الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(16) كتاب القصاص
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
3446 -
[1] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ،
ــ
16 -
كتاب القصاص
هو اسمٌ من قَصَّ أثرَه قَصًّا وقَصِيصًا: تَتَبَّعَهُ، قوله تعالى:{فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] أي: رجعا من الطريق الذي سلَكاه يقصَّان الأثر، والولي يتبع القاتل في فعله، ويقصُّ أثره؛ ليدركه، وينقم منه، ويقتله، أو من تقاصَّا أي: تساوَيَا، وتماثلا، ويتساوى الوليُّ والقاتلُ بالقِصاص بأن يفعل به مثل ما فعله.
الفصل الأول
3446 -
[1](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (لا يحل دم امرئ) أي: إراقةُ دمِ إنسانٍ.
وقوله: (يشهد) صفة ثانية لـ (امرئ)، أو صفة لـ (مسلم) للكشف والتوضيح، إشارة إلى أن الإتيان بالشهادتين كافٍ فِي العصمة.
وقوله: (إلا بإحدى ثلاث) أي: خصال، ففصلها بتعداد المتصفين بها.
وقوله: (النفس بالنفس) مرفوع، أي: يقتل النفس بالنفس، أو منصوب على
وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6878، م: 1676].
3447 -
[2] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6864، م: 1678].
3448 -
[3] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ. . . . .
ــ
حكاية لفظ القرآن، أو مجرور بتقدير يحلُّ قتلُ النفسِ. و (الثيب الزاني) المراد به المحصن، خص أحد أوصافه بالذكر، وهو الوطء بنكاح صحيح المتضمِّنُ له الثيِّبُ، وباقي الأوصاف ظاهر، وهو أيضًا معرب بالحركات الثلاث كالمعطوف عليه، وكذا قوله:(والمارق لدينه) والمروق: الخروج، والخوارج مارقة لخروجهم عن الدين، ومنه مرق القدر، وصلته باللام، إما لكونها بمعنى عن، أو تضمين معنى الترك، و (التارك للجماعة) بيان له، أي: بالارتداد، وقيل: يتناول كل خارج عن الجماعة ببدعة أو خلاف إجماع، كذا نقل الطيبي عن النووي (1).
3447 -
[2](ابن عمر) قوله: (في فسحة من دينه) أي: سَعةٍ ورجاءِ رحمةٍ من اللَّه؛ فإذا أصاب دمًا حرامًا ضاق عليه أمرُ دينه ورجاءُ الرحمة، أو في سعة من توفيق الأعمال الصالحة؛ فإذا قَتَلَ حُرِمَ من التوفيق وضاق عليه الأمر، وهذا المعنى أوفق لحديث أبي الدرداء الآتي في الفصل الثاني:(لا يزالُ المؤمنُ مُعنِقًا)، الحديث.
3448 -
[3](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (أول ما يقضى بين الناس) أي في
(1)"شرح الطيبي"(7/ 43).
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ". مُتَفَقٌ عَلَيهِ. [خ: 6862].
3449 -
[4] وَعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسوَدِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَارِ، فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ -وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا أَهْوَيتُ لِأَقْتُلَهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ- أَأَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: "لَا تَقْتُلْهُ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6865، م: 95].
ــ
حقوق العباد، فلا ينافي أول ما يحاسب عليه العبد صلاته.
3449 -
[4](المقداد بن الأسود) قوله: (ثم لاذ) أي: عاذ، واللَّوْذُ واللِّواذُ كالعَوْذِ والعِيَاذِ: الالتجاءُ.
وقوله: (فلما أهويت) أي: سقطتُ وقصدتُ.
وقوله: (لا تقتله) يستفاد منه صحة إسلام المُكرَه، وأن الحربيَّ إذا جنى على مسلم ثم أسلم لم يؤاخذ بالقصاص.
