الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَومِي لعَائِشَةَ لَعَليِّ أَكُونُ مِنْ نِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ.
* * *
10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق
*
الفَصْلُ الأَوَّلُ:
3238 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. . . . .
ــ
أراد استمرار طلاقها، وإن استمر الحال إلى انقضاء العدة، كذا ذكر الشيخ ابن الهمام (1)، واللَّه أعلم.
10 -
باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق
(العشرة) بالكسر: المخالطة، عاشَرَه معاشرةً: خالطَه، وتعاشروا: تخالطوا، وعَشِيرة الرجل: بنو أبيه والأَدنَون أو قبيلته، والجمع عشائر، والمعشر كمسكن: الجماعة، وأهل الرجل، كذا في (القاموس)(2)، والعشير: يطلق على الزوج وعلى كل مُعاشِر، قال اللَّه تعالى:{لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج: 13].
وقوله: (وما لكل واحدة) أي: من النساء، (من الحقوق) الظاهر في العبارة أن يقول: وما لهن من الحقوق.
الفصل الأول
3238 -
[1](أبو هريرة) قوله: (استوصوا بالنساء خيرًا)، أوصاه ووصَّاه توصية:
(1)"فتح القدير"(3/ 437).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 410).
فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسْرَتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. [خ: 5186، م: 1468].
3239 -
[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاقُهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1468].
ــ
عهد إليه، والاسم الوَصاة والوِصاية والوَصيَّة، واستشكل صيغة الاستفعال هنا فقيل: الاستيصاء بمعنى الإيصاء، أو بمعنى قبول الوصية، والمعنى أوصوا بهن خيرًا، أو أوصيكم بهن خيرًا، فاقبلوا وصيتي، وقيل: معناه اطلبوا الوصية من أنفسكم بخير في حقهن، وهذا أقرب من حيث اللفظ، والوجه الأول أظهر من حيث المعنى.
وقوله: (فإنهن خلقن من ضلع) بكسر وفتح وبفتحتين: عظم الجنب، وهو معوج، إشارة إلى خلق أول النساء، أعني حوَّاءَ من الضلع الأعلى من أضلاع آدم عليهما السلام، والمقصد أن النساء في خلقهن اعوجاج في الأصل، فلا يستطيع أحد أن يغيِّرهن عما جُبلن عليه.
وقوله: (فإن ذهبت تقيمه) أي: شرعت أن تجعل الضلع مستقيمةً (كَسَرْتَهَا) ولعل تذكير الضمير والضلع مؤنث كما قال في (القاموس) بتأويل العظم، كذا المرأة إن أردت أن تجعلها مستقيمةً أدَّى إلى كسرها، أي: طلاقها، كما فسره في الحديث الآتي، فلا يمكن الانتفاع بها إلا بالترك على اعوجاجها وتحسين الخلق معها، ولكن ذلك مشروط بأن لا يكون في ذلك إثمٌ وشرٌّ.
3239 -
[2](أبو هريرة) قوله: (وبها عوج) جملة حالية، والعوج بكسر العين
3240 -
[3] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1469].
3241 -
[4] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ،
ــ
وفتحها والكسر أرجح، وقيل: الفتح في الأعيان والكسر في المعاني، وقيل: يقال في كل منتصب كالحائط والعصا بالفتح، وفي نحو الأرض والدِّين بالكسر.
3240 -
[3](أبو هريرة) قوله: (لا يفرك) بالرفع والجزم، في (القاموس) (1): الفرك بالكسر ويفتح: البِغْضَةُ، عام أو خاصٌّ ببغضة الزوجين، كسمع فيهما، وكنصر شاذٌّ، وظاهر الحديث عام، ويفهم من إيراد الحديث في هذا الباب التخصيص، قال في (الصحاح) (2): لم يسمع هذا الحرف في غير الزوجين، يقال: شركت المرأة زوجها بالكسر فركًا: أي أبغضته، والمقصد لا ينبغي للرجل أن يبغض المرأة؛ لأنه إن كره منها شيئًا رضي شيئًا آخر، ولا يكون جميع صفاتها سيئة، وهذا حثٌّ على حسن العشرة والصبر على سوء خلقهن.
