الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 - باب
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
3303 -
[1] عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ جَارِيَةً كَانَتْ لِي تَرْعَى غَنَمًا لِي، فَجِئْتُهَا وَقَدْ فُقِدَتْ شَاةٌ مِنَ الْغَنَمِ، فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا، وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ، أَفَأُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَيْنَ اللَّهُ؟ " فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ:"مَنْ أَنَا؟ ". . . . . .
ــ
13 -
بَابٌ
فِي بَيَانِ بَعْضِ أحْكَامِ كَفَّارِةِ الظِّهَارِ، ذكر فيه حديثًا واحدًا من رواية مالك ومسلم، ولم يذكر الفصل الثاني، ولم يشر المؤلف أيضًا إلى هذا كما هو عادته، وكان الظاهر على صاحب (المصابيح) أن يورد هذا الحديث، ولم يضع له بابًا كما لا يخفى.
الفصل الأول
3303 -
[1](معاوية بن الحكم) قوله: (فأسفت عليها) أي: غضِبتُ، يقال: أسف عليه كفرح: غضب، ومنه:(موتُ الفجاءةِ راحةٌ للمؤمن، وأخذةُ أسفٍ للكافر)، والأسف أيضًا شدة الحزن، وعلى هذا يجوز أن يكون الضمير للشاة.
وقوله: (وكنت من بني آدم) وعذر لغضبه ولطمه وجهها.
وقوله: (وعلي رقبة) واجبة من جهة كفارة الظهار أو اليمين أو نحوهما. (أفأعتقها) من تلك الجهات مع أني ندمت من لطمها، وأريد أن أعتقها جزاء من فعلي هذا، ولما كان الإيمان شرطًا في الكفارة امتحن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إيمانها، وسألها:(أين اللَّه؟ ) وفي
فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَعْتِقْهَا". رَوَاهُ مَالِكٌ. [ط: 2/ 776].
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ: كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا،
ــ
رواية: أين ربُّكِ؟ (فقالت: في السماء)، وليس المراد السؤالَ عن مكان الرب تعالى، حاشا من ذلك، بل أراد أن يتعرَّف أنها موحِّدة أو مشركة، فقنع منها بأن نفَت الآلهة الأرضية، وبرأت منها، وعلمت أن لها ربًّا يدبِّر الأمر من السماء إلى الأرض، كقوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16]، ولم يطالبها بالتنزيه الصرف والعلم بما يجب الاعتقاد به من صفات الحق تعالى وتقدس، وقد يكتفى بهذا القدر في أمثال ذلك، كذا قالوا، على أن في اشتراط الإيمان في غير كفارة القتل كلامًا بين الأئمة، ولعل الحق كان عنده صلى الله عليه وسلم عدمه كما هو مذهب الحنفية، ومع ذلك كان الأولى والأفضل ذلك، ويكفي في ذلك هذا القدر من الإيمان فتدبر، واللَّه أعلم.
وقوله: (الجوانية) بفتح الجيم وتشديد الواو وبعد الألف نون ثم ياء مشددة، هكذا ضبطوا، وكذا ذكره أبو عبيد البكري والمحققون، وحكى عياض تخفيف الياء، والمختار التشديد، وهي موضع بقرب أحد في شمال المدينة، كذا ذكر النووي في (شرح مسلم)(1)، وذكره في (باب تحريم الكلام في الصلاة)، وقال القاضي عياض في (المشارق) (2): الجوانية بفتح الجيم وتشديد الواو وبعد الألف نون مكسورة بعدها ياء باثنتين تحتها مخففة، كذا ضبطه أكثرهم، وكذا قيدته على أبي بحر، وعند ابن
(1)"شرح صحيح مسلم"(3/ 29).
(2)
"المشارق"(1/ 169).
وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنْ صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ (1): يَا رَسُولَ اللَّهِ!
ــ
أبي جعفر بتشديد الياء، قال البكري: كأنها تنسب إلى جَوَّانٍ، وهذا يدل على تشديد الياء، وهو أرض من عمل المدينة من جهة الفَرْعِ.
وقوله: (آسف) بفتح السين ومد الهمزة على لفظ المتكلم.
وقوله: (ولكن صككتها صكة) أي: أردت أن أضربها ضربًا شديدًا أوجعها به، وما فعلت ذلك، لكن صككتها صكة، أي: لطمتها لطمة، قال البيضاوي (2) في تفسير قوله تعالى:{فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} : لطمت بأطراف الأصابع جبهتها فعل المتعجب، هذا وقال في (المشارق) (3): صَكَّ فِي صدري، أي: ضرب فيه ضربةً شديدةً بكفِّه، وكذلك قوله:(لكني صككتها صكة) أي: لَطَمْتُها، وفي (مجمع البحار) (4): في حديث موسى: (فلمَّا جاء صكَّه) أي: لطمه على عينه التي رُكِّبت في الصورة البشرية ففقأها، وقال في (القاموس) (5): صكه: ضربه شديدًا، تعريض أو عام، وقال السيوطي في (مختصر النهاية) (6): قال ابن الجوزي: الصكة: الدفعة.
وقوله: (فعظم) من التعظيم، والضمير للرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أي: عدَّ ذلك الفعلَ، أي: اللطمَ عظيمًا.
(1) في نسخة: "فقلت".
(2)
"تفسير البيضاوي"(5/ 229).
(3)
"مشارق الأنوار"(2/ 44).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 341).
(5)
"القاموس"(ص: 871).
(6)
"الدر النثير"(2/ 576).