المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(13) كتاب النكاح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الولى فى النكاح واستئذان المرأة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المحرمات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المباشرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌7 - باب الصداق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الوليمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب القسم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الخلع والطلاق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌14 - باب اللعان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب العدة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الاستبراء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب النفقات وحق المملوك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(14) كتاب العتق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المرض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(15) كتاب الأيمان والنذور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب في النذور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(16) كتاب القصاص

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الديات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب ما لا يضمن من الجنايات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب القسامة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(17) كتاب الحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب قطع السرقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الشفاعة في الحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب حد الخمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب ما لا يدعى على المحدود

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌5 - باب التعزير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌6 - باب بيان الخمر ووعيد شاربها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(18) كتاب الإمارة والقضاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما على الولاة من التيسير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب العمل في القضاء والخوف منه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب رزق الولاة وهداياهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأقضية والشهادات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِى:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(19) كتاب الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب إعداد آلة الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب السفر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

3787 -

[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا" قَالُوا: أَفَلا نُبشِّرُ بِهِ (1) النَّاسَ؟ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 279].

ــ

الفصل الأول

3787 -

[1](أبو هريرة) قوله: (وأقام الصلاة وصام رمضان) خصهما بالذكر تنبيهًا على عِظَم شأنهما ولعمومهما المسلمين قاطبة.

وقوله: (أو جلس) أي: لم يجاهد فلا ينافي وجوب الهجرة، وقيل: ورد هذا الحديث في فتح مكة لأن الهجرة قبله كانت فريضة.

وقوله: (إن في الجنة مئة درجة) يعني نعم بشِّروهم بدخول الجنة بالإيمان والصوم والصلاة وجوبًا، ونجاتهم من عذاب النار، لكن لا تكتفوا بذلك بل هاهنا درجات وفضائل أخر تنال بالجهاد والشهادة في سبيل اللَّه فاسعوا بذلك أيضًا.

قوله: (فإذا سألتم اللَّه) أي: الجنة على الجهاد أو مطلقًا.

وقوله: (فإنه أوسط الجنة) أي: أعدلها وأفضلها وأوسعها وخيرها، كذا ذكر

(1) لفظ "به" سقط في نسخة.

ص: 532

3788 -

[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِم الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2787، م: 1878].

3789 -

[3] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهَ،

ــ

السيوطي، وفي (القاموس) (1): رجل فَرادِسُ: ضخمُ العِظام، والفَردَسةُ: السَّعةُ، وصدر مُفردَس: واسعٌ، ومنه الفِردَوس.

3788 -

[2](وعنه) قوله: (القانت) القنوت: الطاعة والخشوع والدعاء والقيام.

وقوله: (لا يفتر) بضم التاء من الفُتُور، يعني أن المجاهد وإن كان يفتر بعض أوقاته بالنوم والأكل وغير ذلك لكنه في حكم من لا يفتر عن العبادة قطعًا، يُكتَبُ ثوابُه متَّصلًا على كل حركة وسكون.

وقوله: (حتى يرجع المجاهد في سبيل اللَّه) وضع المظهر موضع المضمر تعليلًا للحكم، وإظهارًا لشرف المجاهدين، وتنبيهًا على التبرك بذكرهم، والالتذاذ بذلك.

3789 -

[3](أبو هريرة) قوله: (انتدب اللَّه) في (القاموس)(2): ندبه إلى الأمر: دعاه وحثَّه ووجَّهه، فيكون انتدب بمعنى أجاب، وكأنَّ الخارجَ فِي سبيل اللَّه دعا اللَّه وندبه لنصرته ونيلِ أجره فأجابه اللَّه تعالى، وقد يجعل بمعنى تضمَّن وتكفَّل، وقد

(1)"القاموس المحيط"(ص: 520).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 139).

ص: 533

لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيق بِرُسُلِي أَنْ أَرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 36، م: 1876].

ــ

وقعت الرواية بهما.

وقوله: (لا يخرجه) حال عن (اللَّه) بتقدير القول، أي: قائلًا.

وقوله: (إلا إيمان بي) بالرفع على أنه مستثنى مفرَّغ، أي: لا يُخرِجُه مُخرِجٌ إلا إيمانٌ بي، ووقع في نسخ (مسلم) بالنصب على أنه مفعول له، أي: لا يُخرِجُه مُخرِج لأجل شيء إلا للإيمان بي فيكون منصوبًا بنزع الخافض، وكذا قوله:(وتصديق).

وقوله: (أن أرجعه) بدل اشتمال عن الموصول أو تفسير للانتداب، فيكون (أن) مفسرة لما تضمَّن الانتداب معنى القول، وإذا ضمن الانتداب معنى تضمَّنَ وتكفَّلَ يكون مفعولَ (انتدب)، أي: ضمِنَ اللَّهُ لمَن خرج في سبيله أن يرجعه، ورجع هنا من الرجوع المتعدي دون الرجوع اللازم.

وقوله: (من أجر) أي: أجر فقط، أي: لم يغنم شيئًا (أو غنيمة) أي: معها، ويروى (وغنيمة) بالواو أيضًا، والمراد ما ذكرنا، وقال الطيبي (1): وبالواو أوجه الروايتين وأسدُّهما معنًى، وهو محل نظر لما قررنا، وظهر به أن القول بكون (أو) بمعنى الواو أيضًا غيرُ متَّجه.

