الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْقَضَاءِ؟ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلَانِ فَلَا تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الآخَرِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبيَنَ لَكَ الْقَضَاءُ"، قَالَ: فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ: "إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرأيِي" فِي "بَابِ الأَقْضِيةِ وَالشَّهَاداتِ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [ت: 1331، د: 3582، جه: 231].
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
3739 -
[9] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ حَاكمِ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَلَكٌ آخِذٌ بِقَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،
ــ
دفع كل من المتخاصمين كلام الآخر، ومكر أحدهما بالآخر، فإنه كان رضي الله عنه لم يجرِّب ذلك قبل هذا، وإلا فهو كامل العلم بأحكام الدين وقضاء الشرع، وقد ورد:(أقضاكم عليٌّ)(1).
وقوله: (فما شككت في قضاء) أي: حكم.
الفصل الثالث
3739 -
[9](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (حاكم) عادلًا كان أو ظالمًا.
وقوله: (وملك آخذ بقفاه، ثم يرفع رأسه إلى السماء) يدل على كونه مقهورًا في يده كمَن رفع رأسَه الغُلُّ مُقمَحًا، هذه عبارة الطيبي (2)، ويدل على أنه جعل الضمير
(1) أخرجه ابن ماجه (154) ولفظه: "أقضاهم علي".
(2)
"شرح الطيبي"(7/ 233).
فَإِنْ قَالَ: أَلْقِهْ أَلْقَاهُ فِي مَهْوَاةٍ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [حم: 4097، جه: 2311، شعب: 7127].
ــ
في (يرفع) للملك وفي (رأسه) للحاكم، كأنه شبه رفع الملك رأسه برفع الغُلِّ رأسَ المغلول، فإن المغلول يكون رأسه مرفوعًا إلى السماء لا يستطيع أن يتحرك، يقال: أقمَحَه الغُلُّ: إذا ترك رأسَه مرفوعًا من ضيقِه، هذا والظاهر عندنا أن يكون ضمير (رأسه) أيضًا للملك كضمير (يرفع) أي: ينتظرُ حكمَ اللَّه فيه كما هو عادة من يقيم عاصيًا عند السلطان، فيأخذ قفاه وينظر إلى السلطان مستو على مكان عالٍ، وينتظر ما يحكم فيه، وهذا المعنى أشد ملاءَمةً بقوله:(فإن قال) أي: اللَّه سبحانه: (ألقه) في جهنم، (ألقاه) الملَكُ (في مهواة أربعين خريفًا) والمهواة محل سقوط، والهُوَّة على وزن القوة: ما انهبط من الأرض، أو الوهدة، والمهواة كالهواء: الجوّ، وهَوى الشئُ: سقطَ من علو إلى سُفْلٍ كأهوى وانهوى، كذا في (القاموس)(1).
و(الخريف): الزمان المعروف من فصول السنة، والمراد به السنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة، ولأنهم يعتبرون ابتداء السنة منه، ولذا خصه بالذكر، والمراد بالأربعين المبالغة في عمق المهواة لا التحديد بهذه المدة، ومهواة منون في أكثر الروايات، وجاء بالإضافة، وهذا يكون في الحاكم إن كان ظالما، ودلّ بقوله:(فإن قال: ألقه) على ما يقابله، أي: وإن قال: أَدْخِلِ الجنةَ أُدْخِلَها، وهذا كحديث أبي أمامة المذكور في الفصل الثالث من (كتاب الإمارة والقضاء) من قوله:(ما من رجل يلي أمرَ عشرةٍ فما فوقَ ذلك إلا أتى اللَّه عز وجل مغلولًا يوم القيامة يده إلى عنقه، فكَّه برُّه أو أوبقَه إثمُه)، وكان قوله في ذلك الحديث: مغلولًا هو الذي حمل الطيبي على
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1235).
3740 -
[10] وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي ثَمْرَةٍ (1) قَطُّ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 6/ 75].
3741 -
[11] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةٍ:"فَإِذَا جَارَ وَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ". [ت: 1330، جه: 2312].
3742 -
[12] وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ مُسْلِمًا وَيَهُودِيًّا اخْتَصَمَا إِلَى عُمَرَ، فَرَأَى الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بِهِ،
ــ
تفسير قوله في هذا الحديث: (ثم يرفع رأسه إلى السماء) برفع الغُلِّ رأسَ المغلول، ولا حاجة إليه على ما ذكرنا من التفسير، فتأمل.
