الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - باب ما لا يضمن من الجنايات
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
3510 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعَجْمَاءُ جرْحُهَا جُبَارٌ،
ــ
2 -
باب ما لا يضمن من الجنايات
لما ذكر من الجنايات ما يوجب الضمان من القود والدية أراد أن يذكر منها ما لا يضمن، والجناية مصدر جنى يجني، يقال: جنى الذنبَ عليه يجنيه جنايةً: جرَّه إليه، وجنى الثمرةَ: اجتناها، ثم ما لا يضمن من الجناية قد ينهى عنه نهي تحريم أو تنزيه، وقد أورد الأحاديث في ذلك.
الفصل الأول
3510 -
[1](أبو هريرة) قوله: (العجماء) بفتح العين ممدودًا: أي البهيمة، سميت عجماء لأنها لا تتكلم.
وقوله: (جرحها) بضم الجيم وبفتحها، فبالفتح مصدر، ويالضم الاسم، و (جبار) بضم الجيم وتخفيف الباء، أي: هَدَرٌ لا طلَبَ فِيه، وقيل: أصل ذلك أن العرب تسمِّي السَّيلَ جُبارًا لهذا المعنى، كذا في (المشارق)(1)، وفي (القاموس) (2): الجُبَار: الهَدَرُ والباطلُ والسَّيلُ.
وليس في بعض الروايات (جرحها) بل (العجماء جبار)، والمراد فعلها، وإنما
(1)"مشارق الأنوار"(1/ 214).
(2)
"القاموس"(ص: 338).
وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6912، م: 1710].
3511 -
[2] وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشَ الْعُسْرَةِ، وَكَانَ لِي أَجِيرٌ،
ــ
كان جُبارًا إذا لم يكن لها سائقٌ ولا قائدٌ، وإلا فالسائق والقائد يضمنان، وقال في (الهداية) (1): السائق ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها، والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها، وكذا الراكب ضامن لما أوطات الدابة وما أصابت بيدها أو رجلها أو رأسها، ولو كان راكب وسائق قيل: لا يضمن السائق لأن الراكب مباشر فيه، وكذا إن كان انفلاتُها ليلًا لأنه محل الربط، وإن كان نهارًا فلا ضمان.
وقوله: (والمعدن) على وزن مجلس: منبت الجواهر من ذهب ونحوه، من عَدَنَ بالبلد يَعدِنُ وَيعدُنُ: أَقَامَ، سمي به لإقامة أهله فيه دائمًا، أو لإنبات اللَّه عز وجل إياه فيه، ومعنى كونه جبارًا أنه دخل فيه أحد أو قام عليه فسقط فهلك، فليس على الذي حفره ضمان.
وقوله: (والبئر جبار) أي: من حفر بئرًا، أي: في أرضه أو في الأرض المباحة، وسقط فيه رجل فمات فلا قودَ ولا ديةَ على الحافر كما في المعدن.
3511 -
[2](يعلى بن أمية) قوله: (غزوت) غزاه غزوًا: أراده وطلبه وقصده، وغزا العدوَّ: سار إلى قتالهم وانتهابهم غزوًا وغُزوانًا وغَزاةً وهو غازٍ، و (جيش العسرة) هو جيش غزوة تبوك لشدة الأمر عليهم فيها للحرِّ وعُسرِ الحال من جهة الزاد والظَّهر، وهو آخِرُ غزواته صلى الله عليه وسلم، وقد جهَّزه عثمان رضي الله عنه فأوجب لنفسه الجنة، ومن مناقبه
(1)"الهداية"(4/ 479).
فَقَاتَلَ إِنسانًا فَعَضَّ أَحَدُهمَا يَدَ الآخَرَ، فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ، فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ فَسَقَطَتْ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، وَقَالَ:"أَيَدَع يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَالْفَحْلِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2265، م: 1674].
ــ
تجهيز جيش العسرة.
وقوله: (فقاتل) أي: خاصم.