3241 -
[4](أبو هريرة) قوله: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم) بالخاء المعجمة والنون والزاي، خَنِزَ اللحمُ كفرح خُنُوزًا وخَنَزًا: أنتَنَ، روي أنهم نهوا في التيه -وقد أنزل عليهم المن والسلوى- أن يأخذوا زيادة على قوت كفايتهم، فخالفوا حرصًا منهم، فتغيرت رائحة اللحم وأنتَنَ، فخَنَزُ اللحم شيءٌ عوقب به بنو إسرائيل بسوء صنيعهم، وهو الادخار الناشئ من الحرص وعدم الثقة باللَّه، ثم استمر النتن من ذلك الوقت.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 875).
(2)
"الصحاح"(4/ 1603).
وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3300، م: 1470].
3242 -
[5] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعْهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ". وَفِي رِوَايَةٍ: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمُ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا فِي آخِرِ يَوْمِهِ". ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ فَقَالَ: "لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمُ مِمَّا يَفْعَلُ؟ ". . . . .
ــ
وقوله: (لولا حواء) أي: خيانتُها، قيل: خيانتها أنها ذاقت الشجرة قبل آدم، وكان قد نهاها، فغوته حتى أكل منها، وقيل: خيانتها أنها أرسلها آدم لقطع الشجرة، فقطعت سنبلتين، وأدته واحدة وأخفت أخرى، ووقع ذلك من جهة العوج في خلقها.
3242 -
[5](عبد اللَّه بن زمعة) قوله: (وعن عبد اللَّه بن زمعة) بفتحتين وقد تسكن الميم.
وقوله: (لا يجلد) بالرفع والجزم.
وقوله: (جلد العبد) ربما يختلج أنه كان الظاهر ذكر الأمة مكان العبد، ولعله ذكره لأن جَلْدَه يكون أشدَّ من جَلْدِ الأمة.
وقوله: (ثم يجامعها) بالرفع، أي: ثم هو يجامعها، ولو جزم لكان المنع من الجمع، ولكن الجلد المذكور ممنوع مطلقًا، وفيه: إشارة إلى جواز ضرب العبيد والإماء للتأديب إذا لم يتأدبوا بالتغليظ في الكلام، لكن العفو أولى، والضمير في (آخر يومه) للجلد، ويجوز أن يكون لأحد.
وقوله: (ثم وعظهم) أي: رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد التكلم بالكلام السابق بعدما رأى من بعض القوم يضحكون من الضرطة، وهو صوت الفقح، وهو حلقة الدبر، وفي قوله:(لم يضحك أحدكم مما يفعل؟ ) تنبيه على أنه ينبغي للمرء أن لا يعيب على
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. [خ: 5204، م: 2855].
3243 -
[6] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْقَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَنْقَمِعْنَ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4942، م: 2855].
3244 -
[7] وَعَنْهَا قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِالْحِرَابِ. . . . .
ــ
أحد بما فيه.
3243 -
[6](عائشة) قوله: (ألعب بالبنات) جمع بنت، أرادت بها اللُّعَبَ التي تلعب بها الصَّبيَّةُ، فالباء للتعدية، وهو الأظهر، ويجوز أن يراد بها الجواري التي يلعبن معها، فيكون الباء بمعنى (مع).
وقوله: (ينقمعن) أي: يستترن، انقمع: دخل البيت مستخفيًا.
وقوله: (فيسربهن إليّ) أي: يرسلهن ويسرحهن إليّ، من التسريب، والسَّرْبُ: الماشية والطريق والوجة والقطيع من الظباء والنساء وغيرها، فالمعنى يذهبهنّ إليَّ جماعةً جماعة، قوله تعالى:{وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: 10] أي: ذاهب في سربه بالفتح، أي: في طريقه ووجهه، يقال: سرب في الأرض سروبًا: ذهب وتوجه للرعي.
