الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الخلع
وإذا
تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله
فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229](البقرة: الآية 229)
ــ
[البناية]
[باب الخلع][تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله]
م: (باب الخلع) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الخلع. وقال الأترازي: الخلع اسم من الانخلاع، وكذا قال الكاكي. وقال الأكمل: الخلع بالضم اسم من قولهم خلعت المرأة زوجها، واختلعت عنه بمالها.
قلت: قال الجوهري خلع ثوبه ونعليه، وقاء مدة خلعا وخلع عليه خلعا، وخلع امرأته خلعا بالضم انتهى، فدل كلامه أن الخلع بالضم والخلع بالفتح كلاهما مصدران غير أن الفرق بينهما أنه إذا كان بمعنى النزع الحقيقي يستعمل بالفتح، فإذا كان بمعنى المجاز يستعمل بالضم، لأن كلا من الزوجين لباس لصاحبه، كما قال الله تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187](البقرة: الآية 187) ، فإذا فعلا ذلك فإنهما نزعا لباسهما، فيكون من باب ترشيح الاستعارة، والفرق بينه وبين التجريد أن ترشيح الاستعارة ينظر فيه إلى جانب المستعار منه كقولك: رأيت بحرا جاريا، والتجريد ينظر فيه إلى جانب المستعار له، كقولك: رأيت بحر ماء أحسن من مائه، فالخلع من باب الترشيح على ما لا يخفى.
وقال الجوهري أيضاً: خالعت المرأة بعلها إذا رضي على طلاقها ببدل منها له فهي خالع والاسم الخلع، وقد تخالعا فاختلعت فهي مختلعة. وخلع الوالي عزل، وأما معناه الشرعي فهو عبارة عن أخذ مال من المرأة بأن النكاح بلفظ الخلع وشرطه شرط الطلاق، وحكمه حكم الطلاق البائن، وصفته أنه من جانب المرأة معاوضة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أو يمين من الجانبين عندهما على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
م: (وإذا تشاق الزوجان) ش: أي إذا اختصما واختلفا، مشتق من الشق، وهو الجانب، فكأن الزوجين إذا تخاصما وتجادلا يأخذ كل واحد شقا خلاف شق صاحبه م:(وخافا) ش: أي علما، لأن الخوف من لوازم العلم، والمراد من الخوف العلم، قاله أبو عبيد (أن لا يقيما حدود الله) ش: أي ما يلزمهما من حقوق الزوجية م: (فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به) ش: الضمير في نفسها يرجع للمرأة لأن لفظ الزوجين يدل عليه، وفي: منه، يرجع إلى الزوج بالوجه المذكور والضمير المستتر في: يخلعها، يرجع إلى الزوج والبارز: التاء إلى المرأة، وفي به يرجع إلى المال.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) ش: أي فلا إثم على الزوجين لا على الرجل فيما أخذ، ولا على المرأة فيما أعطت فداء من فداه من أسر إذا استنقذ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
ولما أن النساء عوان عند الأزواج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى النساء أسارى في قوله صلى الله عليه وسلم:«اتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان» رواه الترمذي. والعواني يعني عانية، والذكر عانن وهو الأسير. وروى البخاري في حديث علي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت ابن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإيمان، انتهى. أي لشدة بغضها إياه لقضامة وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقبل الحديقة وطلقها» .
والآية نزلت في ثابت وامرأته، وهو أول خلع في الإسلام، قاله الزمخشري، واختلفوا في امرأة ثابت بن قيس، فقيل: حبيبة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سلول، وسلول اسم أمه، وزينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، والأول أكثر، وإنما قال: لا بأس بأن تفتدي نفسها، لأن الطلاق أبغض المباحات عند الله تعالى.
وروى الترمذي من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المختلعات هن المنافقات» وقال: غريب، وروى الترمذي أيضا عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» .
ثم اعلم أنه لم يخالف في جواز الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني، وزعم أن الآية التي دلت على جوازه منسوخة بآية النساء، وهي قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ} [النساء: 20](النساء: الآية 30) ، وليس كذلك، لأن شرط النسخ تأخير تاريخ الناسخ والاختلاف وتعذر الجمع، ولم يوجد واحد منهما. قال ابن شبرمة وأبو قلابة: لا تحل حتى (
…
) على بطنها رجلاً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء: 19] إلى قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19](النساء: الآية 19) .
وقالت الظاهرية: لا يجوز الخلع إلا بشرطين، إلا إذا كرهته المرأة، وخافت أن لا توفيه حقه فلها أن تفتدي نفسها بتراضيهما.