قوله: (أو أدخله الجنة) يعني إن قتل أو مات، وقيل: المراد دخول الجنة مع السابقين بلا حساب وعذاب، وقيل: يدخله بعد موته قبل يوم القيامة كما قال: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: 169].

(1)"شرح الطيبي"(7/ 266).

ص: 534

3790 -

[4] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ لَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، مَا تَخَلَّفْتُّ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنْ أُقتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَى ثُمَّ أُقتَلُ، ثُمَّ أُحْيَى ثُمَّ أُقتَلُ، ثُمَّ أُحْيَى ثُمَّ أُقْتَلُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2792، م: 1876].

3791 -

[5] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2892، م: 1881].

ــ

3790 -

[4](وعنه) قوله: (لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه) يعني أني لو ذهبت مع كل سرية للجهاد للزم بعض أصحابي التخلف عني، لأنهم لا يطيقون الجهاد لعدم استطاعتهم الرَّواحِلَ وعدم وجداني إياها، والتخلُّفُ لا تطيب أنفسهم به، ويتحسَّرون عليه، وينكسر قلوبهم بذلك، وإلا فمحبَّتي بالجهاد في مرتبةِ: أودُّ أن أقتل ثم أحيى ثم أقتل ثم أحيى، والمراد التكرار والاستمرار لا التحديد بهذه المرات، ويؤيده ما يأتي في حديث آخر: فيقتل عشر مرات، وفيه مبالغة عظيمة في بيان فضل الجهاد.

3791 -

[5](سهل بن سعد) قوله: (رباط يوم خير من الدنيا وما عليها) أي: من متاعها وحطامها، وقيل: هذا في حق من فُرِض عليه المرابطةُ بنصب الإمام، فلا يدلُّ هذا على أفضليته من المعركة ومن انتظار الصلاة.

اعلم: أن الرَّبطَ فِي اللغة الشَّدُّ، في (القاموس) (1): رَبَطَهُ يربِطه ويربُطه: شدَّه،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 615).

ص: 535

3792 -

[6] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6415، م: 1881].

3793 -

[7] وَعَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ. . . . .

ــ

فهو مربوط ورَبِيط، والرِّباط مصدر من باب المُفاعَلة، ويجيء بمعنى ما رُبط به، وفي الشرع: ملازمة ثغر العدو كالمرابطة، وهي في الأصل أن يربط كل من الفريقين خيولهم في ثغره، وكلٌّ منهما معدٌّ لصاحبه، فسُمِّيَ المقام في الثغر رِباطًا، ومنه قوله تعالى:{وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200]، وقوله:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]، وقد يفسر قوله:(ورابطوا) بانتظار الصلاة بعد الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: (فذلكم الرِّباطُ، فذلكم الرِّباطُ)، وفي (المقدمة) (1): الرباط ملازمة الثغر للجهاد، وأصله الحبس، والثغر ما يلي دار العدو.

3792 -

[6](أنس) قوله: (لغدوة في سبيل اللَّه أو روحة) الغدوة بفتح المعجمة: السير في أول النهار، والروحة بالفتح: السير في آخر النهار، وكلاهما بناء المرة.

3793 -

[7](سلمان) قوله: (جرى عليه عمله) أي: ثوابُ عملِه.

وقوله: (وأجري) بلفظ المجهول من الإجراء، أي: أُوصِلَ إليه رزقُه من طعام الجنة وشرابها.

(1)"فتح الباري"(1/ 121).

ص: 536

وَأَمِنَ الْفتَّانَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1913].

3794 -

[8] وَعَنْ أَبِي عَبْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّه فتمَسَّهُ النَّارُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2811].

3795 -

[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1891].

ــ

قوله: (أمن) بلفظ الماضي المعلوم من الأمن، ويروى (أومن) بلفظ الماضي المجهول من الإيمان. و (الفتان) بفتح الفاء وتشديد التاء فَعَّال من الفتنة، والمراد مَن يفتن في القبر من مَلَك العذاب، أو الدَّجال، أو الشيطان، ويروى بضم الفاء جمع فاتن شاملًا لجميع هؤلاء ومَن عداهم.

3794 -

[8](أبو عبس) قوله: (وعن أبي عبس) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة في آخره سين مهملة.

قوله: (فتمسه) بالنصب والمراد انتفاء اجتماع الاغبرار والمِسَاس، والاغبرار في سبيل اللَّه كناية عن السعي إلى الجهاد، وفيه مبالغة بأنه إذا كان الاغبرار دافعًا لمَسِّ النار، فكيف بنفس الجهاد، والمراد بسبيل اللَّه السعي إلى الجهاد، وهو المتعارف في الشرع، وقد يراد به السعي إلى الحج والعلم والرزق الحلال.

3795 -

[9](أبو هريرة) قوله: (لا يجتمع كافر وقاتله في النار) هذا الحديث ورد مخصوصًا بمن قتل كافرًا في الجهاد بأنه لا يدخل النار، وفي الحقيقة هو بيان فضل الجهاد كما في الحديث السابق، فإن من جاهد يقتل كافرًا غالبًا ومن جاهد ولم يقتل فجزاؤه الجنة أيضًا، فافهم.

ص: 537

3796 -

[10] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ، يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ. . . . .

ــ

3796 -

[10](وعنه) قوله: (من خير معاش الناس) في (القاموس)(1): العَيش والمَعاش: الحياة، عاش يعيش عَيْشا ومَعَاشًا ومعيشًا ومَعِيشَةً وعِيشَةً بالكسر، وما يُعَاشُ به، والمعيشة التي تعيش بها من المطعم والمشرب، وما تكون به الحياة.

