الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18) كتاب الإمارة والقضاء
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
3661 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ. . . . . .
ــ
18 -
كتاب الإمارة والقضاء
(الإمارة) بالكسر من أُمِّرَ: إذا جُعِلَ أميرًا فَعِيل بمعنى المَلِك، والإمرة بكسر الهمزة وسكون الميم اسم منه، وأما الأمار والأمارة بمعنى الموعد والوقت والعلامة فبالفتح.
و(القضاء) ممدودًا ويقصر: الحكم، قضى عليه يقضي قَضْيًا وقضاءً وقضيَّةً وهي الاسم أيضًا، كذا في (القاموس)(1). والمراد هنا ما يقلَّدُ شخصٌ من جهة الأمر بالقضاء.
الفصل الأول
3661 -
[1](أبو هريرة) قوله: (من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1216).
فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّة يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ ويُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2967، م: 2835].
ــ
فقد عصاني) فيلزم منه بضم المقدمة الأولى إليه: مَن أطاعَ الأميرَ فقد أطاعَ اللَّهَ، ومن عصى الأميرَ فقد عصى اللَّه.
وقوله: (وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه، ويتقى به) الظاهر أنه ليس المراد به أنَّه ينبغي أن يكون الأميرُ فِي الحرب قُدَّام القوم حِسًّا، بل المراد أنه الساتر يمنع العدوَّ من المسلمين، وهو الذي يُستظهَرُ به في القتال، ويقاتل بقوته كالترس بل في جميع الأمور، وفي جميع الحال، فإنه الذي يحمي بيضة الإسلام، وإنما ذكر القتال لأنه أهم الأمور وأوكدها في الاستظهار والاتِّقاء، ويحتمل أن يكون قوله:(ويتقى) إشارةً إلى التعميم في جميع الأمور ولا يخص بالقتال، كما أشار إليه بقوله:(فإن أمر بتقوى اللَّه وعدل. . . إلخ)، فافهم.
وقوله: (وإن قال) أي: حكَمَ، ومنه يقال: القَيْلُ بالفتح للملك أو من ملوك حِمْيَر لأنه يقول ما شاء، كذا في (القاموس) (1). وقال التُّورِبِشْتِي (2): قال بغيره، أي: أحبّه وأخذ به إيثارًا له وميلًا إليه، كما يقال: فلان يقول بالقدر.
وقوله: (فإن عليه منه) بحرف الجر مع الضمير المتصل به، قال الطيبي (3): كذا وجدنا في (الصحيحين)، و (كتاب الحميدي) و (جامع الأصول)، أي: فإن عليه وزرًا
(1)"القاموس المحيط"(ص: 969).
(2)
"كتاب الميسر"(3/ 851).
(3)
"شرح الطيبي"(7/ 179).
3662 -
[2] وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1298].
ــ
من صنيعه ذلك. وقال التُّورِبِشْتِي (1): وقد وجد في أكثر نسخ (المصابيح): (فإن عليه منة) بتشديد النون مع ضم الميم وبتاء التأنيث في آخره، وهو تصحيف غير محتمل لوجهٍ ههنا، انتهى. وذلك لأن المنة بالضم بمعنى القوة ولا معنى هنا، فتدبر، وفي بعض الحواشي: اتفق شراح الحديث قاطبة على أنه تصحيف، هذا وإنما قال: في أكثر نسخ (المصابيح)؛ لأن في بعضها: (فإن له منه)، كما في الأصول المذكورة. وكتب في حاشية: ومن ضمَّ الميمَ وشدَّد النونَ فقد صحَّف.
3662 -
[2](أم الحصين) قوله: (وعن أم الحصين) بضم الحاء وفتح الصاد. و (مجدّع) بتشديد الدال: مقطوع الأنف، كذا نقل الطيبي (2)، وفي الحواشي: مقطوع الأنف والأذن، وفي (الصحاح) (3): الجدع: قطع الأنف والأذن واليد والشفة، وكذا في (القاموس)(4). لكن بكلمة (أو) مكان الواو، و (يقودكم بكتاب اللَّه) أي: يأمركم بدين اللَّه ويحكم به، وفي ذكر العبد مبالغة على وتيرة قوله صلى الله عليه وسلم:(ولو كمِفحَصِ قَطاةٍ)، أو المراد مَن يولِّيه السلطان والخليفة الأكبر، وإلا فالعبد لا يكون أميرًا وإمامًا، وكذا في سائر الأحاديث.
