الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِنْدِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4523].
* * *
4 - باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
3533 -
[1] عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِزَنادِقَةٍ،
ــ
4 -
باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد
(الردة) والارتداد: الرجوع، وغلب في الرجوع عن الإسلام، وإذا ارتد المسلم عن الإسلام -والعياذ باللَّه- عُرِضَ عليه الإسلام؛ فإن كانت له شبهةٌ كُشِفَت عنه إلا أن العرضَ على ما قالوا غيرُ واجب، لأن الدعوة بلغته، ويستحبُّ حبسُه ثلاثةَ أيام إن أسلمَ وإلا قُتِلَ، وقيل: إن استمهل يمهل. وقال الشافعي: يجب على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام، ولنا قوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، كذا في (الهداية)(1).
(والسعاة): جمع ساعٍ كقُضَاة وقاضٍ، وهم الذين يسعون في الأرض فسادًا كقُطَّاع الطريق، أخذًا من قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} الآية [المائدة: 33].
الفصل الأول
3533 -
[1](عكرمة) قوله: (بزنادقة) جمع زِندِيق، وهو في الأصل يقال
(1)"الهداية"(2/ 406).
فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ" وَلَقتلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 6922].
3534 -
[2] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِن النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2956].
3535 -
[3] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الأَسْنَانِ،
ــ
لقومٍ من المجوس، يتبعون (كتاب الزند) كان لزردشت المجوسي، وقيل: هو من لا يؤمن بالآخرة وينكر الربوبية، وقد سبق في أوائل الكتاب تحقيق هذا اللفظ تفصيلًا، والمراد هنا قوم ارتدُّوا عن الإسلام، وقيل: قوم من السَّبَئيَّة أصحاب عبد اللَّه بن سبأ، أظهر الإسلام ابتغاءً للفتنة، وتضليلًا للأمة، وادعوا أن عليًّا هو الرب، فأخذهم رضي الله عنه، واستتابهم فلم يتوبوا، فحفر لهم حفرًا، وأشعل النار، ثم أمر بأن يرمى بهم فيها، وكان ذلك اجتهادًا منه ورأيًا ومصلحةً في زجرهم وزجر سائر المفسدين من أبناء جنسهم، يدل على ذلك ما روي أنه لما بلغه قولُ ابن عباس قال: صدقَ ابنُ عباسٍ، واللَّه أعلم.
3534 -
[2](عبد اللَّه بن عباس) قوله: (إن النار لا يعذب بها) أي: لا ينبغي أن يعذب بها (إلا اللَّه) وهذا تتمة قوله في قصة الإحراق على المرتدين.
3535 -
[3](علي) قوله: (حدّاث الأسنان) وهم قوم يتحدثون، جمع على غير قياس، وفي رواية:(حُدَثاء الأسنان) على وزن كبراء جمع حديث ضد القديم.
سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قتلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6930، م: 1066].
ــ
وقوله: (سفهاء الأحلام) جمع سفيه، والسَّفَه محركة: خفَّةُ الحِلْمِ، أو نقصُه، أو الجهلُ، والحِلم بالكسر: العقل والأناة.
وقوله: (يقولون من خير قول البرية) أي: من خير ما يتكلم البرية وهو القرآن، وفي بعض نسخ (المصابيح):(من قول خير البرية) وهو أحاديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والأول أنسب بما وقع في الأحاديث من قراءتهم القرآن وتمسُّكهم به.
و(الحناجر) جمع حَنجَرة، وهو الحلقوم، والمراد كلمة الإيمان من ذكر اللَّه والقرآن، كما ورد في حديث آخر:(يقرؤون القرآن، ولا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم) كناية عن عدم الصعود إلى حضرة اللَّه سبحانه، أو عدم تجاوزه إلى القلوب والجوارح بالاعتقاد والعمل، وقيل: لا يتعدَّى من الحناجر إلى الخارج، ولعل المراد من الخروج إلى الخارج هو ظهور آثاره وأنواره بالعمل.