وقوله: (رجل) مبتدأ بحذف المضاف، أي: معاشُ رجلٍ.

قوله: (يطير على متنه) أي: يسرع راكبًا على ظهره، والهيعة والهايعة الصوت تفزع منه وتخافه من عدو، ورجلٌ هاعٍ لاعٍ، وهائعٌ لائعٌ: جبان ضعيف، والفزع بالتحريك والفزعة بالسكون: الذُّعر والفَرَق، والفعل كفرح ومنح، والاستغاثة والإغاثة، والمراد الاستغاثة وهو الأنسب، ويصح إرادة المعنى الأول بإرادة أثر الفزعة وهو الاستغاثة ونحوها.

وقوله: (طار عليه) أي: ذهب وأسرع، والضمير في (عليه) إما للفرس وقد يُذكَّر، أو للمذكور المسموع، أي: شاهدًا وحاضرًا عليه.

وقوله: (يبتغي القتل والموت) أي: لا يُبالي ولا يتحرَّز عنه بل يطلبه حيث يظن أنه يكون، و (مظانه) بدل اشتمال أو ظرف ليبتغي، والضمير فيه للموت؛ لأن الحاصل بالقتل أيضًا هو الموت. و (غنيمة) تصغير غنم، والغَنَم الشَّاءُ لا واحد لها من لفظها، والواحدة شاة، وهو اسم مؤنث للجنس ولهذا أظهر التاء في تصغيرها، يقع

(1)"القاموس المحيط"(ص: 554).

ص: 538

فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنْ هَذِهِ الشَّعَفِ أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1889].

ــ

على الذكور والإناث وعليهما جميعًا، والتنوين للتقليل بل للتحقير أيضًا. و (الشَّعَفَةُ) بعين مهملة بفتحات: رأس الجبل، ولعله أريد بها الجبل، والإشارة للقريب للتحقير، وكذا في قوله:(واد من هذه الأودية) والمراد بهما الجنس لا المعين، والمراد وصف اعتزاله وقناعته في أحقر مكان وأدنى قوت. والمراد بالزكاة الصدقة، ويمكن أن يبلغ عدد غنمه النصاب، ومع ذلك هي شيء قليل، و (اليقين) اسم للموت كما في قوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].

وقوله: (ليس من الناس إلا في خير) أي: يكفيهم شرَّه، ويستكفي شرَّهم عن نفسه، وأحسن نيته في العزلة، هو الأولى.

وحاصل معنى الحديث الحثُّ على مجاهدة أعداء الدين ومجاهدة النفس والشيطان، والإعراضُ عن استيفاء اللذات العاجلة، وأنه ينبغي للرجل إن خالط الناس يكون في تأييد دين اللَّه وإلا فالعزلة وتكميل النفس، وفيه دليل على أفضلية العزلة من الخلطة، والمسألة خلافية، والمدار على الفوائد والآفات في كل منهما، ويستوفي بيانها كتاب (إحياء علوم الدين)(1) فانظر ثمة، وقد ذكرناها في ترجمة ربع العادات (2)

(1)"إحياء علوم الدين"(2/ 267، 295).

(2)

قال الإمام الغزالي في مقدمة "إحياء علوم الدين": وقد أسسته على أربعة أرباع، وهي: ربع العبادات، وربع العادات، وربع المهلكات، وربع المنجيات، وقد ترجم الشيخ المحدث الدهلوي ربع العبادات باللغة الفارسية، وسماه "آداب الصالحين".

ص: 539

3797 -

[11] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2843، م: 1895].

3798 -

[12] وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيأخذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ،

ــ

منه.

3797 -

[11](زيد بن خالد) قوله: (من جهز غازيًا) جهزه: هيّأ له أسباب سفره، وجهاز الميت والعروس والمسافر بالكسر والفتح: ما يحتاجون إليه، وبالفتح ما على الراحلة.

وقوله: (فقد غزا) أي: صار شريكًا له في ثواب الغزو.

وقوله: (ومن خلف غازيًا في أهله) أي: صار خلَفًا له وقام مقامه في إصلاح حالهم ورعاية أمرهم.

3798 -

[12](بريدة) قوله: (فيخونه) الضمير المرفوع لـ (رجل) الذي هو مدخولُ (مِن)، والمنصوب لرجل الذي هو مفعولُ (يخلُفُ)، والضمير في (فيهم) للأهل، وأهل الرجل: عشيرته وذوو قرباه، وهو اسم جنس، ويجمع على أهلون وأهال وآهال وأهلات.

وقوله: (إلا وقف) بلفظ المجهول، والضمير للرجل الأول، وفي (له) للثاني، وفي قوله:(فيأخذ من عمله) على العكس.

ص: 540

فَمَا ظَنُّكُمْ؟ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1897].

3799 -

[13] وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ: هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبع مِئَةٍ ناقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1892].

3800 -

[14] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ: "لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا،

ــ

وقوله: (فما ظنكم) بذلك الرجل هل يترك من حسناته شيئًا، أو فما ظنكم باللَّه هل تشكُّون في هذه المجازاة. وقال التُّورِبِشْتِي (1): وقيل: معناه فما ظنكم مَن أعطاه اللَّه هذه الفضيلة والدرجة، فربما يكون وراء ذلك من الفضيلة.