(1)"كتاب الميسر"(3/ 851).
(2)
"شرح الطيبي"(7/ 179).
(3)
"الصحاح"(3/ 1193).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 652).
3663 -
[3] وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 7142].
3664 -
[4] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7144، م: 1839].
3665 -
[5] وَعَنْ عَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7199، 7200، م: 1709].
3666 -
[6] وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ،
ــ
3663 -
[3](أنس) قوله: (كأن رأسه زبيبة) أي: في الصغر والجثة، ويضرب بهم المثل في صِغَر الرأس، كما في دِقَّة الساقين، وقيل: شعره مقطط كالزبيبة، وقيل: كناية عن خفة العقل.
3664 -
[4](ابن عمر) قوله: (السمع والطاعة) مبتدأ وخبره محذوف، أي: واجب.
وقوله: (فيما أحب وكره) أي: فيما يوافق طبعَه ويخالفه.
3665 -
[5](علي) قوله: (لا طاعة) أي: للإمام أو لأحد كالوالدين وغيرهما، و (المعروف) ما لم ينكره الشرع.
3666 -
[6](عبادة بن الصامت) قوله: (على السمع والطاعة) صلة (بايعنا)
وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. مُتَّفَق عَلَيْهِ. [خ: 7055، 7056، م: 1709].
ــ
بتضمين معنى العهد، و (المنشط والمكره) بفتح الميم والعين مصدران، أي: في حالة النشاط والكراهة، أي: انشراح صدورنا وما يضاده، أو اسما زمان، ويحتملان المكان وهو بعيد، و (على) في قوله:(وعلى أثرة) بمعنى مع، أي: والصبر على أثرة بفتحتين اسم من الإيثار، والضمير في (علينا) كناية عن جماعة الأنصار أو عام لهم ولغيرهم، والأول أوجه، فإنه صلى الله عليه وسلم أوصى إلى الأنصار أنه سيكون بعدي أثرة فاصبروا عليها، يعني يستأثر عليكم جماعة، فيفضلون عليكم في العطايا والولايات والحقوق، وقد وقع ذلك في عهد الأمراء بعد الخلفاء الراشدين فصبروا.
والضمير في (أهله) للأمر، أي: لا ننازع من وكل إليه الأمر، ولا نخالفهم ولا نحاربهم، أي: نصبر إن فات شيء من أمور الدنيا، وأما في الحق وأحكام الدين فلا نسكت ولا نداهن فيها، ولا نخاف فيها لومة اللائمين، ولعل المراد بالكفر أعمُّ من الكفر ومما يكون من أحكامه من المعاصي.
و(بواحًا) بفتح الباء وبالواو، أي: ظاهرًا مكشوفًا، باحَ الشيء وأباحَه: إذا جهر به، وروي (براحًا) بالراء، والبَرَاح من الأمر: الظاهرُ البيِّنُ، وبرح الأمر كسمع وفتح، والبراح من الأرض: المتَّسع منها لا زرع بها ولا شجر.
وقوله: (برهان) أي: كتاب وسنة لا يحتمل التأويل، وجاء في الحديث: أن الإمام لا ينعزلُ بالفسق ولا يُعزَلُ إن كان في عزله تهييج فتنة، وأنه يجب الأمر بالمعروف
3667 -
[7] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا: "فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7202، م: 1867].
3668 -
[8] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7143، م: 1841].
3669 -
[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ. . . . .
ــ
والنهي عن المنكر إن قدر.
3667 -
[7](ابن عمر) قوله: (فيما استطعتم) في جميع نسخ (مسلم): (فيما استطعت)، بلفظ المتكلم، وهو تلقينٌ لهم منه صلى الله عليه وسلم يقول لكل واحد ممن بايع: قل: فيما استطعت، كقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
3668 -
[8](ابن عباس) قوله: (ميتة جاهلية) ميتة لفظ النوع من الموت، أي: مات على ميتة يموت عليها أهل الجاهلية.
