المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(13) كتاب النكاح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الولى فى النكاح واستئذان المرأة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المحرمات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المباشرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌7 - باب الصداق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الوليمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب القسم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الخلع والطلاق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌14 - باب اللعان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب العدة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الاستبراء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب النفقات وحق المملوك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(14) كتاب العتق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المرض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(15) كتاب الأيمان والنذور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب في النذور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(16) كتاب القصاص

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الديات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب ما لا يضمن من الجنايات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب القسامة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(17) كتاب الحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب قطع السرقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الشفاعة في الحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب حد الخمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب ما لا يدعى على المحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌5 - باب التعزير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌6 - باب بيان الخمر ووعيد شاربها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(18) كتاب الإمارة والقضاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما على الولاة من التيسير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب العمل في القضاء والخوف منه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب رزق الولاة وهداياهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأقضية والشهادات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِى:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(19) كتاب الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب إعداد آلة الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب السفر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

3925 -

[34] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَيِّدُ الْقَوْمِ فِي السَّفَرِ خَادِمُهُمْ، فَمَنْ سَبَقَهُمْ بِخِدْمَةٍ لَمْ يَسْبِقُوهُ بِعَمَلٍ إِلَّا الشَّهَادَةَ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [شعب: 6/ 334].

* * *

‌3 - باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام

*‌

‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

3926 -

[1] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. . . . . .

ــ

3925 -

[34](سهل بن سعد) قوله: (سيد القوم في السفر خادمهم) أي: ينبغي لسيدهم وأميرهم أن يقوم بمصالحهم ويخدمهم، أو المراد أن الذي يخدمهم سيدهم في الحقيقة لكثرة ثوابه، وهذا هو المناسب لسياق الحديث أعني قوله:(فمن سبقهم بخدمة. . . إلخ)، ولكن تقديم سيدهم وجعله مبتدأ وخادمهم خبرًا دليل على المعنى الأول، والملائم للمعنى الثاني العكس، فافهم.

3 -

باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام

دعاءُ الكفار إلى الإسلام قبل إسلامهم واجب، والقتالُ قبلَه حرام، وأكثرُ ما يكون ذلك بالكتابة خصوصًا إلى ملوكهم وعظمائهم، وقتد كتب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار الذين كانوا في زمنه كقيصر وكسرى والنجاشي وغيرهم كتبًا ومناشير في غاية الفصاحة والبلاغة والإيجاز ما لا يتصور فوقه، وقد جمعها بعض العلماء كصاحب (الشفا) وغيره فليشرف به.

الفصل الأول

3926 -

[1](ابن عباس) قوله: (عن ابن عباس) هذا الحديث حدثه ابن

ص: 644

كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلَامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ دِحْيّةَ الْكَلْبِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيم بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ فَإِذَا فِيهِ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. . . . .

ــ

عباس رضي الله عنهما من أبي سفيان الأموي كان إذ ذاك عند هرقل، ذهب في ركب من قريش تجارًا بالشام، فدعاه هرقل، وسأله عن أحواله صلى الله عليه وسلم بعد وصول كتابه إليه، والقصة مذكورة في أول (صحيح البخاري)، وهي من أدلة نبوته وعلاماتها صلى اللَّه تعالى عليه وسلم.

وقوله: (كتب إلى قيصر) هو اسم جنس لملك الروم كما أن ملك فارس يسمى بكسرى، وملك الحبشة بالنجاشي، وملك الترك بخاقان، وملك القبط بفرعون، وملك مصر بالعزيز، وملك يمن بالقَيْل، وملك حمير بُتبَّع، وملك الهند بالراي، وهذا القيصر كان اسمه هرقل.

و(دحية) بكسر الدال وعند ابن ماكولا بفتحها (الكلبي) منسوب إلى بني كلب قبيلة من العرب، وفي بعث دحية وحده وأمره بدفعه إلى الكفار دليل على وجوب العمل بخبر الواحد. و (بصرى) بضم الموحدة وسكون المهملة بلدة بالشام مشهورة ذات قلعة، وهي قريبة من طرف العمارة والبرية التي بين الشام والحجاز، ويجاد فيها عمل السيف.