وقوله: (فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) أي: هو معصومُ الدم لإسلامه كما كنت كذلك بالإسلام قبل أن تقتله، (وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) أي: لم تبقَ معصومَ الدمِ كما كان هو قبل الإسلام، لكن السبب مختلف، فإن إباحة دمك لكونك قاتلًا، وإباحة دمه لكونه كافرًا، وليس التشبيه في الكفر، ولو حمل عليه كان تغليظًا وتشديدًا؛ فلا يلزم أن يكون مرتكبُ القتل كافرًا، كما هو مذهب الخوارج.
3450 -
[5] وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُنَاسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَذَهَبْتُ أَطْعَنُهُ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ (1) صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:"أَقَتَلْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَعَوُّذًا قَالَ: "فهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6872، م: 96].
ــ
3450 -
[5](أسامة بن زيد) قوله: (فأتيت على رجل منهم) اسم الرجل على الصحيح مِرْداسٌ، واختلف في اسم أبيه، فقيل: مرداس بن نهيك الفزاري، وقيل: ابن عمرو الفدكي، قال التُّورِبِشْتِي (2): قد تبين لنا من القولين أنه لم يكن جهنيًّا، وإنما كان دخيلًا فيهم غريبًا بَأرضهم، فسَبَوهم من جملتهم؛ لأنهم وجدوه في بلاد جُهَينةَ، يرعى غنمًا له، فلما قال: لا إله إلا اللَّه رأوا أنه قال ذلك تعوُّذًا، فقتله أسامة على أنه مباح الدم، والخطأ موضوع عن المجتهد، أو لأنه قال في حالة البأس وإجراء السيف عليه، ولذا لم يلزمه الدية، ومذهب جمع من العلماء أن الرجل بقوله: لا إله إلا اللَّه لا يكون محكومًا بإسلامه حتى يضمَّ إليه محمد رسول اللَّه، وإنما وجب الإمساك عنه حتى يعرف حاله، فتوجه النكير على أسامة لتركه التوقف في أمره حتى يتبين له الحق، انتهى.
قوله: (فهلا شققت عن قلبه؟ ) أي: إذا زعمت أنه قال ذلك تعوذًا لِمَ لا شققت قلبه؛ لتعلم وتطلع على ما في قلبه، وتبين لك أنه قال ذلك تعوذًا أو إخلاصًا، يعني ولا يمكن ذلك، فالحكم للظاهر فقط، وشقُّ القلبِ مستعارٌ للفحص والبحث عن حال
(1) في نسخة: "إلى رسول اللَّه".
(2)
"كتاب الميسر"(3/ 809).
3451 -
[6] وَفِي رِوَايَةِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَهُ مِرَارًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 97].
3452 -
[7] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3166].
ــ
قلبه، ولهذا عدَّاه بـ (عن)، وقد يروى بدون (عن).
3451 -
[6](جندب بن عبد اللَّه البجلي) قوله: (إذا جاءت) أي: كلمة لا إله إلا اللَّه (يوم القيامة) بأن يمثلها اللَّه تعالى في صورة رجل مخاصم، أو من يخاصم لها من الملائكة، أو من تلفظ بها.
3452 -
[7](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (من قتل معاهدًا) بكسر الهاء: مَن عاهد الإمام على ترك الحرب ذميًا أو غيره، وروي بفتحها، وهو مَنْ عاهده الإمام، والمعاهدة مع المسلمين في حكم معاهدة الإمام.
وقوله: (لم يرح) من راحَ يَراحُ أو راحَ يَرِيحُ أو أراحَ يُرِيحُ، وقال الشيخ: هو بفتح الراء والياء، وهو أجود، وعليه الأكثر، والكل بمعنًى.
وقوله: (وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين خريفًا) أي عامًا، فإن الخريف يكون في كل عام مرة، والعرب يعتبرون ابتداء العام من الخريف، وفي رواية:(سبعين عامًا)، وفي أخرى:(مئة عام)، وفي (الموطأ):(خمس مئة عام)، وفي (الفردوس):(ألف عام)، وجمع ذلك بحسب اختلاف الأعمال وتفاوت درجات العمال، كذا
3453 -
[8] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهَا خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جهنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5778، م: 109].