3669 -
[9](أبو هريرة) قوله: (تحت راية عمية) بكسر العين وضمها لغتان مشهورتان، والميم والياء مشددتان، والميم مكسورة، وهو الأمر الذي لا يستبين وجهه من التعمية وهو التلبيس، وقد سبق تحقيق هذا اللفظ في آخر الفصل الثاني من (كتاب القصاص) في حديث طاووس، أي: قاتَلَ من غير بصيرة ولا معرفة بأنَّ أيَّ الفريقين محقٌ.
يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَدْعُو لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي بِسَيْفِهِ يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1848].
3670 -
[10] وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونهمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تَبْغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ"، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! . . . . .
ــ
وقوله: (يغضب لعصبية. . . إلخ)، أي: لا لإعلاء كلمة اللَّه وإظهار الدين، والعصبيَّةُ إعانةُ قومٍ على الظلم، ومعناه الخصلة المنسوبة إلى العَصَبة، وهم قوم الرجل الذين يتعصَّبون له، والتعصب المحاماة والمدافعة عمَّن يلزمك أمره أو تلزمه لغرض، من العصابة التي يربط بها الرأس ويشد، وعصب على جرحه: أي شَدّه بالخرقة، وعصب بطنه بعصابة من الجوع بتخفيف وتشديد، أي: شدَّه لتسكن حرارة الجوع، أو من العَصَب الذي هو أحد أجزاء البدن، عَصِبَ اللحمُ، كفرح: كثُرَ عصَبُه، والعصب: الطَّيُّ، واللَّيُّ، والشدُّ، كذا في (القاموس)(1)، والمادة للشد والقوة، و (القتلة) بكسر القاف، و (العهد) يجيء بمعنى الموَثِق، واليمين، والوصية، والذي يُكتَب للوُلاة، والحفاظ، ورعاية الحرمة، والأمان، والذمة، والمعرفة.
3670 -
[10](عوف بن مالك الأشجعي) قوله: (وتصلون عليهم ويصلون عليكم) الصلاة بمعنى الدعاء، والتعدية بـ (على) لتضمين معنى الحفظ والوقاية، كما في قوله تعالى:{وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، وقيل: المراد صلاة
(1)"القاموس المحيط"(ص: 120).
أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: "لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1855].
3671 -
[11] وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ فَقْدَ بَرِئَ،
ــ
الجنازة، أي: يتحابُّون في الحياة، ويصلون على الجنائز إذا ماتوا، يعني خيار الأمة الذين عدلوا ورضي عنهم الرعية، ويكونون متحابين يرضى كلٌّ عن الآخر، وشرارهم الذين يكونون على خلاف ذلك.
وقوله: (أفلا ننابذهم) بالسيف، وفي (المشارق) (1): أي: ندافعهم ونباعدهم بالقتال، انتهى.
وفي (مجمع البحار)(2): نبذتُه: إذا رميتَه وأبعدتَه، أي: نقاتلُهم.
وقوله: (لا) أي: لا تنابذوهم ما أقاموا الصلاة، وفيه أن ترك الصلاة موجِبٌ لمنابذتهم، ونزع اليد من طاعتهم؛ لأن الصلاة عماد الدين، والفارق بين الكفر والإيمان بخلاف سائر المعاصي، وفيه تشديد وتهديد عظيم على ترك الصلاة.
3671 -
[11](أم سلمة) قوله: (تعرفون وتنكرون) أي: تعرفون بعض أفعالهم وتنكرون بعضها، أي: يكون بعض أفعالهم معروفة، وهو ما يعرف في الشرع، وبعضها منكرة، وهو ضد المعروف، (فمن أنكر) المنكَرَ باللسان، أي: منع (فقد برئ) من
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 4).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 666).
وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ: "لَا مَا صَلَّوْا، لَا مَا صَلَّوْا" أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1843].
3672 -
[12] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً. . . . .
ــ
المداهنة والنفاق، و (من كره) أي: أنكره بالقلب، ولم يقدر على إنكاره باللسان ومنعه عن ذلك، (فقد سلم) من المشاركة في الوِزْر والوَبَال، و (لكن من رضي) ولم يكره بالقلب، و (تابع) أي: وافقهم فهو كالذي شاركهم، وكان المراد بالمتابعة أن لا ينكرَ عليهم باللسان، لا الموافقةَ فِي العمل، فإنه شريك لهم حقيقةً، وبهذا يشهدُ سَوقُ الكلامِ، فافهم.