وقالت طائفة. لا يجوز الخلع إلا بإذن السلطان، يروى عن ابن سيرين، وسعيد بن جبير، والحسن البصري.
فإذا فعل ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة، ولزمها المال لقوله عليه السلام «الخلع تطليقة بائنة»
ــ
[البناية]
وقالت طائفة: لا يجوز الخلع إلا أن تقول المرأة لزوجها لا أطيع لك أمراً ولا اغتسل لك من جنابة.
وقالت طائفة: لا يجوز إلا مع نشوزه وإعراضه.
م: (فإذا فعل ذلك) ش: وفي بعض النسخ م: (فإذا فعلا) ش: ذلك بألف التثنية، أي الزوجان إذا فعلا ذلك، أي الخلع الموصوف م:(وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال) ش: وهو قول عثمان، وعلي، وابن مسعود، والحسن، وابن المسيب، وعطاء، وشريح، والشعبي، وقبيصة بن ذؤيب ومجاهد، وأبي سلمة، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري، ومكحول، وابن أبي نجيح، وعروة، ومالك، والشافعي في الجديد، وعليه الفتوى، ذكره في " المبسوط ".
وقالت الظاهرية: تطليقة رجعية، حتى لو راجعها رد عليها ما أخذه وقال أحمد وإسحاق بن راهويه: فرقة بغير طلاق، وهو قول ابن عباس والشافعي في القديم، قيل: ذكرت الشافعية أن الشافعي غسل كتبه القديمة وأشهد على نفسه بالرجوع عنها، فمن جعلها مذهباً فقد كذب عليه، قاله إمام الحرمين وغيره ما قال إن الفتوى عليه في القديم في خمسة عشر مسألة، فذلك بالاجتهاد منهم، ولم ينسبه إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
م: (لقوله صلى الله عليه وسلم) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: (الخلع تطليقة بائنة) ش: هذا الحديث رواه الدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما" من حديث عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة» وأعله بعباد بن كثير الثقفي، وأسند عن البخاري قال: تركوه، وعن النسائي قال: متروك الحديث. وعن شعبة قال: أخذوا حديثه وسكتوا عنه إلا إذا خرج عن ابن عباس خلافه من رواية طاوس عنه قال: الخلع فرقة، وليس بطلاق انتهى. ولم يذكر أحد من الشراح دليلا لنا صحيحا في هذا.
قال الأكمل: لقوله صلى الله عليه وسلم «الخلع تطليقة بائنة» روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - موقوفا عليهم، ومرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
فهذا كما رأيت ليس بدليل صحيح، لأنه متى ثبت رواية هذا الحديث عن هؤلاء الصحابة موقوفا عليهم، متى يكون مرفوعاً. وقال الأترازي: وروى أصحابنا في " المبسوط " فذكر مثله، غير أنه قال: أولاً ولنا ما روى البخاري، فذكر حديث ثابت بن قيس الذي ذكرناه عن قريب،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وفيه اقبل الحديقة وطلقها، فهذا يدل على أن الخلع طلاق، ولكن لا يتم بهذا الدليل، لأن المدعي أنه طلاق بائن، وليس ما يدل على أنه بائن.
وقال الكاكي: روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة. وفي رواية قال: اقبل الحديقة وخل سبيلها، فدل على أنه تطليقة بائنة، ولأنه لو كان رجعيا يردها كرها فالأمر على موضوعه بالنقض.
قلت: "لفظ وخل سبيلها" وقع في رواية أبي داود من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بلفظ "فارقها". وقال الأترازي: وأما كون الخلع بائنا فلما روى الدارقطني في كتاب " غريب الحديث " الذي صنفه عن عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قال: الخلع تطليقة بائنة، وإبراهيم قد أدرك الصحابة وزاحمهم في الفتوى، فيجوز تقليده، أو يحمل على أنه شيء رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه من قرن العدول فيحمل أمره على الصلاح صيانة عن الجزاف والكذب، انتهى.
قلت: هذا الكلام بطوله لا يرد الخصم ولا يرضى به.
فإن قلت: الخصم يقول: قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229](البقرة: الآية 229)، ثم قال الله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] بيانه أن الطلاق محصور بالثلاث بالإجماع، فلو كان الخلع طلاقا لكانت الطلقات أربعا، واللازم منتف فيقتضي الملزوم، ولأن النكاح عقد يحتمل الفسخ بخيار عدم الكفاءة، وخيار العتق وخيار البلوغ، فيجوز فسخه أيضا بالتراضي بالخلع كالبيع.