وقوله: (فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم) فيه استحباب تصدير المكاتيب والمراسيل بالبسملة وإن كان المبعوث إليه كافرًا، بل يكون هناك أشد استحبابًا إدخالًا للروع وتنبيهًا في أول المكتوب على التوحيد كما فعله سليمان عليه السلام، وأما حديث:(كل أمر ذي بال) فمن رواية البيهقي وغيره وهو حديث حسن وليس في الصحيحين، وقد بيناه في حاشية الضيائية نقلًا عن كلام الشيخ محيي الدين النووي

ص: 645

مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّوم،

ــ

في (شرح صحيح مسلم).

وقوله: (من محمد عبد اللَّه ورسوله)(1) أي: هذا المكتوب صادر منه، وعبد اللَّه صفة محمد أو بدل عنه، وفيه أن السنة في المكاتبة أن يبدأ الكاتب بنفسه فيقول: من زيد إلى عمرو مثلًا، وكذلك كان الصحابة يكتبون إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وما كان أحدٌ أعظمَ حرمةً منه صلى الله عليه وسلم عندهم وهذا هو الصحيح، وجوَّزَ بعضُهم الابتداء بالمكتوب إليه، وروي أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية.

وإنما قدم صفة العبودية على الرسالة تواضعًا وإشارة إلى أنه مطيع لأوامره تعالى منقاد لا يتصرف من عند نفسه بشيء، ولأنه أخص صفاته صلى الله عليه وسلم لا يشاركه في حقيقتها أحد وهو العبد الحقيقي الذي ثبتت له حقيقة العبودية التي هي الانسلاخ من النفس وصفاتها وإراداتها والفناء في اللَّه تعالى فهو العبد، واللَّه تعالى هو الرب.

وقوله: (إلى هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف، وقد يسكن الراء ويكسر القاف، وقد يقال: بسكون الراء مع فتح الهاء كخندق، غير منصرف، ملك الروم، وأول من ضرب الدنانير، وأول من أحدث البيعة، وهو صاحب حروب الشام، ملك إحدى وثلاثين سنة، وفي ملكه مات النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (عظيم الروم) لم يقل ملك الروم لئلا يكون ذلك مقتضيًا لتسليم الملك إليه وهو معزول عنه بحكم الدين، ومع ذلك أتى بنوع من الملاطفة فقال: عظيم الروم، أي: رئيسهم الذي يطيعونه ويقدمونه كما يكون رؤساء البلاد والقريات ومقدموهم إلانةً للقول واستمالةً له.

(1) في "التقرير": لعله هكذا يكون طريق المكاتبة في زمنه عليه السلام، وتقديم الاسم على التسمية في زمن سليمان عليه السلام لما جاء:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} الآية [النمل: 30].

ص: 646

سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ! فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجَرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ، وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ. . . . .

ــ

وقوله: (سلام على من اتبع الهدى) لم يبدأ بالسلام عليه بخصوصه لكونه كافرًا، بل سلَّم على كلِّ من اتَّبعَ الهدى، أو فيه ترغيب وإرشاد إلى الحق والهداية بأحسن وجوه وأخصرها.

وقوله: (أما بعد) فيه استحباب (أمَّا بعدُ) في الخطب والمكاتبات، وقد اختلف في أول من تكلم به، والأصح أنه داود النبي عليه السلام، وقد ذكرناه في شرح خطبة الكتاب.

وقوله: (بداعية الإسلام) الداعية مصدر بمعنى الدعوة كالعافية والعاقبة.

وقوله: (أسلم) من الإسلام و (تسلم) من السلامة، وفيه إيجاز غريب، أي: تسلم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وتكرير قوله:(وأسلم) تأكيد وإيذان بكمال شفقته صلى الله عليه وسلم وحرصه على الإسلام.

وقوله: (يؤتك اللَّه أجرك مرتين) دليل على أن أهل الكتاب إذا أسلموا فلهم أجران كما هو مدلول كلام اللَّه المجيد.