هكذا شرحوا هذا الكلام، وهو يوافق ما جاء في رواية أخرى:(ومن أنكر بلسانه فقد برئ، ومن أنكر بقلبه فقد سلم)، وهو صريح في ذلك، وتفسير الراوي بقوله:(أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه) يدل على أن المراد بالإنكار والكراهة جميعًا فعلُ القلب، وهو يوجب التكرار في قوله صلى الله عليه وسلم:(فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم)، كما لا يخفى، ولهذا رد بعضهم هذا التفسير، ولكن يبعد ردُّ تفسيرِ الراوي نفسِه الحديث، فتوجيهه أن الإنكار أشد من الكراهة وإن كان كلتاهما بالقلب، فإن أنكر حق الإنكار فقد يفضي إلى المكافحة بلسانه بل إلى الجهاد بخلاف الكراهة، فإنه أضعف من الإنكار، وبهذا الاعتبار وقع في بعض الأحاديث أن ذلك أضعف الإيمان، فتأمل.
3672 -
[12](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (أثرة) بفتحتين، كما مرّ، وضبط
وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا" قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7052، م: 1854].
3673 -
[13] وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَّا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَّا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1856].
3674 -
[14] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ،
ــ
في بعض النسخ في هذا الحديث بضم الهمزة وسكون المثلثة أيضًا.
وقوله: (وأمورًا) بالواو هي الرواية المعتدّ بها، وفي بعض نسخ (المصابيح): أمورًا بدون الواو.
3673 -
[13](وائل بن حجر) قوله: (يسألونا) بتشديد النون بإدغام نون الإعراب في نون المتكلم، وكذا قوله:(يمنعونا).
وقوله: (فإنما عليهم ما حملوا) من التحميل بمعنى التكليف، أي: ما كُلِّفوا به من العدل والإحسان، (وعليكم ما حملتم) من السمع والطاعة.
3674 -
[14](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (من خلع يدًا من طاعة) وفي حديث آخر: (من نزع يدًا)، وخلع اليد ونزعها عبارة عن نقض البيعة، أي: من ترك طاعة الإمام.
وقوله: (ولا حجة له) حال من ضمير (لقي)، أي: حجة الإيمان، كما ورد:
وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1851].
3675 -
[15] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيُّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ" قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "فُوا بَيْعَةَ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3455، م: 1842].
ــ
(اللهم لقِّنِي حجَّةَ الإيمانِ).
3675 -
[15](أبو هريرة) قوله: (تسوسهم) في (النهاية)(1): السياسة: القيام على الشيء بما يصلحه، و (تسوسهم الأنبياء)، أي: يتولون أمورهم، وفي (القاموس) (2): سُسْتَ الرعيةَ سياسةَ: أمرتُها ونهيتُها.
وقوله: (فما تأمرنا؟ ) أي: إذا وقع التشاجر والتنازع بين الخلفاء فما تأمرنا نفعل؟
وقوله: (فوا بيعة الأول فالأول) فوا بلفظ جمع المذكر أمر من وَفَى يَفِي، والفاء في قوله:(فالأول) للتعقيب، والمراد التكرير والاستمرار، أي: كما يستمرُ خليفة بعد خليفة يستمر وفاؤكم بعهدهم، والمقصد أن البيعة للأول، كما يأتي في الحديث الآتي.
وقوله: (أعطوا حقهم. . . إلخ)، أي: إن لم يعطوكم حقَّكم.
وقوله: (فإن اللَّه سائلهم عما استرعاهم) يعني ويثيبكم بما لكم عليهم.
(1)"النهاية"(2/ 421).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 510).
3676 -
[16] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بُويعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1853].
3677 -
[17] وَعَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّهُ سَيَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرُبوهُ بِالسَّيْفِ. . . . .