3740 -
[10](عائشة) قوله: (يوم القيامة) بالرفع فاعل (ليأتين)، و (يتمنى) حال من القاضي أو منه بتقدير يتمنى فيه، وقد روي بالنصب والفاعل يتمنى بتقدير (أنْ)، وفي التقييد بالعدل مبالغة يعني إذا كان حال القاضي العدل هذا فكيف بغيره.
3741 -
[11](عبد اللَّه بن أبي أوفى) قوله: (اللَّه) وفي بعض النسخ: (إن اللَّه)، (مع القاضي) أي: بالنصر والإعانة.
3742 -
[12](سعيد بن المسيب) قوله: (فقضى له) أي: لليهودي (عمر به) أي بالحق.
(1) كذا في النسخة الهندية، وفي "المرقاة" (6/ 2430):"تمرة".
فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ، يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ. [ط: 2/ 719].
3743 -
[13] وَعَنِ ابْنِ مَوْهَبٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: اقْضِ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: أَوَ تُعَافِيني؟ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَالَ: وَمَا تَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ يَقْضِي؟ قَالَ: لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِالْعَدْلِ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَنْقَلِبَ مِنْهُ كَفَافًا". . . . .
ــ
وقوله: (لقد قضيت بالحق) إذ لم تمل إلى من هو على دينك، فهذا بتوفيق اللَّه وتسديده، فينطبق جواب اليهودي في مقابلة قول عمر:(وما يدريك؟ )، فافهم. و (الدرة) بكسر الدال وتشديد الراء، وضربه كان بطريق الرفق والمطايبة، كما هو العادة، لا ضربًا مبرحًا.
3743 -
[13](ابن موهب) قوله: (وعن ابن موهب) بفتح الهاء.
وقوله: (أو تعافيني؟ ) بالواو بعد الهمزة والمعطوف عليه محذوف، أي: أترحم وتعافيني؟
وقوله: (فبالحري) الرواية المشهورة بكسر الراء وتشديد الياء بلفظ الصفة على وزن فَعِيل بمعنى الخَلِيق والجَدِير، فالباء زائدة وهو مبتدأ ما بعده خبره، وقد يروى بلفظ المصدر بفتحتين مقصورًا، فالباء للملابسة والإعراب على العكس.
وقوله: (أن ينقلب منه كفافًا) بالفتح هذا اللفظ أخذه ابن عمر من كلام أبيه رضي الله عنهما، فقد وقع في حديث عمر: ودِدتُ أن سلِمتُ من الخلافة كفافًا لا عليَّ ولا لي، قال
فَمَا رَاجَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 1322].
3744 -
[14] وَفِي رِوَايَةِ رَزِينٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا أَقْضِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ، قَالَ: فَإِنَّ أَبَاكَ كَانَ يَقْضِي فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ أُشْكِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ شَيْءٌ سَأَلَ جِبْرِيلَ عليه السلام، وَإِنِّي لَا أَجِدُ مَنْ أَسْأَلُهُ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ عَاذَ بِاللَّهِ، فَقَدْ عَاذَ بِعَظِيمِ" وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ عَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوه" وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تَجْعَلَنِي قَاضِيًا فَأَعْفَاهُ، قَالَ: لَا تُخْبِرْ أَحَدًا. [حم: 1/ 66، صحيح ابن حبان: 11/ 440 مختصرًا].
* * *
ــ
في (النهاية)(1): الكفاف هو الذي لا يفضُلُ عن الشيء، ويكون مقدارَ الحاجة إليه، وهو نصب على الحال، وقيل: أراد به مكفوفًا عني شرُّها، وقيل: معناه أن لا تنال مني ولا أنال منها، أي: تكف عني وأكف عنها.
3744 -
[14](نافع) قوله: (فإن أباك كان يقضي) المراد أنه كان يقضي في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى.
وقوله: (وإني لا أجد من أسأله) أي: مَن يُقطَعُ بصوابه كالنبي صلى الله عليه وسلم، فافهم.
وقوله: (لا نجبر) بلفظ المتكلم من الإجبار بمعنى الإكراه، وفي بعض النسخ:(لا تخبر) بلفظ النهي من الإخبار بمعنى الإعلام، واللَّه أعلم.
(1)"النهاية"(4/ 191).