الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3649 -
[16] وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْرًا لِأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي، قَالَ:"أَهْرِقِ الْخَمْرَ وَاكْسِرِ الدِّنَانَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ، [وفي روايةِ أبي داودَ: ] "أَهْرِقْهَا"، قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًا؟ قَالَ: "لَا". [ت: 1293، د: 3675].
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
3650 -
[17] عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3669].
ــ
حرام، ولأنه واجب الاجتناب، وفي الانتفاع به اقتراب.
3649 -
[16](أنس) قوله: (اشتريت خمرًا لأيتام) صفة خمرًا، أي: اشتريتها للتخليل، كذا في (الحاشية) (1). ويحتمل أن يتعلق بـ (اشتريت) أي: اشتريتها لأجلهم، ويكون هذا قبل التحريم، ثم سأل عن حكمها بعد التحريم هل أبقيه أو أهريقه؟ فيكون في معنى الحديث السابق، ويناسبه معنى رواية أبي داود التي ذكرها بقوله:(وفي رواية أبي داود)، واللَّه أعلم.
الفصل الثالث
3650 -
[17](أم سلمة) قوله: (ومفتر) في (القاموس)(2): فتر يفتُر يفتِر فتورًا وفتارًا: إذا سكَنَ بعدَ حدَّة، ولانَ بعدَ شدَّة، وفتر جسمه: لانت مفاصله وضعف، والفتر محركة: الضعف، وأفتره الداء: أضعفه، وطَرْف فاتر: ليس بحادِّ النظر، وأفتر:
(1)"حاشية جمال الدين"(ص: 275).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 423).
3651 -
[18] وَعَنْ دَيْلَمٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: قُلتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ وَنُعَالِجُ فِيهَا عَمَلًا شَدِيدًا، وَإِنَّا نَتَّخِذُ شَرَابًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، قَالَ: مِنْ هَذَا الْقَمْحِ، نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلَادِنَا، قَالَ:"هَلْ يُسْكِرُ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: "فَاجْتَنِبُوهُ" قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ غَيْرُ تَارِكِيهِ، قَالَ:"إِنْ لَمْ يتْرُكُوهُ قَاتِلُوهُمْ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3666].
3652 -
[19] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ. . . . .
ــ
ضعفت جفونه، وانكسر طَرْفه، وأفتر الشراب: فتر شاربه، وفي (النهاية) (1): المفتر من الشراب: الذي إذا شرب أحمى الجسد وصار فيه فتور، وهو ضعف وانكسار، يقال: أفتر فهو مفتر إذا ضعفت جفونه وانكسر طرفه، ويستدل به على حرمة البنج والبرشعثا ونحوهما مما يفتر ولا يسكر، وسنذكر الكلام فيه في آخر الباب مفصلًا.
3651 -
[18](ديلم الحميري) قوله: (وعن ديلم) بفتح الدال المهملة وسكون التحتانية، و (القمح) بفتح القاف وسكون الميم: البُرُّ، ولقد بالغ السائل في استدعاء الإجازة، ولم يجز حتى بالغ فيه بقوله:(إن لم يتركوه فقاتلوهم).
3652 -
[19](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (والكوبة) بضم الكاف وسكون الواو وبالباء الموحدة المفتوحة، في (القاموس) (2): الكوبة بالضم: النرد، والشطرنج، والطبل
(1)"النهاية"(3/ 408).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 136).
وَالْغُبَيْرَاءِ، وَقَالَ:"كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3668].
3653 -
[20] وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ، وَلَا قَمَّارٌ، وَلَا مَنَّانٌ، وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ". رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: "وَلَا وَلَدُ زِنْيَةٍ" بَدَلَ "قَمَّارٍ". [دي: 2/ 153].
ــ
الصغير، والبربط، وكلٌّ منها منهيٌّ عنه، فإن جوز عموم المشترك أريد الكل وإلا فاحمِلْ على أيِّها شئتَ، (والغبيراء) بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة وسكون التحتانية: شراب من الذرة يقال له: السُّكُرْكَةُ يتخذه الحبوش.
3653 -
[20](وعنه) قوله: (ولا منان) أي: في العطايا، وقيل: المراد قاطع الرحم، من المَنِّ بمعنى القطع، ومنه قوله تعالى:{لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت: 8]، كما في حديث أبي موسى الآتي.
