الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
3486 -
[1] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ" يَعْنِي الخِنْصَرَ وَالإِبْهَامَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6895].
ــ
الواو لزوال الكسرة بعدها مثل يُوعَدُ، وفي آخر (1):(إمَّا أنْ يدُوا صاحبَكم، وإما أن يُؤذِنُوا بحربٍ) لفظ جمع المذكرين، أصله يَدِيُوا، نقلت حركة الياء إلى ما قبلها، وسقطت لأنه مثال ناقص.
والدية من الإبل: مئة، ومن العين: الف دينار، ومن الوَرِق عشرة آلاف درهم؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم، وعند الشافعي: من الوَرِق: اثنا عشر الفًا، ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة، وقالا: منها، ومن البقر: مئتا بقرة، ومن الغنم: ألفا شاة، ومن الحُلَل: مئتا حُلَّة، كلُّ حُلَّة ثوبان.
الفصل الأول
3486 -
[1](ابن عباس) قوله: (هذه وهذه سواء يعني الخنصر والإبهام) أي في الدية، اعلم أن في قطع الأصابع كلِّها من اليدين والرجلين كلَّ الديةِ؛ لتفويت جنس المنفعة، ففي كل أصبع عُشرُ الدية، وهي عشرة إبل، فنقول: دية الخنصر والإبهام سواء، وإن كان الخنصر أضعف وأحقر من الإبهام، وإن كان الإبهام ذو مفصلين، ولذا خصهما بالذكر؛ لأن كلًّا منهما سواء في أصل المنفعة، فلا يعتبر بزيادة ونقصان كاليمين والشمال، ولما كان في كل أصبع عُشرُ دية الكل كان في كل مفصل على حسابها، ففي كل مفصل كل أصبع ثلث العشر، وفي مفصل الإبهام نصف العشر، إذ للإبهام مفصلان،
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه"(7192).
3487 -
[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ،
ــ
وللأصابع الباقية ثلاثة مفاصل.
3487 -
[2](أبو هريرة) قوله: (في جنين امرأة) الجَنِينُ: الولدُ فِي البطن، والجمعُ أجنَّةٌ، وأجن، وكل مستور، والتركيب للاستتار.
وقوله: (من بني لحيان) بكسر اللام وفتحها: بطن من هذيل، فإن لحيان هو ابن هذيل، فلا منافاة بينه وبين ما يأتي في الحديث الآتي من قوله:(امرأتان من هذيل).
وقوله: (سقط ميتًا) وإن سقط حيًّا ثم مات، فيجب فيه كمال دية الكبير، فإن كان ذكرًا أوجبت مئة من البعير، وإن كان أنثى فخمسون؛ لأن دية الأنثى نصف دية الذكر.
وقوله: (بغرة) بالتنوين، و (عبد) عطف بيان أو بدل، وإن رفع فخبر مبتدأ محذوف.
وقوله: (أو أمة) للتقسيم لا للتشكيك، أو بالإضافة، والغرة أصلها بياض في جبهة الفرس، ومن الشهر ليلة الاستهلال، ومن الهلال طلعته، ومن الأسنان بياضها، ومن المتاع خياره، ومن القوم شريفهم، ومن الرجل وجهه، وكل ما بدا لك من ضوء وصبح فقد بدت غرته، ويطلق على العبد والأمة، وقيل: بشرط البياض وليس بشرط عند الفقهاء، وإنما المراد منه عندهم ما يبلغ قيمته نصفَ عُشرِ الديةِ.
قال في (الهداية)(1): معناه ديةُ الرجلِ، وهذا في الذكر، وفي الأنثى عُشرُ دية المرأة، وكل منهما خمس مئة درهم، والقياس أن لا يجب شيء لأنه لم يتيقَّن بحياته، والظاهر لا يصلح حجةً للاستحقاق، وأيضًا إن كان حيًّا مات بضربه ينبغي أن يجب
(1)"الهداية"(4/ 471).
ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنيِهَا وَزَوْجِهَا، وَالْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. . . . .
ــ
كمال الدية، وإن لم ينفخ فلا شيء فيه، ولكن تركنا القياس بالأثر، وقدرناه بخمس مئة لأنه يروى:(عبدٌ أو أمة قيمته خمس مئة)، ويروى:(أو خمس مئة)، وهي حجة على من قدَّرها بست مئة كمالك والشافعي رحمهما اللَّه، ويؤخذ هذه الغرة في سنة، وتكون لورثة الجنين سوى مَن كان ضاربًا، حتى لو ضرب بطنَ امرأته فالقت ابنَه ميتًا، فعلى عاقلة الأب غرَّةٌ، ولا يرث منها لأنه لا ميراث للقاتل.
