الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب تفويض الطلاق
فصل في الاختيار
وإذا
قال لامرأته: اختاري، ينوي بذلك الطلاق
، أو قال لها: طلقي نفسك؛ فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك،
ــ
[البناية]
[باب تفويض الطلاق][فصل في الاختيار][قال لامرأته اختاري ينوي بذلك الطلاق]
م: (باب تفويض الطلاق)
ش: أي هذا باب في بيان تفويض الطلاق إلى غيره، ولما ذكر بيان الطلاق بنفسه إذ هو الأصل شرع في بيان الطلاق بالنيابة
م: (فصل في الاختيار)
ش: أي هذا فصل في بيان الاختيار، والاختيار من الخيرة على وزن الغيبة، وهو اسم من قولك: اختاره الله عز وجل، وقال الجوهري الخيار اسم من الاختيار، وقال أيضًا: الاختيار الاصطفاء، وقال تاج الشريعة اختيار الميل إلى الخير وإلى ما هو الأفضل، والأولى. والباب المذكور يشتمل على ثلاثة فصول، فصل في الاختيار، وفصل في الأمر باليد، وفصل في المشيئة، وقدم فصل الاختيار على الفصلين المذكورين لأنه يؤيد بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين-.
م: (وإذا قال لامرأته اختاري) ش: حال كونه م: (ينوي بذلك) ش: أي بقوله اختاري م: (الطلاق أو قال لها: طلقي نفسك فلها أن تطلق نفسها) ش: في الصورتين جميعًا م: (ما دامت في مجلسها ذلك) ش: أي الذي وقع فيه هذا القول من الرجل، وهذا الشرط بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - على ما يأتي. قال الكاكي: ما دامت في مجلسها ذلك يدل على أن المجلس وإن تطاول يومًا أو أكثر لا يبطل خيارها، لأن المجلس قد يطول، وقد يقصر، كذا في " المبسوط ".
فإن قيل: إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - في أن الخيار يقتصر على المجلس خلاف النص، لأنه صلى الله عليه وسلم «قال لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حين نزلت آية التخيير: " فلا تجيبي حتى تستأمري أبويك» ، وأبواها ليسا بحاضرين في المجلس، فهذا دليل على أن الخيار لا يبطل بالقيام عن المجلس كما قال الشافعي في القديم.
قلنا: إحسان الظن بالصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فرض، لأنا تلقينا الشرع منهم بالقبول فلا يجوز مخالفتهم بلا دليل. وهاهنا لا دليل لأنه عليه السلام أثبت لها الخيار مطلقًا ومنعها إلى غاية استثمارها لأبويها.
فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحاية رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - ولأنه تمليك الفعل منها، ولأن التمليك يقتضي جوابا في المجلس كما في البيع؛
ــ
[البناية]
م: (فإن قامت منه) ش: أي من مجلسها م: (أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها، لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: فيه عن عبد الله بن مسعود، رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: إذا ملكها أمرها فتفرقا قبل أن ينقضي شيء، فلا أمر لها.
وعن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رواه عبد الرزاق أيضًا أخبرنا ابن جريج عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال: إذا خير الرجل امرأته فلم يخير مجلسها ذلك فلا خيار لها.
وعن عمر وعثمان وعبد الله بن عمرو بن العاص رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " حديثنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قالا: أيما رجل ملك امرأته أمرها وخيرها ثم افترقا من ذلك المجلس فليس لها خيار، وأمرها إلى زوجها انتهى، وخالف الجماعة وشد الحكم وأبو ثور حيث لم يشترطا فيه المجلس، واختاره ابن المنذر في " الأشراف ".
وفي " المغني ": لا يقتصر على مجلسها ذلك وإن تطاول ما لم يفسخ أو يطأها وهذا قول أحمد أيضًا.
ويروى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وهو قول الحسن وقتادة، وقال السروجي: وهذا الخلاف في الأمر باليد. وفي " المغني " وأكثر أهل العلم على أن الخيار على الفور، روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر، وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والأوزاعي والنخعي ومالك والشافعي، وهو قول أصحابنا. وقال الزهري وقتادة وأبو عبيد وابن المنذر: على التراخي، وهو رواية عن مالك.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن قوله اختاري وطلقي نفسك م: (تمليك الفعل منها) ش: يعني لا توكيل لها، لأن الوكيل عامل لغيره م:(ولأن التمليك يقتضي جوابًا في المجلس) ش: لأن خطاب، فإذا أخذت في عمل آخر يبطل التفويض، وكذا لو خاضت في كلام آخر يبطل التفويض، قال الله تعالى:{حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140](النساء: الآية 140) ، علم أن الخوض في عمل آخر بمنزلة الإعراض، وليس بتوكيل، لأن الوكيل من يعمل لغيره، وهي عاملة لنفسها بأن تخلص نفسها عن ذل رق النكاح، بخلاف ما لو قال لأجنبي: طلق امرأتي فإنه توكيل، لأنه أمر لغيره.
