الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
3274 -
[1] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ . . . . .
ــ
في اللغة ينبئ تركيبه عن معنى الحل والانحلال، والطليق: الأسير [الذي] أطلق عنه إساره، ويقال: طَلْق الوجه وطَلْق اللسان وغير ذلك.
وعطف الطلاق على الخلع من عطف العام على الخاص إن قيل: يكون الخلع طلاقًا كما هو مذهبنا ومذهب مالك، وأصح قولي الشافعي أنه طلاق بائن، وإن كان فسخًا كما هو مذهب أحمد وأحد قولي الشافعي، فهو غير الطلاق، فعطفه عليه ظاهر.
الفصل الأول
3274 -
[1](ابن عباس) قوله: (امرأة ثابت بن قيس) قيل: إنها بنت أُبَي أخت عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، وكانت جميلة، وقيل: هي بنت سهل الأنصاري.
وقوله: (ما أعتب) بضم التاء وكسرها من العتب، وهو الغضب والمَوجِدة، يعني لا أغضب عليه ولا أريد مفارقته لسوء خُلقه، ولا لنقصان في دِينه.
وقوله: (ولكني أكره الكفر في الإسلام) أي: كفران نعمة الزوج، وقيل: معناه أني أكره طبعًا فأخاف على نفسي في الإسلام ما ينافي حكمه من فرك ونشوز، وقيل: ضربها زوجها ضرب تأديب فكسر بعضها وهو معنى قولها: (أكره الكفر في الإسلام)، وهذه الرواية ينافي بظاهره قوله:(ما أعتب عليه في خلق)، واللَّه أعلم.
وقوله: (أتردين عليه حديقته) أي: التي أعطاك بالمهر.
قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5273].
3275 -
[2] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: "لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ،
ــ=
وقوله: (اقبل الحديقة وطلقها) أي: إن شئت وترى فيه المصلحة، ويفهم من ظاهر الحديث أن الخلع ليس نفسُه طلاقًا كما هو مذهبنا أن نفس الخلع تطليقة بائنة، اللهم إلا أن قصة ثابت ليس بخلع، وكلامنا فيما إذا قال: خالعتك فقبلت وقعت تطليقة بائنة، وقد أورد في (الهداية) (1) الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال:(الخلع تطليقة بائنة)(2).
3275 -
[2](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (فتغيظ فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) فيه دليل على حرمة الطلاق في الحيض. وفي قوله: (ليراجعها) دليل على وقوع الطلاق مع كونه حرامًا، وعلى استحباب المراجعة.
وقوله: (ثم تحيض فتطهر) قيل: فائدة التأخير إلى الطهر لئلا يصير الرجعة لغرض الطلاق، فيجب أن يمسك زمانًا، وقيل: إنه عقوبة له على معصيته، وقيل: وجهه أن الطهر الأول مع الحيض الذي طلق فيه كأمر واحد، فلو طلقها في أول طهر كان كما طلق في الحيض، وهذا الوجه ضعيف كما لا يخفى، وقيل: ذلك ليطول مقامه معها، فلعله يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها، وبالجملة مقتضى هذه الوجوه كلها أن لا يكون الإمساك إلى الطهر الثاني واجبًا بل أولى وأحب،
(1)"الهداية"(2/ 261).
(2)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(4025)، والبيهقي في "سننه"(14865).
فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ".
وَفِي رِوَايَةٍ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4908، م: 1571].
ــ
واللَّه أعلم.
قال الطيبي (1): من فوائد الحديث: التنبيه على أن علة حرمة التطليق في حالة الحيض تطويل العدة عليها؛ فإنه طلقها في زمان لا يحسب من عدتها، يعني لما طلق في حالة الحيض، ولا يحسب ذلك الحيض من العدة بالاتفاق، فلا بدّ أن يكون العدة بعد ذلك بمدة مستقلة، فلا بد يطول هذه العدة، وأما إذا طلق في الطهر يحسب ذلك الطهر الذي وقع فيه الطلاق، ويكون بعده طهران آخران، فتقصر العدة لا محالة، هذا عند الشافعي، وأما عندنا فعلة الحرمة احتمال أنه إنما طلق لكراهة الطبع ونفرته لا لمصلحة رأى في ذلك، وفي حالة الطهر ينتفي هذا الاحتمال.
