المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب: إذا قام الرجل عن يسار الإمام، فحوله الإمام إلى يمينه - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب: إذا قام الرجل عن يسار الإمام، فحوله الإمام إلى يمينه

والذي يظهر أن قوله: (بِحِذَائِهِ) يُخرِج هذا أيضاً. انتهى.

قوله: (سَوَاءً) أي لا يتقدم ولا يتأخر. قال شيخنا أيضاً: وفي انتزاع هذا من الحديث الذي أورده بعدُ، وقد قال أصحابنا -أي الشافعية-: يُستحب أن يقف المأموم دونه قليلاً. وكأنَّ المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طُرُقه. فقد تقدم في الطهارة من رواية مخرمة عن كريب عن ابن عباس بلفظ: (فَقُمْتُ إِلَى جَنْبهِ) وظاهره المساواة. وروى عبد الرزاق عن ابن جريجٍ قال: قلت لعطاء: الرجل يصلي مع الرجل، أين يكون منه؟ قال: إلى شِقه الأيمن. قلت أيحاذِي به حتى يصُفَّ معه لا يفوِّت أحدُهما الآخر؟ قال: نعم. قلت: أتحب أن يساويه حتى لا يكون بينهما فُرجَةٌ. قال: نعم. وفي «الموطأ» : عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: دخلتُ على عمر بن الخطاب بالهاِجرَة فوجدته يُسبِّح، فقمت وراءَه فقرَّبني حتى جعلني حِذاءَه عن يمينه.

قوله: (إِذَا كَانَا) أي الإمامُ والمأموم، وقُيِّد به لأنه إذا كان مأمومان مع إمام فالحكم أن يتقدم الإمامُ عليهما.

قال هكذا في جميع الروايات: (بَابٌ) بالتنوين (يَقُومُ

) إلى آخره. وأورده الزين بن المنير بلفظ: (بَابُ مَنْ يَقُومُ) بالإضافة وزيادةِ: (مَنْ)، وشرَحَه على ذلك، وتَرَدَّدَ بين كونِها موصولةً أو استفهاميةً، ثم أطال في حِكمَةِ ذلك وأنَّ سببه كونُ المسألة مختلفٌ فيها. والواقع أنَّ مَن محذوفةٌ، والسياقُ ظاهرٌ في أن المصنف جازمٌ بحكم المسألة لا متردد.

قال العيني: لا نُسَلِمُ أنَّ (مَنْ) محذوفةٌ، فكيف يجوز حذف مَن، سواءً كانت استفهاميةً أو موصولةً؟ والنسخة المشهورة صحيحةٌ فلا تحتاج إلى تقدير وارتكابِ تعسف، بل الصواب ما قلنا وهو: أنَّ لفظ: (بَابٌ) مرفوع على أنه خبرُ مبتدأ محذوف، أي: هذا باب. وقوله: (يَقُومُ) جملةٌ في محل الرفع على أنها خبرُ مبتدأ محذوف، والتقدير: ترجمته يقوم المأموم

إلى آخره، كما ذكرنا. انتهى.

قال شيخنا: وقد نقل بعضُهم الاتفاقَ على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام، إلا النخعي فقال: إذا كان الإمام ورجلٌ، قامَ الرجلُ خلف الإمام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحدٌ قامَ عن يمينه. أخرجه سعيد بن منصور ووجَّههُ بعضهم: بأن الإمام مظنةُ الاجتماع. فاعتُبِرتْ في موقف المأموم حتى يَظهر خلاف ذلك. وهو حسنٌ لكنه مخالف للنص، فهو فاسدٌ. ثم ظهر لي أن إبراهيم إنما كان يقول بذلك حيث يظنُّ ظنَّاً قوياً مجيءَ ثانٍ. وقد روى سعيد بن منصور أيضاً عنه قال: ربما قُمتُ خلف الأَسْوَد وَحْدِيَ حتى يجيء المؤذن.

697 -

قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَجِئْتُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ)

مطابقته للترجمة في قوله: (فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ).

وهذا الحديث قد ذكره في باب السمر بالعلم، بأطول منه عن آدم عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقد تكلمنا هناك بما يتعلق به من الأمور مستوفى.