3799 -

[13](أبو مسعود) قوله: (بناقة مخطومة) أي التي: جُعِلَت الخِطامُ في أنفها، والخطام بالكسر: ما وضع في أنف البعير لينقاد به، والخطم بفتح الخاء وسكون الطاء من الدابة مُقدَّم أنفها وفمها، ومنقار الطائر، وهو الزِّمام من زمَّه: شدَّه.

3800 -

[14](أبو سعيد) قوله: (بعث بعثًا) أي: أرسل جيشًا، والبعث ويحرك: الجيش، والجمع بُعُوث.

وقوله: (إلى بني لحيان) بالكسر وقد يفتح أبو قبيلة، و (هذيل) بلفظ التصغير أبو حيٍّ من مُضَرَ.

وقوله: (لينبعث من كل رجلين أحدهما) أي: ليخرج من كل قبيلة نصفُ عددِها،

(1)"كتاب الميسر"(3/ 874).

ص: 541

وَالأَجْرُ بَينَهُمَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1896].

3801 -

[15] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُوْمَ السَّاعَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1922].

3802 -

[16] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. . . . .

ــ

وكون الأجر بينهما محمولٌ على ما إذا خَلَفَ المقيمُ الغازيَ فِي أهله بالخير، كذا نقل الطيبي (1).

3801 -

[15](جابر بن سمرة) قوله: (لن يبرح) أي: لا يزالُ.

وقوله: (يقاتل) استئناف للجملة الأولى، والعصابة الجماعة، وورد في حديث آخر:(لا يزالُ أهل الغَرْبِ)، قال القاضي عياض في (المشارق) (2): قال يعقوب ابن شيبة عن علي بن المديني: الغرب هنا الدلو العظيم، وأراد العرب لأنهم أصحابها والمُستَقُون بها، وليست لأحد إلا لهم ولأتباعهم، وقال معاذ: هم أهل الشام، فحمله على أنه غرب الأرض خلاف المشرق، والشام غربٌ من الحجاز، وقيل: هم أهل الشام وما وراءه، وقيل: المراد هنا أهل الحِدَّة هو الاستنصار في الجهاد ونصرة دين اللَّه، والغرب الحدة.

3802 -

[16](أبو هريرة) قوله: (لا يكلم) الكلم: الجرح، والجمع كُلوم وكِلام، وكلَّمَه يُكلِّمُه: جرحه فهو مكلوم وكليم.

(1)"شرح الطيبي"(7/ 273).

(2)

"مشارق الأنوار"(2/ 215).

ص: 542

-وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2803، م: 1876].

3803 -

[17] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا فِي الأَرْضِ. . . . .

ــ

قوله: (واللَّه أعلم بمن يكلم في سبيله) جملة معترضة لتفخيم شأن من يخرج في سبيل اللَّه، ولتقليل وجود مَن شأنه كذلك على وجه الإخلاص، وصيانته عن السُّمعة والرِّياء حتى يكتفي بعلمه تعالى، ولتسليته وترجيته لئلا يتوهم نقصانه ويستبعد أجره وثوابه، وهو شامل لكل من يُكلَم ويؤذَى على الحق.

وقوله: (يثعب) بفتح الياء والعين بمثلثة ساكنة بينهما، والثعب يجيء متعديًا، يقال: ثعَبْتُ الماءَ والدمَ فانثعب، أي: فجَّرتُه فانفجَرَ، كذا في (الصحاح) و (القاموس)(1)، فيكون (دمًا) مفعولًا به، وفسره في (النهاية) (2) بقوله: يجري، وفي (المشارق) (3): ينفجر، وظاهرهما يدل على أنه لازم، فيكون (دمًا) تمييزًا، اللهم إلا أن يحمل على بيان حاصل المعنى، وجاء في حديث آخر:(يشخب دمًا)، وفسره الأكثرون بـ (يَسِيل) وينفجر، وقال في (مختصر النهاية) (4): الشخب: السيلان، وفسره بعضهم بـ (يصبُّ)، فتدبر.

3803 -

[17](أنس) قوله: (وله ما في الأرض من شيء) يحتمل أن يكون

(1)"الصحاح"(1/ 92)، و"القاموس المحيط" (ص: 72).

(2)

"النهاية"(1/ 212).

(3)

"مشارق الأنوار"(1/ 205).

(4)

"الدر النثير"(1/ 513).

ص: 543

مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2817، م: 1877].

3804 -

[18] وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} الآيَةَ [آل عمران: 169]، قَالَ: إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ،

ــ

عطفًا على قوله: (أن يرجع)، أي: ما يحب الرجوع ولا أن يكون له شيء في الدنيا، وأن يكون حالا أي: لا يحب الرجوع حال كونه مالكًا لأشياءَ كثيرة من أمتعة الدنيا، كذا في الحاشية، فافهم.

3804 -

[18](مسروق) قوله: (إنا قد سألنا عن ذلك) أي: رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بقرينة الحال، إذ من المتعيِّن أن سؤال الصحابة في أمثال هذه الأمور لا يكون إلا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد كتب في بعض النسخ في الهامش بعلامة صح.