وقوله: (ولا ولد زنية) بكسر الزاي وسكون النون بمعنى الزنا، وفيه تعريض بالزاني لكونه سببًا في ذلك، وذلك لأن النطفة الخبيثة لا يتولد منه إلا خبيث، ومع ذلك هو من باب التشديد، كما في قرائنه، وقال في (سفر السعادة): وما اشتهر في ولد الزنا أنه لا يدخل الجنة لم يثبت، وذكر السخاوي في (المقاصد الحسنة)(1) لهذا الحديث طرقًا كثيرة، أكثرُها معلَّلة، وبعضها محفوظة، وبعضها لا بأس به، وضعَّفَ القولَ بوضعها من ابن الجوزي وابن طاهر، ونقل عن شيخه ابن حجر العسقلاني أنه قال: قد فسره العلماء على تقدير صحته بأن معناه إذا عمل بمثل أبويه، واتفقوا على أنه لا يحمل على ظاهره، وقيل في تأويله أيضًا: إن المراد به من يواظب على الزنا، كما يقال للشهود: بنو صحف، وللشجعان: بنو الحرب، ولأولاد المسلمين: بنو الإسلام،
(1) انظر: "المقاصد الحسنة"(ص: 730).
3654 -
[21] وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ، وَهُدًى للعالمين، وَأَمَرَنِي رَبِّي عز وجل بمَحْقِ الْمَعَازِفِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالأَوْثَانِ،
ــ
انتهى.
3654 -
[21](أبو أمامة) قوله: (بمحق المعازف) في (القاموس)(1): المعازف: الملاهي، كالعود والطنبور، والواحد: عزف أو معزف، كمنبر ومكنسة، والعازف: اللاعب بها، والمغني، سمي به لأنه تعزف به الجن، وقال: وعزف الرياح: أصواتها.
وفي (مختصر النهاية)(2): العزف: اللعِبُ بالمعازف، وهي الدفوف وغيرها مما يضرب، وقيل: إن كلَّ لعب عَزف. وعزيف الرياح: ما يسمع من دَوِيِّها. وعزيف الجن: جرس أصواتها، وقيل: هو صوت بالليل كالطبل. وفي (النهاية)(3): كانت الجنُ تعزِفُ الليلَ كلَّه بين الصفا والمروة، وقيل: إنه صوت الرياح في الجو فتوَّهمه أهلُ البادية صوتَ الجنِّ.
(والمزامير): جمع مزمار وهو الذي يزمر بها، زَمَرَ يَزْمُر زمْرًا وزميرًا، أو زَمَّر تزميرًا: غنّى في القصب، والقصبة التي يزمر بها زَمَّارةٌ، ، ويقال: غناء زمير، أي: حسن، والمزمور المزمار، وصحح النووي حرمته، والغزالي مال إلى جوازه، وفي الحديث دليل على الحرمة، وقال الفقهاء: الغناء بآلات مطربة حرام، وبمجرد الصوت مكروه،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1210).
(2)
"الدر النثير"(2/ 682).
(3)
"النهاية"(3/ 230).
وَالصُّلُبِ، وَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَحَلَفَ رَبِّي عز وجل بِعِزَّتِهِ: لَا يَشْرَبُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي جَرْعَةً مِنْ خَمْرٍ إِلَّا سَقَيْتُهُ مِنَ الصَّدِيدِ مِثْلَهَا، وَلَا يَتْرُكُهَا مِنْ مَخَافَتِي إِلَّا سَقَيْتُهُ مِنْ حِيَاضِ الْقُدُسِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 5/ 268].
3655 -
[22] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. [حم: 2/ 69، ن: 2562].
3656 -
[23] وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلَاثَةٌ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحِم، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 399].
ــ
ومن الأجنبية أشد كراهة، (والصلب) بضمتين جمع صليب الذي للنصارى معرب جليبا، وفي (الصراح) (1): صليب: جليباي ترسايان.
3655 -
[22](ابن عمر) قوله: (والديوث الذي يقر في أهله الخبث) أي: الزنا، ديَّثه: ذلَّله، بعير مديَّث، أي: مذلَّل بالرياضة، وفي (مختصر النهاية) (2): الدَّيُّوث الذي لا يغارُ على أهله، وقيل: هو سرياني.
