الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النفقة
قال: النفقة واجبة للزوجة على زوجها، مسلمة كانت أو كافرة، إذا أسلمت نفسها في منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها. والأصل في ذلك قَوْله تَعَالَى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7](الطلاق: الآية 7)، وقَوْله تَعَالَى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233](البقرة: الآية 233) ،
ــ
[البناية]
[باب النفقة]
[حكم النفقة للزوجة]
م: (باب النفقة) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام النفقة، وهي اسم بمعنى الإنفاق، وهي عبارة عن الإدرار على الشيء بما به بقاؤه. والنفقة تجب بأسباب الزوجية، ومنها النسب ومنها الملك، والكل يجيء بيانه على الترتيب مشتملا على ذكر فصول على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (النفقة واجبة للزوجة على زوجها، مسلمة كانت أو كافرة. إذا أسلمت نفسها في منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها) ش: أي في منزل الزوج. قال الأقطع في "شرحه ": تسليمها نفسها شرط في وجوب النفقة ولا خلاف في ذلك. وقال الأترازي: فعلم بهذا إذا ادعى بعض الشراح للهداية، بقوله: هذا الشرط ليس بلازم في ظاهر الرواية.
فإنه ذكر في " المبسوط " وهو ظاهر الرواية بعد صحة العقد، النفقة واجبة لها وإن لم تنتقل إلى بيت الزوج. ألا ترى أن الزوج لو لم يطلب انتقالها إلى بيت الزوج جاز لها أن تطالبه بالنفقة. وقال في " الإيضاح ": وهذا لأن النفقة حق المرأة والانتقال حق الزوج فإذا يطالبها بالنفقة، فقد ترك حقه وهذا لا يوجب بطلان حقها.
وقال في " النهاية ": وقال بعض المتأخرين من أئمة بلخ: لا تستحق النفقة إذا لم تزف إلى بيت زوجها. والفتوى على جواب الكتاب، وهو وجوب النفقة وإن لم تزف فإن كان الزوج قد طالبها بالنفقة، وإن لم تمتنع من الانتقال إلى بيت زوجها فلها النفقة أيضًا، وأما إذا كان الامتناع بحق بأن امتنعت لتستوفي مهرها، فلها النفقة أيضًا، وإن كان الامتناع بغير حق، بأن كان أوفاها المهر، أو كان المهر مؤجلا أو وهبته منه، فلا نفقة لها، فكل من كان محبوسا لغيره بحق مقصود، كانت نفقته عليه.
م: (والأصل في ذلك) ش: أي في وجوب النفقة. م: (قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7)) ش: أمر بالإنفاق، والأمر للوجوب، والسعة: القدرة. م: (وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233)) ش: المولود له هو الأب، ورزقهن: الأمهات، قَوْله تَعَالَى:{بالمعروف} [البقرة: 233] أي بالوسط. وقال الزجاج في تفسيره: مما تعرفون أنه العدل على قدر الإمكان، وكلمة "على" للإيجاب.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ؛ ولأن النفقة جزاء الاحتباس، فكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره، كانت نفقته عليه، وأصله القاضي والعامل في الصدقات، وهذه الدلائل لا فصل فيها، فتستوي فيها المسلمة، والكافرة. ويعتبر في ذلك حالهما جميعا، قال: وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى.
ــ
[البناية]
م: (وقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم. م: (في حديث حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ش: هذا الحديث رواه مسلم عن جابر بن عبد الله، وهو حديث طويل جدًا، وفيه: «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف
…
» الحديث أخرجه مسلم في باب حجة الوداع.
م: (ولأن النفقة جزاء الاحتباس) ش: أي احتباس المرأة عند الرجل. م: (فكل من كان محبوسًا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه) ش: لا يقال يرد على هذا نفقة الرهن، فإنها على الراهن مع أنه محبوس بحق المرتهن، لأنا نقول سلمنا أنه محبوس عند المرتهن ولكن لا نسلم أنه محبوس بحق هو مقصود للمرتهن فحسب. فإنه كما يحصل مقصود المرتهن يحصل مقصود الراهن أيضًا. ألا ترى أنه إذا هلك، هلك الدين الذي على الراهن مضمونًا بأقل من قيمته ومن الدين، لكن على هذا كان ينبغي أن تجب النفقة عليهما جميعًا، إلا أن النفقة لما كانت لبقية الرهن وهو على ملك الراهن، وجبت عليه خاصة كالوديعة يجب نفقتها على صاحب المال.