وقوله: (فيلعبن معي) لعب كفرح لعبًا بفتح اللام وكسر العين وهو الأشهر، ويجوز تخفيفه بكسر اللام وسكون العين، ونقل عن ابن قتيبة أنه قال: لم يسمع في التخفيف فتح اللام مع السكون، كذا في (الحاشية)، وفيه: كمال خلقه وحسن معاشرته وشفقته ومحبته صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها.
3244 -
[7](عائشة) قوله: (بالحراب) بالكسر جمع حربة: رمح صغير.
فِي الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِردَائِهِ لأَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5236، م: 892].
3245 -
[8] وَعَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى" فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5228، م: 2439].
ــ
وقوله: (في المسجد) أي: رَحْبة المسجد المتصلة به، أو في نفس المسجد، وإنما سومح بذلك لأن لعبهم ذلك كان من عُدّة الحرب مع أعداء اللَّه كالرمي، فصار في حكم العبادة، وكان يباح ذلك في مثل أيام العيد كالتغني والتدفيف، وكان يوم عيد، وقد جاء أن عمر رضي الله عنه منعهم عن ذلك، فاعتذر إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكونه يوم عيد، وكانت عائشة رضي الله عنها إذ ذاك صغيرة، كما قالت:(فاقدروا) بضم الدال وبالكسر ضبطه الأصيلي، يقال: قدرتُ الأمرَ أقدُره وأقدِره: إذا نظرتَ فِيه وقدَّرته ودبَّرته، ومنه (واقدُرْ لي الخير) على الوجهين، كذا في (المشارق)(1)، تعني فاقدروا من الزمان (قدر) وقفة (الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو) كم يكون قدر مكثها في النظر إلى اللهو، فإني مكثت في ذلك القدر، تريد طول مكثها.
3245 -
[8](عائشة) قوله: (ما أهجر إلا اسمك) أي: هجراني حالةَ الغضب
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 289).
3246 -
[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. [خ: 3237، م: 1436].
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا".
ــ
الذي يفسد الاختيارَ ويسلبه مقصورٌ على اسمك، لا يتعدى منه إلى ذاتك، وقلبي مستغرق في محبتك ومشغوف بشراشره (1) بك، قال الطيبي (2): وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدلّ بها على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه، يعني كما يتألم على هجران الحبيب بدون اختيار فيه، فافهم.
وهذا من أطوار المحبة وغنجها ودلالها (3)، يعرفه من ذاق من مشربها، والأمر فيه موكول إلى الذوق، فافهم وباللَّه التوفيق.
3246 -
[9](أبو هريرة) قوله: (إلا كان الذي في السماء) أي: الملائكة المقربون كما صرح في الرواية السابقة، وقال الطيبي (4): إذا عبر عن رحمة اللَّه تعالى أو غضبه وقرب نزولها على الخلق خص السماء بالذكر، انتهى. وقد ورد:(في السماء أمره)،
(1)"الشراشر": النفس، والمحبة، وجميع الجسد.
(2)
"شرح الطيبي"(6/ 310).
(3)
قوله: "دلالها" دلُّ المرأة، ودلالها ودالولاؤها: تدللها على زوجها، تريه جراءة عليه في تغنجٍ وتشكلٍ كأنها تخالفه وما بها خلاف. "القاموس" (ص: 920).
(4)
"شرح الطيبي"(6/ 310).
3247 -
[10] وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ:"الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5219، م: 2130].
3248 -
[11] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: آلى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ. . . . .
ــ
وقد سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جارية: (أين اللَّه؟ ) قالت: في السماء، فحكم بإسلامها، وقد ورد أمثال ذلك من المتشابهات، وله تأويل مشهور، ومعنى ظاهر، ولا اشتباه ولا إشكال.