3656 -
[23](أبو موسى الأشعري) قوله: (ومصدق بالسحر) أي: قائل بتأثيره ومعتقد بأنه المؤثِّر، وإلا فتصديقُ السِّحرِ بمعنى كون تأثيره ثابتًا واقعًا بخلق اللَّه تعالى صحيحٌ، وقد ورد:(السِّحرُ حقٌّ)، ويحتمل أن يكون المراد بالتصديق اعتقاد
(1)"الصراح"(ص: 39).
(2)
"الدر النثير"(2/ 147).
3657 -
[24] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى كَعَابِدِ وَثَنٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 1/ 272].
3658 -
[25] وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [جه: 3658].
3659 -
[26] وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "التَّارِيخ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ. [شعب: 5/ 13].
3660 -
[27] وَعَنْ أَبِي مُوسَى أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا أُبَالِي شَرِبْتُ الْخَمْرَ أَوْ عَبَدْتُ هَذِهِ السَّارِيَةَ دُونَ اللَّهِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. [ن: 5663].
ــ
كون فعله جائزًا مباحًا، فإنه حرام بالاتفاق، وقيل: كفر.
3657، 3658 - [24، 25](ابن عباس، وأبو هريرة) قوله: (إن مات) أتى بـ (إن) تنبيهًا على أن موت المؤمن مدمنًا أمر مشكوكٌ فِيه غيرُ مجزوم به.
3659 -
[26](محمد بن عبيد اللَّه) قوله: (محمد بن عبد اللَّه) ابن جحش القرشي الأسدي هذا أصح.
3660 -
[27](أبو موسى) قوله: (ما أبالي) أي: هما سواء، والمراد بعبادة السارية عبادة الأوثان؛ لأنها أحجار.
وقوله: (دون اللَّه) حال مؤكدة.
تنبيه: قد كثر الابتلاء بأكل الخبيثة التي تسمى القنب في هذا الزمان وفيما قبله، وقلّ من تكلم فيه، ولقد رأيت بمكة المشرفة فيه رسالة عملها الشيخ الإمام العلامة أبو عبد اللَّه محمد بدر الدين بن عبد اللَّه الزركشي الشافعي المصري عليه الرحمة والغفران
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتكلم فيه في فصول، فاختصرت شيئًا منه:
الأول: في اسمها ووقت ظهورها، والأطباء يسمونها القُنَّبَ الهندي، ومنهم من يسميها ورق الشهدانج وتسمى بالعنبر أو بالحيدرية والقلندرية، ثم قيل: ظهورها كان على يد حيدر في سنة خمسين وخمس مئة تقريبًا، ولهذا سميت حيدرية، وذلك أنه خرج هائمًا ليفر من أصحابه، فمر على هذه الحشيشة فرأى أغصانها تتحرك من غير هواء، فقال في نفسه: هذا لَسِرٍّ فِيها، فاقتطف وأكل منها، فلما رجع إليهم أعلمهم أنه رأى فيها سرًا، وأمرهم بأكلها، وقد ظهرت على يد أحمد المسارحي القلندري، ولهذا سميت قلندرية، وقال أبو العباس بن تيمية: إنما لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء السلف؛ لأنها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت في آخر المئة السادسة حين ظهر دولة التتار، ثم انتقلت إلى بغداد، وقد علم ما جرى على أهلها من قبيح الأثر.
الثاني: في مضارها في البدن والعقل، وذكر بعضهم أنه جمع فيها مئة وعشرين مضرة دنيوية ودينية، أعاذ اللَّه المسلمين منها، وقد أجمع الأطباء أنها تورث الفكرة، والفكرة تثير الحرارة، وربما قويت على الحرارة الغريزية فعزلتها عن الجسد واستولت على البدن، فجففت الرطوبات، واستعد للأمراض الحارة، وقال محمد بن زكريا: أكل ورق الشهدانج البستاني يصدع الرأس، ويقطع المني ويجففه، ويولد الفكرة، وهي تورث موت الفجاءة واختلال العقل والدق والسل والاستسقاء والأُبنة، وقال بعض الأئمة: كل ما في الخمر من المذمومات موجود في الحشيشة وزيادة، فمضرة الخمر في الدين لا في البدن وضررها فيهما، ثم عدّ من المضار ما لا يعد ولا يحصى.