قوله: (جَاءَ) أي من المسجد إلى منزله.

قوله: (فَجِئْتُ) الفاء فيه فصيحة. أي قام من النوم فتوضأ فأحرم بالصلاة فجئت، ويحتمل أنْ لا تكون فصيحةً بأن يكون المراد: ثم قام إلى الصلاة، والقيام على الوجه الأول بمعنى النهوض. وعلى الثاني بمعنى المنهوض

(1)

والمراد من

(1)

كذا في عمدة القاري كذلك، ولم يتضح لي، ولعلها:((الوقوف)).

ص: 257

الصلاة: صلاة الصبح. قاله العيني. وقال شيخنا: وذكر البيهقي أنه يستفاد من حديث الباب امتناعُ تقديمِ المأموم على الإمام خلافاً لمالك، لما في رواية مسلم: فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه. وفيه نظر. انتهى.

(58)

‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

، لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا)

أي هذا باب ترجمته: إذا قام

إلى آخره.

قوله: (الرَّجُلُ)، وفي بعض النسخ:(إِذَا قَامَ رَجُلٌ).

قوله: (لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ) أي صلاة الرجل.

698 -

قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ) قال شيخنا: لم أره منسوباً في شيء من الروايات. لكن جزم أبو نعيم في «المستخرج» بأنه ابن صالح وأخرجه من طريقه. انتهى. وقال العيني: وقال ابن السكن في نسخته وابن منده: هو أحمد بن صالح. وقال بعضهم: هو أحمد بن عيسى، وقيل: ابن أخي ابنِ وهْب، وقال ابن منده: لم يُخَرِّج البخاري عن أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب في «الصحيح» شيئاً، وإذا حدَّث عن أحمد بن عيسى نَسَبَه. انتهى.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أي عبد الله ترجمته في باب من يرد الله به خيراَ يفقهه في.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو) أي ابن الحارث البصري. قال شيخنا: وكذا وقع عند أبي نعيم. انتهى، ترجمته في باب المسح على الخفين.

قوله: (عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ) أي بفتح الراء وتشديد الموحدة. وهو أخو يحيى وسعد ابنا سعيد بن قيس بن عمرو بن سهيل الأنصاري، سمع مخرمةَ بن سليمان وعمْرةَ بنت عبد الرحمن عندهما، وأبا سلمة عند البخاري، والأعرجَ وعبد الله بن كعب الحِميري وأبا بكر بن عبد الرحمن عندهما. وروى عنه شعبة وابن عيينة وعمرو بن الحارث عندهما، ومالك بن أنس عند مسلم. قال عمرو بن علي: مات سنة تسع وثلاثين ومائة.

قوله: (عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ) أي بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة، وقد مرَّ في باب قراءة القرآن بعد الحدث.

قوله: (عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) أي بضم الكاف، ترجمته في باب التخفيف في الوضوء.

قوله: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أي عبد الله، ترجمته في بدء الوحي.

في هذا الإسناد التحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع. وفيه: العنعنة في أربع مواضع. وفيه: القول في ثلاث مواضع. وفيه: أن رواته ما بين بصريين وثلاثة مدنيين. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن التابعي عن الصحابي.

قوله: (قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ خَاْلَتِيْ مَيْمُونَةَ) أي بنت الحارث الهلالية، ترجمتها في باب السّمر بالعلم

قوله: (وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ المُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ، يُصَلِّي وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَالَ عَمْرٌو: فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرًا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ)

مطابقته للترجمة في قوله: (فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ).

وهذا الحديث تقدم في كتاب الطهارة في قراءة القرآن بعد الحدَث، وقد ذكرنا هناك أن البخاري أخرج هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن مَخرمة في ستة مواضع، وههنا عن عبد ربه عن مَخرمة، وذكرنا هناك أيضاً من أخرجه غيره وما يتعلق به مستوفىً.

قوله: (نِمْتُ) وفي رواية الكُشْمِيهَني: (بِتُّ) من البيتوتة.