ويرد على الشافعية أنه إذا طلق في الطهر وعدَّ باقيَ ذلك الطهر من العدة لم يكن العدة بثلاثة قروء، بل بقرءَين وبعضِ قرءٍ، واسم العدد نص في مدلوله لا يحتمل الزيادة والنقصان، وهذا ودليلنا على حمل القرء على الحيض دون الطهر، وعندنا تطول العدة ولكن ذلك أهون من حمل الثلاثة على غير مدلوله، واستدلوا على حمل القرء على الطهر بهذا الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم:(فتلك العدة التي أمر اللَّه أن تطلق لها النساء) فإن الإشارة بـ (تلك) إلى الحالة المذكورة، وهي حالة الطهر، واللام بمعنى (في)، فعلم أن العدة بالأطهار، قلنا: لا نسلم أن اللام بمعنى (في)، بل للعاقبة كما هو
(1)"شرح الطيبي"(6/ 324).
3276 -
[3] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5262، م: 1477].
3277 -
[4] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي الْحَرَامِ يُكَفِّرُ، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4911، م: 1473].
ــ
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، كذا في بعض الشروح، فتأمل.
3276 -
[3](عائشة) قوله: (قالت: خيرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) وذلك بعد نزول قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية [الأحزاب: 28].
وقوله: (فلم يعدّ ذلك علينا شيئًا) أي: شيئًا من الطلاق، لا ثلاث ولا واحدة بائنة ولا رجعية، وفيه أنه قال الزوج لامرأته: اختاري نفسك أو إياي فاختارت الزوج لم يقع شيء، وبه قال أبو حنيفة والشافعي رحمهما اللَّه، وهو المنقول عن جماعة من الصحابة، وقد نقل عن علي رضي الله عنه: أنه تقع واحدة رجعية بمجرد تخيير الزوج زوجته وإن اختارته، وعند زيد بن ثابت: تقع واحدة بائنة، وفي قول عائشة رضي الله عنها إشارة إلى ردّ قوليهما، وإن اختارت نفسها وقع به طلاق رجعي عند الشافعي وأحمد، وبائن عند أبي حنيفة، وثلاث تطليقات عند مالك.
3277 -
[4](ابن عباس) قوله: (في الحرام يكفر) بلفظ المعلوم من التكفير، أي إذا حرم على نفسه شيئًا مما أحل اللَّه زوجة كانت أو غيرها فعليه كفارة اليمين، ولا يحرم ذلك الشيء عليه، وهو مذهب ابن عباس رضي الله عنهما، وهو المذهب عندنا، وعند الشافعي لا كفارة عليه، وقيل: إذا قال المرء: حلال اللَّه تعالى عليّ حرام وقع الطلاق، وهو خلاف مذهب الجمهور، نعم إذا قال لامرأته: أنت عليّ حرام أو حرمتك، فإن نوى به الطلاق فذاك وإلا فالواجب الكفارة، وقراءة ابن عباس قوله تعالى: {لَقَدْ
3278 -
[5] وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَشَرِبَ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "لَا بَأْسَ، شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ،
ــ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] استدلال على قوله، وذلك إشارة إلى قصة تحريمه صلى الله عليه وسلم العسل ومارية (1) على نفسه، ونزول قوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] بعد ذلك، والأسوة بضم الهمزة وسكون السين بمعنى الاقتداء والاتباع.
3278 -
[5](عائشة) قوله: (كان يمكث عند زينب) أي: عند تمام نوبتها. و (المغافير) على وزن المصابيح، ووقع في الأصول في (كتاب مسلم): مغافر على وزن مساجد، والصواب مغافير، كذا ذكر القاضي عياض في (مشارق الأنوار)(2)، وقال أيضًا: هو شبه الصمغ في أصل الرمث، فيه حلاوة، والتفسير صحيح في (الأم) في رواية الجرجاني، والميم فيه زائدة عند بعضهم وأصلية عند آخرين، قال ابن دريد: واحدها مُغفور بالضم، وهو مما جاء على مُفْعُول موضع الفاء ميم، وقال غيره: ليس في الكلام مفعول بضم الميم إلا مُغفور ومُغدود لضرب من الكمأة، ومُنخور للمِنخَر، ويقال أيضًا: لواحدها مغفار ومغفير، وهي المغاثير بالثاء أيضًا حكاه الفراء.
وقوله: (أكلت مغافير؟ ) بحذف حرف الاستفهام تكرير للتأكيد والتقرير.
(1) لفظ "مارية" ثبت في (ب) و (ر)، وسقط في غيرهما.
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 386).