المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(13) كتاب النكاح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الولى فى النكاح واستئذان المرأة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المحرمات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المباشرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌7 - باب الصداق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الوليمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب القسم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الخلع والطلاق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌14 - باب اللعان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب العدة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الاستبراء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب النفقات وحق المملوك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(14) كتاب العتق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المرض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(15) كتاب الأيمان والنذور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب في النذور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(16) كتاب القصاص

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الديات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب ما لا يضمن من الجنايات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب القسامة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(17) كتاب الحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب قطع السرقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الشفاعة في الحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب حد الخمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب ما لا يدعى على المحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌5 - باب التعزير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌6 - باب بيان الخمر ووعيد شاربها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(18) كتاب الإمارة والقضاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما على الولاة من التيسير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب العمل في القضاء والخوف منه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب رزق الولاة وهداياهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأقضية والشهادات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِى:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(19) كتاب الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب إعداد آلة الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب السفر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

3406 -

[1] عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ: "لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 7391].

3407 -

[2] وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6646، م: 1646].

ــ

و(النذور) جمع نذر، يقال بفتح النون وضمها وسكون الذال فيهما، وهو إيجاب الإنسان على نفسه والتزامه من طاعة بسبب يوجبه، لا تبرعًا، كذا قيل، قال في (القاموس) (1): نذر على نفسه، ينذِر وينذُر، نذرًا ونذورًا: أوجبه، كانتذر، ونذر ماله، ونذر للَّه سبحانه [كذا. أو النذر]: ما كان وعدًا على شرط، كعَليَّ إن شفى اللَّه مريضى.

الفصل الأول

3406 -

[1](ابن عمر) قوله: (يحلف) حال ساد مسد الخبر، مثل قائمًا في قولك: أخطب ما يكون الأمير قائمًا.

وقوله: (لا ومقلب القلوب) بيان لما يحلف به، و (لا) نفي للكلام السابق كما في قولهم: لا واللَّه.

3407 -

[2](عنه) قوله: (إن اللَّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) وقد حكم بعض الفقهاء بكفر من حلف بالأب، ولعل ذلك إذا اعتقد تعظيم الآباء مشركًا في

(1)"القاموس"(ص: 447).

ص: 240

3408 -

[3] وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلَا بِآبَائِكُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1648].

3409 -

[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى؛ فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ. . . . . .

ــ

ذلك بتعظيم اللَّه سبحانه، وإلا فالحرمة والكراهة باقٍ، وهو حكم الحلف بغير أسماء اللَّه وصفاته كائنًا من كان، وأما إقسام اللَّه سبحانه ببعض مخلوقاته تنبيهًا على شرفها فخارج عن المبحث، فإنه لا يقبح من اللَّه شيء؛ فإن معنى القبح عندنا هو كون الفعل متعلَّقَ النهي، وهو من صفات أفعال العباد، كما قال أصحابنا في إسناد المكر والخداع إلى اللَّه سبحانه، وتأويلهما بجزائهما مبنيٌّ على مذهب الاعتزال كما قرر في موضعه.

3408 -

[3](عبد الرحمن بن سمرة) قوله: (لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم)(1) نهوا عن ذلك لئلا يسبق لسانهم به جريًا على ما تَعوّدوه في الجاهلية، وإلا فالمسلمون كيف يقسمون بالطواغي، والطواغي والطواغيت جمع طاغية، والمراد بها الأصنام؛ لأنها سبب الطغيان فكأنها فاعلة له.

3409 -

[4](أبو هريرة) قوله: (من حلف فقال في حلفه: باللات والعزى؛ فليقل: لا إله إلا اللَّه) يحتمل أن يكون معناه أنه سبق لسانه به، فليتداركه بكلمة التوحيد؛ لأنه صورة الكفر، وإلا فإن كان على قصد التعظيم فهو كفر وارتداد، يجب العود عنه بالدخول في الإسلام.

(1) في "التقرير": يشكل عليه قوله عليه السلام: "أفلح وأبيه" وغيره، وأجيب بأن حلفه كان لمجرد التأكيد، أو قبل ورود النهي.

ص: 241

فَلْيَتَصَدَّقْ". مُتَفَقٌ عَلَيهِ. [خ: 6650، م: 1647].

3410 -

[5] وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ عيْرِ الإِسْلَامِ كَاذِبًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ. . . . .

