الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إيقاع الطلاق
الطلاق على ضربين: صريح وكناية. فالصريح قوله: أنت طالق، ومطلقة، وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق الرجعي، لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره، فكان صريحا، وأنه يعقب الرجعة بالنص، ولا يفتقر إلى النية، لأنه صريح فيه، لغلبة الاستعمال. وكذلك إذا نوى الإبانة لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه. ولو نوى الطلاق عن وثاق لم يديّن في القضاء.
ــ
[البناية]
[باب إيقاع الطلاق]
[أنواع الطلاق]
م: (باب إيقاع الطلاق) ش: (أي هذا باب في بيان إيقاع الطلاق. ولما ذكر أصل الطلاق ووصفه شرع في بيان تنوعه من حيث الإيقاع على ما يجيء بيانه مفصلًا إن شاء الله تعالى.
م: (الطلاق) ش: أي التطليق م: (على ضربين: صريح) ش: أي أحدهما: صريح وهو ما ظهر المراد به ظهورًا بينًا، بحيث يسبق إلى فهم السامع مراده م:(وكناية) ش: أي والثاني كناية وهي ما لا يظهر المراد منه إلا بنية. ثم الطلاق لا يقع بمجرد العزم والنية عند أئمة العرب وأصحابهم، وقال الزهري: يقع بمجرد العز والنية من التطليق.
م: (فالصريح قوله) ش: أي قول الرجل لامرأته م: (أنت طالق ومطلقة وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق الرجعي) ش: أي الطلاق الرجعي م: (لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره فكان صريحًا وأنه يعقب الرجعة بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228](البقرة: 228) سماه بعلًا فدل على أن الطلاق الرجعي لا يبطل الزوجية.
فإن قلت: لفظ الرد يدل على زوال ملكه.
قلت: أطلق اسم الرد بعد انعقاد سبب زوال الملك، فيكون رد السبب من إثبات زوال الملك، ويكون فسخًا للسبب، ويطلق الرد على الفسخ كما يقال: رده بالعيب وأنه فسخ.
م: (ولا يفتقر إلى النية لأن صريح فيه لغلبة الاستعمال) ش: أي على الطلاق ولا دلالة على البينونة، وهذا بإجماع الفقهاء. وقال داود: يفتقر الصريح إلى النية لاحتمال غير الطلاق.
قلت: هذا الاحتمال مرجوح، فلا يعتبر نفي الاستعمال في الطلاق والنية في تعيين المبهم والإبهام فيه م:(وكذا) ش: أي وكذا يكون معقبًا للرجعة م: (إذا نوى الإبانة) ش: بلفظ الصريح م: (لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه) ش: كالوارث إذا قتل مورثه يحرم الميراث، لأنه قصد تعجيل ما أخره الشرع.
م: (ولو نوى الطلاق عن وثائق) ش: بفتح الواو وكسرها لغتان، والأفصح الفتح، يعني لو نوى الطلاق عن قيد م:(لم يدين في القضاء) ش: يعني لم يصدق قضاء. وفي المغرب: قولهم
لأنه خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله. ولو نوى به الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء، ولا فيما بينه وبين الله تعالى، لأن الطلاق لرفع القيد وهو غير مقيد بالعمل. وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يستعمل للتخليص. ولو قال: أنت مطلقة - بتسكين الطاء - لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنها غير مستعملة فيه عرفا فلم يكن صريحا. قال: ولا يقع به إلا واحدة.
ــ
[البناية]
يدين أي يصدق م: (لأنه خلاف الظاهر) ش: أي لأن نية الطلاق عن وثائق خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء م: (ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه) ش: أي لأن كلامه م: (يحتمله) ش: والله مطلع على نيته م: (ولو نوى به) ش: بقوله طالق م: (الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، لأن الطلاق لرفع القيد، وهو غير مقيد بالعمل) ش: بالتذكير. قال الأكمل: وهو قيد بتأويل الشخص أو الذات، وليس بشيء، بل الضمير يعود إلى القيد الذي يرفعه الطلاق وهو النكاح.
وقال الأترازي: وهو غير مقيد بالعمل بالنكاح فلا يصح بنية الطلاق عن العمل أصلًا، لا قضاء ولا ديانة. والمعنى أي الزوج غير مقيد المرأة بالعمل فلا تصح نية الطلاق عن العمل أصلًا.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن يدين فيما بينه وبين الله تعالى) ش: هذه رواية رواها الحسن عن أبي حنيفة م: (لأنه) ش: أي لأن الطلاق م: (يستعمل للتخليص) ش: فكان معناه أنت مخلصة عن العمل، وهذا إذا لم يصرح بذكره. أما إذا قال: أنت طالق من عمل كذا موصولًا صدق ديانة وقضاء رواية واحدة.
م: (ولو قال: أنت مطلقة - بتسكين الطاء - لا يكون طلاقًا إلا بالنية، لأنها غير مستعملة فيها عرفًا، فلم يكن صريحًا) ش: إذا لم يكن صريحًا كان كناية لعدم الواسطة، والكناية تحتاج إلى النية. ولو قال بالطاء أي طالق لا يقع وإن نوى. ولو قال: أنت طالق من هذا القيد لم تطلق لأنه لم يرد به قيد النكاح.