م: (كما في البيع) ش: أي كما يقتضي الخطاب جوابًا في البيع، لأن الأصل فيه خيار القبول
لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة، إلا أن المجلس تارة يتبدل بالذهاب عنه، وتارة بالاشتغال بعمل آخر، إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما، ويبطل خيارها بمجرد القيام؛ لأنه دليل الإعراض بخلاف الصرف والسلم لأنه المفسد هناك الافتراق من غير قبض ثم لا بد من النية في قوله: اختاري؛ لأنه يحتمل تخييرها في نفسها، ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره، فإن اختارت نفسها في قوله اختاري: كانت واحدة بائنة
ــ
[البناية]
في المجلس م: (لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة) ش: لرفع الضرورة، قال الحاكم الشهيد في الكافي: إذا خير الرجل امرأته فلها الخيار في ذلك المجلس، وإن تطاول يومًا أو أكثر م:(إلا أن المجلس) ش: أي غير أن المجلس م: (تارة يتبدل بالذهاب عنه) ش: أي عن المجلس م: (ومرة بالاشتغال بعمل آخر، إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما) ش: أي غير مجلس الأكل، وغير مجلس المناظرة.
والحاصل من هذا الكلام بيان أن انقطاع المجلس تارة يكون سببًا حسيًا وهو نحوها من ذلك المكان، وتارة بسبب حكمي وهو اشتغالها بعمل آخر، ألا ترى أن الرجلين إذا كانا يتناظران في مجلس يكون مجلسهما مجلس النظر، ثم إذا اشتغلا بالأكل يكون مجلسهما مجلس الأكل، ثم إذا اشتغلا بشيء آخر يكون مجلس ذلك الشيء.
م: (ويبطل خيارها بمجرد القيام، لأنه دليل الإعراض) ش: لأنها لو اختارت لما قامت، وكذا إذا اشتغلت بعمل آخر م:(بخلاف الصرف والسلم، لأن المفسد هناك) ش: أي في باب الصرف والسلم م: (بالافتراق من غير قبض، ثم لا بد من النية) ش: أي من نية الطلاق م: (في قوله: اختاري لأنه يحتمل تخييرها في نفسها، ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره) ش: لا شك أن الاختيار يحتمل وجوهًا أخر سوى اختيار النفس بأن يراد اختاري الكسوة أو النفقة أو الدار للسكنى، فلا بد من نية الطلاق ليزول الاحتمال.
م: (فإن اختارت نفسها في قوله: اختاري كانت واحدة بائنة) ش: قال الكاكي: وهو قول علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وقال الشافعي وأحمد: رجعية وهو قول عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في سائر الكنايات، وعند زيد ثلاث، وكأنه حمل على إثم يكون من الاختيار، وبه قال مالك وعمر وابن مسعود حملًا على أدنى ما يكون منه، وهو طلاق رجعي. وجه قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أن اختيارها لنفسها إنما يتحقق بزوال ملك الزوج حتى تصير مالكة أمر نفسها لا يختلف بالثلاث والواحدة البائنة، ولهذا قلنا: لو نوى الثلاث بهذا اللفظ لا يقع إلا واحدة بائنة. وقال الترمذي: اختلف أهل العلم في الخيار، فروي عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود أن اختيارها لنفسها طلقة بائنة، وكذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واحدة بائنة، لكن إن اختارت زوجها فواحدة رجعية، ومثله عن زيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلا أنه
والقياس أن لا يقع بهذا شيء، وإن نوى الزوج الطلاق لأنه لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ فلا يملك التفويض إلى غيره، إلا أنا استحسناه لإجماع الصحابة رضي الله عنهم، ولأنه بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها
ــ
[البناية]
قال: إن اختارت نفسها فثلاث، وعنه واحدة بائنة. وقال الترمذي: وذهب أكثر أهل العلم إلى قول عمر وابن مسعود من بعدهم من أهل العلم والوقفة وهو قول الثوري والكوفيين، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، فإن طلقت نفسها ثلاثًا، فليس للزوج أن ينكر لك عند مالك وأكثر أصحابه. وقال ابن جهم وسحنون: له ذلك. وقال طاوس: اختيارها نفسها ليس بطلاق، لأن الطلاق لا يكون إلى النساء. وقال ابن عمر: ومثله قال أبو حنيفة في التخيير لا يقع به الطلاق، وأخطأ في النقل عنه.
فإن قلت: لو قال: لها أمرك بيدك أو طلقي نفسك أو أنت بائن يصح نية الثلاث، وهاهنا لا يصح مع أن فيها لفظ الأمر، مع أن الاختيار متنوع أيضًا، وهو الأدنى والأعلى لما قال زيد بن ثابت.