قوله: (فَأَخَذَنِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ) قد تقدم أنه أداره من خلفِه، واستُدِل به على أنَّ مثل هذا لا يفسد الصلاة كما سيأتي.

قوله: (قَالَ عَمْرٌو) أي ابن الحارث المذكور بالإسناد المذكور إليه. قال شيخنا:

ص: 257

ووهِم من زعم أنه من تعليق البخاري، فقد ساقه أبو نعيم مثلَ سياقه. قال العيني: أراد بقوله: وَهِم مَن زعم أنه تعليق: الكِرمانيَّ، والكِرماني لم يَهِم في ذلك، وإنما قال: يُحتمل التعليق، وبْين الوَهمِ والاحتمالِ فرقٌ كبير، لأن الوهمَ غلطٌ، ومدعي الاحتمال ليس بغالط، وسياقُ أبي نُعيم نحوُ سياق عمرو لا يستلزم نفي احتمال التعليق في سياق البخاري، مع أن الكِرماني قال أولاً: الظاهرُ أنه مِن مَقُول ابنِ وهْبٍ المذكور في إسناد الحديث. انتهى. قلت: حَكَمَ العينيُّ على أن شيخنا أراد الكِرمانيَّ وَرَدَّ على مقتضى ما حَكَمَ به، وليس في كلام شيخنا ما يدُل على أنه أراده، فانظره. انتهى.

قوله: (فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرًا) أي ابنَ عبد الله بن الأشج، ترجمته في باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ. (فَقَالَ: حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ). قال شيخنا: استفاد عمرو بن الحارث بهذه الرواية

(1)

عنه العلوَّ بِرجل. انتهى. قلت: لأن بين عمرو وكريب عبدُ ربِّه ومَخرمة، وفي هذه صار بينَه وبين كريبٍ بُكيرٌ. انتهى.

(59)(بَابُ إِذَا لَمْ يَنْوِ الإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ، وجَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ)

أي هذا باب ترجمته: إذا لم ينو الإمام بأَنْ يؤم، فأَنْ مصدريةٌ: أي: الإمامة، ولم يذكر جواب إذا، لأنَّ في هذه المسألة اختلافاً في أنه هل يشترط للإمام أن ينوي الإمامة أم لا؟ وحديث الباب لا يدل على النفي، ولا على الإثبات، ولا على أنه نوى في ابتداء صلاته، ولا بعد أن قام ابن عباس يصلي معه، لكن في إيقاف النبي صلى الله عليه وسلم ابنَ عباس منه موقف المأموم ما يُشعِرُ بالثاني، وأما الأولُ فالأصلُ عدمُه. قال العيني: والمذهب عندنا - أي الحنفية - في هذه المسألة: نيةُ الإمام الإمامةَ في حق الرِّجالِ ليست بشرط، لأنه لا يلزمه باقتداء المأموم حكمٌ، وفي حق النساء شرطٌ عندنا لاحتمال فساد صلاته بمحاذاتها إياه، وقال زفر والشافعي ومالك: ليست بشرط، كما في الرجال. وقال السفاقسي: وقال الثوري، وروايةٌ عن أحمد وإسحاق: على المأموم الإعادة إذا لم ينو الإمامُ

(2)

الإمامة، وعن ابن القاسم مثلُ مذهبِ أبي حنيفة، وعن أحمد: أنه يُشتَرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة.

قال شيخنا: وفيه نظر لحديث أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحدَه فقال: ((ألا رجُلٌ يتصدقُ على هذا فيصلي معه)). أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. انتهى.

واستدل ابنُ المنذر أيضاً بحديث أنسٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان، قال: فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كُنَّا رهطاً، فلما أحسَّ النبي صلى الله عليه وسلم بِنَا تجوَّز في صلاته. الحديثُ، وهو ظاهرٌ في أنَّه لم ينْوِ الإمامة ابتداءً وائتمُّوا به وأقرهم، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلَّقَهُ البخاري كما سيأتي في الصيام.

699 -

قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) أي ابن مُسرهَد، ترجمته في باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) أي ابن سهم بن مقسم الأسدي البصري، وأمه عُلَيَّةُ مولاةٌ لبني أسد، ترجمته في باب حب الرسول من الإيمان.