ــ

وقوله: (فليتصدق) أي: بالمال الذي عزم على المقامرة به، أو بشيء من ماله كفارة لما جرى على لسانه وعزم عليه.

3410 -

[5](ثابت بن الضحاك) قوله: (من حلف على ملة غير الإسلام) نحو: إن فعل فهو يهودي، أو نصراني، أو بريء من الإسلام، أو من النبي، أو من القرآن.

وقوله: (كاذبًا) بأن كان قد فعله إن كان الحلف على الماضي، أو لم يفعل إن كان في المستقبل؛ فإن المقصودَ من هذا الحَلِفِ المنعُ عن الفعل، فصدقُه بأن لا يفعلَ، وكذبُه بأن يفعلَ.

وقوله: (فهو كما قال) ظاهر الحديث أنه يصير كافرًا، إما بمجرد الحلف، أو بعد الحنث، كذا قال الطيبي (1)، والظاهر أنه إن حلف على الماضي يكفر بمجرد الحلف، وإن حلف على المستقبل يكفر بعد الحنث.

اعلم أنه قد اختلف في كون هذا القول يمينًا، أعني يمينًا تجب فيه الكفارة، وأما تسمية التعليق يمينًا وحلفًا فهو شائع في كلام الفقهاء، وذلك بمعنى تقوية الحكم، فإن اليمين يجيء بمعنى القوة، والكلام هنا في اليمين الذي تجب فيه الكفارة؛ فذهب كثير من الأئمة أنه يمين تجب الكفارة عند الحنث، وهو المذهب عندنا؛ لأنه لما علَّقَ الكفرَ بذلك الفعل فقد حرَّمَ الفعلَ، وتحريمُ الحلالِ يمينٌ، وكذا عند أحمد في أشهر الروايتين، واختيار جمهور أصحابه، قالوا: لأن التزام ذلك يقتضي الكفر، وذلك

(1)"شرح الطيبي"(7/ 21).

ص: 242

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أبلغ في انتهاك الحرمة من انتهاك حرمة القسم، فكان بإيجاب الكفارة أولى، وقال مالك والشافعي وغيرهما من أهل المدينة: إنه ليس بيمين ولا كفارة؛ لأن ذلك ليس باسم اللَّه ولا صفته؛ فلا يدخل في الأيمان المشروعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(من كان حالفًا فلا يَحلِفْ إلا باللَّه)(1)، ولم يتعرض في الحديث للكفارة، بل قال: فهو كما قال، ونقل عن أحمد أيضًا كذلك، لكن الأشهر منه هو الأول، ونقل عنه بعض أصحابه أنه قال: أحبُّ إليَّ أن يكفِّرَ كفارةَ يمينٍ.

وكما اختلفوا في كونه يمينًا اختلفوا في أنه هل يصير به كافرًا؟ فقال بعضهم: المراد بقوله: (فهو كما قال) التهديد والمبالغة في الوعيد، لا الحكم بأنه صار يهوديًّا أو بريئًا من الإسلام، كما في قوله:(مَن تركَ الصلاةَ فقد كفرَ)، وقال آخرون: إنه يكفر لأنه إسقاط لحرمة الإسلام ورضًى بالكفر، وعندنا لا يكفر بهذا القول، سواء علق الكفر بفعل ماض أو مستقبل، وعند بعض مشايخنا: إن علقه بفعل ماض يكفر، نحو إن كان فعَلَ أمسِ كذا فهو كافر؛ لأن التعليق بفعل يعلم أنه قد وقع تنجيز، لأن التعليق بشيء كائن ئابت تنجيزٌ معنًى، لكن الصحيح أنه لا يكفر إن كان يعلم أنه يمين، لأن الكفر إنما يكون بالاعتقاد، والمقصود من اليمين زجر النفس وتحذيره عن الفعل بتعليقه بشيء هو مكروه عنده ومحظور، فإن كان عند الحالف أنه يكفر بهذا القول يكفر فيهما، أي: في الماضي والمستقبل؛ لأنه رضي بالكفر حين أقدم على الفعل، هذا محصَّل ما ذكر في (الهداية)(2)، و (شرح الوقاية)(3).

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب: الشهادات، باب: كيف يستحلف (2679).

(2)

"الهداية"(2/ 318).

(3)

"شرح الوقاية"(2/ 202).

