الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حضانة الولد ومن أحق به
وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد، لما روي «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تتزوجي» .
ــ
[البناية]
[باب حضانة الولد ومن أحق به]
م: (باب حضانة الولد ومن أحق به) ش: أي هذا باب في بيان حكم الولد في الحضانة والتربية لمن هو. م: (ومن أحق به) ش: لأن الولد عاجز عن النظر لنفسه والقيام بحوائجه، فجعل الشرع الولاية إلى من هو متفق عليه، فجعل ولاية التصرف إلى الأب لقوة رأيه مع النفقة، وحق الحضانة إلى الأم لرفقها، في ذلك مع الشفقة عليه، وهي أقدر على ذلك للزومها البيت وكونها أشفق، ثم المناسبة بين الناس ظاهرة لا تحتاج إلى بيان.
م: (وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد) ش: سواء كانت كتابية أو مجوسية، لأن الشفقة لا تختلف باختلاف الدين. م: (لما روي أن «امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تتزوج» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في "سننه ": حدثنا محمد بن خالد السلمي، حدثنا الوليد عن أبي عمرو - يعني الأوزاعي - حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو «أن امرأة قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أحق» .
ورواه الحاكم وصحح إسناده، قالوا: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإذا أراد بجده محمدا، كان الحديث مرسلا، وإذا أراد به عبد الله كان الحديث متصلا، وهنا قد صرح عن جده عبد الله فالحديث متصل صحيح، وعمرو، وشعيب، ومحمد كلهم ثقات. قولها: وحجري، بفتح الحاء وكسرها، حجر الإنسان، والحوى، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الواو بيت من الوبر، والجمع الأحوية، كذا في " الصحاح ".
وقال ابن الأثير: الحوى اسم المكان الذي يحوي الشيء، أي يضمه ويجمعه، هكذا فسره في هذا الحديث، ثم قال: الحوى بيوت مجتمعة من الناس، والجمع أحوية، فسره في حديث آخر، والسقاء بالكسر الدلو.
ولأن الأم أشفق عليه وأقدر على الحضانة، فكان الدفع إليها أنظر، وإليه أشار الصديق رضي الله عنه بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر. قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته، والصحابة حاضرون متوافرون. والنفقة على الأب، على ما نذكر، ولا تجبر الأم عليها، لأنها عست تعجز عن الحضانة،
ــ
[البناية]
م: (ولأن الأم أشفق عليه وأقدر على الحضانة) ش: مأخوذ من الحضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح، وحضن الشيء جانباه، وحضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وكان المربي للولد يتخذه في حضنه ويضمه إلى جانبه. م:(فكان الدفع إليها أنظر) ش: أي فكان دفع الولد إلى أمه أنظر في حقه يعني أقوى نظرا في حاله من غيره.
م: (وإليه) ش: أي إلى هذا المعنى. م: (أشار الصديق) ش: أي أبو بكر الصديق. م: (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر) ش: رضي الله عنه. م: (قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته، والصحابة حاضرون متوافرون) ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وقصته ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف " حدثنا محمد بن بشر، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طلق أم عاصم، ثم أتى عليها، وفي حجرها عاصم، فأراد أن يأخذه منها فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال له أبو بكر: مسحها وحجرها وريحها خير له منك يا عمر، حتى يشب الصبي فيختار لنفسه.
ورواه عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري عن عاصم عن عكرمة، قال: خاصمت امرأة عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وكان طلقها، فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: هي أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج. وتفسير الذي ذكره المصنف قوله: وريقها، أي ريق أم عاصم امرأة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واسمها جميلة، وقوله: من شهد بضم الشين وفتحها، عسل في شمعه.
وفي " المبسوط ": ريحها، وفي رواية ريح رقاعها، وهو ثوب تشتمل به المرأة، خير له من سمن وعسل عندك يا عمر، فدعه عندها، وقضى به، بحضرة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ولم ينكر عليه أحد، فحل محل الإجماع.
م: (والنفقة على الأب على ما نذكر) ش: أي نفقة الولد على أبيه على ما يأتي في باب النفقات. م: (ولا تجبر الأم عليها) ش: أي على الحضانة، وفي بعض النسخ. م:(عليه) ش: أي على الولد، يعني إذا طلبت فهي أحق، وإذا أبت لا تجبر على الأخذ. م:(لأنها عست تعجز عن الحضانة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد والثوري ومالك في رواية. وفي رواية: تجبر. وبه قال ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح وأبو ثور، واختاره أبو الليث والهندواني من أصحابنا، والمشهور عن مالك
فإن لم تكن له أم فأم الأم أولى من أم الأب. وإن بعدت، لأن هذه الولاية تستفاد من قبل الأمهات، فإن لم تكن، فأم الأب أولى من الأخوات، لأنها من الأمهات، ولهذا تحرز ميراثهن السدس، ولأنها أوفر شفقة للأولاد. فإن لم تكن له جدة فالأخوات أولى من العمات والخالات، لأنهن بنات الأبوين، ولهذا قدمن في الميراث، وفي رواية: الخالة أولى من الأخت لأب لقوله عليه السلام: «الخالة والدة» .