قوله: (عَنْ أَيُّوبَ) أي السَّختِياني، ترجمته في باب حلاوة الإيمان.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) أي مولَى بني وَالِبَةَ وأخو عبد الملك بن سعيد، سمع أباه، روى عنه أيوب.

قوله: (عَنْ أَبِيهِ) أي سعيد بن جبير أي ابن هشام، ترجمته في بدء الوحي.

قوله: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أي عبد الله، ترجمته في البدء أيضاً.

في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضعين.

(1)

في (الأصل) : ((الرواة)) والصواب ((الرواية)).

(2)

كلمة: ((الإمامُ)) ساقطة في (الأصل).

ص: 258

وفيه: العنعنة في أربع مواضع. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: أن عبد الله بن سعيد من أقران أيوب الراوي عنه. وفيه: أن رواته كلهم بصريون.

قوله: (قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ)

مطابقته للترجمة من حيث إن الحديث يتضمن أنَّ ابن عباس اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى معه وأقره على ذلك كما في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أنسٍ.

هذا الحديث أخرجه النسائي في الصلاة أيضاً عن يعقوب بن إبراهيم عن إسماعيل بن عُلَيَّة به.

قوله: (بِتُّ) من البيوتة.

قوله: (فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ) وهو عطف على: (قُمْتُ) الأولى، وليس بعطف الشيء على نفسه، لأن القيام الأولي بمعنى: النهوض، والثاني بمعنى الوقوف، أو أنَّ (قُمْتُ) الأولى بمعنى: أردتُ.

قوله: (أُصَلِّي) جملةٌ وقعت حالاً.

قال العيني: ومما يستفاد منه: أن موقف المأموم إذا كان بحِذاء الإمامِ على يمينه مساوياً له، وهو قول عمر وابنُه وأنس وابن عباس والثوري وإبراهيم ومكحول والشعبي وعروة وأبي حنيفة ومالك والأوزاعي وإسحاق، وعن محمد بن الحسن: يضع أصابع رجليه عند عَقِبِ الإمام، وقال الشافعي: يُستَحبُّ أن يتأخر عن مساواة الإمام قليلاً. وعن النخعي: يقف خلفَه إلا أن يركع، فإذا جاء أحدٌ وإلا قام

(1)

عن يمينه. وقال أحمد: إن وقف عن يساره تبطل صلاته. قال شيخنا: وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديثِ ابن عباس المذكور في هذه الأبواب الثلاثة تامًّا في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى.

(60)(بَابُ إِذَا طَوَّلَ الإِمَامُ، وَكَانَ لِلرَّجُلِ حَاجَةٌ، فَخَرَجَ وَصَلَّى)

أي هذا باب ترجمته: إذا طوَّل الإمام

إلى آخره.

قوله: (طَوَّلَ الإِمَامُ)، يعني: صلاته.

قوله: (وَكَانَ لِلرَّجُلِ) أراد به المأموم.

قوله: (فَخَرَجَ) يحتمِل الخروجَ من اقتدائه أو من صلاته بالكلية أو خرجَ من المسجد، لكن في رواية النسائي ما تنفي خروجه من المسجد، وذلك حيث قال: فانصرفَ الرجلُ وصلى في ناحية المسجد. وفي رواية مسلم ما يدل على أنه خرج من الاقتداء ومِن الصلاة أيضاً بالكلية حيث قال: فانحرَفَ رجل فسلم ثم صلى وحده، وبهذا يُرَدُّ على ابن رشيد قولُه: الظاهر أنه خرج إلى منزله وصلى فيه، وهو ظاهرُ قوله: فانصرف الرجل.

قوله: (وَصَلَّى) وفي رواية الكُشْمِيهَني (فَصَلَّى) بالفاء، وجواب (إِذَا) محذوفٌ تقديره: وصلى صحت صلاته، والحاصل أن للمأموم أن يقطعَ الاقتداء ويُتِمَّ صلاته منفرداً، وهذا مذهب الشافعي، ومال إليه البخاري. قال العيني: ونذكره عن قريب مفصلاً.