ــ
ذكر السيوطي (1)، وليس عدمُ وِجدان رائحة الجنة كنايةً عن عدم دخولها، كما يفهم في العرف من مثل هذه العبارة، بل عدم وجدانها أولَ ما يجدها الصالحون من عباد اللَّه، ويقال: إن اللَّه يرسل الروائح الطيبة من الجنة في المحشر؛ لتيسر عليهم الوقوف فيه ويريحهم من متاعبه، فيُحرَمُ بعضُ العُصاة منها، واللَّه أعلم.
3453 -
[8](أبو هويرة) قوله: (من تردى) أي: ألقى نفسه من جبل، يقال: ردى في البئر، وتردَّى: سقط، ردي كرضي: هلك، وقال الطيبي (2): المراد يتهور الإنسان، فيرمي نفسه من جبل.
وقوله: (من تحسى) حسا زيد الماء وتحسَّاه: شربه شيئًا بعدَ شيءٍ، والمراد هنا الشرب مطلقًا. و (السم) بفتح السين وضمها: دواء قاتل يُطرح في طعام أو ماء، وقيل: مثلثة السين.
وقوله: (يتوجأ بها) أي: يضرب بالحديدة، وجأه باليد وبالسكين كوضعه: ضربه كتوجَّأَ، وقد وقع في أكثر نسخ (المصابيح):(يجأ) كيضع، والأول أولى روايةً ودرايةً، ثم الحكم بخلود العذاب لهؤلاء مؤول، إما بالاستحلال، أو يحمل الخلود
(1) انظر: "التوشيح شرح الجامع الصحيح"(9/ 4045).
(2)
"شرح الطيبي"(7/ 47).
3454 -
[9] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعَنُهَا يَطْعَنُهَا فِي النَّارِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 1365].
3455 -
[10] وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا، فحزَّ بِهَا يَدَ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجنَّة". مُتَفَقٌ عَلَيهِ. [خ: 3463، م: 113].
3456 -
[11] وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ. . . . .
ــ
على المَكْثِ الطويل، كما يقال: سجن مخلَّد، ووقف مخلَّد جمعًا بين الدلائل.
3454 -
[9](أبو هريرة) قوله: (الذي يخنق) من باب نصر.
وقوله: (والذي يطعنها) في (القاموس)(1): طعنه بالرمح كمنعه، ونصره، طعنًا: ضربه.
3455 -
[10](جندب بن عبد اللَّه) قوله: (فجزع) من باب سمع.
وقوله: (فحزّ بها) بالمهملة ثم المعجمة، ويروى بالجيم أيضًا، أي: قطع بالسكين، وهي تؤنث، وجاء بزيادة التاء. و (رقأ) بمعنى سكَنَ، يقال: رقأَ الدمعُ، كجعل، رقأً ورُقوءًا: جفَّ وسكَنَ.
وقوله: (فحرمت عليه الجنة) أيضًا مؤول، إما بالاستحلال أو مع المقربين، وأما الحمل على أنه كان كافرًا فبعيد كما لا يخفى.
3456 -
[11](جابر) قوله: (الدوسي) بفتح الدال وسكون الواو والسين
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1118).
لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ، حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، ورآهُ مُغَطِّيًا يدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نبَيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اللهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِر". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 116].
ــ
المهملة، نسبة إلى دَوْس بن عبد اللَّه.
وقوله: (هاجر) أي: الطفيلُ بن عمرو (إليه) أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، و (هاجر معه) أي: مع الطفيل (رجل من قومه فمرض) أي: الرجلُ، و (مشاقص) جمع مشقص بكسر الميم: نصل عريض أو طويل، أو سهم فيه ذلك، يرمى به الوحش، والشقص بكسر الشين: النصيب، و (البراجم) جمع بُرْجُمَة بضم الباء والجيم: العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ.