قلت: أجيب: عن الآية بأن الله تعالى ذكر الطلقة الثالثة بعوض وغير عوض، فلا يكون الطلاق أربعا، بيانه أن قَوْله تَعَالَى:{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] طلاق بغير عوض، وقَوْله تَعَالَى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] طلاق بعوض.
وقال أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي: قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] بين حكم الطلقتين على غير وجه الخلع، ثم قال:{حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] على الطلقتين، يعني على وجه الخلع، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] أي الثالثة يلزم من جعل الخلع طلاقا كون الطلاق أربعا.
قلت: فيه تأمل، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد التمام، ألا ترى أنه لا فسخ بالهلاك قبل التسليم، والملك الثابت به ضروري لا يظهر في حق الاستيفاء، والفسخ بعد الكفاءة وخيار البلوغ قبل التمام، فكان في معنى الامتناع عن الإتمام، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد، والنكاح
ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكنايات بائن إلا أن ذكر المال أغنى عن النية هنا، ولأنها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها، وذلك بالبينونة.
وإن كان النشوز من قبله يكره له أن يأخذ منها عوضا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} [النساء: 20] إلى أن قال {فلا تأخذوا منه شيئا} [النساء: 20](النساء: الآية:20) ،
ــ
[البناية]
لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ولكن يحتمل القطع في الحال، فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع القيد.
فإن قلت: قال ابن حزم: حديث ثابت منسوخ لما أن رواية ابن عباس وعمله بخلاف رواية دليل نسخه.
قلت: أجاب الكاكي عن هذا بقوله: صح رجوع ابن عباس إلى قول العامة، مع أنه روي عن ابن عباس أنه عليه السلام جعل الخلع تطليقة بائنة. انتهى.
قلت: هذا مجرد دعوى فلا يرضى بها الخصم، فمن هو الذي صح رجوعه، وروايته فإن كان الاعتماد على تصحيح روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الباب، فقد وقفت على حاله مع أنه روي عنه خلافه كما ذكرنا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الخلع م: (يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكنايات بائن) ش: سوى قوله: أنت واحدة، واعتدي، واستبرئي رحمك م:(إلا أن ذكر المال) ش: جواب عما يقال: لو كان الخلع من الكنايات لكانت النية شرطا فيه، وليست بشرط، فأجاب بقوله: إلا أن ذكر المال م: (أغنى عن النية هنا) ش: أي في الخلع، تقريره أن جانب الطلاق يتعلق بذكر المال وقبوله بمقابلة فداء نفسها، فلم يحتج إلى النية كما في حال مذاكرة الطلاق.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن المرأة م: (لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها) ش: بيانه أن الخلع يحتمل الانخلاع عن اللباس أو عن الخيرات أو عن النكاح، فلما ذكر العوض كان المراد الانخلاع عن النكاح كما مر، وذلك إشارة إلى ما ذكر من سلامة النفس عند تسليم المال م:(وذلك بالبينونة) ش: فقلنا: يكون الخلع بائناً.
م: (وإن كان النشوز) ش: من نشزت المرأة إذا استصعبت عليه وأبغضته. وقال الزجاج: هو الكراهة والإعراض من كل واحد من الزوجين عن الآخر، وكذلك النشوز يقال: نشزت المرأة عن زوجها (
…
) ، ثم إن كان النشوز م: من قبله) ش: أي من قبل الزوج م: (يكره له أن يأخذ منها) ش: أي من المرأة م: (عوضا) ش: قليلاً كان أو كثيراً م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلى أن قال: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] (النساء: الآية 20) ش: تمام الآية {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] فالزوج يشترك فيه الذكر والأنثى، كما في
ولأنه أوحشها بالاستبدال فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال. وإن كان النشوز منها كرهنا له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. وفي رواية " الجامع الصغير ": طاب الفضل أيضا لإطلاق ما تلوناه
ــ
[البناية]
قَوْله تَعَالَى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] والقنطار ملء مسك ثور ذهباً أو فضة، ويقال: هو سبعون ألف دينار، ويقال: ألف ومائتا أوقية كذا قال صاحب " ديوان الأدب " والأوقية أربعون درهماً.
وقال الزمخشري: القنطار المال العظيم. والبهتان أن يستقبل الرجل بأمر قبيح، وهو بريء منه، والآية نص على كراهية أخذ العوض، ومع هذا لو أخذ العوض جاز، لأن النهي لمعنى في غيره، وهي زيادة الإيحاش، فلا يعدم مشرعيته كالبيع وقت النداء يوم الجمعة يجوز وكره ويجوز الخلع على مال، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية ابن القاسم. وقال الزهري، ومالك: لا يحل له أخذ شيء إذا كان النشوز منه، ومع ذلك لو تخالع لزمه الطلاق، ويرد ما أخذ منها.