وقوله: (من في العاض) أي: مِن فيه.
وقوله: (فأندر) بالدال المهملة، أي: أسقطَ وأخرجَ، ندر الشيءُ: سقطَ، وأندَرَه: أسقَطَه.
وقوله: (تقضمها) بالضاد المعجمة بفتح الضاد، كذا في (المشارق)(1)، أي: تعَضُّها، وفي (القاموس) (2): قضم كسمع: كل بأطراف أسنانه، أو أكل يابسًا، انتهى. وجعل بعضهم كونه من باب ضرب لغةً فيه، و (الفحل) الذكر من كل حيوان، ويراد به ذكر الإبل كثيرًا، وهو المراد هنا، وكذا حكم من اضطر إلى الدفع، كالمرأة تدفع عن نفسها من قصد الفجور بها مثلًا، لكن ينبغي أن يرفق في الدفع إلا من قصد القتل، كمن شهر سيفًا أو عصًا ليلًا في مصر، أو نهارًا في طريق في غير مصرٍ، فقتله المشهورُ عليه عمدًا فلا شيءَ عليه، كذا في (الهداية)(3)، لأن في الليل لا يلحقه الغَوْثُ، وكذا في النهار في غير المصرِ فِيُضطَرُّ إلى دفعه بالقتل.
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 319).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1060).
(3)
"الهداية"(4/ 448).
3512 -
[3] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2480، م: 641].
3513 -
[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ" قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: "قَاتِلْهُ" قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ" قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: "هُوَ فِي النَّارِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 140].
3514 -
[5] وَعَنْهُ أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أَحَدٌ، ولمْ تَأذَنْ لَهُ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ. . . . .
ــ
3512 -
[3](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (من قتل دون ماله) أي: عند الدفع عن ماله، وكذا دون أهله.
3513 -
[4](أبو هريرة) قوله: (فلا تعطه) أي: إن كان كما وصفتَه فلا تعطه.
وقوله: (قال: هو في النار) أي: لا شيءَ عليك، وفيه أن دفع القاتل وهلكته في الدفع مباح.
3514 -
[5](أبو هريرة) قوله: (فخذفته) بالخاء والذال المعجمتين بعدهما فاء، أي: رمَيْتَه، وهو أن ترمي بحصاة أو نواة أو نحوهما تأخذها بين سبابتك وإبهامك أو بين سبابتيك أو بمخذف من الخشب، وقد مرّ ذكره في (كتاب الحج) في معنى حصى الخذف.
وقوله: (ففقأت عينه) بتاء الخطاب، فقأ العين والبشرة كمنع: كسَرَها، أو
مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6888، م: 2158].
3515 -
[6] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ:"لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي لطَعَنْتُ بهِ فِي عَيْنيكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6901، م: 2156].
ــ
قلَعَها.
وقوله: (ما كان عليك من جناح) أي: إثم فضلًا عن أن يكون ضمان، وبه عمل الشافعي، وقيل: إذا فقأها بعد أن زجره فلم يزجر، وقال أبو حنيفة: عليه الضمان، والحديث محمول على الزجر والتشديد.
3515 -
[6](سهل بن سعد) قوله: (في جحر) بتقديم الجيم على الحاء.
وقوله: (ومعه مدرى) بكسر الميم وسكون المهملة وراء منونة، كعصًا: عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض، وهو يشبه المِسلَّةَ، وقيل: هو عود أو حديدة كالخلال لها رأس محدد، وقيل: خشبة على شكل سن المشط يحكُّ بها ما لا تصلُ اليدُ إليه، وفي (القاموس) (1): درى رأسه: حكَّه بالمِدرَى، وهو القَرنُ كالمِدرَاةِ، وادَّرَت المرأةُ وتدرَّتْ: حكَّتْه بالمِدرَى (2).
وقوله: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) يعني فيكون النظر بلا استئذان كالدخول بلا استئذان.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1179).
(2)
قوله: "حكته بالمدرى" كذا في الأصل، وفي "القاموس": سرّحت شعرها.