وقوله: (ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت) في شرح هذه العبارة كلام، وهو أن الظاهر أن يكون المراد بالمرأة التي قضى عليها -أي: على عاقلتها- بالغرة المرأةَ الجانيةَ، فيكون الضمائر في (بنيها) و (زوجها) لها، وكذا في قوله:(والعقل على عصبتها) أي: وقضى بأن العقل، أي: الديةَ على عصبتها، والمراد بالعصبة العاقلة، وهي جماعة تغرمُ الديةَ ممَّن يقع بينهم التناصر، وكان تخصيص التوريث ببنيها وزوجها لأجل أنهم هم كانوا من ورثتها في الواقع، وإلا فالظاهر بأن ميراثها لورثتها أيًّا ما كان، كما قال في الحديث الآتي:(وورَّثَها ولدَها ومَن معهم)، ويتوجه على هذا التوجيه أن بيان وفاة الجانية ليس بكثير المناسبة في هذا المقام، بل المراد موت الجنين مع أمه، كما قال في الحديث الآتي:(فقتلتها وما في بطنها).
فقال الطيبي (1) في توجيهه: إن (على) في قوله: (فقضى عليها) وضع موضع اللام كما في قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] تضمينًا لمعنى الحفظ والرقابة، فيكون المراد بالمرأة هي المجنيَّ عليها، والضمائر لها، إلا في قوله:(على عصبتها) فإنه للجاني، وهذا إذا كانت القضية
(1)"شرح الطيبي"(7/ 70).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6909، م: 1681].
3488 -
[3] وَعَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6910، م: 1681].
ــ
واحدة، قال الطيبي: وهو الظاهر، وأما إن كانت متعددة فليكن في هذه القضية ماتت الجانية، والمقصود بيان حال وفاتها والقضاء عليها، وفي الحديث الآتي ماتت المجنيُّ عليها مع جنينها فقضى لها، هذا، وظاهر أسلوب عبارتي الحديثين ينظر إلى تعدد القضيتين؛ فإن هذا الحديث يدل على أنه بعد القضاء بالغرة على الجانية توفيت من غير أن يقتلها مع الجنين، وقال في الحديث الآتي:(فقتلتها وما في بطنها) فليفهم، واللَّه أعلم.
3488 -
[3](عنه) قوله: (اقتتلت امرأتان) كانتا ضرتين، كما قال في حديث المغيرة.
وقوله: (بحجر) يدل على أن القتل بالحجر لا يوجب القود، وليس بعمد، بل هو من قبيل شبه العمد، وهم يحملونه على الحجر الصغير.
وقوله: (أو وليدة) أي: أمة.
وقوله: (بدية المرأة) أي: المقتولة، (على عاقلتها) أي: القاتلةِ، (وورثها) بالتشديد، أي: الديةَ (ولدها) أي: أولادَ المقتولةِ، والضمير في (معهم) للولد؛ لأن المراد الجنس، والولد يطلق على الواحد والجمع، والمراد بـ (مَن معهم) ورثتُها، وقال
3489 -
[4] وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا ضَرَّتَيْنِ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ أَوْ عَمُودِ فُسْطَاطٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الجَنينِ غُرَّةً: عبْدًا أَوْ أَمَةً، وَجَعَلَهُ عَلَى عَصَبَةِ الْمَرْأَةِ، هَذِهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمِ: قَالَ: ضَرَبَتِ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ، وَهِيَ حُبْلَى فَقَتَلَتْهَا، قَالَ: وَإِحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِيَةَ الْمَقْتُولِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ،
ــ
الطيبي (1): المراد به الزوج بدلالة قوله في الحديث السابق: (بأن ميرائها لبنيها وزوجها)، فافهم.
3489 -
[4](المغيرة بن شعبة) قوله: (عمود فسطاط) بالضم والكسر: ضرب من الأبنية في السفر دون السُّرادِق، كذا في (النهاية)(2)، وقال في (القاموس) (3): هو السُّرادق كالفُسْتاط والفسَّاط والفُسْتات ويكسرن، وهذا أيضًا يدل على مذهب أبي حنيفة؛ فإن العمود من الفسطاط مما يقع القتل به غالبًا، قال الطيبي (4): هو محمول على عمود صغير لا يقصد به القتل غالبًا.
وقوله: (وجعله) هكذا في أكثر النسخ بتأويل المقضيِّ به، وفي بعضها:(جعلها) أي: الغرَّةِ والديةَ.
وقوله: (وهذه رواية الترمذي) اعتراض على صاحب (المصابيح).
(1)"شرح الطيبي"(7/ 79).
(2)
"النهاية"(3/ 445).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 627).
(4)
"شرح الطيبي"(7/ 70).