700 -

701 - قوله: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ) أي ابنُ إِبراهِيمَ، أي أبو عمرو البصري، ترجمته في باب زيادة الإيمان.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحَجَّاج، ترجمته في باب يتلو باب أمور الإيمان.

قوله: (عَنْ عَمْرٍو) أي ابن دينار، ترجمته في باب كتابة العلم.

قوله: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أي الأنصاري، ترجمته في بدء الوحي.

قوله: (أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) أي ابن عمرو بن أوس، ترجمته في كتاب الإيمان.

في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين.

قوله: (كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَرْجِعُ، فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ)

مطابقته للترجمة من حيث إن هذا بعض الحديث الذي يأتي عقبه، والكل

(1)

في (الأصل) : ((والإمام)) والصواب ((وإلا قامَ)).

ص: 258

حديث واحد وفيه: (فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ) على ما يأتي، وفيه المطابقة. فإن قلتَ: فإذا كان كذلك، فلِمَ قطعَه؟ قال العيني: للتنبيه على فائدتين: الأولى: أنه أشار بالطريق الأولى على علو الإسناد. الثانية: أنه أشار بالطريق الثانية إلى التصريح بسماع عمرو بن دينار من جابر بن عبد الله.

قال شيخنا: واعلم أن هذا الحديث رواه عن جابرٍ عمرُو بن دينار ومحارِبُ بن دثار وأبو

(1)

الزبير وعبيد الله بن مقسم، فرواية عمرو للمصنف هنا عن شعبة، وفي الأدب عن سليم بن حَيان، ولمسلم عن ابن عيينة، ثلاثتُهم عنه. ورواية محارِب تأتي بعد بابين، وهي عند النسائي مقرونةً بأبي صالح، ورواية أبي الزبير عند مسلم، ورواية عبيد الله عند ابن خزيمة، وله طرق أخرى غير هذه سأذكر ما يُحتاج إليه منها معزواً. انتهى.

قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) أي بُندار، ترجمته في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهم بالموعظة كي لا ينفروا.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) أي محمد بن جعفر، ترجمته في باب ظلم دون ظلم.

قوله: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَرْجِعُ، فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى العِشَاءَ، فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَانَ مُعَاذٌ يَنَالُ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ)) ثَلَاثَ مِرَارٍ - أَوْ قَالَ: ((فَاتِنًا، فَاتِنًا)) - وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ المُفَصَّلِ، قَالَ عَمْرٌو: وَلَا أَحْفَظُهُمَا)

هذه الطريقة التي رواها عن بُندار عن غُندَر عن شعبة

إلى آخره، تتمة الحديث الذي أخرجه قبلَه عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة، وقد ذكرْنا وجه تقطيعه إياه ووجه مطابقته للترجمة.

قال العيني: ذِكْرُ الطرق المختلفة في هذا الحديث إلى جابر بن عبد الله وغيرِه: روى البخاري أيضاً حديث جابر هذا في باب من شكا إمامه إذا طوَّل مِن حديث محارب بن دثار. وأخرجه مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن قتيبة عن الليث عن أبي الزبير عنه، وعن محمد بن رمح عن الليث بلفظ: قرأ معاذ في العشاء بالبقرة. وأخرجه مسلم ولفظه: افتتح بسورة البقرة. وفي رواية: بسورة البقرة أو النساء. على الشك. وأخرجه النسائي في الصلاة وفي التفسير عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن رمح. وأخرجه السراج عن محارب بلفظ: فقرأ بالبقرة والنساء. بالواو بِلا شك.