3516 -
[7] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ فَقَالَ: لَا تَخْذِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ، وَقَالَ:"إِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلَا يُنْكَأُ بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5479، م: 1954].
3517 -
[8] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا وَفِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ،
ــ
3516 -
[7](عبد اللَّه بن مغفل) قوله: (وقال: إنه لا يصاد به صيد. . . إلخ)، يعني لا نفع فيه دنياوىٌّ ولا دينيٌّ، وما هو إلا شرّ فلا لَلعب به، ويلحق به كل ما شاركه في هذا المعنى.
وقوله: (ولا ينكأ به) أي: لا يخرج، من نكيتُ فِي العدو أنكي: إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا، والهمز لغة، يقال: نكأت القرحةَ: إذا قشَرتَها، كذا في (النهاية)(1)، وقال في (القاموس) (2) في باب الهمزة: نكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ، وفي باب الواو والياء: نكى العدوَّ وفيهم نِكايةً: قتل، وجرح، والقرحةَ: نكأها، ويفهم منه أن الناقص يستعمل في العدوِّ وفي القرحة، والمهموز مخصوص بالأخير.
وقوله: (ولكنها) أي: هذه الفعلة أو الرمية أو الحصاة.
3517 -
[8](أبو موسى) قوله: (في مسجدنا وفي سوقنا) أي: مساجد المسلمين وأسواقهم، ويلحق بها المَجامعُ كلُّها، و (النبل) السهام العربية لا واحد لها من لفظها،
(1)"النهاية"(5/ 117).
(2)
"القاموس"(ص: 64، و 1230).
فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7075، م: 2615].
3518 -
[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7072، م: 2617].
3519 -
[10] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَضَعَهَا، وَإِنْ كَانَ أَخاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2616].
ــ
فلا يقال: نبلة، وإنما يقال: سهم، أو يقال: نبلة، والجمع: أنبال ونبال ونُبْلان، والنَّبَّالُ: صاحبه وبائعه، وحرفته: النِّبَالة، والْمُتَنَبِّلُ: حامله، و (النصال) جمع النصل وهو حديدة السهم والرمح، وتعدية الإمساك بـ (على) لتضمين معنى الحفظ والقبض.
وقوله: (أن يصيب) أي: مخافةَ أن يصيب وكراهتَه.
3518 -
[9](أبو هريرة) قوله: (بالسلاح) هو بالكسر، والسِّلَحُ كعنب، والسُّلْحَانُ بالضم: آلة الحرب أو حديدتها، ويؤنث.
وقوله: (ينزع في يده) بعين مهملة، أي: يجذبه حال كون السلاح في يده، كأنه يوقع يده لتحقق إشارته حين يشير به باللعب والهزل، ويروى بغين معجمة من النزغ بمعنى الإفساد والإغراء، أي: يُغرِيه فيحمله على تحقيق الضرب والطعن، وفيه النهيُ عن الملاعبة بالسلاح والهزل به.
3519 -
[10](أبو هريرة) قوله: (وإن كان أخاه لأبيه وأمه) تحقيق للهزل وعدم
3520 -
[11] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَزَادَ مُسْلِمٌ: "وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا". [خ: 7070، م: 101].
3521 -
[12] وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيفَ فَلَيْسَ مِنَّا". . . . .
ــ
القصد في الإشارة، ومع وجوده يتوجه اللعن، ففيه من المبالغة ما لا يخفى.
3520 -
[11](ابن عمر) قوله: (من حمل علينا) أي: على المسلمين، قيل: يجوز أن يكون الجار والمجرور يتعلق بالفعل، و (السلاح) منصوب على نزع الخافض، يقال: حمل عليه حملة بالسلاح، وأن يكون حالًا والسلاح مفعولًا، أي: حمل السلاح علينا لا لنا، انتهى. وعلى التقديرين ينبغي أن يحمل على الهزل واللعاب كما في الحديث السابق ليفيد الحكم، وإلا فالظاهر أن الحامل قصدًا وحرابًا ليس منهم وعلى سنتهم.
