الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الظهار
ــ
[البناية]
[باب الظهار]
[قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي]
م: (باب الظهار) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الظهار، وهو مصدر ظاهر يظاهر ظهارا، وفي " الصحاح " يقال ظاهر من امرأته وتظاهر وأظهر واظاهر وتظهر وظهر كل ذلك قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، والظهر في قوله عليه السلام:«لا صدقة إلا عن ظهر غنى» مقحم كما في ظهر القلب، وظهر الغيب، وظاهره إذا أعانه وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر وعدي بمن، وإن كان ظاهرا متعديا، لأنهم إذا ظاهروها تباعدوا منها كما في الإيلاء، وفي " المحيط " و" الينابيع ": الظهار لغة: مقابلة الظهر بالظهر والرجل والمرأة إذا كان بينهما شحناء يدير كل واحد منهما ظهره إلى الآخر.
وفي " مبسوط الطوسي ": سمي ظهارا اشتقاقا من الظهر خص به دون البطن والفرج والفخذ، لأن كل دابة يركب ظهرها، فلما كانت الزوجة تركب وتغشى شبهت بذلك، والمعنى ركوبك علي محرم كركوب ظهر أمي. وفي " جامع الأصول " أنهم أرادوا أنت علي كبطن أمي، يعني على جماعها، فكنوا عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن وللمجاوزة، وقيل: إن إتيان المرأة من ظهرها كان محرما عندهم، فيقصد مطلق التغلظ في تحريم امرأته تشبيها بالظهر، ثم لا يقتنع بذلك حتى يجعلها كظهر أمه.
وأما الظهار شرعا: فهو تشبيه المحللة بالمحرمة على وجه التأبيد كالأم والأخت والخالة والعمة سواء كانت من نسب أو رضاع أو مصاهرة، وبه قال الشافعي [
…
] ومالك وأحمد، وفي قوله القديم يقتصر على التشبيه بالأم، وفي قول، يلحق بها الجدة، ثم الظهار له ركن، وهو قوله: أنت علي كظهر أمي، فيقع الظهار به، سواء وجدت النية أو لم توجد، لأنه صريح في الظهار، وكذا إذا شبهه بعضو شائع أو معبر عن جميع البدن كما في الطلاق. وشرط أن يكون المظاهر مسلما، فلا يصح ظهار الذمي عندنا خلافا للشافعي وأحمد، وبقولنا قال مالك، ومن شرطه أن تكون منكوحته، وفي المرأة كونها زوجته حتى لا يصح الظهار من أمته أو مدبرته أو أم ولده، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك والثوري: يصح ظهار من كل أمة، ومن شرطه أن يكون أهلا لسائر التصرفات وهو العاقل البالغ، فلا يصح ظهار الصبي بالإجماع. وحكم: وهو حرمة الوطء ودواعيه مؤقتا إلى وجود الكفارة مع بقاء أصل النكاح، كما في حالة الحيض.
وسبب: وهو النشوز، فإن آية الظهار نزلت في خولة، وكانت ناشزة.
وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها، ولا مسها، ولا تقبيلها، حتى يكفر عن ظهاره، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى أن قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3](المجادلة: الآية: 3) والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فقرر الشرع أصله، ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح؛ وهذا لأنه جناية لكونه منكرا من القول وزورا فيناسب المجازاة عليها بالحرمة، وارتفاعها بالكفارة،
ــ
[البناية]
م: (وإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها، ولا مسها، ولا تقبيلها حتى يكفر عن ظهاره؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى أن قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية 3) ش: وسبب نزول الآية ما روى الواحدي في كتاب أسباب نزول القرآن بإسناده إلى عروة، قال:«قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابي، ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1] » (المجادلة: الآية 1) .
قال الزمخشري: هي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت، انتهى.
قلت: الذي قاله مروي عن عكرمة وعروة ومحمد بن كعب، وقال أبو عمر: خولة ثعلبة بن صيرم [بن] فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، وقيل إن التي نزلت فيها هذه الآية جميلة امرأة أوس بن الصامت، وقيل بل هي خولة بنت دملح، ولا يثبت شيء من ذلك.
م: (والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فقرر الشارع أصله) ش: أي أصل الظهار م: (ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح) ش: ولا خلاف فيه لأحد من العلماء م: (هذا) ش: أشار إلى حكم نقل حكم الظهار من الطلاق إلى التحريم الموقت بالكفارة م: (لأنه) ش: أي لأن الظهار م: (جناية، لكونه منكرا من القول وزورا) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2](المجادلة: الآية 2) وأراد بالمنكر ما تنكره الحقيقة والشرع، وبالزور الكذب الباطل حيث شبه من هي في أقصى غايات الحل بمن هي في أقصى غاية الحرمة، م:(فناسب المجازاة عليها بالحرمة) ش: جزاء على جنايته.
م: (وارتفاعها) ش: أي ارتفاع الجناية م: (بالكفارة) ش: قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114](هود: الآية 114) وقال عليه السلام: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» ، وفي " المنافع ": الكفارة تجب بالظهار والعود، لأن الظهار منكر من القول وزور. فهو كبيرة محضة، فلا يصح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
سببا للكفارة، لأنها عبادة، إذ الغالب فيهما معنى العبادة، فلا يكون سببا محظورا محضا، فتعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك بالمعروف بعد الظهار وهكذا في " الينابيع ".
وفي " الحواشي " وفي " المحيط " سبب وجوبها العزم على الوطء، والظهار شرط قبل الحكم يتقرر بتقرر سببه لا شرطه، والأمر على العكس، فإن الكفارة تتكرر بتكرار الظهار دون تكرار العزم على الوطء.
وفي " المبسوط " بمجرد العزم على الوطء لا تتكرر الكفارة عندنا، حتى لو أبانها بعد هذا أو مات لا تجب الكفارة، وهذا دليل على أن الكفارة غير واجبة لا بالظهار، ولا بالعود إذ لو وجب لما سقطت، بل موجب الظهار ثبوت التحريم، فإذا أراد رفعه لا بد من الكفارة حتى لو لم يرد ذلك ولم تطلب لا تجب عليه الكفارة أصلا، وفي " الينابيع " رضي أن يكون محرمة ولا يعزم على وطئها لا تجب الكفارة، ولو عزم ثم ترك لا تجب أيضا فعلم أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار، وهو قول أحمد ومالك في الصحيح، وعنده في قول تجب بنفس الظهار.
واختلف أهل العلم في العود المذكور في قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] فعندنا هو العزم على إباحة الوطء.
والقول الثاني: قال مالك: إرادة الوطء في رواية أشهب.
والثالث: إرادة الوطء مع استدامة العصمة، وإن لم يجمع على الوطء لم تجب الكفارة، ولو كفر لا يجزئه، وهو قول مالك، وعندنا يجزئه، وفي شرح مختصر الكرخي لو بانت منه بالطلاق أو تزوجت بغيره وكفر صح التكفير.
والرابع: العود إلى الوطء نفسه رواه عبد الوهاب عن مالك، فعلى هذا لا يجزئه التكفير قبل الوطء.
الخامس: سكت عن طلاقها عقيب الظهار، وفي زمان يمكنه طلاقها، وبه قال الشافعي وأصحابه وبعض الظاهرية.
والسادس: العود أن يعود فيتكلم بالظهار مرة ثانية، ولا يجب عليه بالأول شيء، وهو قول داود الظاهري.
السابع: هو العود في الإسلام لا نفس القول بالظهار الذين كانوا يظاهرون به في الجاهلية في تعاطي الظهار، وهو قول الثوري.