وفي " الذخيرة " خالعها ثم قال: لم أنو به الطلاق، فإن لم يذكر بدلاً صدق قضاء وديانة، وإن ذكر لا يصدق قضاء، وفيه لو قضى يكون الخلع فسخاً، قال بعض أصحابنا: ينفذ، لأنه مروي عن ابن عباس، وقال بعضهم: لا ينفذ.
وفي كتب الشافعية الخلع طلقة إذا كان بلفظ الطلاق، وبلفظ الخلع والفسخ، والمفاداة إن نوى الطلاق فطلاق، وإن لم ينو الطلاق فثلاثة أقوال طلاق أو فسخ، أو ليس بشيء، ولفظ الخلع صريح، وفي قول كناية والمفاداة كالخلع في الأصح لا خلاف في مذهبه أن الكناية تقع بلا نية، وخالف فيه الأئمة الثلاثة.
م: (ولأنه) ش: أي لأن الزوج م: (أوحشها بالاستبدال، فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال) ش: حتى لا يحصل لها ضرر من وجهين استبدال الزوج وأخذ المال م: (إن كان النشوز منها) ش: أي من المرأة م: (كرهنا له) ش: أي للزوج م: (أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها) ش: وهو أخذ الفضل على ما ساق إليها، أما مقدار المهر فلا يكره أخذه، وهذه رواية كتاب طلاق الأصل.
م: (وفي رواية " الجامع الصغير ": طاب الفضل أيضاً) ش: أي الفضل على مقدار مهرها م: (لإطلاق ما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وهو بإطلاقه يشمل القليل، والكثير والمهر وغيره، وفي " التمهيد " وجوز مالك والشافعي الخلع بجميع مالها إذا كان النشوز منهما لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وعن مولاة لصفية بنت أبي عبيد اختلعت بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك ابن عمر.
وقال ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: لا بأس أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وهو أخذ الفضل على ما ساق إليها، وهو قول عكرمة ومجاهد وإبراهيم وآخرين قال عكرمة:
بدءا. ووجه الأخرى قوله عليه السلام في امرأة ثابت بن قيس بن شماس: أما الزيادة فلا، وقد كان النشوز منها.
ــ
[البناية]
يأخذ منها حتى مرطها، وقال إبراهيم ومجاهد: يأخذ منها عقاص رأسها، وفي " المحلى " وكره علي بن أبي طالب والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وميمون بن مهران أن يأخذ زيادة على ما أعطاها.
وفي " التمهيد " وهو قول الحسن وعطاء وطاوس وعن ابن المسيب والشعبي لا يأخذ منها كل ما أعطاها إذا كان النشوز منها وهو مضار م: (بدءاً) ش: أولاً يعني الآية التي بدأنا بها أولاً، وهو قَوْله تَعَالَى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] .
م: (ووجه الأخرى) ش: أي الرواية الأخرى، أراد به رواية القدوري وهو قوله كرهنا له أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وهي رواية الأصل م:(قوله عليه السلام في امرأة ثابت بن قيس بن شماس أما الزيادة فلا) ش: هذا روي مرسلاً عن عطاء، وعن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فحديث عطاء رواه أبو داود في "مراسيله " عنه، قال «جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، فقال " أتردين إليه حديقته التي أصدقك؟ "، قالت نعم وزيادة، قال "أما الزيادة فلا» .
وحديث ابن الزبير أخرجه الدارقطني في "سننه " عن حجاج «عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير بن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وكان أصدقها حديقة فكرهته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتردين عليه حديقته التي أعطاك" قالت نعم وزيادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أما الزيادة فلا، ولكن حديقة فخذها وخل سبيلها» "، انتهى.
وقال الأترازي: وجه ما روى أصحابنا «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله لا أنا ولا ثابت فقال "أتردين عليه حديقته"، قالت نعم وزيادة، فقال "أما الزيادة فلا» ، فدل الحديث على الكراهة في أخذ الفضل، م:(وقد كان النشوز منها) ش: الواو فيه للحال، واعلم أن هذه الزيادة المذكورة في حديث ثابت بن قيس ليست ثابتة في رواية البخاري وغيره من الصحاح، وقال الأترازي: أصحابنا أثبتوها في روايتهم في كتب الفقه، انتهى.
قلت: هذا عمد في حق الأصحاب، لأنهم ما أثبتوها من عندهم بل اعتمدوا فيها على مرسل أبي داود ومرسل ابن الزبير اللذين ذكرناهما.