ــ
3676 -
[16](أبو سعيد) قوله: (فاقتلوا الآخر) قال التُّورِبِشْتِي (1): الوجه في هذا أن يحمل القتل فيه على القتال، أو يقال: المراد من القتل إبطالُ بيعة الآخر وتوهينُ أمره، من قولهم: قتلتُ الشرابَ: إذا مزجتَه وكسرتَ سَوْرتَه بالماء، انتهى. ومرجع هذا الوجه أيضًا إلى الأول، فإن توهين أمره إنما يكون بالقتال معه لقوله تعالى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9]، كذا قالوا، وأقول: ما المانع من حمله على القتل حقيقة؟ فإنه باغٍ، والقتال إنما يكون لقصد القتل، واللَّه أعلم.
3677 -
[17](عرفجة) قوله: (وعن عرفجة) بفتح العين وسكون الراء وفتح الفاء بعدها جيم.
وقوله: (سيكون هنات) فسره في (النهاية)(2) بقوله: أي: شُرورٌ وفسادات، يقال: في فلان هنات، أي: خِصالُ شرٍّ، جمع هنت مؤنث هن، وهو كناية عما لا يصرح به لشناعته، وفي (القاموس) (3): وقال: هَنٌ، كأخٍ معناه: شيء، تقول: هذا هَنُكَ، أي: شيئك، وهَنُ المرأة: فرجها، ويقال للرجل: يا هَنُ أقبل، ولها: يا هَنَةُ أقبلي،
(1)"كتاب الميسر"(3/ 854).
(2)
"النهاية"(5/ 279).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 1235).
كَائِنًا مَنْ كَانَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1852].
3678 -
[18] وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1852].
3679 -
[19] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ. . . . .
ــ
وهَنْتُ، بالفتح: لغة في هن، وجمعه: هنات وهنوات، والهنات: الداهية، وجمعه: هنوات.
وقوله: (كائنًا من كان)، وفي رواية:(ما كان) بإرادة الصفة، كما في قوله:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7]، وقال الطيبي (1): وهو حال فيه معنى الشرط، أي: ادفعوا من خرج على الإمام بالسيف وإن كان أشرفَ وأفضلَ، وترونه أحقَّ وأولى.
3678 -
[18](وعنه) قوله: (يريد أن يشق عصاكم) شق العصا كناية عن مفارقة الجماعة، جعل اجتماعَ الناس على أمر واحد بمنزلة العصا، وإزالته بمنزلة شَقِّها.
وقوله: (أو يفرق جماعتكم) ظاهر المعنى يدل على أنه من شك الراوي، ويجوز أن يحمل على التنويع، يحمل الأول على التفرق في الدنيا، والثاني في أحكام الدين، واللَّه أعلم.
3679 -
[19](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (صفقة يده) الصفقة: المرة من التصفيق باليد، صفق يده بالبيعة، وعلى يده صفقًا وصفقة: ضرب يده على يده، والمراد (بثمرة
(1)"شرح الطيبي"(7/ 189).
قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1844].
3680 -
[20] وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7146، م: 1652].
3681 -
[21] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ (1) الْفَاطِمَةُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 7138].
ــ
قلبه) خالص عهده، وقيل: المراد به المال، أو (صفقة يده) كناية عن المال، و (ثمرة قلبه) كناية عن مبايعته مع ولده وهو بعيد.
3680 -
[20](عبد الرحمن بن سمرة) قوله: (وكلت) بلفظ المجهول مخففًا، يقال: وكَلَ إليه الأمر: فوَّضَ إليه الأمر، فمعنى (وُكِلت إليها) فُوِّضت إلى الإمارة، وهي أمر شاق لا يقوم بها إلا بإعانة اللَّه تعالى، وحقيقة المعنى وكلت إلى نفسك وإلى حولك وقوتك.
3681 -
[21](أبو هريرة) قوله: (فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) المخصوص محذوف، أي: الإمارةُ، وتأنيث الإمارة غير حقيقي، فيجوز إلحاقُ التاء في الفعل وتركُها، وأيضًا يجوز في نعم وبئس كلا الوجهين، وإن كان الفاعل مؤنثًا، والمرضع والفاطم وإن كان من الصفات المخصوصة بالنساء كالحامل والحائض إلا أنه إذا أريد
(1) في نسخة: "بئس".
3682 -
[22] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: "فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي" ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ؛ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا" وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1826].