وقوله: (في أجواف طير خضر) قيل: إيداعها في أجواف تلك الطيور كوضع الدُّرر في الصناديق تكريمًا وتشريفًا لها، وإدخالها في الجنة بهذه الصورة لا متعلِّقة بهذه الأبدان مدبَّرةً فيها تدبيرَ الأرواح في الأبدان كما كانت في الأبدان الدنياوية، فإنها يتبوأ بها في الجنة تجد ما فيها من الروائح، ويشاهد ما فيها من الأنوار، ويتلذذ ويبتهج بها، وبما يحصل لها من قرب الرحمن تعالى وجوار الملائكة المقربين والتبوء في الجنة الأعلى، وهذا هو المراد من قوله تعالى:{يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 169 - 170]، وهذا دفع لشبهة من تمسك به في القول بالتناسخ، ولتوهم من قال: إن هذا تنزيل وتنقيص لهم حيث أخرجوا من الأبدان الإنسانية إلى

ص: 544

لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ. . . . .

ــ

الأجسام الحيوانية، فتدبر.

وقيل: لعل أرواح الشهداء لما استكملت تمثلت بأمر اللَّه سبحانه بصور طير خضر وحصلت لها تلك الهيئة، كتمثُّلِ الملَكِ بَشَرًا، فليست هذه الأبدان هي التي تتعلق بها تلك الأرواح ويدبر فيها، بل هي أنفسها صور الأرواح تمثلت بها، فافهم.

وأقول -واللَّه أعلم-: يحتمل أن تكون تلك الأبدان على صفات الأبدان الإنسانية وإن كانت على صور طير خضر، ولا تكون على صفاتها حقيقة فإنه لا اعتداد للصور والأشكال، بل لا يبعد أن يقال: تسميتها بالطيور لانتقالها من مكان إلى مكان على هيئة الطيران لا المشي على الأقدام كما يكون للآدمي في الدنيا، فلا يلزم تنزيلها وتنقيصها كما يوهم.

وأما ظن التناسخ فأيضًا باطل، فإنها ليست أبدانًا لها يستقر فيها على وجه ينفي الحشر والنشر كما يقول القائلون به، بل هي في مدة بفائهم في الجنة قبل فيام القيامة ووجود الحشر، ولهذا أورد في حديث آخر:(حتى يرجعه اللَّه جسده يوم القيامة ليبعث الأجساد)، واللَّه أعلم.

وقيل: الحديث تمثيل لحالهم وما هم عليه من البهجة والسعادة، شبه بهجتهم وبهاءهم وتمكُّنهم من التلذذ بأنواع المشتهيات، والتبوء من الجنة حيث شاؤوا، وقربهم من اللَّه تعالى، وانخراطهم في غار الملإ الأعلى الذين [هم] حول عرش الرحمن بما إذا كانوا في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل

ص: 545

فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبُّ نُرِيدُ أَنْ تُرَدَّ أَرْوَاحُنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مرَّةً أُخْرَى فَلَمَّا. . . . .

ــ

معلقة بالعرش، كذا نقل الطيبي (1) عن القاضي البيضاوي (2) وهذا على عادة القاضي في تأويل الأحاديث والآيات بالإخراج عن الصور إلى المعاني ميلًا إلى التفلسف، ورعايةً لحال ضعفاء الإيمان، والحق أنه محمول على ظاهره وإن لم ندرِ كيفيته بأفهامنا القاصرة، وهذا أقوى الإيمان، واللَّه أعلم بحقيقة الحال.

وقوله: (فاطلع إليهم ربهم) الاطِّلاع مجازٌ عن مزيد تلطُّفه بهم، وتعديتُه بـ (إلى) لتضمين معنى الانتهاء.

وقوله: (اطلاعة) يحتمل أن يكون للمرة، ويحتمل أن يكون للنوع أي: اطلاعًا خاصًا ملتبسًا برحمة مخصوصة وفضل مخصوص، ويشبه أن يكون لهما، فالمرة مستفادة من التاء، والنوعية من التنكير.

وقوله: (ففعل ذلك) أي: السؤالَ.

وقوله: (لن يتركوا من أن يسألوا)(مِن) صلة (يتركوا) بتضمين معنى العفو والعذر والخلاص ونحوها، وقال الطيبي (3): هي زائدة لوقوعها في سياق النفي، و (أن يسألوا) بدل من ضمير (يتركوا)، فافهم.

(1)"شرح الطيبي"(7/ 276).

(2)

"تفسير البيضاوي"(1/ 412).

(3)

"شرح الطيبي"(7/ 277).

ص: 546

رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1887].

3805 -

[19] وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ قُلْتَ؟ " فَقَالَ: . . . . .

ــ

وقوله: (أن ليس لهم حاجة) لحصول الثواب العظيم بالمرة الأولى، ولو كانت في المرة الثانية لكان مثل ذلك، ولا حاجة إلى ذلك فتركوا من السؤال.

فإن قلت: فما فائدة سؤالهم أن تُرَدَّ أرواحُهم في أجسادهم حتى يقتلوا في سبيل اللَّه مرة أخرى، ولا يحصل فيها إلا مثل ما هم فيه؟ أجيب: مرادهم بهذا الكلام القيام بموجب الشكر في مقابلة النعم التي أنعم اللَّه تعالى عليهم.

فإن قلت: رؤية اللَّه تعالى كانت أعظم النعم فلِمَ لم يطلبوها؟ قلت: يجوز أن تكون رؤية اللَّه تعالى موقوفة على كمال استعداد يليق بها يحصل ليوم القيامة، فصرف اللَّه قلوبهم عن طلب ذلك إلى وقت حصول الاستعداد، كذا في (شرح ابن الملك)(1).

3805 -

[19](أبو قتادة) قوله: (مقبل غير مدبر) تأكيد من قبيل عسير غير يسير، وقيل: احتراز عمَّن يقبلُ فِي وقت ويدبرُ فِي وقت.