وقوله: (يمرقون) أي: يخرجون (من الدين) أي: من طاعة الإمام لا من دين الإسلام، وهو مبالغة وتشديد. و (الرمية) على وزن البَرِيَّة بمعنى المَرمِيَّة، أي: الصيد، يريد أن دخولهم في الدين، ثم خروجهم منه، ولم يتمسكوا منه بشيء، كسهم دخل في صيد، ثم يخرج منه، ولم يعلق به منه شيء من نحو الدم والفرث لسرعة نفوذه، وفيه إشارةٌ إلى إماتتهم الدينَ وإهلاكه وإفساده، وقصة خروجهم، وقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه إياهم مشهورة، ويحكى أنه رضي الله عنه سئل أكفّار هم؟ قال: من الكفر فرُّوا، وفي رواية: هربوا، ومن مذهبهم أن العبد يكفر بارتكاب الصغيرة.
3536 -
[4] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَكُونُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1064].
3537 -
[5] وَعَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7080، م: 65].
ــ
3536 -
[4](أبو سعيد الخدري) قوله: (يكون أمتي فرقتين، فيخرج من بينهما) هذا إشارة إلى قصة قتال علي ومعاوية وخروج الخوارج من الطرفين، وقصدهم إهلاك الطرفين، فصح خروجهم من بين الفرقتين مع أنهم كانوا على الباطل كالفرقة الباغية منهما؛ فلا يتجه ما قال الطيبي (1): إن قوله: (فرقتين) يقتضي أن يكون إحدى الفرقتين على الحق والأخرى على الباطل.
وقوله: (يخرج من بينهما) يقتضي أن يكون المارقة خارجة منهما معًا، ولا يحتاج إلى أن يقال في توجيهه: إنه كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] مع أنه يخرج من أحدهما، فافهم.
وقوله: (أولاهم) أي: أقرب الأمة (بالحق) إشارة إلى علي رضي الله عنه وكرم وجهه، فإنه الذي قتلهم وهو كان على الحق في تلك القضية.
3537 -
[5](جرير) قوله: (لا ترجعن بعدي كفارًا) قد سبق توجيهاته في (حجة الوداع) في الفصل الأول من (باب خطبة يوم النحر)، وأقرب التوجيهات أن
(1)"شرح الطيبي"(7/ 102).
3538 -
[6] وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلَاحَ، فَهُمَا فِي جُرْفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا جَمِيعًا" وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: قَالَ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" قُلْتُ: هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ:"إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6875، م: 2888].
3539 -
[7] وَعَن أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ. . . . .
ــ
المراد أن ذلك فعل يشبه فعل الكفار، وأنه كاد أن يوقع في الكفر ويؤدي إليه، كما ينبئ عنه قوله:(فهما في جُرف جهنَّمَ)، وقد روي هناك (ضلالًا) بدل (كفارًا)، وهو يبين المراد بقوله:(كفارًا).
3538 -
[16](أبو بكرة) قوله: (حمل أحدهما) حال بتقدير قد.
وقوله: (فهما في جرف جهنم) أي: في طرفها، والجرف بضمتين: جانب الوادي الذي تجرفه السُّيولُ، أي: تقطعه، أي هما متعرضان للهلاك، كأنهما في طرف جهنم الذي يشابه طرف الوادي الذي يقطعه السيل فيقعان فيها.
وقوله: (دخلاها جميعًا) هذا إذا لم يكن أحدهما على الحق، وإلا فالداخل هو الذي يكون على الباطل، وهو أيضًا على تقدير أن لا يكون صادرًا عن اشتباه والتباس، وبالجملة المراد الزجر والتشديد والمبالغة، واللَّه أعلم.
وقوله: (إنه كان حريصًا على قتل صاحبه) فيه أن الحرص على الفعل المحرَّم والعزم عليه مما يؤاخَذُ به، نعم لو كان قصدُ كلٍّ منهما الدفعَ عن نفسه لم يؤاخذ وإن قتل لكونه مأذونًا فيه شرعًا.