ص: 243

وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَن لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كقَتْلِهِ، وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6047، م: 110].

ــ

وإن قال: إن فعل كذا فهو زانٍ، أو سارق، أو لشارب خمر، أو آكل ربا لم يكفر؛ لأن حرمة هذه الأشياء يحتمل النسخ والتبديل، فلم يكن في معنى حرمة الكفر، ولأنه ليس بمتعارف، كذا في (الهداية)(1).

وقوله: (وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك) صورته أن يقول: إن شفى اللَّه مريضي فالعبدُ الفلاني حرٌّ، وليس في ملكه، وإن دخل بعد ذلك في ملكه لم يلزمه الوفاء بنذره، بخلاف ما إذا علق عِتقَ عبدٍ بملكِه؛ فإنه يعتق عندنا بعد التملك.

وقوله: (ومن قتل نفسه بشيء. . . إلخ)، كمن قتل نفسه بسكين يعاقب عليه بأن يؤتى يوم القيامة سكينًا يقتل نفسه به إلى ما شاء اللَّه كما جاء في حديث آخر في قاتل النفس.

وقوله: (ومن لعن مؤمنًا فهو) أي: اللعن (كقتله) في التحريم والعقاب، وهذا قريب من إلحاق الناقص بالكامل تغليظًا وتشديدًا، وهذا إن أراد أعمَّ من لعن الكافرين، وإن أراده فهو في حكم القذف بالكفر كما قال:(ومن قذف مؤمنًا بكفر فهو كقتله) وهذا التشبيه أظهر؛ لأن الكفر من أسباب القتل، فكان الرمي به كالقتل.

وقوله: (ليتكثر بها) إشارة إلى علة الدعوى في الأغلب، وليس تقييدًا بأن

(1)"الهداية"(2/ 318).

ص: 244

3411 -

[6] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6718، م: 1649].

ــ

لا يترتب الجزاء عند عدم قصد التكثير، ويحتمل أن يكون اللام للعاقبة، فافهم.

3411 -

[6](أبو موسى) قوله: (إن شاء اللَّه) هو للتبرك وإظهار الرغبة.

وقوله: (لا أحلف على يمين) قيل: المراد باليمين هنا المحلوف عليه؛ فإنه قد يطلق عليه مجازًا لتلبُّسِه باليمين، كذا نقل عن (الكشاف)(1)، وقال الشُّمُنِّي (2): حقيقة اليمين جملتان، إحداهما مُقْسَمٌ به، والأخرى مُقْسَمٌ عَلَيْه، فَذُكِر الكلُّ وأريد البعضُ، وقيل: ذُكِرَ اسمُ الحالِّ وأريد المحلُّ؛ لأن المحلوف عليه محلُّ اليمين، وقول صاحب (الكشاف):(لتلبُّسه بها) يشمل الكل، وقيل:(على) بمعنى الباء.

وقال الكرماني: حلفت على يمين، أي: بيمين، أو المراد بها المحلوف عليه مجازًا، وأقول: يجوز أن يضمن (أحلف) معنى أعزم وأقبل، ففيه إشارة بأن يمين اللغو لا ينعقد، ويجوز أن يحمل اليمين على الكلام الذي فيه اليمين، كالإنشاء والخبر يطلقان على الكلام وفعل المتكلم، هذا والموافق بسياق الكلام من قوله:(فأرى غيرها) أن المراد به المحلوف عليه، ويحتمل الاستخدام أيضًا.

وقوله: (إلا كفرت عن يميني) أي: أحنِّثُ نفسي، ثم أكفِّرُ، وذهب الأئمة الثلاثة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث، إلا أن الشافعي رحمه الله خصص بالمالي منها، والاستدلال لهم على ذلك بهذا الحديث لا يتم؛ لأن الواو لمطلق الجمع،

(1)"الكشاف"(1/ 135).

(2)

انظر: "البحر الرائق"(4/ 316).

ص: 245

3412 -

[7] وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ! لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" وَفِي رِوَايَةٍ: "فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7147، م: 1652].

ــ

ولا يدل على الترتيب، فهذا لا يدل على تقديم الكفارة على الحنث، كما أن الرواية التي تأتي في الحديث الآتي:(فأْتِ الذي هو خير وكفِّرْ عن يمينك) لا يدل على الأمر بالحنث قبل التكفير.