وقوله: (ومن غشّنا) أي: خاننا وترك النصيحة لنا، في (القاموس) (1): غشَّه: لم يمحَضْه النُّصحَ، أو أظهرَ له خلافَ ما أضمرَ.
3521 -
[12](سلمة بن الأكوع) قوله: (من سلّ علينا السيف فليس منا) وجاء في بعض الروايات: (من حمل السيف على أمة محمد)، وهو أيضًا محمول على معنى الهزل وعدم قصد القتل لتوافق ترجمة الباب وإلا فمن شهر على المسلمين سيفًا فعليهم أن يقتلوه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من شهر على المسلمين سيفًا فقد أُطِلُّ
(1)"القاموس"(ص: 555).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 99].
3522 -
[13] وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ هشامَ بنَ حَكِيمٍ مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ، وَقَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ. . . . .
ــ
دمه) (1)؛ ولأنه باغٍ فِيسقط عصمته ببغيه؛ ولأنه تعين طريقًا لدفع القتل عن أنفسهم كما مرّ.
3522 -
[13](هشام بن عروة) قوله: (من الأنباط) النبط والنبيط والأنباط: جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين (2)، وهو نبطي محركة ونباطي مثلثة، كذا في (القاموس)(3)، وفي (المشارق) (4): النبط والنبيط، والأنباط جمعه: نصارى الشام الذين عمروها وأهل سواد العراق، وقيل: جيل وجنس من الناس، ويحتمل أن تسميتهم بذلك لاستنباطهم المياه واستخراجها، واسم الماء النبط، وقيل: سمي بذلك من أجلهم، واسمهم لفعلهم ذلك وعمارتهم الأرض، انتهى. يعني يحتمل أن يكون تسميتهم بالنبط بأجل الماء واستنباطهم إياه وعملهم فيه، وأن يكون تسمية الماء بذلك من أجلهم وكونه فعلًا لهم، فعلى الأول تسميتهم به مقدم على تسمية الماء به، وعلى الثاني على العكس، والظاهر هو الأول، قال في (القاموس) (5): نبط الماءُ ينبطُ نبطًا ونبوطًا: نبَعَ، والبئرَ: استخرجَ ماءَها.
(1) انظر: "نصب الراية"(4/ 347)، و"الدراية"(2/ 267).
(2)
أي: بين البصرة والكوفة. "مرقاة"(6/ 2198).
(3)
"القاموس"(ص: 635).
(4)
"مشارق الأنوار"(2/ 4).
(5)
"القاموس المحيط"(ص: 635).
وَصُبَّ عَلَى رُؤوسِهِمُ الزَّيْتُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: يُعَذَّبُونَ فِي الخَراجِ فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2613].
3523 -
[14] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَنْ تَرَىَ قَوْمًا فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ، يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ"، وَفِي رِوَايَةٍ:"وَيَرُوحُونَ فِي لَعْنَةِ اللَّهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2857].
ــ
وقوله: (وصب على رؤوسهم الزيت) أي: الزيت الحر.
وقوله: (ما هذا؟ ) إنما لم يقل: من هم؟ استغرابًا لتلك الحال وتعجبًا منها.
وقوله: (يعذبون الناس في الدنيا) أي: بغير حق، وبما لا يتعارف به العذاب في الشدة والشناعة وبما يعذب به اللَّه في الآخرة، اللهم إلا إذا شنع جنايتهم غاية الشناعة، ورأى الإمام المصلحة في تشديد عذابهم قصاصًا أو سياسة، ومع ذلك لا يجوز التعذيب بالنار إلا ما روي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من إحراق الزنادقة ومع ذلك أنكر ابن عباس، واللَّه أعلم.