وقوله: (وإن توليت فعليك إثم الأيسسين) في (القاموس)(1): الأريسي والأريس كجليس: الأَكَّار، والجمع أريسيون وأرشمون، وكسِكِّيت الأمير، وأرَّسَه تأريسًا: استعمَلَه واستخدَمَه، وفي (مختصر النهاية) (2): إثم الأريسيين يروى منسوبًا مجموعًا جمع أريسيٍّ وبغير نسبة جمع أريسٍ، وبإبدال الهمزة ياء مفتوحة، وهم الخَوَلُ والخَدَمُ

(1)"القاموس المحيط"(ص: 4910).

(2)

"الدر النثير"(1/ 22).

ص: 647

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأكَّارُونَ، وقيل: فرقة تعرف بالأريسية أتباع عبد اللَّه بن أريس كانوا في زمن الأول قتلوا أنبياء عليهم السلام جاؤوهم، وقيل: الأريس الملوك، وقيل: العَشَّارون، وقال الكرماني (1): اليَرِيسِينُ بفتح الياء التحتانية وكسر الراء جمع يريس على وزن فَعِيل، وقد تقلب الياء الأولى بالهمزة فيقال: الأريسين، وروي أيضًا بالياءَين بعد السين جمع يريسي منسوب إلى يريس، وروي الإِرِّيْسِين بكسر الهمزة وكسر الراء المشددة وياء واحدة بعد السين وهم الأكَّارون الزرَّاعون، وقال التيمي: الأصل الأريس فابدلت الهمزة بالياء وهو على عكس المشهور، وجاء في بعض الروايات في غير الصحيح: فإن عليك إثم الأكَّارين.

ثم إنه على التقادير كلها معناه: إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأن الزراعين كانوا هم الأغلب فيهم، ولأنهم أسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا، وقيل: معناه فالمجوس يقلدونك فيه، فيحصل عليك إثمهم.

هذا ما في هذه الشروح، والكلام الجامع ما ذكر في (مشارق الأنوار) (2): حيث قال قوله: (فإن عليك إثم الأريسيين)، كذا رواه مسلم، وجُلُّ رواة (البخاري) بفتح الهمزة وكسر الراء مخففة وتشديد الياء بعد السين، ورواه المروزي مرة اليريسين وهي رواية النسفي، ورواه الجرجاني مرة، وبعضهم مثله إلا أنه قال: الأريسيين بسكون الراء وفتح الياء الأولى، ورواه بعضهم في غير الصحيحين: الأريسين مخفف الياءين

(1)"شرح الكرماني"(1/ 62).

(2)

"مشارق الأنوار"(1/ 47 - 48).

ص: 648

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

معًا، قال أبو عبيد: هذا هو المحفوظ، فمن قال: الأريسيين، فقالوا في تفسيره: هم أتباع عبد اللَّه بن أريس رجل في الزمن الأول بعث اللَّه نبيًّا فخالفه هو وأتباعُه، وأنكر ابن القزاز هذا التفسير، ورواية من قال: الأريسيين بفتح الياء وسكون الراء. وقيل: هم الأروسيون وهم نصارى أتباع عبد اللَّه بن أروس وهم الأروسية، متمسِّكون بدين عيسى لا يقولون: إنه ابن اللَّه، وقال أبو عبيد الهروي: هم الأكَرَة، وقيل: الملوك الذين يخالفون أنبياءَهم، وقيل: الخدمة والأعوان، وقيل: المتبخترون، ففي (مصنف ابن السكن): يعني اليهود والنصارى فسره في الحديث، ومعناه إن عليك إثم رعاياك وأتباعك ممن صددته عن الإسلام واتبعك على كفرك كما قال تعالى {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، وكما جاء في بعض طرق هذا الحديث: وإلا فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام، قال أبو عبيد: ليس الفلاحون هنا الزراعون خاصة، لكن جميع أهل المملكة؛ لأن كل من زرع هو عند العرب فلاح تولى ذلك بنفسه أو تُولي له، ويدل على ما قلنا قوله أيضًا في حديث آخر:(فإنْ أبَيتَ فإننا نهدِمُ الكُفُورَ ونقتلُ الأريسيين، وإني أجعَلُ إثمَ ذلك في رقبتِكَ)، الكُفُور: القرى، واحدها كَفْرٌ، فهذا المعنى يفسره الأحاديث ويعضده القرآن أولى ما قيل فيه، انتهى. ولقد طال الكلام في تحقيق هذه، والقوم (1) بذلوا جهدهم في تحقيق ألفاظ الأحاديث شكر اللَّه سعيهم، ونحن اقتفينا أثرهم وجمعنا ما ذكروه، والفضل للمتقدم.