وقوله: (فشخبت يداه) أي: سال منهما الدم، والشخب بالضم: ما خرج من الضرع من اللبن، وبالفتح: الدم، وشخب اللبن، كمنع ونصر، فانشخب.
وقوله: (ورآه) الظاهر أنه بلفظ الماضي من الرؤية، عطف على قوله:(فرآه)، وهكذا يوجد في النسخ المصححة، وقد صحح في نسخة أصلنا:(وراءه) بمعنى عقبه، وكتب في الحاشية: ظرف لقوله: (فرآه).
وقوله: (اللهم وليديه فاغفر) أي: كما غفرت لسائر أعضائه اغفر ليديه أيضًا، وفيه دليل على عدم كفره وخلوده في النار لأنه صلى الله عليه وسلم دعا له بالمغفرة.
3457 -
[12] وَعَنْ أَبِي شُرَيحٍ الْكَعْبِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثُمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ، مَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ: إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. [ت: 1406، "مسند الشافعي" 1/ 295].
ــ
3457، 3458 - [12، 13](أبو شريح الكعبي، وأبو هريرة) قوله: (ثم أنتم يا خزاعة) هذا من تتمة الخطبة التي خطبها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ومقدمته مذكورة في (باب حرم مكة) من (كتاب الحج)، وكانت خُزاعةُ قد قتلوا في تلك الأيام رجلًا بمكة بقتيل لهم في الجاهلية، فأدَّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دِيتَه لإطفاء نار الفتنة بين القبيلتين.
وقوله: (أنا واللَّه عاقله) أي: مُعطِي دِيَتهِ، والعَقْلُ: عطاءُ الدِّيَةِ، يقال: عقَلَ القتيلَ: وَدَاه، وإنما سمي عقلًا لأن الإبل التي يعطى فيها تُعقَلُ فِي فِناء وليِّ الدم، أو لأن الدية تعقل، أي: تمنع عن السفك.
وقوله: (بين خيرتين) تثنية خِيَرَة، بكسر الخاء وفتح الياء، بمعنى الاختيار، قوله تعالى:{مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68]، وفي (الصراح) (1): الخيرة: المصطفى، يقال: محمد خيرة اللَّه بسكون الياء وتحريكها: اختيار بركَزيدن.
والحديث ظاهر في أن الاختيار لأولياء المقتول إن شاؤوا اقتصُّوا وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهو مذهب الشافعي وأحمد، وعند أبي حنيفة ومالك: لا تثبت الدية إلا برضى القاتل، وهو أحد قولي الشافعي؛ لأن موجَبَ القتلِ عمدًا هو القصاصُ لقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إلا أنه يقيد بوصف العمد
(1)"الصراح"(ص: 176).
وَفِي "شرح السنَّة" بإِسْنَادِه، وَصَرَّحَ: بِأَنَهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَينِ عَنْ أَبِي شُرَيْح وَقَالَ:
3458 -
[13] وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي بِمَعْنَاهُ. [خ: 112، م: 1355].
3459 -
[14] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ أَفُلَانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ، فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6884، م: 1672].
ــ
لقوله صلى الله عليه وسلم: (العَمْدُ قَوَدٌ) أي: موجبَة، فإيجاب المال زيادة؛ فلا يكون للولي أخذُ الديةِ إلا برضى القاتل، والمسألة بين الصحالة ومَن بعدهم، ويمكن حمل الحديث على ذلك أيضًا، فافهم.
وقوله: (وصرح) أي: البغويُّ فِي (شرح السنة): (بأنه ليس في الصحيحين عن أبي شريح) وهذا اعتراض على صاحب (المصابيح) حيث ذكره في الصحاح عن أبي شريح، مع أنه ليس في الصحيحين عنه، وإنما المروي في الصحيحين عن أبي هريرة معناه.
3459 -
[14](أنس) قوله: (رضَّ) أي: كسَرَ ودَقَّ، و (الجارية) من النساء من لم يبلغ كالغلام من الوجال، (فأومأت) بالهمزة، وفي أكثر النسخ:(فأَومَتْ) بتخفيفها.