فإن قلت: الرواية التي فيها فاء التعقيب صريح في تقديم التكفير؛ لأن الفاء يدل على اتصاله برؤية غيرها خيرًا، فيكون مقدّمًا على الفعل الذي هو الحنث؟ قلت: الواقع تحت الفاء مجموع التكفير والحنث، والواقع بينهما الواو، فلا يثبت بينهما الترتيب. والحق أن الأحاديث خالية عن الدلالة على التقديم والتأخير، وتجويزهم التقديم بدليل آخر، وهو القياس على تقديم الزكاة على الحول، وتحقيقه في أصول الفقه (1).

3412 -

[7](عبد الرحمن بن سمرة) قوله: (عن مسألة) أي بعد سؤال وطلب.

وقوله: (أعنت عليها) أي: أعانك اللَّه على تلك الإمارة بالتوفيق على رعاية العدالة فيها.

(1) انظر هذا البحث مفصلًا في: "أوجز المسالك"(9/ 625).

ص: 246

3413 -

[8] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1650].

3414 -

[9] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6625، م: 1655].

ــ

3413 -

[8](أبو هريرة) قوله: (وليفعل) أي: ليحنث نفسه وليفعل.

3414 -

[9](عنه) قوله: (واللَّه لأن يلج) اللام للابتداء و (أن يلج) بتأويل المصدر، ويلَجَّ من اللجاج بفتح اللام وكسرها، و (آثم) بمد همزة ومثلثة مفتوحة على صيغة التفضيل، يعني لجاجه، أي: صبره وإصراره على يمينه التي يتعلق بأهله أكثرُ في سببية الإثم من حنثه في يمينه وإعطائه الكفارة، فقوله:(آثم) من المجود، ووصف اللجاج به مجاز باعتبار السببية، ويحتمل من المزيد على قول من يجوز اشتقاق اسم التفضيل منه. وفي (الصراح) (1): إيثام: دربزه أفكَندن، ومضمون ما سبق من الأحاديث الناطقة بأن من حلف فرأى غيره خيرًا فليفعل ويكفِّر، واليمين في أهله التي يتضررون بالبر فيها ويفوت حقهم به إحدى الصور التي يرى غيرَ المحلوف عليه فيها خيرًا.

بقي أنه يفهم من صيغة التفضيل أن يكون الإثم ثابتًا في الحنث وإعطاء الكفارة أيضًا، مع أن الخيرية منحصرة فيه، ويجب ذلك عليه، فيجاب بأن ذلك باعتبار أن في الحنث هَتْكَ حرمةِ اسم اللَّه في الظاهر، أو باعتبار توهم الحالف أن في الحنث

(1)"الصراح"(ص: 457).

ص: 247

3415 -

[10] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيهِ صَاحِبُكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1652].

3416 -

[11] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَخلِفِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1653].

3417 -

[12] وعَن عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89]، فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ. . . . .

ــ

إثمًا، وفي حديث آخر:(إذا استلجَّ أحدُكم يمينَه فإنه آثمُ له عند اللَّه من الكفارة)(1)، واستلجَّ استفعل من اللجاج، وروي (إذا استلجَجَ) بترك الإدغام.

3415 -

[10](وعنه) قوله: (يمينك) مبتدأ، و (على ما يصدقك عليه صاحبك) خبره، أي: المعتبر في صمدق اليمين نية صاحبك الذي يستحلفك وما قصده، لا يعتبر فيها توريةُ الحالف ونيتُه، وهذا إذا كان المستحلِفُ صاحب حق يبطل بالتورية، كما في صورة استحلاف القاضي، أو نائبه المدعى عليه، أو لم يكن كذلك، أو لم يكن هناك مستحلف، فلا بأس بالتورية لا سيما إذا كان فيه نفع لأحدٍ كما إذا تعرض أحدٌ أحدًا، فقلت: هو أخي مريدًا به أخوة الإسلام ونحو ذلك.

3416 -

[11](وعنه) قوله: (اليمين على نية المستحلف) وهو المراد بـ (صاحبك) في الحديث السابق كما شرحنا.

3417 -

[12](عائشة) قوله: (في قول الرجل: لا واللَّه، وبلى واللَّه) من عادة العرب أن يقولوا كثيرًا في محاوراتهم: لا واللَّه، بلى واللَّه، ولا اعتبار له ولا ينعقد

(1) أخرجه ابن ماجه في "سننه"(2114).

ص: 248