3523 -
[14](أبو هريرة) قوله: (مثل أذناب البقر) أي: سياط، ويسمى المقارع، وهي جلدة طرفها مشدود وعرضها كعرض الأصبع يضربون بها الناس عُراةً، وقيل: هم الطوافون على أبواب الظلمة الساعون بين أيديهم يطردون الناس بالضرب والسباب، وهم كالكلاب العقور.
وقوله: (يغدون ويروحون) كناية عن الاستمرار، ويحتمل أن يكون المراد
3524 -
[15] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ. . . . .
ــ
الوقتين المخصوصين لإيذائهم الناس فيهما.
3524 -
[15](أبو هريرة) قوله (: كاسيات عاريات) من كسا يكسي فهو كاسٍ، أي: صار ذا كسوة، ومنه: واقعُدْ فإنَّكَ أنت الطاعمُ الكاسي، أو هو بمعنى مفعول من كسا يكسو، كذا في (مجمع البحار)(1)، ويجوز أن يكون من كسا يكسو بمعنى كاسياتٍ أبدانَهنَّ وأنفسَهنَّ، ثم ذكروا في معناه وجوهًا.
قال التُّورِبِشْتِي (2): المعنى يلبسن من رقائق الثياب ما يبدو عنه أجسامهن فتصفها للناظرين فهي عارياتٌ على الحقيقة وإن كنَّ كاسياتٍ في الصورة، أو كاسيات من نعم اللَّه عاريات من الشكر، وأرى الوجه فيه الأول لأنه قال في أول الحديث:(صنفان من أهل النار لم أرهما) ولم يخلُ زمانه عنهن على التأويل الثاني؛ لأنه إن لم يوجد هذا المصنف في مؤمناتِ زمانه فما أكثرَ ما وُجِدَ فِي المنافقات والكوافر، انتهى. وقيل: هو أن يكشفن بعض جسدهن ويسدلن الخمر من وراءهن فتكشف صدورهن وبطونهن فهي كاسيات كعاريات، أقول: ويجوز أن يكون معناه ما وقع في حديث ندبهن إلى الصدقة من قوله صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ فِي الآخرة) أي: متنعمات مترفعات في الكسوة عارية عن الحسنات ولباس التقوى التي يكتسين بها في الآخرة حُلَلَ
(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 411).
(2)
"كتاب الميسر"(3/ 823).
مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ. . . . .
ــ
الجنة، واللَّه أعلم.
وقوله: (مميلات مائلات) قال التُّورِبِشْتِي (1): ذكر فيه أبو عبيد الهروي عن ابن الأنباري (مائلات) أي: زائغات من طاعة اللَّه وما يلزمهن من حفظ الفروج، و (مميلات) يعلِّمنَ غيرَهنَّ الدخولَ فِي مثل فعلهن، وقيل: مائلات: متبخترات في مشيهن، فمميلات يملن أكتافهن وأعطافهن، ويجوز أن يكون المائلات والمميلات بمعنًى من باب التأكيد والمبالغة كما يقال: جادٌّ مجدٌّ، ويحتمل أن يكون المعنى في المائلات التي يَمِلْنَ إلى الفحول، وفي المميلات المُمِيلات قلوبَ مَن رغب فيهن من الرجال، انتهى.
أقول: بل هذا أظهر الوجوه يحمل الميل على كثرته والمبالغة فيه بترك الستر والحياء، والحيلة فيه حمل الإمالة بالتزين والتجمل وإبداء زينتهن والمراودة كما هو عادة الفواحش والزواني، وفي معناه ما قيل: مائلات إلى الفتنة ومميلات إليها، هذا وقد قيل في معنى مائلات: يمتشطن مِشْطة المَيْلاء، وهي مشطة البغايا، ومميلات: يمشطنها لغيرهن، قال في (القاموس) (2): الميلاء: ضرب من الامتشاط ما يُمِلْنَ فيه العقاص، انتهى. وفيه حديث ابن عباس قالت له: إني أمتشط الميلاء، فقال عكرمة: رأسك تبع لقلبك، فإن استقام قلبك استقام رأسك، وإن مال قلبك مال رأسك.