قال شيخنا: وكذا رأيتُه بخط البِرْزالي: ((فقال عليه السلام: أَمَا يكفيكَ أن تقرأ: بالسماء والطارق، والشمسِ وضحاها، ونحوِ هذا؟)). وأخرجه عبد الله بن وهْب في مسنده أخبرنا ابن لَهِيعة والليثُ عن أبي الزبير، فذكره وفيه: طَوَّل على أصحابِه فأُخبِر النبُّي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أفتَّانٌ أنتَ؟ خَفِّفْ على الناس واقرأ: سبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، ونحوِ ذلك ولا تَشُقَّ على الناس)). وعند أحمد في «مسنده» من حديث بُريدة بإسنادٍ قوي: فَقَرَأَ: اقتربت الساعة. قال شيخنا: وهي شاذة إلا إنْ حُمِل على التعدد. انتهى. وفي «صحيح ابن حبان» مِنْ حديث سفيان عن عمرو عن جابر: أخَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم العشاءَ ذات ليلة فصلى معه معاذ ثم رجع إلينا فتقدم ليؤمَّنا فافتتح بسورة البقرة، فلما رأى ذلك رجلٌ من القوم تنحَّى وصلى وحده

، وفيه: فأَمَرَهُ بسورٍ قصارٍ لا أحفظُها، فقلنا لعمرو: إنَّ أبا الزبير قال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((اقرأْ بالسماء والطارق، والسماءِ ذات البروج، والشمسِ

(1)

كلمة: ((أبو)) ساقطة في (الأصل).

ص: 259

وضحاها، والليلِ إذا يغشى))، قال عمرو: بنحو هذا.

وفي «صحيح ابن خزيمة» : عن بُندار عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: فقال معاذ: إنَّ هذا - يعني الفتى - يتناوَلُني، ولأُخْبِرَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلما أخبره قال الفتى: يا رسول الله يُطيلُ المكث عندك ثم يرجع فيطوِّل علينا، فقال:((أَفَتَّانٌ أنتَ يا معاذ؟ كيف تصنعُ يا ابن أخي إذا صليتَ؟)) قال: أقرَأُ الفاتحةَ وأسألُ الله الجنةَ وأعوذ به من النار، إني لا أدري ما دَنْدَنَتُكَ وَدَنْدَنَةُ معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إني ومعاذاً حولها ندندن)) الحديث.

وفي «مسند أحمد» من حديث معاذ بن رِفاعة عن رجل من بني سلِمة يقال له سُلَيْم أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال له: يا نبيَّ الله إنَّا نظلُّ في أعمالِنا فنأتي حين نُمسِي فنصلي، فيأتي معاذُ بن جبل فينادي بالصلاة فنأتيه فيطوِّل علينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا معاذ لا تكن فاتناً)). ورواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ بن رِفاعة: أن رجلاً من بني سلِمة

، فذكره مرسلاً. ورواه البزَّارُ من وجهٍ آخر عن جابر وسماه سُلَيْمًا أيضًا، ووقع عند ابن حزم من هذا الوجه: أن اسمه: سَلْم

(1)

بفتح السين وسكون اللام، وكأنه تصحيف. والله أعلم. انتهى.

قوله: (يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو: عِشَاءَ الآخِرَة، فكأنَّ العشاء هي التي كان يواظِبُ فيها على الصلاة مرتين.

قوله: (ثُمَّ يَرْجِعُ، فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ)، في رواية منصور: فيصلي بهم تلك الصلاة. وللمصنِّف في الأدب (فَيُصَلِّي بِهِم الصَّلَاةَ) أي المذكورة. قال شيخنا: وفي هذا رَدٌّ على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ الصلاة التي كان يصليها بقومه، وفي رواية ابن عيينة: فصلى ليلةً مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمَّهم. وفي رواية الحُميدي عن ابن عيينة، ثم يرجع إلى بني سلِمة فيصليها بهم. ولا مخالفة فيه لأن قومه هم بنو سلِمة، وفي رواية الشافعي رحمة الله عليه: ثُمَّ يرجع فيصليها بقومه في بني سلِمة. ولأحمد عنه: ثم يرجع فيؤمُّنا.

قال العيني: قوله: وفي هذا رد على من زعم

إلى آخره، الجوابُ عنه من وجوه:

الأول: أن الاحتجاج به من بابِ ترك الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم، وشرطُ ذلك علمُه بالواقعة، وجاز أنْ لا يكون عَلِمَ بها.