الثالث: في أنها مسكرة مفسدة للعقل، والذي أجمع عليه الأطباء والعلماء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بأحوال النباتات أنها مسكرة، قالوا: ومن القنب الهندي نوع ثالث يقال له: القنب ولم أره بغير مصر، ويزرع في البساتين يسمى الحشيشة أيضًا، وهو يسكر جدًا إذا تناول منه الإنسان يسيرًا قدر درهم أو درهمين حتى إن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم وربما قتلت، وأما الفقهاء فقوم أجابوا بأنها مسكرة، منهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابه (التذكرة في الخلاف) والنووي في (شرح المهذب)، ولا يعرف فيه خلاف عندنا، وقد يدخل فيهم السكران الذي اختلط كلامه المنظوم، وباح بسرِّه المكتوم، أو الذي لا يعرف السماء والأرض، ولا الطول من العرض، ويحكى عن بعض من تناولها أنه إذا رأى القمر يظنه لُجّة ماء فلا يقدم عليه، ونقل عن أبي العباس بن تيمية أنه قال: الصحيح أنها مسكرة كالشراب فإن آكليها يَنْشَوْنَ بها بخلاف البنج وغيره، فإنه لا يُنْشِي ولا يشتهى، ولم يخالف ذلك إلا أبو العباس القرافي في (قواعده).
وقال بعض العلماء بالنباتات في كتبهم: إنها مسكرة، والذي يظهر لي أنها مفسدة، وفرق بين المُفسِد والمُسكِر والمُرقِد أن المتناول من هذه إما أن يغيب معه الحواس أو لا، فإن غابت معه الحواس فهو المرقد، وإن لم تغب معه الحواس فإما أن يحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس عند التناول غالبًا أم لا، فإن حدث فهو المسكر وإلا فهو المفسد، فالمسكر هو المغيب للعقل مع نشوة وسرور كالخمر، والمفسد هو المشوش للعقل مع عدم السرور الغالب كالبنج، فالمسكر يزيد في الشجاعة والمسرة وقوة النفس والميل إلى البطش بالأعداء والمناقشة في العطاء، قال: فظهر بهذا أن الحشيشة مفسدة وليست بمسكرة، ثم أثبت ذلك بوجهين، واعترض عليه الشيخ بدر الدين صاحب الرسالة وأثبت أنها مسكرة، وهو الراجح،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واللَّه أعلم.
الرابع: في أنها حرام، وقد تظاهرت الأدلة الشرعية والعقلية على ذلك، أما الكتاب والسنة فالنصوص الدالة على تحريم المسكر يتناولها، وأما العقلية فوجود الصفات المحرمة للخمر كالصدّ عن ذكر اللَّه وعن الصلاة، وقد قال اللَّه تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وأيّ خبيث أعظم مما يفسد العقل، وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، وقد ادعى القرافي وابن تيمية الاتفاق على حرمتها، وقالوا: فمن استحلها فقد كفر، قال الشيخ: وفي هذا نظر؛ لأن تحريمها ليس معلومًا من الدين بالضرورة، وفي "فتاوى المرغيناني" من الحنفية: السكر من البنج حرام ولا يحد قاله الفقيه أبو جعفر، ونص عليه شمس الأئمة السرخسي، قال العبد الضعيف: قد ظهر مما ذكر أن البنج غير القنب وهو الصحيح، قال في (القاموس) (1): البنج: نَبْتٌ مُسْبِتٌ، معروف غير الحشيش، مُخَبِّطٌ للعقل، مُجَنِّنٌ، مُسَكِّنٌ لأوجاع الأورام والبثور ووجع الأذن، وأخبثه: الأسود، ثم الأحمر، وأسلمه: الأبيض، انتهى.
وقد اشتهر الآن في العرف إطلاق البنج على الحشيشة، ومن هذا قد يتوهم بعض الجهال قول الفقهاء: إنه لا يقع الطلاق من زال عقله بشيء مباح كالبنج ولبن الرِّمَاك إباحةَ الحشيشة، وهو باطل، فإن البنج غير الحشيشة كما ذكرنا.
