الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنها إذا ردت الأمر في اليوم لها أن تختار نفسها غدا، لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع. وجه الظاهر أنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في الغد، فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر؛ لأن المخير بين الشيئين لا يملك إلا اختيار أحدهما. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا قال أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك غدا أنهما أمران لما ذكر لكل وقت خبرا على حدة، بخلاف ما تقدم.
وإن قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان، فقدم فلان ولم تعلم بقدومه حتى جن الليل، فلا خيار لها؛ لأن الأمر اليد مما يمتد فيحمل اليوم المقرون به على بياض النهار، وقد حققناه من قبل، فيتوقف به ثم ينقضي بانقضاء وقته.
ــ
[البناية]
شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط ": م: (أنها إذا ردت الأمر في اليوم لها أن تختار نفسها غدا، لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع) ش: بيانه أن الزوج لو قال لها طلقتك يقع الطلاق، ولا تملك المرأة رد الإيقاع، فكذلك لا تملك رد الأمر باليد م:(ووجه الظاهر أنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في الغد، فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر) ش: لأنها خيرت بين شيئين اختيارها نفسها واختيار زوجها، فإذا اختارت نفسها اليوم خرج الاختيار من يدها في الغد م:(وذلك لأن المخير بين شيئين لا يملك إلا اختيار أحدهما) ش: لأنه لا يملكها جميعا بل يملك أحدهما.
م: (وعن أبي يوسف أنه إذا قال: أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك غدا أنهما أمران لما ذكر لكل وقت خبرا على حدة) ش: حتى إذا ردت الأمر اليوم كان لها أن تختار نفسها غدا، لأنه لما ذكر لكل وقت خبر عرف أنه لم يرد اشتراك الوقتين في خبر الواحد.
وقال شمس الأئمة: هذه هي الرواية الصحيحة، وجعل قاضي خان هذه الرواية، أصل الرواية ولم يذكر خلاف أحد م:(بخلاف ما تقدم) ش: أراد به قوله أمرك بيدك اليوم وغدا يفيد أن التكرار في الاختيار لم يوجد فلم يتجدد الأمر.
[قال أنت طالق يوم يقدم فلان فقدم ليلا]
م: (إن قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان فقدم فلان ولم تعلم بقدومه حتى جن الليل) ش: أي أظلم، يقال له جن عليه الليل جنونا، ويقال واجنه الليل وأجنه بمعنى، وإجنان الليل ادلهامه، وقال ابن السكيت: ويروى جنون الليل، أي سده ما يستره من ظلمته م:(فلا خيار لها، لأن الأمر باليد مما يمتد فيحمل اليوم المقرون به) ش: أي بالأمر باليد م: (على بياض النهار) ش: فحينئذ لا يبقى لها الخيار بعد الغروب لانقضاء مدة الأمر.
وقال الرافعي: إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان، فقدم ليلا لا تطلق، ومنهم من حكم بوقوعه وحمل اليوم على مطلق الزمان كقولنا، وإذا لم يعلم بقدومه حتى جن الليل خرج وقت خيارها فلا يبقى بعده م:(وقد حققناه من قبل) ش: أي في آخر فصل إضافة الطلاق إلى الزمان م: (فيتوقت به) ش: أي فيتوقت الأمر باليد ببياض النهار م: (ثم ينقضي بانقضاء وقته) ش: أي ثم
وإذا جعل أمرها بيدها أو خيرها فمكثت يوما لم تقم فالأمر في يدها ما لم تأخذ في عمل آخر، لأن هذا تمليك التطليق منها؛ لأن المالك من يتصرف برأي نفسه، وهي بهذه الصفة والتمليك يقتصر على المجلس، وقد بيناه من قبل. ثم إذا كانت تسمع فيعتبر مجلسها ذلك، وإن كانت لا تسمع فمجلس علمها وبلوغ الخبر إليها؛ لأن هذا تمليك فيه معنى التعليق فيتوقف على ما رواه المجلس ولا يعتبر مجلسه؛ لأنه لازم في حقه، بخلاف البيع، لأنه تمليك محض لا يشوبه التعليق.
وإذا اعتبر مجلسهما فالمجلس تارة يتبدل بالتحول، ومرة بالأخذ في عمل آخر على ما بيناه في الخيار، ويخرج الأمر من يدها بمجرد القيام؛ لأنه دليل الإعراض، إذ القيام يفرق الرأي بخلاف ما إذا مكثت يوما لم تقم ولم تأخذ في عمل
ــ
[البناية]
ينقضي وقت الأمر باليد بانقضاء بياض النهار.
م: (وإذا جعل أمرها بيدها) ش: يعني إذا قال أمرك بيدك م: (أو خيرها) ش: أي أو قال لها اختاري نفسك م: (فمكثت يوما لم تقم فالأمر في يدها) ش: يعني فلها الخيار في المجلس م: (ما لم تأخذ في عمل آخر) ش: لأن الأخذ في عمل آخر دليل الإعراض م: (لأن هذا) ش: أي جعل الأمر باليد م: (تمليك التطليق منها) ش: أي من المرأة، وليست بإبانة م:(لأن المالك من يتصرف برأي نفسه، وهي) ش: أي المرأة م: (بهذه الصفة) ش: أي بتصرف معرفته برأي نفسها م: (والتمليك يقتصر على المجلس وقد بيناه من قبل) ش: يعني في فصل الاختيار في قوله التمليكات تقتضي جوابا في المجلس كما في البيع.