قلت: أجاب بعضهم بأن الوقوع بلفظ الاختيار على خلاف القياس، وإنما يثبت ذلك بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، والإجماع انعقد بالطلقة الواحدة، بخلاف تلك المسائل. قلت: فيه نظر وقوع تأمل. وأشار شيخ الإسلام بأن الأمر اسم عام يتناول كل شيء، قال الله تعالى:{وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] أراد به الأشياء كلها، فصلح اسمًا لكل فعل، فإذا نوى الطلاق صار كأنه قال طلاقك بيدك، والطلاق يحتمل العموم والخصوص. فأما اختيار اسم لفعل خاص وهو الخلوص والصفوة وثبوت البينونة، وفيه مقتضى الصفوة، فلم يصح فيه العموم. ثم لو اختارت المرأة زوجها لا يقع به شيء عندنا، وبه قال الشافعي، وهو قول عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي الدرداء وغيرهم غير علي، «فقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه» ولم يكن ذلك طلاقًا. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في رواية تقع رجعية، وبه قال الحسن البصري وربيعة.
م: (والقياس أن لا يقع بهذا) ش: أي يقتضي القياس أن لا يقع بقوله اختاري م: (شيء) ش: كما ذهب إليه طاوس م: (وإن نوى الزوج الطلاق) ش: واصل بما قبله م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ) ش: أي بقوله - اختاري - م: (فلا يملك التفويض إلى غيره) ش: لأن من لا يملك الشيء كيف يتصرف فيه.
م: (إلا أنا استحسناه) ش: أي قلنا بالاستحسان م: (لإجماع الصحابة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج م: (بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها) ش: أي للزوج التصرف في امرأته إن شاء يبقيها بحسب ما يريد، وإن شاء فارقها ولا حجر عليه
فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم، ثم الواقع بها بائن؛ لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها، وذلك في البائن. ولا يكون ثلاثا وإن نوى الزوج ذلك؛ لأن الاختيار لا يتنوع، بخلاف الإبانة لأن البينونة قد تنوع. قال ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها حتى لو قال لها: اختاري فقالت: قد اخترت فهو باطل؛ لأنه عرف بالإجماع، وهو في المفسرة من أحد الجانبين، ولأن المبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم ولا تعيين مع الإبهام
ــ
[البناية]
في ذلك، فإن كان كذلك م:(فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم) ش: أراد به حكم استدامة النكاح، وحكم مفارقتها م:(ثم الواقع بها) ش: أي بلفظة اختاري م: (بائن) ش: أي طلقة بائنة م: (لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها) ش: أي بثبوت اختصاص المرأة نفسها م: (وذلك) ش: أي ثبوت الاختصاص م: (في البائن) ش: أي في وقوع الطلقة الواحدة البائن.
م: (ولا يكون) ش: أي الواقع بلفظ اختاري م: (ثلاثًا) ش: أي ثلاث طلقات م: (وإن نوى الزوج ذلك) ش: أي الثلاث م: (لأن الاختيار لا يتنوع) ش: وفيه نظر، لأنه الأدنى والأعلى كما قال زيد بن ثابت، وقد مر عن قريب م:(بخلاف الإبانة، لأن البينونة قد تتنوع) ش: إلى غليظة وخفيفة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو كلامها، حتى لو قال لها اختاري فقالت اخترت فهو باطل) ش: يعني لا يقع شيء م: (لأنه) ش: أي لأن وقوع الطلاق بلفظ الاختيار م: (عرف بإجماع الصحابة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (وهو في المفسرة من أحد الجانبين) ش: من الزوج والمرأة لا في اللفظة المبهمة من الجانبين جميعًا م: (ولأن المبهم) ش: وهو قولها اخترت م: (لا يصلح تفسيرًا للمبهم) ش: وهو قوله اختاري لأن كل واحد منها مبهم ليس فيه ذكر النفس م: (ولا تعيين مع الإبهام) ش: أي لا يتعين الطلاق مع وجود الإبهام في الجانبين، والكلام الذي يقوم مقام النفس كالتطليقة، والاختيار كذكر النفس.
وفي المحيط ولا بد من ذكر النفس والتطليقة، والاختيار في أحد الكلامين، لأن الاختيار يحتمل المعاني فلا بد له من تفسير وهو ذكر لنفسه أو ما يدل عليها، وعند مالك والشافعي وأحمد وذكر النفس ليس بشرط، وأما عند مالك فأي الكلام صدر منه مع النية يقع به الطلاق وإن لم يشعر به. وأما عند الشافعي وأحمد فلا بد أن يكون في كلامه أو جوابها يصرف الكلام إليه عند عدم ذكر النفس في كلامها أو جوابها ما يصرف الجواب إليه، ولو قال اختاري فقالت فعلت لا يقع شيء، ولو قال اختاري نفسك فقالت فعلت يقع، ومثله في البدائع، وزاد تكرار الاختيار في كلام الزوج، وكذا لو قال اختاري فقالت أبي وأمي وأهلي، والأزواج يقع استحسانًا.
وفي " جوامع الفقه " بخلاف اخترت أختي أو عمتي أو قالت اخترت نفسي وزوجي فالعبرة