(1)"كتاب الميسر"(3/ 823).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 977).
رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2128].
3525 -
[16] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ". . . . .
ــ
وقوله: (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) قيل: أراد به أنهن يغطِّين رؤوسهن بالخُمُر والعِمامة والعِصابة حتى تشبه أسنمةَ البُخْت، قال التُّورِبِشْتِي (1): أراد بذلك عظمها وميلها من السمن، والبخت بالضم: الإبل الخراسانية كالبختية، كذا في (القاموس)(2).
وقوله: (المائلة) صفة الأسنمة لأن أعلى السنام يميل لكثرة شحمه، وهذا من شعائر نساء مصر كذا قالوا، ويجوز أن يقال: أراد بقوله: (رؤوسهن كأسنمة البخت) أنهن يكثرن عقاص شعورهن حتى تشبه بالأسنمة، وهذا هو الأظهر، واللَّه أعلم.
وقوله: (لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها) حين تدخلُ العفائفُ ويجِدْنَ، وهو تشديد وتغليظ، وقد مرّ مثل هذا مرارًا، ويكفي في وجوب التأويل قوله صلى الله عليه وسلم:(وإن زنى وإن سرق)، وغاية هذه الأفعال أنها مبادئ الزنا ومن مقدماتها.
3525 -
[16](أبو هريرة) قوله: (إذا قاتل أحدكم) أي: ضارب وخاصم، قيل: ولو مع الكفار.
وقوله: (فليجتنب الوجه) قيل: الأمر للندب.
وقوله: (فإن اللَّه خلق آدم على صورته) اختلفوا في بيان معنى هذا الكلام،
(1)"كتاب الميسر"(3/ 823).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 149).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2559، م: 2612].
ــ
فقيل: إن الضمير راجع إلى آدم عليه السلام، إما بمعنى أنه خلق على صورته التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى منقرض عمره بخلاف سائر الناس، وإما بمعنى أنه خلق على صورة وحال مختص به لا يشاركه نوع آخر من المخلوقات يتطور وينقلب في أحوال مختلفة والكمال والنقصان والترقي والتنزل من خصيص البهيمة إلى ذروة الملائكة، وإما بمعنى أنه تعالى اخترع صورته لم يتقدم مثلها، وسائر المخلوقات لها مثال وشبه، وآدم خلق على صورة بديعة عجيبة لم يشبه شيئًا.
وقيل: الضمير راجع إلى المضروب، وقد جاء أن أحدًا كان يضرب أخاه على وجهه فنهاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: وعلله بأن اللَّه خلقَ آدمَ على صورته.
وقيل: الضمير للَّه سبحانه؛ فإنه قد جاء في رواية: إنَّ اللَّه خلقَه على صورةِ الرحمنِ، وقد تُكُلِّم في صحة هذه الرواية، ولفظه لا يخلو عن ركاكة، واللَّه أعلم. ولا يجوز إجراؤه على الظاهر.
وقد أخطأ فيه بعض المحدثين وذهب مذهبَ المجسِّمة وإن كانوا يقولون: اللَّه جسم ليس كالأجسام وله صورة ليست كالصور، فإنهم إن أرادوا به حقيقة الصورة المركبة لكن صورة تباين سائر الصور فذاك، وإن أرادوا أنا نعتقد أن له صورة ولا نعرف كُنهَ ما أراد به كاليد والعين كما هو مذهب من لم يؤوِّلها ويفوض علمه إلى اللَّه فذاك مذهب المتقدمين من السلف، لكن لا يعقل خلق آدم عليها كما لا يخفى، فافهم.
وقيل: إضافة الصورة إلى اللَّه من جهة التشريف والتكريم كما في بيت اللَّه وروح اللَّه، أو من جهة أن المراد صورة اجتباها واختارها حيث جعلها نسخة لجميع مخلوقاته.
والحقُّ أن المراد بـ (صورة): الصفة كما يقال: صورة المسألة كذا، وصورة