد القذف لهذا مرة واحدة. أجيب: بأن اللعان قائم في حقه مقام امرأته لا مطلقا، لأنه صار بدلا عما كان يلزمه في الابتداء بقذفها، فلا يرد عليه الأجنبيات، على أن ذلك لاختلاف المقصود، فإن المقصود هنا رفع عار الزنا عنهن، وذلك يحصل بإقامة حد واحد، وهنا لا يحصل المقصود بلعان واحد تعذر الجمع بينهن بكلمات اللعان، فقد يكون صادقا في حق بعض دون بعض، والمقصود التفريق بينه وبينهن، ولا يحصل ذلك بلعان بعضهن، فيلاعن كلا منهن، حتى لو كان محدودا في قذف كان عليه لهن حد واحد، لأن موجب قذفهن الحد حينئذ، والمقصود يحصل بحد واحد كما في الأجنبيات.
إذا ثبت هذا نقول لا بد أن يكونا من أهل الشهادة، لأن الركن فيه الشهادة، ولا بد أن تكون هي ممن يحد قاذفها لأنه قائم في حقه مقام حد القذف، فلا بد من إحصانها، ويجب بنفي الولد، لأنه لما نفى ولدها صار قاذفا لها ظاهرا، ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء عن شبهة، كما إذا نفى أجنبي نسبه عن أبيه المعروف وهذا لأن الأصل في النسب هو الصحيح، والفاسد ملحق به، فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به، ويشترط طلبها لأنه حقها فلا بد من طلبها كسائر الحقوق. فإن امتنع عنه
ــ
[البناية]
م: (إذا ثبت هذا) ش: يعني إذا ثبت أن الأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان م: (نقول لا بد أن يكون من أهل الشهادة، لأن الركن فيه) ش: أي في اللعان م: (الشهادة، ولا بد أن تكون هي) ش: أي المرأة م: (ممن يحد قاذفها) ش: حتى لو كان من أهل الشهادة والمرأة ممن لا يحد قاذفها، بأن كان معها ولد لا أب له معروف لا يجب اللعان م:(لأنه) ش: أي لأن اللعان م: (قائم في حقه مقام حد القذف، فلا بد من إحصانها) ش: أي إحصان المرأة م: (ويجب بنفي الولد) ش: أي يجب اللعان إذا نفى ولده بأن قال هذا الولد من الزنا، وقد مضى الكلام فيه عن قريب م:(لأنه لما نفى ولدها صار قاذفا ظاهرا) ش: كما إذا نفى أجنبي نسب ولد عن أبيه المعروف، فإنه يكون قاذفا للمرأة، وكذلك هذا.
م: (ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء عن شبهة، كما إذا نفى أجنبي نسبه) ش: أي بنسب الولد م: (عن أبيه المعروف) ش: فإنه التباس قذف صريح م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره م: (لأن الأصل في النسب الصحيح) ش: أي الفراش الصحيح م: (والفاسد ملحق به، فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به) ش: وفي " المبسوط ": الولد من الوطء بشبهة ثابتة بالنسب عن النسيان، والذي لا يكون ثابت النسب عن أحد يكون من الزنا ولا نسب لها الولد إلا منه. فإذا نفاه فقد زعم أن لا نسب له، فيكون قاذفا بالزنا. وقال الشافعي: لا يصير قاذفا بالنفي ما لم يقل إنه من الزنا، لجواز أن يكون من الوطء بشبهة، كما قال لأجنبية ليس هذا الولد من زوجك، والقياس ما قاله، إلا أنا تركناه بالضرورة، لأن الزوج قد يعلم أن الولد ليس منه بأن لم يطأها وعزلها عزلا بينا، فاكتفى بنفي الولد، حتى ينتفي منه نسب الولد، وهذه الصورة معدومة في حق الأجنبي. قيل ذكر في " جوامع الفقه " وغيره: لو قال وجدت معها رجلا يجامعها ليس بقذف لها، لأنه يحتمل الحل والجماع بشبهة، والنكاح الفاسد، فكان ينبغي أن يكون كذلك هنا، لأنه]
…
[بالزنا. أجيب عنه جعلناه كالصريح بالزنا بالضرورة كما بينا.
م: (ويتشرط طلبها) ش: أي طلب المرأة بموجب القذف م: (لأنه حقها، فلا بد من طلبها كسائر الحقوق) ش: لأنه باللعان يندفع عنه عار الزنا، وبه قالت الثلاثة م:(فإن امتنع عنه) ش: أي