الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة، وهو الطهر الخالي عن الجماع فالحاجة كالمتكررة نظرا إلى دليلها، ثم قيل: الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر احترازا عن تطويل العدة والأظهر أن يطلقها كما طهرت لأنه لو أخر ربما يجامعها، ومن قصده التطليق فيبتلى بالإيقاع عقيب الوقاع.
و
طلاق البدعة
أن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو ثلاثا في طهر واحد، فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصيا.
ــ
[البناية]
م: (ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة) ش: لا على حقيقة الحاجة، لأن تباين الأخلاق وتنافر الطباع أمر باطن لا يمكن الوقوف عليها، فأقيم السبب الظاهر، وهو الإمساك بالمعروف مقام دليل الحاجة م:(وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطهر الخالي عن الجماع) ش:، لأنه زمان رغبة فيها طبعًا وشرعًا، فلا يختار فراقها إلا لحاجة م:(فالحاجة كالمتكررة نظرًا إلى دليلها) ش: أي دليل الحاجة، فأصل المعنى كلما تكرر جعل كأن الحاجة إلى الطلاق تكررت، فأبيح تكرار الطلاق بالتفريق على الأطهار.
م: (ثم قيل: إن الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر، احترازًا عن تطويل العدة) ش: أشار بهذا إلى اختلاف المشايخ في الطلاق السني، فقال بعضهم الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر، لأنه إذا لم يؤخر تتضرر المرأة بكون عدتها ثلاثة أطهار وثلاث حيض كوامل، فتطول عدتها لا محالة، وهو في الخلاصة رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة.
م: (والأظهر أن يطلقها كما طهرت، لأنه لو أخرها ربما يجامعها) ش: لأن الطهر زمان تجدد الرغبة م: (ومن قصده التطليق فيبتلى بالإيقاع) ش: أي إيقاع الطلاق م: (عقيب الوقاع) ش: أي الجماع، فيكون الطلاق بدعيًّا، وإنما قال المصنف والأظهر لأن محمدًا قال في الأصل، فإذا أراد أن يطلقها ثلاثًا طلقها واحدة إذا طهرت من الحيض.
[طلاق البدعة]
م: (وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثة بكلمة واحدة، أو ثلاثًا) ش: أي أو يطلقها ثلاث تطليقات م: (في طهر واحد، فإذا فعل ذلك) ش: أي الطلاق والتطليق بثلاث تطليقات بكلمة واحدة، أي في طهر واحد م:(وقع الطلاق) ش: وبانت منه وحرمت حرمة مغلظة م: (وكان عاصيًا) ش: لأنه ارتكب حرامًا، وقالت الظاهرية والشيعة: لا يقع الطلاق في حالة الحيض، والثلاث بكلمة واحدة. وعند الإمامية: لا يقع شيء أصلًا، وبه قال المريسي، وعند الزيدية منهم يقع واحدة، ويزعمون أنه قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا» وكذا في زمن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وثلاثًا من مدة عمر - رضي الله تعالى
وقال الشافعي رحمه الله: كل طلاق مباح لأنه تصرف مشروع حتى يستفاد به الحكم والمشروعية لا تجامع الحظر، بخلاف الطلاق في حالة الحيض، لأن المحرم تطويل العدة عليها لا الطلاق.
ــ
[البناية]
عنه -، رواه البخاري ومسلم، وفي المغني: وكان عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعمرو بن دينار وأبو الشعثاء يقولون: من طلق البكر ثلاثًا فهي واحدة، وقال القاضي أبو يوسف: كان الحجاج بن أرطاة يقول: طلاق الثلاث ليس بشيء، قال محمد بن إسحاق واحدة كقول الشيعة.
م: (وقال الشافعي كل الطلاق مباح) ش: وبه قال أبو ثور وداود الظاهري وابن حبيب من المالكية وأحمد في رواية عند إرسال الثلاث مباح م: (لأنه) ش: أي لأن الطلاق م: (تصرف مشروع حتى يستفاد منه الحكم) ش: بضم الدال لأنه حال، أي مستفاد بالطلاق الحكم، وهو قوله م:(والمشروعية لا تجامع المحظور) ش: وكل ما هو مشروع لا يكون محظورًا م: (بخلاف الطلاق في حالة الحيض) ش: هذا جواب عما يقال كيف يصح العموم والطلاق في حال الحيض حرام، فأجاب بقوله: بخلاف الطلاق في حالة الحيض.