وقوله: (ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ ) استعاد منه السؤال المذكور ليجيب

(1) انظر: "شرح مصابيح السنة"(4/ 315).

ص: 547

أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1885].

3806 -

[20] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1886].

3807 -

[21] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَضْحَكُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَجُلَينِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ: . . . . . .

ــ

بالجواب المذكور ثانيًا تقريرًا وتأكيدًا للمرام مع زيادة شيء آخر مهمٍّ، وهو استثناء الدين بقوله:(إلا الدين) استئناء متصل من الخطايا؛ لأنه يفضي إلى ارتكاب الخطايا من الكذب وخلف الوعد كما عرف في وجه استعاذته صلى الله عليه وسلم من الغرم، وقال التُّورِبِشْتِي (1): أراد بالدين هنا ما يتعلق بذمته من حقوق المسلمين، انتهى. فيكون حاصله أن الجهاد في سبيل اللَّه يكفر كل شيء إلا حقوق الناس.

3806 -

[20](عبد اللَّه بن عمرو بن العاص) قوله: (يكفر كل شيء إلا الدين) ذكر السيوطي أنه قد ورد: أن شهداء البحر يُغفَرُ لهم الذنوبُ كلُّها والدَّينُ، وورد: أن اللَّه تعالى يَلي قبضَ أرواح شهداء البحر لا يكِلُ ذلك إلى ملَكِ الموت (2).

3807 -

[21](أبو هريرة) قوله: (يضحك اللَّه تعالى إلى رجلين) أي: يتلقاهما بالقبول والرضاء، والتعدية بـ (إلى) باعتبار معنى الانبساط والإقبال الذي هو مأخوذ

(1)"كتاب الميسر"(3/ 876).

(2)

"بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث"(634).

ص: 548

يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2826، م: 1890].

3808 -

[22] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1909].

3809 -

[23] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أَمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ (1)! . . . . .

ــ

في الضحك باعتبار معناه اللغوي، فإنه يراد به في متعارف اللغة انبساط الوجه وتكشير الأسنان من سرور النفس، وقيل: يجوز أن يكون معنى الضحك إدرار الرحمة، يقال: ضحك السحاب: إذا صبت ماءه.

وقوله: (ثم يتوب اللَّه على القاتل) الكافر بان يؤمنَ ثم يُستشهَدَ.

3858 -

[22](سهل بن حنيف) قوله: (وعن سهل بن حنيف) بلفظ التصغير بالحاء المهملة.

قوله: (بلغه اللَّه منازل الشهداء) فيه أن المرء يثاب على نيته، والنظر في أنه يثاب يعني ما يثاب على الفعل أو بمثله ونظيره، وأقول في قوله:(بلغه اللَّه منازل الشهداء): نوع إيماء إلى الثاني، واللَّه أعلم.

3809 -

[23](أنس) قوله: (أن الربيع) بضم الراء وفتح الباء وتثقيل الياء المكسورة.

(1) في نسخة: "يا نبي اللَّه".

ص: 549

أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ فَقَالَ: "يَا أَمَّ حَارِثَةَ! إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ. . . . .

ــ

وقوله: (يوم بدر) موضع معروف يذكر ويؤنث، وقعت فيه الغزوة التي أعز اللَّه بها الإسلام بقتل صناديد قريش كأبي جهل وأضرابه، قيل: هي اسم ماء، وقيل: اسم بئر حفرها بدر بن قريش، وقيل: كان البئر يرى فيه البدر.

قوله: (سهم غرب) في (القاموس)(1): أصابه سهمُ غربٍ ويحرك، وسهمٌ غربٌ نعتًا، أي: لا يُدرَى راميه. وقال في (المشارق)(2): قوله: (فأصابه سهم غرب) يقال على النعت بفتح الراء وسكونها، قال أبو زيد: فبفتح الراء إذا رمى شيئًا فأصاب غيره، وبسكونها إذا أتى السهمُ من حيثُ لا يُدرَى، وقال الكسائي والأصمعي: إنما هو سهمُ غَرَبٍ بفتح الراء مضافًا الذي لا يُعرَفُ راميه، فإذا عرف فليس بغرب، قال: والمحدثون يسكنون الراء والفتح أجود وأكثر في لسان العرب، وقال ابن سراج: والإضافة أيضًا مع فتح الراء ولا يضاف مع سكونها، انتهى. وقال: والغرب بالتحريك ضرب من الشجر، يقال له بالفارسية: سبسدار، قد يتخذ منه السهام فيقال: سهم غرب، فيضاف ولا يضاف، والذي ذكرناه في الحديث ليس من هذا في شيء.

وقوله: (وإن كان غير ذلك) بالرفع على أن (كان) تامَّةٌ، وقد ينتصب، أي: إن كان الأمر غيرَ ذلك، و (ذلك) إشارةٌ إلى كونه في الجنة.

قوله: (إنها جنان في الجنة) الضمير للقصة، والجملة -أعني (جِنانٌ فِي الجنَّة) -

(1)"القاموس المحيط"(ص: 124).

(2)

"مشارق الأنوار"(2/ 216).

ص: 550

وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 2809].

3810 -

[24] وَعَنْهُ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقَوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ" قَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ: بَخٍ بَخْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ: بَخْ بَخْ؟ " قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. . . . .

ــ

خبرُها يفسرها، والتنوين للتعظيم، أي: درجات عظيمة فيها والفردوس أعلاها.