3247 -
[10](أسماء) قوله: (إن لي ضرة) الضَّرَّتان: زوجتا الرجل، وكل واحدة ضَرَّة للأخرى.
وقوله: (إن تشبعت من زوجي) أي: أظهرت لضرتي أنه يعطيني أكثر مما يعطيها إدخالًا للغيظ عليها، وأصله إظهار الشبع، والتشبه بالشبعان وليس به.
وقوله: (كلابس ثوبي ذور) قال السيوطي (1): قيل: هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية، يظن الناس أنهما له، ولباسهما لا يدوم فيفتضح بكذبه، وقيل: هو الرجل يلبس الثياب المشبهة بثياب الزهاد، يوهم أنه منهم، وأتى بالتثنية لإرادة الرداء والإزار إذ هما متلازمان، وللإشارة إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه، وقيل: كان شاهد الزور يلبس ثوبين ويشهد، فيقبل لحسن ثوبيه، وقيل: التعبير بالثوبين للإشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان، فقدان ما يشبع به، وإظهار الباطل، انتهى.
3248 -
[11](أنس) قوله: (آلى) أي: حلف أن لا يدخل على نسائه شهرًا،
(1) انظر: "مرقاة المفاتيح"(10/ 187).
شَهْرًا وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 5201].
ــ
والإيلاء باب معروف في الفقه من كتاب الطلاق.
وقوله: (وكانت انفكت رجله) الضمير في كانت للقصة، ويجوز أن يكون (رجله) اسم كانت، و (انفكت) خبره، ومعنى انفكت: زالت، يقال: انفكت قدمه: زالت، وأصبعه: انفرجت، والفكُّ دون الكسر، وقيل: معناه تألمت مفصل قدمه، وسبب انفكاكها أنه صلى الله عليه وسلم سقط عن فرسه، فخرج عظم رجله من موضعه، والانفكاك ضرب من الوهن والخلع، وهو أن ينفك بعض أجزائها عن بعض، كذا في (النهاية) (1). و (المشربة) بفتح الميم وضم الراء وفتحها: الغرفة.
وقوله: (فقال: إن الشهر يكون تسعًا وعشرين) قد سبق إلى الفهم من اللفظ أنه صلى الله عليه وسلم آلى شهرًا من غير تعيين، فقعد تسعًا وعشرين ليلة من غير أن جاء ذلك الشهر هكذا، ثم نزل فسألوا: آليت شهرًا والشهر يكون ثلاثين؟ فأجاب بأنه يكون تسعًا وعشرين أيضًا، فينطلق عليه، لكنه يفهم من الأحاديث الأخرى من (صحيح البخاري) أن ذلك الشهر الذي آلى فيه وقعد جاء تسعًا وعشرين، ولذلك قال الفقهاء: إذا عين شهرًا فقال: للَّه علي أن أصوم شهر كذا، فخرج ناقصًا لا يلزمه سوى ذلك، وإن لم يعين فقال: للَّه عليّ صوم شهر، يلزمه صوم ثلاثين يومًا، ولا يخفى إنه على هذا التقدير لا يكون لسؤالهم بقولهم:(آليت شهرًا)، وجه ظاهر؛ لأنه إذا عين الشهر، وجاء الشهر ناقصًا، لا يظهر وجه سؤالهم: كيف نزلت على تسع وعشرين، وقد آليت الشهر؟ هذا
(1)"النهاية في غريب الحديث والأثر"(3/ 466).
3249 -
[12] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكتًا قَالَ: فَقَالَ: لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:"هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ". فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: . . . . .
ــ
والمفهوم الصريح من الأحاديث ما ذكرنا، واللَّه أعلم فتدبر.
3249 -
[12](جابر) قوله: (فأذن لأبي بكر) بلفظ المجهول، ويروى المعلوم.