الخامس: في أنها طاهرة أو نجسة، وهذا يبتني على ما سبق من أنها مسكرة، فإن قياس من يقول بإسكارها أن يقول بنجاستها، لكن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد قطع بأنها طاهرة، وحكى الإجماع عليه، قال: والأفيون وهو لبن الخشخاش
(1)"القاموس المحيط"(ص: 179).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أقوى فعلًا من الحشيش؛ لأن القليل منه يسكر جدًا -وكذا جَوزةُ الطِّيب- مع أنه طاهر بالإجماع، وهذا الذي ادعاه من الإجماع فيه نظر، والحق أن في نجاسة الحشيش قولين، لكن القياس في الحشيش الطهارة، وليس لنا نبات نجس إلا النبات الذي يسقى بالنجاسة، قال العبد الضعيف: هذا ما قاله الشافعية، وقياس مذهب الحنفية على كون الحشيشة مسكرًا أن يكون نجاستها خفيفة، كما علم مما ذكرنا في شرح الترجمة.
السادس: في أنها هل يجب فيها الحد، والصواب الوجوب للإسكار، وقد صرح الماوردي بأن النبات الذي فيه شدة مطربة يجب فيها الحد، وقال الرافعي: ما يزيل العقل من غير الأشربة كالبنج لا حدّ في تناوله، وقال القرافي: اتفق فقهاء العصر على المنع منها، واختلفوا هل الواجب فيها الحد والتعزير بناء على أنها مسكرة أو مفسدة للعقل، وفي (فتاوى الخلاصة) للحنفية: وشرب البنج للتداوي لا بأس به، فإن ذهب به عقله لا يحدّ يعني بالاتفاق، فإن سكر يحد عند محمد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف يعزّر ولا يحدّ.
السابع: في فروع متفرقة، منها: هل تبطل الصلاة بحملها، وذلك يبتني على نجاستها وطهارتها، وقيل: إن صلى فيها قبل التحميض صحت صلاته أو بعده بطلت لأنها إنما يغيب العقل بعد التحميض، أما قبله وهي ورق أخضر فلا، بل هي للعصر كالعنب، وتحميضها كغليانه.
ومنها: أنه هل يحرم يسيرها الذي لا يسكر، صرح النووي في (شرح المهذب) بأنه لا يحرم أكل القليل من الحشيش بخلاف الخمر حيث لا يجوز شرب قليله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للنجاسة، وكلام (التنبيه) يفهم جواز أكل قليل الحشيش.
قال العبد الضعيف: وهذا يشكل على مذهب الشافعية على قول من قال منهم: إنها مسكرة، وعندهم أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، قال الشيخ: والمتّجه أنه لا يجوز تناول شيء من الحشيش لا قليله ولا كثيره على خلاف قياس مذهب الحنفية.
ومنها: يجوز أكلها للمضطر إذا جاع، ولا يتخرَّج على الخلاف في الخمر؛ لأن الخمر إنما امتنعت لكون شربها يزيد في العطش، وأكل الحشيش لا يزيد في الجوع.
ومنها: جواز التداوي بها إن ثبت أنها تنفع من بعض الأَدْواء، ثم رأيت الروياني في (البحر) صرح بذلك فقال: ويجوز التداوي به وإن أفضى إلى السكر إذا لم يكن منه بدٌّ، ونص الإمام الشافعي على أنه يحرم التِّرْياق المعمول من لحوم الحيات إلا في الضرورة بحيث يجوز له أكل الميتة.
ومنها: يجوز بيعها لأنها تنفع في الأدوية كالسقمونيا والأفيون بشرط أن يكون يسيرًا، نعم بيعها لمن يتحقق منه طعامها حرام، كما في بيع العنب لعاصر الخمر، وقياس قولهم: إنها مسكرة بطلان البيع وإن كانت طاهرة كآلات الملاهي.
ومنها: أن زراعتها لغرض الاستعمال والإسكار حرام، ويجوز لغرض التداوي.
ومنها: أنه هل يقع طلاق آكلها، ولا يخفى حكمه مما تقدم.
قال العبد الضعيف: هذه الاختلافات على أصول الشافعية من قولهم كل مسكر حرام، وما حرم قليله حرم كثيره، وبه نطقت الأحاديث وعليه جمهور الأئمة، وأما على مذهب الحنفية من أن الحرام لعينه، والحرام قليله وكثيره هو الخمر، وما سواه فإنما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يحرم السكر منه فلا يحرم قليله، فالأمر فيه توسع كما علم، ولعل الحق ما عليه الجمهور وهو الأحوط في الدين، وفيه سدّ الذرائع على الفاسقين والجاهلين كما لا يخفى، واللَّه أعلم وعلمه أحكم.
* * *
(18)
كتاب الإمارة والقضاء