3810 -

[24](وعنه) قوله: (حتى سبقوا المشركين) أي: نزلوا بدرًا قبل نزول المشركين.

وقوله: (إلى جنة) أي: مسارعين إليها، أي: إلى أعمال هي سبب دخولها.

وقوله: (عرضها السماوات والأرض) أي: عرضها كعرض بحذف كاف التشبيه والمضاف، والمراد وصفها بالسعة والبسط، فشُبِّهَت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه، وذكر العرض للمبالغة في وصفها بالسعة؛ لأنه دون الطول، وعن ابن عباس:(كسبعِ سماواتٍ وسبعِ أرضَيِنَ لو وُصِلَ بعضُها ببعضٍ).

وقوله: (قال عمير) بلفظ التصغير (ابن الحمام) بضم المهملة وتخفيف الميم. و (بخ بخ) بفتح الموحدة وسكون الخاء وتنوينها، يقال: للمدح والرضاء بالشيء، كررت للمبالغة، فإذا أفردت وقفت عليها، وإن كررت وصلت الأولى بالأخرى. وأما أصحاب الحديث فإنهم يروونها بسكون الخاء في الوصل والوقف، ومن أهل اللغة من يشدد الخاء منهما.

وقوله: (يا رسول اللَّه إلا رجاء أن أكون من أهلها) حملوه على معنيين أحدهما:

ص: 551

قَالَ: "فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا" قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1901].

3811 -

[25] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ ". . . . .

ــ

أنه سيق إلى فهم الرجل من قوله صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك. . . إلخ) أن الحامل على ذلك القول التعجُّبُ تشبيهًا بالهزل والمزاح من غير نية ورَوِيّة، فنفى عمير ذلك، وقال: ما قلت ذلك إلا رجاء أن أكون من أهلها.

وثانيهما: أنك قلت ذلك خوفًا من القتل وبذل المهجة واستعظامًا واستبعادًا لذلك؟ فقال: لا، بل قلت: رجاءً وشوقًا إلى لقاء اللَّه ونيل ثوابه، فافهم.

وقوله: (من قرنه) بفتحتين، أي: من جعبته، قيل: هو جعبة من جلد لا خشب فيها أو بالعكس.

وقوله: (لئن أنا حييت) من قبل قوله تعالى: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100]، فالنحويون على أن قوله: أنتم فاعلُ فعلٍ محذوفٍ يفسِّره ما بعده انفصل بعد حذف العامل، وأرباب المعاني يقولون: مبتدأ قدِّم للاختصاص وجعل الفعلية اسمية، وتحقيقه في (شرح التلخيص) للتفتازاني.

وقوله: (حتى قتل) وكان رضي الله عنه أولَ مَن استشهد من الأنصار.

3811 -

[25](أبو هريرة) قوله: (ما تعدّون الشهيد فيكم؟ ) نقل الطيبي (1)

(1)"شرح الطيبي"(7/ 281).

ص: 552

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ: "إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1915].

3812 -

[26] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّة. . . . .

ــ

عن المالكي: أن العدَّ يوافق الظن في المعنى والعمل، فـ (ما) استفهامية في موضع مفعول ثانٍ، والتعبير بـ (ما) للدلالة على الوصف كما في قوله تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]؛ لأن الاستفهام هنا في الحقيقة على الحالة التي ينال بها المؤمن رتبة الشهادة على أنها تعم العقلاء وغيرهم عند الشيخ ابن الحاجب، ولهذا أجابوا بقولهم: مَن قُتِلَ.

والشهيد: فَعِيل بمعنى مفعول، أي: يُشهَدُ ويحضرُه الملائكةُ بالنور والكرامة، أو بمعنى فاعل أي: يشاهد ما أُعِدَّ له من النعيم أو يحضر عند ربه، هذا إذا كان من الشُّهود والمشاهدة، ويحتمل أن يكون من الشهادة، أي: مشهود له بالفضل والكرامة، أو يشهد لنفسه بذلك بالصدق والإخلاص، أو يشهد على الأمم يوم القيامة كما يشهد الرسل عليهم السلام. والظرفية في قوله:(في سبيل اللَّه) حقيقية، وفي قَرِينَيه مجازية، أو بمعنى الباء للسببية، والمراد بكونِ هؤلاء شهداءَ مشاركتُهم لهم في نوع من المثوبات التي يستحقها الشهداء، لا مساواتهم لهم في جميع المثوبات والأحكام.

3812 -

[26](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (ما من غازية) أي: جماعة غازية (أو سرية) وهي قطعة من الجيش تبعث للجهاد، والغزو: قطع جيش كبير، وقد اصطلح

ص: 553

تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ، وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1906].

ــ

أهل السير على أن يطلقوا الغزو على ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة، والسرية على ما لم يكن فيها، والغزو بمعنى اللغة يتناولهما معًا، ولهذا قال: تغزو في كلا الصورتين، يعني أن هذا الحكم ثابت في الغزو الكثير والقليل، فـ (أو) ليس للشك، ويحتمل أن يكون للشك من الراوي في أن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم: ما من غازية، أو ما من سرية.

وقوله: (إلا كانوا قد تعجلوا) أي: في الدنيا ثلثي أجورهم، أي: الغنيمةَ والسلامةَ، وبقي ثلث أجورهم يستوفونه يوم القيامة، وعلى هذا من سلم ولم يغنم استوفى ثُلثَ أجوره وبقي ثلثان، وذلك بسبب ما قصد بغزوه محاربة أعداء اللَّه ونصر أوليائه.