فإن قلت: تقديم لفظ (عليك) على اسم (إنَّ) مفيد للحصر، أي: ليس إثمُهم إلا عليك، وقد قال اللَّه تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فضلًا عن الحصر،

(1) قوله: القوم -إلى- للمتقدم، زادت هذه العبارة في نسخة:(ع) فقط.

ص: 649

تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} " [آل عمران: 64]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمِ قَالَ: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ" وَقَالَ: "إِثْمُ اليَرِيْسِيِّينَ" وَقَالَ: "بِدِعَايَةِ الإِسْلَام". [خ: 7، م: 1773].

3927 -

[2] وَعَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيم الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَ مَزَّقَهُ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 4424].

ــ

قلت: المراد أن إثم الإضلال عليه، والإضلال أيضًا وزره كالضلال، ووزرهم على أنهم معارض بقوله تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]، كذا قال الكرماني.

وقوله: (فإن تولوا) أي: أهلُ الكتاب (فقولوا) أيها المؤمنون.

وقوله: (بدعاية الإسلام) وقد جاء هذا اللفظ في رواية البخاري أيضًا في أول الكتاب في (باب كيف كان بدء الوحي) وفي (باب التفسير).

3927 -

[2](وعنه) قوله: (إلى كسرى) بكسر الكاف وفتحها مع جواز الإمالة في الوجهين وهو معرب خسرو، وكان كسرى إذ ذاك أبرويز بن هرمز بن أنو شيروان.

وقوله: (مزَّقه) من التمزيق، أي: خرَّقه بالتشديد كذا الرواية، مزقه يمزقه مزقًا ومزقة: خرّقه، كمزّقه، فالتشديد للمبالغة.

وقوله: (أن يمزقوا كل ممزّق) أي: يفرقوا كل تفريق، والمُمزَّق مصدر ميمي،

ص: 650

3928 -

[3] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1774].

3929 -

[4] وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا،

ــ

وإلى ذلك آل أمرهم أدبر عنهم الإقبال وزالت الدولة حتى انقرضوا عن آخرهم، قتل أبرويزَ ابنُه شِيرَوَيْهِ ثم مات هو أيضًا بعد ستة أشهر، فأدركتهم النحوسة واللعنة إلى أبد الآبدين.

3928 -

[3](أنس) قوله: (وإلى النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وسكون الياء وعليه الأكثرون، وقيل: هو الصواب، وقيل: بالتشديد والتخفيف، وقد تكسر النون، وقال في (القاموس) (1): النجاشي بتشديد الياء وتخفيفها أفصح، وتكسر نونها أو هو أفصح، وأما تشديد الجيم، فقيل: إنه خطأ، وفي (مجمع البحار) (2): النجاشي بتشديد الياء، وصوب بعض تخفيفها، واللَّه أعلم بالصواب.

وقوله: (ليس بالنجاشي الذي صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم).

3929 -

[4](سليمان بن بريدة) قوله: (في خاصته) أي: في نفسه. وقوله: (ومن معه) عطف على (خاصته)، و (خيرًا) منصوب بنزع الخافض، أي: أوصاه في نفسه بتقوى اللَّه، أي: تشديدها وإلزامها العزيمة، وفي من معه بخير، أي: مسامحة

(1)"القاموس المحيط"(ص: 518).

(2)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 682).

ص: 651

ثُمَّ قَالَ: "اغْزُوَا بسمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوَا فَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَليدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ -أَوْ خِلَالٍ- فَأَيَّتَهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَام،

ــ

ورفق وتيسير، وهذا من حقوق الصحبة والإمارة لقوله صلى الله عليه وسلم:(يسِّرُوا ولا تُعسِّرُوا).