3683 -
[23] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمِّرْنا. . . . .
ــ
معنى الحدوث تلحق التاء، وكذلك أريد هنا دلالةً على تصوير تَينِكَ الحالتين في الإرضاع والفطام، والحاصل: أنه جعلت الإمارة في حلاوة أوائلها ومرارة آخرها كالمرضعة التي تُحسِنُ بالإرضاع، وتسيءُ بالفِطام.
3682 -
[22](أبو ذر) قوله: (فضرب بيده على منكبي) زجرًا وردعًا له عن طلب الإمارة، أو شفقة وعناية بحاله لئلَّا يسوءه المنع، واللَّه أعلم.
وقوله: (وإنها) أي: الإمارةَ أو الولايةَ.
وقوله: (إنك ضعيف) أشار به إلى أنه لا يكره للأقوياء، فإن أجر العدل والإقساط كثير وفضله عظيم.
وقوله: (لا تأمرن) بلفظ النهي من باب التفعُّل بحذف إحدى التاءَين، وكذا في قوله:(ولا تولّين).
3683 -
[23](أبو موسى) قوله: (أمّرنا) بلفظ الأمر من التأمير، أي: اجعَلْنا أمراء، أمَّرَه: جعله أميرًا.
عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللَّهُ، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ:"إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ" وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7149، م: 1735].
3684 -
[24] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3588، م: 2526].
3685 -
[25] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ. . . . .
ــ
3684 -
[24](أبو هريرة) قوله: (تجدون من خير الناس أشدهم) قال الطيبي (1): (أشدهم) مفعول أول، و (من خير) مفعول ثان، أو على العكس، و (من) زائدة في الإثبات.
وقوله: (حتى يقع فيه) ذكر فيه وجهين: أحدهما: أن يكون غاية للوجدان، أي: إذا وقع فيه لم تجدوه من خير الناس، أو لشدة الكراهية، أي: إذا وقع فيه لم يكن أشدَّ كراهية، بل حينئذ يعينه اللَّه عليه، يعني لأنه أُعطِيَها عن غير مسألة فلا يكرهه، وقال: والأول أوجه، لقوله: يقع، أي: أنسب بمعنى الوقوع؛ لأن المتبادر منه الوقوع في البلية وما يكره.
3685 -
[25](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (كلكم راع) الراعي كل مَن ولِيَ أمرَ
(1)"شرح الطيبي"(7/ 192).
عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهُ وَهِيَ مَسْؤُولهٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7138، م: 1829].
3686 -
[26] وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ. . . . .
ــ
قوم، والجمع رُعاة ورِعْيان بالكسر ورعاء، وأصله في راعي الغنم، يقال: رعى الأميرُ القومَ رعايةً فهو. راعٍ، أي: قام بإصلاح ما يتولاه، وهم رَعيَّه فَعِيلَة بمعنى مفعول والتاء للنقل، قال في (مختصر النهاية) (1): الرعية: كلُّ من شمِلَه حفظُ الراعي ونظرُه.
وقوله: (وعبد الرجل راع) وكذا الرجل راع على أعضائه وجوارحه وقواه، وهي رعيته وهو مسؤول عنها فيم استعملها، ولم يذكرها في الحديث اقتصارًا على ما يتفاهمه أهل العرف من معنى الرعاية، ويمكن أن يكون تكرار قوله:(ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته) قصدًا إلى التعميم مما ذكر.
3686 -
[26](معقل بن يسار) قوله: (وعن معقل) بفتح الميم وكسر القاف، (ابن يسار) بالتحتانية المفتوحة والسين المهملة.
وقوله: (وهو غاش لهم) أي: خائن ظالم في حقهم من الغش، وهو الخيانة، في (القاموس) (2): غشه: لم يمحضه النصح، أو أظهر له خلاف ما أضمر، وفي
(1)"الدر النثير"(1/ 392).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 555).
إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7151، م: 142].
3687 -
[27] وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7150، م: 142].
3688 -
[28] وَعَنْ عَايِذِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءَ الْحُطَمَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1830].
ــ
(النهاية)(1): الغش ضد النصح، والمقصد التحذير من غش المسلمين لمن قلده اللَّه تعالى شيئًا من أمرهم في دينهم أو دنياهم، إما بتضييع تعريفهم ما يلزمهم، أو تركِ حمايتهم ومجاهدة عدوِّهم وسائر ما عليه من الحقوق.