وقوله: (تخفق) من الإخفاق، ومعناه أن تغزو ولا تغنم وتخيب من ذلك، والإخفاق أن تغزو فلا تغنم شيئًا، وكذا كل طالب حاجة إذا لم يقضِ حاجتَه، وأصله من الخَفْق وهو التحرُّك، خَفَقَت الرايةُ تخفِقُ وتخفُقُ خَفْقًا وخَفَقانًا: اضطربت وتحركت، وكذا السراب، كاختفق، وخفق النجم يخفق خفوقًا: غاب، والخفق: تغيب القضيب في الفرج، والخفقان محركة: اضطراب القلب، والمعنى صار فيه الغنيمة خافقة غير ثابتة مستقرة.

وقوله: (وتصاب) أي: الغازيةُ أو السريةُ، من المصيبة بمعنى تُقتَلُ، فهنا أقسام متعددة: السلامة مع الغنيمة، وعدمها، والهلاك، وكل محسوب، فإن اللَّه لا يضيع أجر المحسنين، وتمام الأجر في عدم الغنيمة مع القتل، والجرح أيضًا محسوب على

ص: 554

3813 -

[27] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1910].

3814 -

[28] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ:"مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّه". . . . .

ــ

قدرها، فتدبر.

3813 -

[27](أبو هريرة) قوله: (ولم يحدث) من التحديث (به) أي: بالغزو (نفسه)، أي: لم يقل في نفسه: يا ليتني كنت غازيًا، وقيل: معناه لم يُرِدِ الخروجَ، وعلامتها في الظاهر إعدادُ آلتِه، قال اللَّه تعالى:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46]، كذا في الحواشي.

وقوله: (ماث على شعبة من نفاق) أي: أشبَهَ المنافقين المتخلِّفين عن الجهاد.

3814 -

[28](أبو موسى) قوله: (فقال) أي: الرجلُ الذي جاء إليه، ومقول القول:(الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر) أي: لأنْ يُذكَرَ بين الناس ويوصفَ بالشجاعة، ويذهب صيته في الآفاق، وهو السمعة.

وقوله: (ليرى) بلفظ المجهول من الرؤية، و (مكانه) أي: منزلته من الشجاعة وقدره، مرفوع على أنه مفعول ما لم يُسَمَّ فاعله، أو منصوب على أنه مفعول ثان، وفي (يرى) ضمير الرجل، ويجوز أن يكون بلفظ المعلوم من الإراءة، و (مكانه) منصوب على أنه مفعول ثان، والمفعول الأول محذوف، أي: ليُرِيَ الناسَ في الشجاعة وهو

ص: 555

مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2810، م: 1904].

3815 -

[29] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ" وَفِي رِوَايَةٍ: "إِلَّا شَرِكُوكُمْ فِي الأَجْرِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: "وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 4423].

3816 -

[30] وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ. [م: 1911].

ــ

الرياء، ويجوز أن يكون المراد مكانه في الجنة أو في العرصات أو في سبيل اللَّه، وهذا أيضًا نازل عن درجة الصدق في الإخلاص لوجه اللَّه، ولتكون كلمته هي العليا، فافهم.

3815، 3816 - [29، 30](أنس) قوله: (رجع من غزوة تبوك) موضع من الشام، وهو آخر غزواته صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (إلا كانوا معكم) أي: بالقلب والهمة والدعاء، وبهذا شركوا في الأجر، أي: في أصله لا في قدره، قال اللَّه سبحانه وتعالى:{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]، وشركوا بكسر الراء في (القاموس) (1): شِركَه كعلمه شِركةً بالكسر.

وقوله: (حبسهم العذر) فإن القاعدين الموعود لهم الحسنى هم أولو الضرر كما نص عليه في كتاب اللَّه، وفي الحديث فضل نية الخير والتأسف على فوات ذلك.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 870).

ص: 556

3817 -

[31] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ قَالَ: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3004، م: 2549].

وَفِي رِوَايَةٍ: "فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا".

3818 -

[32] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْفَتْح: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْح، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنجيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2783، م: 1353].

ــ

3817 -

[31](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (ففيهما) أي: في خدمة والديك، (فجاهد) من قبيل قوله تعالى:{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56]، وهذا إذا كان الجهاد تطوعًا، وهكذا حكم الحج وسائر العبادات.

3818 -

[32](ابن عباس) قوله: (لا هجرة) أي: فريضة (بعد الفتح) أي فتح مكة، فإنها كانت فريضة عينًا من مكة بل من كل مكان أسلموا فيه وهو دار الكفر إلى المدينة، فإن أهل الدين فيها كانوا قليلين ضعفاء فافترضت ليستعينوا بهم وليزول وزر المشركين وافتتان المسلمين بهم، فلما فتحت مكة زالت العلة إلا أن مفارقة الأوطان لأجل الجهاد، أو للفرار من دار الكفر ومن الفتنة، أو لطلب العلم، أو لزيارة المساجد الثلاثة باقية إلى يوم القيامة، وقد يُفرَضُ على الكفاية خروجُ طائفة من المؤمنين للتفقُّه بموجب قوله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} الآية [التوبة: 122].

وقوله: (وإذا استنفرتم فانفروا) الاستنفار طلب النفر، أي: الخروج، أي: إذا أمرَكم الأميرُ بالخروج فأطيعوه.

ص: 557