وقوله: (فرض رأسه بالحجارة) هذا دليل على أن القتل بالحجر المثقل الذي يحصل به القتل غالبًا يوجب القصاص، وهو قول أكثر العلماء، وإليه ذهب مالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله، ولا يوجب عند أبي حنيفة، وهي
3460 -
[15] وَعَنْهُ قَالَ: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ -وَهِيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ ابْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ: لَا وَاللَّهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. . . . .
ــ
مسألة القتل بالمثقل، ومتمسَّكُه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا وإنَّ فِي قتيل خطأِ العمدِ بالسَّوط والعصا والحجر مئةً من إبلٍ)(1)، وهؤلاء حملوه على الحجر الصغير، ولأن الآلة غير موضوعة للقتل، وأما الحديد فموضوع له. وأبو حنيفة يقول: إنَّ رضَّ رأسِ اليهوديِّ كان سياسةً لا قِصاصًا، وقيل: كان لنقض العهد، وتُعقب بأنه لو كان قتله لنقض عهد لكان يقتله بالسيف، ولما قتله بالرضِّ بالحجارة، دل على إرادة المماثلة المدلول عليها بقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وهذه مسألة القتل بالمثقل.
فالقتل عمدًا عند أبي حنيفة رحمه الله هو القتل بالسلاح، وما أجري مجراه من المحددات، وفيه القصاص، وما سواه شبه العمد، وعند صاحبيه والشافعي: إذا ضربه بحجر عظيم أو خشبة عظيمة فهو عمد، وشبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبًا، وتمام تحقيقه في كتب الفقه (2).
3460 -
[15](وعنه) قوله: (كسرت الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وكسر التحتانية المشددة، بنت النضر عمة أنس بن مالك بن النضر.
وقوله: (فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: لا واللَّه لا تكسر ثنيتها) إخبار منه بعدم كونها مكسورة، مؤكدًا بالقسم، وثوقًا بفضل اللَّه تعالى، ويقينًا بما وقع في
(1) أخرجه أبو داود في "سننه"(4547) نحوه.
(2)
انظر: "المغني"(11/ 444)، و"أوجز المسالك"(14/ 557).
يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ"، فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقسَمَ عَلَى اللَّه لأَبَرَّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4611، م: 1675].
3461 -
[16] وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَة قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا هَلْ عِنْدكُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ، وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 6903].
ــ
قلبه من الرجاء لا ردًّا على الرسول صلى الله عليه وسلم وإنكارًا لحكمه.
3461 -
[16](أبو جحيفة) قوله: (والذي فلق الحبة) أي: شقَّها فأخرج منها النبات، وفالق الحب: خالقه أو شاقُّه بإخراج الورَقِ منه، و (برأ النسمة) أي: خلقها، والنسمة يجيء بمعنى الإنسان، وبمعنى النفس، وكل دابة ذات روح.
وقوله: (إلا فهمًا) استثناء مما بقي من الاستثناء الأول، أي: ليس عندنا إلا فهمًا، والمراد منه ما يستنبط به المعاني، ويدرك به الإشارات والعلوم الخفية والأسرار الباطنة التي تظهر للعلماء الراسخين في العلم، وتنكشف للعارفين من أرباب اليقين، ثم إنه قد كان إذ ذاك في عِلاقة سيفه رضي الله عنه صحيفة، كتب فيها بعض الأحكام التي ليس في القرآن، منها (العقل) يعني أحكام الدِّيات، و (فكاك الأسير) بفتح الفاء ويجوز كسرها، اسم من فكَّ الأسير: أخلصَه، وفكاك الرهن: ما يُفكُّ به، (وأن لا يفتل مسلم بكافر) سواء كان ذميًّا أو حربيًّا، وهو مذهب كثير من الأئمة، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله. وقيل: كان في الصحيفة من الأحكام غير ما ذكر، لكنه لم يذكر ههنا لأنه