م: (ثم إن كانت تسمع) ش: يعني هذا الذي ذكرنا فيها إذا كانت المرأة حاضرة تسمع م: (فيعتبر مجلسها ذلك، وإن كانت غائبة لا تسمع فمجلس علمها) ش: أي فيعتبر حينئذ مجلس علمها م: (وبلوغ الخبر إليها لأن هذا) ش: أي الأمر باليد م: (تمليك فيه معنى التعليق) ش: لأنه تعليق بالطلاق باختيارها نفسها م: (فيتوقف على ما وراء المجلس ولا يعتبر مجلسه) ش: أي مجلس الزوج حتى إذا قام بعد أن جعل إليها الأمر لا يبطل خيارها.
م: (لأنه) ش: أي لأن التعليق م: (لازم في حقه) ش: ولهذا ليس له أن يرجع ويفسخ الخيار م: (بخلاف البيع) ش: حيث يعتبر مجلس البائع والمشتري، حتى إنه أيهما قام عن المجلس قبل قبول الآخر بطل البيع م:(لأنه) ش: أي: لأن البيع م: (تمليك محض لا يشوبه التعليق) ش: وبهذا إذا رجع أحدهما عن كلامه قبل قبول الآخر فله ذلك.
م: (وإذا اعتبر مجلسهما فالمجلس تارة يتبدل بالتحول) ش: إلى مجلس آخر م: (ومرة بالأخذ في عمل آخر، على ما بيناه في الخيار) ش: وهو قوله أن مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما م:(ويخرج الأمر من يدها بمجرد القيام لأنه دليل الإعراض، إذ القيام يفرق الرأي بخلاف ما إذا مكثت يوما ولم تقم) ش: أي حال كونها لم تقم عن مجلسها م: (ولم تأخذ في عمل
آخر؛ لأن المجلس قد يطول وقد يقصر فيبقى إلى أن يوجد ما يقطعه أو يدل على الإعراض، وقوله: مكثت يوماً ليس للتقدير به، وقوله ما لم تأخذ في عمل آخر يراد به عمل يعرف أنه قطع لما كان فيه، لا مطلق العمل.
ــ
[البناية]
آخر، لأن المجلس قد يطول وقد يقصر فيبقى) ش: أي المجلس م: (إلى أن يوجد ما يقطعه أو يدل على الإعراض) ش: وقطع المجلس بقيامها عنه، والإعراض يأخذها في عمل آخر، سواء كان دينيا أو دنياويا، وكان القياس أن يكون لها الخيار أبدا لإطلاق الأمر، ولكنه ترك وأخذ بالاستحسان لإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بقولهم للمخيرة المجلس.
م: (وقوله) ش: أي قول " الجامع الصغير " م: (مكثت يوما ليس للتقدير به) ش: أي ليس لتقدير الخيار باليوم بل المراد منه المكث الدائم، سواء كان قليلا أو كثيرا، ما لم يوجد ما يدل على الإعراض، وفي " المغني " للحنابلة: الأمر باليد لا يقتصر على المجلس بقول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حتى الكل، وقال ابن قدامة: لا نعرف له مخالفا في ذلك، فيكون إجماعا، ولأنه توكيل في الطلاق فيكون على التراخي كما لو جعله في يد أجنبي.
قلت: دعواه الإجماع غير صحيح، لأن قول جماعة من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أن لها الخيار ما دامت، فمن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وجابر وغيرهم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ومن التابعين: إبراهيم، ومجاهد، وعطاء، وعمرو بن دينار، وطاوس، والشعبي، وأحرز ذلك كله ابن أبي شيبة في "مصنفه".
وقال أصحابنا: هم إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وعدم علمه مخالفا لعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا يستلزم عدم علم غيره، لأن إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إلى خلاف ذلك مع عدم شهرة ما نسب إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقوله أنه توكيل غير صحيح، لأنه تمليك عند الأئمة، وقوله كما لو جعله في يد أجنبي باطل، لأنه يقتصر على المجلس في الأجنبي أيضاً، إلا إذا كان وكيلا عنه.
م: (وقوله) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (ما لم تأخذ في عمل آخر يراد به عمل يعرف به أنه قطع لما كان فيه) ش: أي قطع المجلس الذي كان المجلس واقعا فيه ذكر الشيء، واللام في لما زائدة، كما في قَوْله تَعَالَى {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72] (النمل: الآية 72) أي ردفكم م: (لا مطلق العمل) ش: أي ليس مراد محمد مطلق العمل، حتى لو لبست ثيابها من غير قيام أو أكلت أو شربت أو قرأت قليلا من القرآن أو ما أشبه ذلك، ما هو من عمل الفرقة، فكانت هي على خيارها، وهذا كما يكون في قوله أمرك بيدك، يكون في قوله اختاري، وفي قوله طلقي نفسك.