وقوله: (اغزوا) غزا العدو: سار إلى قتالهم وانتهابهم.

وقوله: (فلا تغلّوا) من الغُلُول وهو الخيانة في الغنيمة، (ولا تغدروا) من الغَدْر، وهو نقض العهد، (ولا تمثلوا) من المُثْلَة (1)، وتكرير (اغزوا) للتأكيد ولربط ما بعده مستقلًا.

وقوله: (وإذا لقيت عدوك) خطاب للأمير، فإن دعوة الكفار بالإسلام والتحول إلى دار المهاجرين ونحو ذلك من مناصب الأمراء والغزاة والمقاتلة يعم المسلمين كلهم.

وقوله: (أو خلال) من شك الراوي في اللفظ، والخلال جمع خَلَّة بالفتح بمعنى الخَصْلة، والخصال الثلاث: الإسلام وإعطاء الجزية والمقاتلة، و (ما) في (ما أجابوك) زائدة.

وقوله: (وكف عنهم) أي: امتنع، وكفَّ يجيء لازمًا ومتعديًا، فأشار إلى الخصلة الأولى بقوله:(ثم ادعهم إلى الإسلام)، وروي في غير رواية مسلم:(ادعهم) بإسقاط ثم وهو الأظهر، وقيل:(ثم) زائدة، ورَدَت لاستفتاح الكلام والأخذ فيه والتراخي في البيان.

(1) قال القاري (6/ 2528): وفي نسخة من باب التفعيل.

ص: 652

فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُون كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يُجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّه الَّذِي يُجْرَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوا فَسَلْهُمْ الْجزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نبَيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نبَيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ،

ــ

وقوله: (فإن أجابوك). . . إلى قوله: (فإن أبوا) من تتمة هذه الخصلة.

وقوله: (ما للمهاجرين) أي: من الثواب واستحقاق مال الفيء، فإنه صلى الله عليه وسلم كان ينفق على المهاجرين مما آتاه اللَّه من الفيء لا لأعراب المسلمين.

وقوله: (وعليهم ما على المهاجرين) من وجوب الخروج إلى الجهاد إذا أمرهم الإمام سواء كان بإزاء العدو مَن به الكفايةُ أو لم يكنْ، بخلاف غير المهاجرين فإنه لم يجب عليهم الخروج إلى الجهاد إذا كان بازاء العدو مَن به الكفاية، كذا فسره الطيبي (1).

وقوله: (كأعراب المسلمين) أي: الذين لازموا أوطانهم في البادية لا في دار الكفر.

وقوله: (فإن أبوا فسلهم الجزية) هذه هي الخصلة الثانية.

وقوله: (فإن هم أبوا) أي: عن الجزية (فاستعن باللَّه وقاتلهم) الخصلة الثالثة.

(1)"شرح الطيبي"(7/ 353).

ص: 653

فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِنْ حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْم اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1731].

3930 -

[5] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ. . . . .

ــ

وقوله: (فإنكم) على الخطاب كذا في الأصول، وفي بعض نسخ (المصابيح):(فإنهم) بالغيبة، والأول أصح روايةً، وهذا أظهر درايةً، فإن نقض الذمة من جانب الكافرين أظهر وأوقع، والمعنى أن الكافرين إنْ ينقضوا ذِمَمَكم وذِمَمَ أصحابكم أهونُ وأقلُّ تحقيرًا للإسلام من أن ينقضوا ذمة اللَّه وذمة رسوله فإنه يلزم منه هَوانٌ وحقارةٌ فيه، ولكن النووي وجَّهَ معنى الخطاب، وقال: يعني ربما ينقضهما مَن لا يعرفُ حقَّها من الأعراب وسواد الجيش كما نقل (الطيبي)(1) عنه، فافهم.

ثم (إنَّ) في (إنكم) هي التي للتحقيق، وصحح في نسخة بسكون النون حرف شرط، والظاهر على هذا أن يكون أن في (أن تخفروا) أيضًا بكسر الهمزة تاكيدًا لـ (أن) الشرطية، وهي قد صححت بفتح الهمزة فهي مع صلتها في تأويل المصدر بدل من ضمير المخاطبة، وخبر (إن) قوله:(أهون)، و (تخفروا) بضم التاء من الإخفار وهو نقضُ الذمة، والخَفْرُ: حفظُ الذمة، فالهمزة للسَّلب.