و: (وأصله) ش: أي أصل من كان محبوسا لمنفعة ترجع إلى غير. م: (القاضي والعامل في الصدقات) ش: لأنهما حبسا أنفسهما لمصالح المسلمين فيجب كفايتهما، وكذلك المفتي والمتولي والوصي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة والمقاتلة إذا قاموا بكفاية المسلمين في دفع عدوهم يجب كفايتهم. م:(وهذه الدلائل) ش: أشار به إلى ما ذكره من الكتاب والسنة، وقال الأترازي: أي الآيات الدالة على وجود النفقة والدليل العقلي.. م: (لا فصل فيها) ش: أي لا فرق فيها بل على إطلاقها. م: (فتستوي فيها المسلمة والكافرة) ش: والغنية والفقيرة، والموطوءة وغير الموطوءة، والمنتقلة إلى بيت زوجها وغير المنتقلة. م:(ويعتبر في ذلك حالهما جميعًا) ش: أي حال الزوجين. وهذا لفظ القدوري.
م: (قال) ش: أي المصنف. م: (وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى) ش: أي على اختيار الخصاف الفتوى. وظاهر الرواية عن أصحابنا اعتبار حال الرجل في اليسار والإعسار دون حال المرأة. وبه صرح محمد في الأصل والحاكم في " الكافي " وصاحب " الشامل " في قسم المبسوط، والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي "، وإليه ذهب الكرخي وكثير من مشايخنا المتأخرين، كصاحب " التحفة " وصاحب " النافع " وغيرهم، وهو قول الشافعي.
وتفسيره أنهما إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار. وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار. وإن كانت المرأة معسرة والزوج موسرا، فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات. وقال الكرخي رحمه الله: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي رحمه الله؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7](الطلاق: الآية 7) . ووجه الأول قوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان: «خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» .
ــ
[البناية]
م: (وتفسيره) ش: أي تفسير قول الخصاف. م: (أنهما) ش: أي أن الزوجين. م: (إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار، وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار) ش: أي تجب نفقة الإعسار. م: (وإن كانت المرأة معسرة والزوج موسرًا) ش: أي وكان الزوج موسرا. م: (فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات) ش: وفي " الذخيرة ": بيانه: إذا كان الزوج موسرًا بفرط اليسار نحو أن يأكل الحلوى واللحم المشوي والباحات، والمرأة فقيرة كانت تأكل في بيتها خبز الشعير، لا يؤخذ الزوج بأن يطعمها ما يأكل بنفقته، ولا ما كانت المرأة تأكل في بيتها، ولكن يطعمها فيما بين ذلك، ويطعمها خبز البر، وباحة وباحتين، فهذا معنى اعتبار حالهما.
وأما إذا كان الزوج معسرًا والمرأة موسرة، لم يذكر المصنف هذا القسم، قال الأترازي: لا أدري كيف ذهب عنه، ولا بد من ذكره، فقال الخصاف في كتابه: يفرض له نفقة صالحة، يعني وسطا، فيقال له: تكلف إلى أن تطعمها خبز البر وباحة وباحتين، كي لا يلحقها الضرر.
وقال الأترازي: هذا التكليف تكليف ما ليس في الوسع، فلا يجوز. قال الإمام السرخسي: لم يذكر صاحب الكتاب أنه يؤاكلها؛ يعني الخصاف لم يذكره في كتاب النفقات، ثم قال: ولكن مشايخنا قالوا المستحب له أن يؤاكلها لأنه مأمور بحسن العشرة معها، وزاد في أن يؤاكلها ليكون نفقتها ونفقته سواء.
م: (وقال الكرخي: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي؛ لقوله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7)) ش: وهو ظاهر الرواية، وقال الله تعالى:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7](الطلاق: الآية 7) بين أن التكليف بحسب الوسع وأن النفقة على حسب حاله.
ولما زوجت نفسها من معسر، فقد رضيت بنفقة المعسرين، فلا يستوجب على الزوج إلا بحسب الزوج وحاله.
م: (ووجه الأول) ش: أي وجه اعتبار حالهما وهو اختيار الخصاف. م: (قوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي «قول النبي صلى الله عليه وسلم. م: (لهند امرأة أبي سفيان: خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف) » ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة غير الترمذي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن هندًا أم معاوية قالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال عليه السلام: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» .
اعتبر حالها، وهو الفقه. فإن النفقة تجب بطريق الكفاية. والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات، فلا معنى للزيادة. وأما النص فنحن نقول بموجبه أنه يخاطب بقدر وسعه، والباقي دين في ذمته،
ــ
[البناية]
م: (اعتبر حالها) ش: أي اعتبر عليه السلام حال المرأة، ولقائل أن يقول هذا الدليل غير مطابق للمدعى، وهو الاعتبار بحالها.