وقوله: (فوجد) الضمير لعمر رضي الله عنه، و (الواجم) العبوس المطرق لشدة الحزن، وجَمَ كوعَدَ وَجْمًا ووُجُومًا: سكت على غيظ.
وقوله: (قال) أي: جابر: (فقال) أي: عمر، وفي نسخة:(فقلت)، فيكون ضمير (قال) لعمر، أي: قال عمر: فقلت في نفسي أو باللسان: (لأقولن شيئًا. . . إلخ)، وفيه: أن الإنسان إذا رأى خليله مغمومًا، وأراد كشف غمه، يستحب أن يحدث بما يضحكه ويطيب نفسه.
وقوله: (لو رأيت) بصيغة الخطاب، ولو للشرط أو للتمني، و (بنت خارجة) هي زوجة عمر.
وقوله: (فقمت إليها) بصيغة المتكلم، (فوجأت) أي: ضربت (عنقها)، والوجاء: الضرب باليد والسكين، من باب منع، يقال: وَجَأَ يَجَأُ وَجْئًا ووجاءً.
تَسْأَلِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟ ! فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا، أَوْ تِسْعًا وَعشْرين، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} حَتَّى بلغ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29]. قَالَ: فَبَدَأَ بعائشة فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا، أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ". قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَتَلَا عَلَيْهَا الآيَةَ. قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ، قَالَ: "لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا،
ــ
وقوله: (ثم اعتزلهن شهرًا) الظاهر أنه آلى شهرًا غير معيِّنٍ للأيام.
وقوله: (أو تسعًا وعشرين) صريح في أنه آلى عدد هذه الأيام، شك من الراوي، فتدبر.
وقوله: (ثم نزلت: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29]).
وقوله: (أن لا تعجلي فيه) أي: في جوابه من تلقاء نفسك.
وقوله: (وأسالك أن لا تخبر. . . إلخ)، أرادت اختصاصها بهذه السعادة، وذلك لغاية محبتها لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحرصها على الاختصاص باختيار الخير، ولامتحانها أحوال باقي النساء.
وقوله: (قال: لا تسألني امرأة. . . إلخ)، وذلك لكونه صلى الله عليه وسلم مظهرًا للشفقة والرأفة والنصيحة والرحمة للعالمين، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم وإن كان يحب عائشة أكثر وأشدّ ما يحب
إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1478].
3250 -
[13] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ مِنَ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51] قُلْتُ: . . . . .
ــ
سائر النساء، ولكن كان لا ينقص الحق لهواها، فإنه كان محبته للَّه ولدينه أشدّ وأكثر وأوفر وأغلب من محبة كل شيء، صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (معنتًا ولا متعنتًا) من العنت محركة: الفساد، والإثم، والهلاك، والمشقة، والشدة، فمعنتًا بلفظ اسم الفاعل من التفعيل بمعنى مُوقِعًا أحدًا في العنت، ومتعنتًا من التفعُّل بمعنى واقعًا بنفسه في العنت. (ولكن بعثني معلمًا) للخير، وداعيًا لكافة الناس إليه، و (ميسرًا) بكسر السين، أي: محصِّلًا لليسر والتوفيق لهم.
3250 -
[13](عائشة) قوله: (كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن) قال الطيبي (1): أي أعيب؛ لأن من غار عاب، لئلا يهبن أنفسهن فلا يكثر النساء، ويقصر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على من يحبه، حتى نزل قوله تعالى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] الآية، يعني تؤخر وتترك مضاجعة من تشاء وتضاجع من تشاء، أو تطلِّقُ من تشاء وتمسك من تشاء، أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك، وتتزوج من شئت، انتهى. ويؤيِّد ما ذكره قولُ عائشة:(أتهب المرأة نفسها).
أقول -واللَّه أعلم-: ويمكن حمل الغيرة على حقيقتها، ويكون جعل نزول الآية
(1)"شرح الطيبي"(6/ 313).