3687 -
[27](وعنه) قوله: (يسترعيه اللَّه رعيّة) أي: يطلب أن يكون راعي جماعة ويتخذه أميرًا عليهم.
وقوله: (فلم يحطها) بضم الحاء حاطه حَوْطًا وحَيْطة وحِياطةً: حفظه، وصانه، وتعهَّده كحوَّطه وتحوَّطه.
3688 -
[28](عايذ بن عمرو) قوله: (وعن عايذ) بالياء المثناة التحتانية والذال المعجمة.
وقوله: (إن شر الرعاء) بالكسر جمع راعٍ، كما ذكر، و (الحطمة) بضم الحاء المهملة وفتح الطاء كهمزة: الراعي الظلوم للماشية يَهشِمُ بعضَها على بعض، من الحَطْم وهو الكسر، والمراد هنا أمراء السوء يظلمون الرعية، قال التُّورِبِشْتِي (2): يقال:
(1)"النهاية"(3/ 369).
(2)
"كتاب الميسر"(3/ 855).
3689 -
[29] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ مَنْ وُلِّيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وُلِّيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1828].
3690 -
[30] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ،
ــ
رجل حُطَمٌ وحُطَمةٌ: إذا كان قليل الرحمة للماشية يُلقِي بعضها على بعض.
3689 -
[29](عائشة) قوله: (من ولي) بلفظ المجهول من التولية، وفي بعض النسخ بلفظ المعلوم من الوَلْي.
وقوله: (فشق عليهم) شَقَّ عليه: أوقَعَه في المشقَّةِ.
3690 -
[30](عبد اللَّه بن عمرو بن العاص) قوله: (إن المقسطين) المقسط: العادل، والقاسط: الجائر، والهمزة للسَّلْب، والـ (منابر) جمع منبر، ونبَرَ الشيءَ: رفعَه، سمي منبرًا لرفعة مَن عليه، والانتبار الارتفاع، وفي الحديث: إن الجرح ينتبِرُ في رأس الحَولِ، أي: يرِمُ، فعلم من هذا أن النبر متعد بمعنى الرفع، والانتبار لازم بمعنى الارتفاع، فقول الطيبي (1):(سمي به لارتفاعه) لا يخلو عن شيء، ثم الظاهر أن يكونوا على منابر حقيقة، وقيل: كناية عن المنازل الرفيعة.
وقوله: (عن يمين الرحمن) كناية عن عظم مرتبتهم وقرب محلهم منه تعالى؛ لأن من عظم قدره يُبَوَّأُ عن يمين الملك.
(1)"شرح الطيبي"(7/ 196).
وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَمَا وَلُوا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1827].
3691 -
[31] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيِّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّةُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّه". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 7198].
ــ
وقوله: (وكلتا يديه يمين) دفع لتوهم من يتوهم أن له يمينًا من جنس الأيمان التي يقابلها يسار.
وقوله: (في حكمهم) إشارة إلى حال الأمراء.
وقوله: (أهليهم) إلى ذوي العيال.
وقوله: (ما ولوا) بضم الواو وتشديد اللام المشددة بلفظ المجهول من التولية، وبفتح الواو وضم اللام المخففة من الوَلْي على الروايتين.
3691 -
[31](أبو سعيد) قوله: (إلا كانت له بطانتان) البطانة بالكسر: السَّريرة، والصاحب الذي هو خَصِيصةُ الرجل الذي اتَّخذه معتمَدًا من غير أهله، وصاحبَ سرِّه وصَفِيَّه، والمراد هنا المَلَكُ والشيطانُ.
وقوله: (والمعصوم من عصمه اللَّه) إشارة إلى حال الأنبياء أو بعض الخلفاء أيضًا ممن حفظه اللَّه من شر الشيطان المشار إليهم بقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} بمنزلة الاستثناء، كما في الحديث الآخر من قوله صلى الله عليه وسلم:(إلا أنَّ اللَّهَ تعالى أعاننَي فأَسلَم، فلا يأمُرُني إلا بخيرٍ)، فافهم.