م: (لأن المحرم) ش: بكسر الراء المشددة، أي المحرم للطلاق ويجوز فتحها بأن يقال: إن المحظور م: (تطويل العدة عليها لا الطلاق) ش: أي لا نفس الطلاق وتطويل العدة، كما إذا طلقها في حالة الحيض، لأن الحيض الذي وقع فيه الطلاق ليس بمحسوب في العدة بالإجماع أو يلتبس أمر العدة عليها كما إذا طلقها في طهر جامعها فيه، لأنا لا ندري أنها حامل فتعتد بالأقراء، أو حامل فتعتد بوضع الحمل، والحاصل في هذه المسألة أن عندنا يعتبر في طلاق السنة التفريق والوقت.
وعند مالك يعتبر الواحدة والوقت، وعند الشافعي يعتبر الوقت، ولا يلتفت إلى العدد، والشافعي يستدل أيضًا بقوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236](البقرة: الآية 236) ، وهذا لأنه مطلق، فيتناول الجمع والتفريق بما «روي عن عويمر العجلاني أنه لما لاعن امرأته قال: كذبت عليها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمسكتها فهي طالق ثلاثًا» فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " إيقاع الثلاث جملة "، وهذا الحديث متفق عليه، وبما ورد عن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه طلق امرأته تماضر في مرض الموت، وبما روي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني وبت وقت طلاقي» ولم ينكر متفق عليه. وبما روي من حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل إليها بثلاث تطليقات.
والجواب عن الآية قد خص عنها الطلاق حالة الحيض والطلاق في طهر جامعها فيه فيخص المتنازع، وهو الجمع. والجواب عن حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وما شابه أنه محمول على خلاف السنة، بأن قال: أنت طالق للسنة، لأنه أليق بحالهم أن يعملوا
ولنا أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية والإباحة للحاجة إلى الخلاص ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث وهي في المفرق على الأطهار ثابتة نظرا إلى دليلها، والحاجة في نفسها باقية فأمكن تصوير الدليل عليها والمشروعية في ذاته من حيث إنه إزالة الرق لا تنافي الحظر لمعنى في غيره، وهو ما ذكرناه،
ــ
[البناية]
على وفاق الكتاب والسنة، ولأن تقليد الصحابي ليس بحجة عنده، فكيف يحتج بفعل الصحابي علينا. والجواب عن حديث رفاعة أنه ليس فيه طلقها ثلاثًا بكلمة واحدة، ويجوز أن يكون مفرقًا على الأطهار. والجواب عن حديث فاطمة بنت قيس " أن زوجها أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها " رواه مسلم.
م: (ولنا أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية) ش: من تحصين الفرج عن الزنا المحرم في جميع الأديان م: (والدنيوية) ش: من السكن والازدواج واكتساب الولد، وكل ما هو كذلك ينبغي أن لا يجوز وقوعه في الشرع م:(والإباحة للحاجة إلى الخلاص) ش: يعني إباحة الطلاق إنما كانت للحاجة إلى الخلاص عن عهدة المرأة م: (ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث) ش: لحصول الخلاص بما دونه.
م: (وهي في المفرق على الأطهار ثابتة) ش: هذا جواب عما يقال، فكما لا حاجة إلى الجمع بين الثلاث، فكذا لا حاجة إلى المتفرق على الأطهار. فأجاب بقوله: وهي أي الحاجة إلى الجمع بين الثلاث، إذ لا حاجة إلى الطلاق المتفرق ثابتة م:(نظرًا إلى دليلها) ش: وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة، وهو الطهر والحكم يدار على دليل الحاجة لكونها أمرًا باطنًا كما تقدم.
م: (والحاجة في نفسها باقية) ش: هذا جواب عما يقال دليل الحاجة إنما يقام مقام الحاجة فيما يتصور وجودها، وهاهنا لا يتصور، لأن الحاجة إلى الخلاص عن عهدة الطلاق في الطهر الثاني والثالث مع ارتفاع النكاح بالأولى. فأجاب بقوله: والحاجة في نفسها أي في ذاتها باقية م: (فأمكن تصوير الدليل عليها) ش: لأن الإنسان قد يحتاج إلى جهة باب النكاح لبنائه فيها، أو لحاجة أخرى. م:(والمشروعية في ذاته) ش: هذا جواب عن قوله: والمشروعية لا يجامع الحظر، فأجاب بقوله: والمشروعية في ذاته م: (من حيث إنه إزالة الرق) ش: أي إزالة قيد النكاح م: (لا تنافي الحظر لمعنى في غيره) ش: تقريره أن يقال يجوز أن يكون الطلاق باعتبار قطع النكاح المسنون محظورًا في جامع المشروعية، كالصلاة في الأرض المغصوبة، والبيع في وقت النداء، فإنهما مشروعان بذاتهما محظوران لغيرهما، ولا منافاة لاختلاف الجهة، فلم يلزم من إثبات المشروعية انتفاء الحظر م:(وهو ما ذكرناه) ش: من فرق المصالح الدينية والدنيوية.