والحديث يدل على اعتبار حالها، وأما اعتبار حاله فالآية تدل عليه، والخصم يدل عليه، فإذا الآية تدل على اعتبار حاله والحديث على اعتبار حالها، فوجب الجمع بينهما بأن يكون حاله معتبرة من جهة وحالها كذلك.
فإن قيل: هذا على تقدير التعارض والحديث لا يعارض الآية لكونه من الأحاديث، فالجواب أن الحديث تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233](البقرة: الآية 333)، فتكون المعارضة حينئذ بين الآيتين فيجمع بينهما. م:(وهو الفقه) ش: أي اعتبار حال المرأة هو الفقه؛ أي هو الذي يفهم من الدلائل.
وأشار بهذا إلى أنه اختار قول الخصاف حيث اعتبر حالهما، لكن ذكر الدليل من جهة نفسه لما اختاره، وإنما قلنا من جهة نفسه لئلا يرد عليه اعتراض الأترازي حيث قال: قوله. م: (فإن النفقة) ش: قوله فلا معنى للزيادة وفيه نظر، لأنه ما بقي بين الدليل والمدلول مطابقة، لأن صاحب " الهداية " أورده دليلًا لقول الخصاف وقول الخصاف اعتبار حال المرأة وحدها، انتهى.
ونحن نقول: اختيار المصنف ما اختاره الخصاف، ولكن دليله من جهة ويرد ما ذكره، ثم بين ذلك بقوله لأن النفقة. م:(تجب بطريق الكفاية، والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات فلا معنى للزيادة) ش: يعني عن كفايتها نظرا إلى حال الزوج، ثم أجاب عن قَوْله تَعَالَى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7](الطلاق: الآية 7)، بقوله. م:(وأما النص فنحن نقول بموجبه) ش: أي بموجب النص وهو. م: (أنه يخاطب بقدر وسعه) ش: لئلا يلزم التكليف بما ليس بالوسع، لكن زاد كفايتها على ما في وسعه يكون دينًا عليه، وهو معنى. م:(والباقي دين في ذمته) ش: عملا بالدليلين، ولا يؤديه مع العجز.
واعترض الأترازي على المصنف بقوله: وهذا لا يكون جوابا لما ذهب إليه الكرخي من ظاهر الرواية، لأن نص القرآن لا يثبت الزيادة على نفقة الإعسار، فمن أين يثبت الزيادة بموجب النص حتى يكون دينًا عليه؟ انتهى.
قلت: المصنف لم يثبت الزيادة بقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7](الطلاق: الآية 7) حتى
…
ما قال، وإنما أثبت الزيادة بقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233](البقرة: الآية 233) الآية، وفيما قاله عملًا بالدليلين، وهذه الآية تدل على وجوب كفايتهن بكلمة
ومعنى قوله: "بالمعروف": الوسط، وهو الواجب، وبه يتبين أنه لا معنى للتقدير كما ذهب إليه الشافعي رحمه الله أنه على الموسر مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف مد؛
ــ
[البناية]
على غير أنه إذا عجز عن الكفاية لا يكلف في الحال بل الزيادة على الكفاية في ذلك الوقت يكون دينا عليه، والعمل بالنص أولى من ترك أحدهما.
م: (ومعنى قوله «بالمعروف» الوسط) ش: أي قوله عليه السلام «بالمعروف في قوله لهند امرأة أبي سفيان: "خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، وكذا في قَوْله تَعَالَى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233](البقرة: الآية 233) الآية الوسطى. م: (وهو الواجب) ش: أي الوسط هو الواجب، وفي " المبسوط ": يجب على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف فيما فرض في كل وقت وزمان.
فكما يفرض لهما قدر الكفاية من الطعام، فكذلك من الإدام لأن الخبز لا يتناول عادة إلا مأدومًا، وجاء في تأويل قوله عز وجل:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89](المائدة: الآية 89) ، أنه أعلى ما يطعم الرجل امرأته الخبز واللحم وأوسطه الخبز والزيت وأدناه الخبز واللبن، وأما الدهن يُستغنى عنه خصوصًا في زيادة الحر فهو من أهول الحوائج كالخبز.