وقوله: (فإنك لا تدري أتصيب حكم اللَّه أم لا؟ ) فيه أن المجتهد يخطئ ويصيب.

3930 -

[5](عبد اللَّه بن أبي أوفى) قوله: (حتى مالت الشمس) إلى جهة

(1)"شرح الطيبي"(7/ 354).

ص: 654

ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ"، ثُمَّ قَالَ:"اللهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2965، 2966، م: 1742].

3931 -

[6] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا. . . . .

ــ

المغرب وهو وقت الزوال، قالوا: الحكمة فيه أنه وقت هبوب الرياح ونشاط النفوس، وقيل: سببه فضيلة وقت الصلاة والدعاء عندها، هذا وقد ورد في الحديث أنه تفتح أبواب السماء في هذا الوقت، وتصعد الأعمال إلى مصعد القبول، فينتظر فيه نزول أنوار الفتح والنصرة، وأيُّ عملٍ أفضلُ من القتال في سبيل اللَّه فيرجى القبول، وأيضًا وقت الصباح يتهيأ للقتال ويُهَيَّأ أسبابه، وآخر اليوم يقرب الليل، وهذا وسط النهار وقيام الظهيرة، واللَّه أعلم. هذا وقد دل الحديث الآتي في آخر الفصل عن النعمان بن مقرن أنه كان قد يقاتل أول النهار، وكان إذا لم يقاتل أوله انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلاة، ووجه التطبيق أن الأوقات والأحوال مختلفة تارة فتارة.

وقوله: (لا تتمنوا لقاء العدو) لأنه في حكم طلب البلاء، وهو منهي عنه، وبعدما نزل وجب الصبر والاستقامة، ولما فيه من صورة الإعجاب والوثوق بالقوة والاتكال على النفس وحولها، وتحقير العدو وعدم المبالاة والاهتمام به.

وقوله: (تحت ظلال السيوف) كناية عن الدنوِّ من مقام الضِّراب والقتال حتى يعلوَه السيفُ.

3931 -

[6](أنس) قوله: (غزا بنا) الباء للمصاحبة.

وقوله: (لم يكن يغزو بنا) هكذا في نسخ (المشكاة): (يغزو بنا) بإثبات الواو،

ص: 655

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ووقع في نسخ (المصابيح): (لم يكن يغز بنا) بحذف الواو، وقال التُّورِبِشْتِي (1): وأرى الواو قد سقط عن قلم الكاتب، وصوابه: لم يكن يغزو بنا بإثباتها إذ لا وجه لإسقاط حرف العلة هاهنا، وقال في (مجمع البحار) (2) عن الكرماني: إذا غزا بنا لم يكن يغز بنا بسقوط الواو لأنه بدل من (يكنْ)، وروي يغزو بثبوتها على لغة، انتهى، يريد أن حذف الواو هنا هو الأصل الظاهر، وإنما المحتاج إلى التوجيه إثباتُها، وهو على لغة من يرفع المضارع عند دخول الجازم، ويقال له لغة لم يخشى وهي لغة فصيحة.

ثم قال التُّورِبِشْتِي (3): ولو جعلناه من الإغزاء بالزا وقلنا: يغزينا على زنة يلهينا لم يستقم؛ لأن معنى قول القائل: أغزيت فلانًا: جهَّزته للغزو، ولا معنى له هاهنا، انتهى، يعني لو قلت: اللفظ يُغزِينا الفعل المضارع من أغزى من باب الإفعال، وضمير المتكلم مفعوله فليس هنا محل الواو، بل الواو التي كانت في المجرد أبدلت ياء لوقوعها في الرابع كما تقرر في علم الصرف، وليس ذلك يغز متعديًا إلى الضمير المتكلم بحرف الجر، لم يستقم المعنى؛ لأن الإغزاء بمعنى التجهيز للغزو، يقال: أغزَيتُه إذا جهَّزتَه، وليس المعنى هنا على هذا. وقال القاضي البيضاوي (4): المعنى مستقيم لأن المعنى لم يرسلنا إليه ولم يحملنا عليه على سبيل المجاز.