ــ
[البناية]
لا تجبر في الشريعة التي لا عادة لها بإرضاع الولد، وإن كانت ممن ترضع تجبر. فإن لم يوجد غيرها أو لم يأخذ الولد ثدي غيرها أجبرت بلا خلاف، ويجبر الأب على أخذ الولد بعد استغنائه عن الأم لأن نفقته وصيانته عليه بالإجماع.
م: (فإن لم يكن له أم) ش: أي فإن لم يكن للولد أم، بأن كانت غير أهل للحضانة أو متزوجة بغير محرم أو ميتة. م:(فأم الأم أولى من أم الأب وإن بعدت) ش: أي وإن علت عند الجمهور، وعن أحمد: أم الولد أولى، وهو ضعيف، لأن أم الولد تدلى بالأم، وهي مقدمة على الكل، فما دامت واحدة منهن من جانب الأم قائمة فهي أحق. م:(لأن هذه الولاية) ش: أي ولاية الحضانة. م: (تستفاد من قبل الأمهات) ش: لما مر من وفور شفقتهن، فمن كانت تدلى إليه بأم، فهي أولى ممن تدلي بأب ويستوي في ذلك المسلمة والكافرة، لأن الحضانة باعتبار الشفقة. وذلك لا يختلف باختلاف الدين، على ما قيل: كل شيء يحب ولده حتى الحبارى.
م: (فإن لم تكن) ش: أي الأم. م: (فأم الأب أولى من الأخوات) ش: من أم أو أب، لأن استحقاق الحضانة باعتبار قرابة الأم، قلنا: هذه في نفسها كأم الأم والأم مقدمة على غيرها في الحضانة. ولهذا يجوز ميراثها من السدس وأصل الشفقة باعتبار الولادة، وذلك للجدات دون الأخوات. وعن مالك الخالة مقدمة على الجدة لأب. م:(لأنها من الأمهات، ولهذا تحرز ميراثهن السدس) ش: أي تحرز ميراث الأمهات. هذا إيضاح لكون أم الأب من الأمهات، أنها تحرز السدس في الميراث وهو ميراث الأم.
قال الأترازي: فيه نظر، لأن ميراث الأم إنما يكون هو السدس إذا كان معها ولد أو ولد الابن والإخوة ثنتان من الإخوة والأخوات. وهنا عند عدمهم أيضا، يكون للجدة السدس، وميراث الأم عند عدمهم ثلث الجميع أو ثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين. م:(ولأنها) ش: أي ولأن أم الأب. م: (أوفر شفقة للأولاد) ش: أي لأجل الولادة. م: (فإن لم تكن له جدة، فالأخوات أولى من العمات والخالات، لأنهن) ش: أي الأخوات. م: (بنات الأبوين ولهذا قدمن في الميراث، وفي رواية) ش: أي في رواية كتاب الطلاق. م: (الخالة أولى من الأخت لأب لقوله عليه السلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم. م: «الخالة والدة» ش: هذا الحديث رواه البخاري عن البراء بن عازب في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الخالة بمنزلة الأم» . رواه أبو داود من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
وقيل في قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100](يوسف: الآية 100) ، أنها كانت خالته. وتقدم الأخت لأب وأم، لأنها أشفق، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب، لأن الحق لهن من قبل الأم، ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم، وينزلن كما نزلن الأخوات، معناه ترجيح ذات قرابتين، ثم قرابة الأم، ثم العمات ينزلن كذلك، وكل من تزوجت من هؤلاء يسقط حقها لما روينا.
ــ
[البناية]
بلفظ: «الخالة أم» . ورواه الطبراني من حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخالة والدة» ، وكذا رواه العقيلي من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (وقيل في قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] (يوسف: الآية 100) أنها كانت خالته. وتقدم الأخت لأب وأم، لأنها أشفق، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب) ش: وبه قال المزني وابن شريح من الشافعية. وقال الشافعي: في الأصح تقدم الأخت لأب على الأخت من أم. وبه قال أحمد واعتبراه بقوة الميراث، ولنا ما أشار به المصنف بقوله. م:(لأن الحق لهن) ش: أي حق الحضانة. م: (من قبل الأم) ش: معناه أن ذات قرابتين ترجح على ذات قرابة واحدة لما فيها من زيادة الشفقة. وعند زفر: الأخت لأب وأم، والأخت لأم يستويان في الحضانة. م:(ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم) ش: أي لأجل الترجيح لقرابة الأم، لأن الحضانة من قبل الأمهات. م:(وينزلن كما نزلت الأخوات) ش: يعني أن الخالة لأب وأم] أولى [من الخالة لأم أشار إليه بقوله. م: (معناه ترجيح ذات قرابتين، ثم قرابة الأم) ش: والخالة لأب وأم ذات قرابتين، والخالة لأم ذات قرابة واحدة. وعند الشافعي وأحمد: تقدم الخالة من الأب على الخالة من الأم. م: (ثم العمات ينزلن كذلك) ش: يعني أن العمة لأب وأم أولى من العمة لأم، ثم العمة لأم أولى من العمة لأب، وبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات بمعزل عن حق الحضانة؛ لأن قرابتهن لم تتأكد بالمحرمية.