ولو قال: أنت طالق ثلاثًا من هذا القيد طلقت ثلاثًا ولا يصدق في القضاء في ترك الطلاق لأنه لا يتصور رفع هذا القيد ثلاث مرات، وإنما يرتفع ثلاث مرات قيد النكاح.
وفي " الذخيرة ": لو قال: أنت طالق من قيد أو غل أو عمل ذكر هذه المسألة في موضعين، فأجاب في أحدهما: أن لا يقع في القضاء، وأجاب في الأخرى أنه يقع في القضاء. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لو قال: أنت طالق من هذا القيد أو من هذا العمل لم تطلق، وإن قال: ثلاثًا تطلق ثلاثًا كما تقدم.
م: (قال: ولا يقع به إلا واحدة) ش: هذا من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - متصل بقوله: فهذا يقع به الطلاق الرجعي: أي لا تقع بكل واحد من الألفاظ الثلاث المذكورة إلا واحدة.
وإن نوى أكثر من ذلك، وقال الشافعي رحمه الله يقع ما نوى، لأنه محتمل لفظه. فإن ذكر الطالق ذكر للطلاق لغة؛ كذكر العالم ذكر للعلم، ولهذا يصح قران العدد به فيكون نصبا على التمييز. ولنا أنه نعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان، وللثلاث طوالق، فلا يحتمل العدد، لأنه ضده وذكر الطالق ذكر للطلاق هو صفة للمرأة لا الطلاق والطلاق هو تطليق، والعدد الذي يقترن به نعت لمصدر محذوف، معناه طلاقا ثلاثا، كقوله: أعطيته جزيلا، أي عطاء جزيلا.
ــ
[البناية]
م: (وإن نوى أكثر من ذلك) ش: كلمة إن واصلة بما قبله وهذا قول الحسن البصري وعمرو بن دينار والأوزاعي والثوري وأبي سليمان وأبي ثور.
م: (وقال الشافعي: يقع ما نوى) ش: من ثنتين أو ثلاث، وبه قال مالك، والليث وزفر وأحمد في رواية وهو مذهب الظاهرية، وهو قول أبي حنيفة الأول، ولم يرتضيه ورجع عنه، ذكره في " المبسوط ".
وفي " البدائع ": وهو غير ظاهر الرواية، م:(لأنه محتمل لفظه فإن ذكر الطالق) ش: يعني لفظ الطالق م: (ذكر للطلاق لغة) ش: لكون لفظ الطالق نعته وهو لا يتحقق بدون المشتق منه م: (كذكر العالم ذكر للعلم) ش: لأن ذكر النعت يقتضي وصفًا ثابتًا بالموصوف لغة، فإن ذكر العالم ذكر لعلم قام بالموصوف لا بالواصف.
م: (ولهذا) ش: أي ولكونه محتمل لفظه م: (يصح قران العدد به) ش: أي بقوله: أنت طالق م: (فيكون) ش: أي العدد م: (نصبًا على التمييز) ش: والتمييز من محتملات اللفظ لما صح التمييز.
م: (ولنا أنه) ش: أي قوله: أنت طالق م: (نعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان وللثلاث طوالق، فلا يحتمل العدد) ش: أي النعت الفرد لا يحتمل العدد م: (لأن الضد لا يحتمل الضد، وذكر الطالق) ش: جواب عن قوله: فإن م: (ذكر الطالق ذكر للطلاق) ش: لغة، وتقديره بأن ذكر الطلاق م:(هو صفة للمرأة) ش: لأنه نعت من الثلاثي، وهو يدل على طلاق يكون صفة للمرأة م:(لا للطلاق) ش: يعني ليس بصفة الطلاق م: (هو تطليق) ش: يعني الطلاق الذي هو بمعنى التطليق كسلام بمعنى التسليم، ومحل النية هو الثاني لأنه فعل الرجل دون الأول لأنه وصف ضرورة تتصف به المرأة ليس بفعل الزوج، لكنه يقتضي الثاني تصحيحًا له، فكان ثابتًا ضرورة صحة الكلام مقتضى، ولا عموم له.
م: (والعدد الذي يقترن به) ش: جواب عن قوله: ولهذا يصح قران العدد به: تقريره أن العدد الذي يقرن، أي بقوله: أنت طالق م: (نعت لمصدر محذوف معناه طلاقًا ثلاثًا) ش: يعني أنت طالق طلاقًا ثلاثًا، فلا يدل على وقوع الثلاث إلا لمصدر المحذوف الموصوف بالثلاثة لا قوله: أنت طالق، ثم مثل لوقوع المصدر المحذوف المنعوت بقوله م:(كقوله) ش: أي كقول القائل م: (أعطيته جزيلًا أي عطاء جزيلًا) ش: فالذي دل على هذا، كثرة العطاء هو المصدر المحذوف المنعوت، لا