3539 -
[7](أنس) قوله: (نفر من عكل) قيل: كانوا ثمانية، وعكل بضم
فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا، وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ،
ــ
الميم وسكون الكاف: أبو قبيلة، وذكر الشيخ في (كتاب الوضوء) أنه اختلفت الروايات عن البخاري، ففي بعضها:(من عُكْلٍ أو عُرَينةَ) على الشك، وفي بعضها:(من عكل)، وفي بعضها:(من عرينة)، وفي بعضها:(من عكل وعرينة) بواو العطف وهو الصواب، وروى أبو عوانة والطبري عن أنس: أنهم كانوا أربعة من عرينة وثلاثًا من عكل.
وقوله: (فاجتووا المدينة) أي: ما وافقهم هواؤها، يقال: اجتوَيتُ البلدَ: إذا كرهتَ المُقامَ فِيه وإن كنتَ فِي نعمةٍ، يعني لعدم موافقة هوائه، وقيل: معناه أصابهم الجَوَى، وهو المرضُ وداء الجوفِ إذا تطاوَلَ. وفي (القاموس) (1): تطاولُ المرضِ وداءٌ فِي الصدرِ؛ وكان قد اصفرَّت ألوانُهم وانتفخَت بطونُهم.
وقوله: (فيشربوا من أبوالها) أخذ محمد رحمه الله من هذا أن بول ما يؤكل لحمه طاهر، وهو قول أصحاب مالك وأحمد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله هو نجس، وتأويل هذا الحديث عندهما: أنه عرف شفاؤهم فيه وحيًا، ثم عند أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يحل شربه للتداوي وغيره، لأنه لا يتيقن بالشفاء فيه، فلا يعرض عن الحرمة، وعند أبي يوسف رحمه الله يحلُّ للتداوي، وهو قول أصحاب الشافعي، فإنهم أجازوا التداويَ بكل النجاسات سوى المسكرات.
وقوله: (وقتلوا رعاتها) على وزن القضاة جمع راعٍ، وفي بعض الروايات:
(رِعاءَها) على وزن الكساء، وعلى كلا اللفظين يجمع الراعي.
(1)"القاموس"(ص: 1169).
فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا، وَفِي رِوَايَةٍ: فَسَمَّرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا، وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6803، م: 1671].
ــ
وقوله: (وسمل أعينهم) سمل عينه: فقأها، كاستملها، وفي (الصراح) (1): السمل بالسكون: جشم بيرون كردن، وفي (مختصر النهاية) (2): السمل: فَقْءُ العين، ونقل الطيبي (3): يقال: سمَلْتُ عينَه: إذا فقأتَها بحديدةٍ محمَّاة أو نحوها، وكذا في (مجمع البحار)(4)، وقال: وقيل: هو فقؤها بالشوك، وهو بمعنى السَّمْرِ، أي: أُحمِيَ لهم مساميرُ الحديدِ، ثم كحلَهم بها، يقال: سُمِرَتْ أعينُهم بضم سين وخفة ميم، وقد يشدَّد، انتهى. وقال في (القاموس) (5): سمرَ العينَ: سمَلَها، أي: فقأَها، وقد فسر السمل بأن يدني العينَ حديدةً محمَّاةً حتى يذهب البصر.
وقوله: (لم يحسمهم حتى ماتوا) أي: لم يقطع دماءَهم بالكي ونحوه، يقال: حسمَ يحسِمُ، فانحسمَ: قطعَه فانقطعَ، ثم قالوا: إنه إنما فعل صلى الله عليه وسلم ذلك قصاصًا لأنهم كذلك فعلوا بالرُّعاة؛ فإنه قد روي: أنهم سملوا أعين الرعاة، وقطعوا أيديهم وأرجلهم، وغرزوا الشوك في ألسنتهم وأعينهم حتى ماتوا، وقيل: فعل ذلك لعظم جريمتهم؛
(1)"الصراح"(ص: 430).
(2)
"الدر النثير"(1/ 487).
(3)
"شرح الطيبي"(7/ 104).
(4)
انظر: "مجمع بحار الأنوار"(4/ 164).
(5)
"القاموس المحيط"(ص: 382).