كذا في " المحيط ": وفي " البدائع ": لا حق للرجال من قبل الأم في الحضانة، ولا يسلم إليهن إلا بطلبهن، بخلاف الأب عند استغناء الصغير يجبر على القبول. وفي " المنصوري ": ابن العم أولى بالذكر والخال أولى بالأنثى، وكل ذكر من قبل الأم لا حق له في الولد مع العصبة إلا الخال، مع ابن العم فينظر في النساء من كان من قبل الأم، وفي الرجل من كان من قبل الأم ويدفع الصغير إلى مولى العتاقة.
م: (وكل من تزوجت من هؤلاء) ش: يعني كل من تزوجت من النساء ممن كان لها حق الحضانة. م: (يسقط حقها لما روينا) ش: وهو قوله عليه السلام: «ما لم تتزوجي» وفيه خالف الحسن البصري، قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم إلا الحسن البصري، وهو رواية عن
ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيا يعطيه نزرا، وينظر إليه شزرا، فلا نظر. قال: إلا الجدة إذا كان زوجها الجد؛ لأنه قائم مقام أبيه، فينظر له. وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه لقيام الشفقة نظرا إلى القرابة القريبة. ومن سقط حقها بالتزوج يعود إذا ارتفعت الزوجية؛ لأن المانع قد زال فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجل فأولاهم به أقربهم تعصيبا؛ لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعين، غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم، كمولى العتاقة وابن العم تحرزا عن الفتنة.
ــ
[البناية]
أحمد، فإن عندهما لا يسقط حقها بالتزوج. م:(ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيًا يعطيه نزرًا) ش: أي يعطي الصغير شيئًا قليلًا، يقال شيء نزر، أي قليل ومادته نون وزاي وراء مهملة. م:(وينظر إليه شزرًا) ش: أي ينظر زوج الأم الأجنبي إلى الصغير بمؤخر عينيه، يقال شزره بعينه يشزره وشزره مشزرًا إذا نظر إليه بمؤخر عينيه، ومادته شين معجمة وزاي ثم راء، المقصود أن هذا عبارة عن قلة الشفقة على الصغير وقلة الالتفات إليه، ولهذا قال المصنف. م:(فلا نظر) ش: أي إذا كان حال زوج الأم الأجنبي هكذا فلا نظر منه على الصغير.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (إلا الجدة إذا كان زوجها الجد) ش: هذا استثناء من قوله سقط حقها، يعني إذا كانت الجدة متزوجة بالجد لا يسقط حقها، وإن كانت ذات زوج. م:(لأنه) ش: أي لأن الجد. م: (قائم مقام أبيه) ش: لقيامه مقام أبيه. م: (فينظر له، وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه) ش: أي من الولد، كعم الولد إذا تزوج بأمه لا يسقط حقها. م:(لقيام الشفقة نظرًا إلى القرابة القريبة) ش: أي بالنظر إلى القرابة. وهو العم. وإنما ينزع الولد من يد الأم إذا تزوجت بغير محرم. وإذا ارتدت أو خيف على الصبي. م: (ومن سقط حقها بالتزوج يعود) ش: أي حقها. م: (إذا ارتفعت الزوجية؛ لأن المانع قد زال) ش: والسبب قائم يعود الحق. وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية. وفي رواية عن مالك لا يعود والرجعي مانع حتى تنقضي عدتها عندنا، وبه قال المزني، وقال غيره من الشافعية: يعود بالطلاق الرجعي.
م: (فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجال فأولاهم به) ش: أي أولى الرجال بإمساك الصبي. م: (أقربهم تعصيبًا) ش: أي من حيث التعصيب أي أقرب العصبات. م: (لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعين) ش: في باب الميراث وولاية الإنكاح.
م: (غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم) ش: هذا استثناء من قوله: فأولاهم أقربهم تعصيبًا، قيد بقوله الصغيرة، لأن الصغيرة تدفع إلى أقرب العصبات، سواء كان محرمًا أو غير محرم. م:(كمولى العتاقة وابن العم تحرزًا عن الفتنة) ش: لأنه لا يؤمن عليها منه، وكذلك ذو الرحم المحرم عن العصبة إذا لم يؤمن عليها منه لفسقه ومجونه لا تدفع إليه لأن في الدفع ضررًا بالصغيرة.