م: (وبه) ش: أي وبالمعروف المذكور في القرآن والحديث. م: (يتبين أنه لا معنى للتقدير) ش: أي في تقدير النفقة. م: (كما ذهب إليه) ش: أي إلى التقدير. م: (الشافعي أنه) ش: أي التقدير. م: (على الموسر مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف مد) ش: المد بالضم وتشديد الدال رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، وقيل: إن أصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعامًا.
وقال الماوردي في " الحاوي " ما ملخصه: إن الأصل في اعتبار الحب في النفقة الكفارات؛ لأنه طعام يقصد به في الحرمة ويستقر في الذمة وفي النكاح عليه تمليكها حبًا، وعليه طحنه وخبزه في الأصح، ويجوز الاعتياض في الأصح إلا دقيقا وخبزا على المذهب، ولو أكلت معه سقطت نفقتها في الأصح وفي " المغني ": إيجاب الحب تحكم، فإن الشرع ورد بالإنفاق مطلقا من غير قيد ولا تقدير، فيجب أن يرد إلى العرف والعادة وذلك في الطعام دون الحب.
وما بلغنا عن أحد السلف أنه أطعم زوجته حبًا ولا حكم بذلك الحاكم، وقد تركوا قوله في جميع البلاد الإسلامية على تقدير مد
…
على الأكابر.
وعن مالك: يفرض بمد تمر وإن كان كل يوم.
وهو مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حبيب: أخذه هشام بن إسماعيل بغرض نفقة الزوجات ما استحسنه مالك، وهو ظاهر خلاف مذهبه، ومذهبنا ما ذكره علماؤنا، فقال في مختصر شرح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
"الكافي " للحاكم الشهيد: إذا كان الرجل صاحب مائدة وطعام كثير، تتمكن من تناول مقدار كفايتها، فليس لها أن تطالب الزوج بفرض النفقة، وإن يكن بهذه الصفة، فخاصمت في النفقة يفرض لها بالمعروف، وهو فوق التقتير، دون الإسراف، رعاية للجانبين.
ولا تقدر النفقة بالدراهم؛ لأن المقصود الكفاية، وقد يرخص السعر ولا يغلو، فلا يحصل المقصود، فكما يفرض لها الطعام بقدر الكفاية كل يوم يفرض الإدام أيضا؛ لأن الخبز لا يتناول إلا مأدوما عادة، وكذلك يفرض الدهن لأنه لا يُستغنى عنه.
وقال في الأقضية: لا إدام إلا على اللحم والأوسط الزيت والأدنى اللبن والحطب والصابون والأشنان، وثمن ماء الاغتسال عليه، كذا في " خلاصة الفتاوى " ويفرض لها من الكسوة ما يصلح للشتاء والصيف.
ففي الشتاء قميص وملحفة وخمار وكساء كأرخص ما يكون كفايتها بما دونها، إن كان الرجل معسرا ولا كساء في الصيف، وإن كان موسرا فأجود من ذلك على قدر اليسار والخادم قميص وإزار وكساء كأرخص ما يكون ولا كساء في الصيف، وإن كان الرجل موسرا فأجود ما يكون من ذلك.
وقال محمد: في الأصل من التقدير بالدراهم بقوله: إن كان معسرًا فرض لها من النفقة كل شهر أربعة دراهم أو خمسة أو ما بين ذلك، ولخادمها ثلاثة دراهم وأقل من ذلك أو أكثر، وإن كان موسرًا، عليه للمرأة ثمانية دراهم أو سبعة أو نحو ذلك، ولخادمها ثلاثة دراهم أو أربعة أو نحو ذلك، فذاك ليس بتقدير لازم، بل هو بناء على ما شاهده محمد في ذلك الوقت من عرف زمانه، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح "الكافي " وشمس الأئمة البيهقي في " الشامل ".
وقال السرخسي: لم يذكر محمد في الأصل كسوة المرأة الإزار والخف في شيء من المواضع، وذكر الإزار في كسوة الخادم ولم يذكر الخف أيضًا، وإن كانت الخادمة ممن يحتاج أن تخرج إلى الحوائج، فلها الخف والمكعب بحسب ما يكفيها.
وأما المرأة فإنها مأمورة بالقرار في البيت ممنوعة من الخروج، فلا تستوجب الخف والمكعب على الزوج، وكذلك لا تستوجب الإزار لأنها تكون مهيئة نفسها بنشاط الزوج، فليس على الزوج أن يتخذ ما يحول بينه وبين حقه فلهذا لم يذكر الإزار، هذا لفظه في شرح "الكافي ".
وقال في " خلاصة الفتاوى ": هذا في ديارهم بحكم العرف، أما في ديارنا فيفرض الإزار والمكعب، ويفرض ما تنام عليه.