وأقول: قد ذكر في (القاموس)(5): أغزاه على أمرٍ بمعنى حمَلَه عليه، وأيضًا قد

(1)"كتاب الميسر"(3/ 897).

(2)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 38).

(3)

"كتاب الميسر"(3/ 898).

(4)

"تحفة الأبرار"(3/ 16).

(5)

"القاموس المحيط"(ص: 1210).

ص: 656

حَتَّى يُصْبحَ وَيَنْظُرَ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَخَرَجُوا. . . . .

ــ

يختلج تكرار بنا مع ذكره في الأول، ولا حاجة إليه، ثم قد ذكر في (مجمع البحار) (1) عن الكرماني: يُغرِينا بتحتية بعد راء من الإغراء، وروي يغر بحذفها، وروي يَغْدُ بسكون غين وبدال مهملة وحذف واو من الغدوِّ نقيضِ الرَّواحِ، فتدبر.

وقوله: (وينظر إليهم) أي: يتأمل في حالهم ويثبت في أمرهم حذرًا أن يغير على المؤمنين أو يكون فيهم أحد من المؤمنين، والظاهر هو الثاني؛ لأن الظاهر أنه قد كان علم أنها ديار الكافرين، لكن يحتمل أن يكون فيهم مؤمن أيضًا فيغير عليه، واللَّه أعلم.

وقوله: (وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم) لكونه علامة الكفر؛ لأن ترك الأذان في ذلك الزمان لم يكن متصوَّرًا، وجاء في الروايات الفقهية: الأذانُ شِعارُ الدِّين يجبُ القتالُ مع قومٍ ترَكُوه.

وقوله: (وإن قدمي لتمس قدم نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم) لقربه منه صلى الله عليه وسلم. وفي الحواشي: هذا يدل على أنهم ركبوا على مركب واحد، وفيه ما فيه.

وقوله: (فخرجوا) أي: الكفارُ من الحصن قاصدين نخيلَهم ومزارعَهم ولم يعلموا بنا، و (المكاتل) جمع مِكتَل بكسر الميم، شِبُه الزِّنْبيل يسَعُ خمسةَ عشرَ رِطْلًا، و (المساحي) جمع مِسْحَاةٍ، في (القاموس) (2): سحا الطين يَسْحِيه ويَسْحُوه وَيَسْحَاهُ

(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 38).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 1189).

ص: 657

إِلَيْنَا بَمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: مُحَمَّد واللَّهِ محمَّدٌ والخميسُ، فَلَجَؤوا إِلَى الْحِصْنِ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قومٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرينَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 610، 2991 م: 1365].

3932 -

[7] وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْقِتَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ القِتَالَ أَوَّلَ النَّهَارِ انْتُظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَاةُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3160].

ــ

سَحْيًا: قشَوه وجرفَه، والمِسْحَاة بالكسر ما سُحِيَ به، وصانعه سَحَّاء.

وقوله: (والخميس) بالرفع عطف على (محمد)، وقد ينصب على أنه مفعول معه، والخميس: الجيش، سمي به لانقسامه خمسة أقسام: المقدِّمةُ، والسَّاقةُ، والمَيمَنة، والمَيسَرة، والقلب، أو لتخميس الغنائم فيه.

وقوله: (اللَّه أكبر) فيه استحباب التكبير عند لقاء العدو.

وقوله: (بساحة قوم) أي: أرضهم.

3932 -

[7](النعمان بن مقرّن) قوله: (ابن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وبالنون.

وقوله: (حتى تهب الأرواح) أي: الرياح، وجمع الريح رِياح وأَرْيَاح وأَروَاح ورَيْح على وزن عيب، وجمع الجمع أَراوِيح وأَرايِيح، وأصله الواو، وإنما جاءت بالياء لانكسار ما قبلَها، فإذا رجعوا إلى الفتح عادت الواو كقولك: أرْوحَ الماءُ، كذا في (الصحاح)(1).

(1)"الصحاح"(1/ 367).

ص: 658