الثاني: أنَّ النية أمر مُبطَن لا يُطَّلَع عليه إلا بإخبار الناوي، ومن الجائز أن يكون معاذٌ كان يجعل صلاته معه عليه السلام بِنِيَّةِ النفلِ ليتعلَّمَ سُنَّةَ القراءة منه وأفعالَ الصلاة، ثم يأتي قومه فيصلي بهم صلاتَهُ الفرضَ. فإن قلتَ: يُستبعد من معاذ أن يترك فضيلةَ الفرضِ خلف النبي صلى الله عليه وسلم ويأتيَ به مع قومه، وكيف يُظَنُّ بمعاذ بعد سماعه قولَ النبي صلى الله عليه وسلم:((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)). ولعل صلاةً واحدةً مع النبي صلى الله عليه وسلم خيرٌ له من كلِّ صلاةٍ صلَّاها في عُمُره، ولا سيما في مسجده التي هي خير من ألف صلاة فيما سواه. قال العيني: ليس تفوتُ الفضيلةُ معه عليه السلام في سائر أئمة مساجد المدينة، وفضيلةُ النافلة خلفه مع أداء الفرضِ مع قومه يقوم مقامَ أداء الفريضة خلفه، وامتثالُ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في إمامة قومه زيادةُ طاعة.

الثالث: قال المهلب: يحتمل أن يكون حديث معاذ كان أول الإسلام وقتَ عدم القراءة، ووقتَ لا عوضَ للقوم من معاذ، فكانت

(1)

في (الأصل) : ((سليم)) والصواب ((سَلم)).

ص: 259

حالةَ ضرورة فلا تُجعَل أصلاً يقاس عليه. قال العيني: هذا كان قبل أُحُدٍ، فلا حاجة إلى ذِكر الاحتمال. قال شيخنا: قول المهلب: فكانت حالة ضرورةٍ ضعيفٌ، قال ابن دقيق العيد: لأن القَدْرَ المجزئ من القراءة في الصلاة كان حافِظُوه كثيراً، وما زاد لا يكون سبباً لارتكاب أمرٍ ممنوع منه شرعاً في الصلاة. انتهى.

الرابع: أنه يُحتمل أن يكون كان معاذٌ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة النهار، ومع قومه صلاة الليل، لأنهم كانوا أهلَ خدمة لا يحضرون صلاةَ النهار في منازلهم، فأخبر الراوي حالَ معاذ في وقتين لا في وقتٍ واحد.

الخامس: أنه حديث منسوخ على ما نذكره، إن شاء الله تعالى.

قوله: (فَصَلَّى العِشَاءَ) كذا في معظم الروايات، ووقع في روايةٍ لأبي عَوانة والطحاوي من طريق محارب: صلى بأصحابه المغرب. وكذا لعبد الرزاق من رواية أبي

(1)

الزبير. قال شيخنا: فإنْ حُمِلَ على تَعَدُّد القضية كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازاً وإلا فما في الصحيح أصح. قال العيني: رجال الطحاوي في روايته رجالُ الصحيح، فمن أين يأتي الأصحِّيَّةُ في رواية العشاء؟

قوله: (فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ

(2)

) واستُدِل به على من يَكره أن يقول: البقرةُ بل يقول: سورةُ البقرةِ، لكنْ في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه: فقرأ بسورة البقرة. ولمسلم عن ابن عيينة نحوُه. وللمصنف في الأدب (فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ) قال شيخنا: فالظاهر أن ذلك من تصرف الرواة. انتهى. قال العيني: ليس ذلك من تصرف الرواة، بل من تعدُّدِ القضية. انتهى. قلتُ: لا يلزم من تعدُّد القضيةِ أنْ لا تتصرف الرواةُ بل تصرُّف الرواة لازمٌ في مثل هذا. انتهى. قال شيخنا: والمراد أنه ابتدأ في قِراءتها، وبه صرح مسلم ولفظه: افتتحَ سورة البقرة.

قوله: (فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ) إما أن يُراد به الجنس، والمعرَّفُ تعريفَ جنسٍ كالنكرة في مؤدَّاه، فكأنه قال: رَجُلٌ، أو يراد المعهودُ من رجلٍ معيَّنٍ، ووقع في رواية الإسماعيلي: فقام رجلٌ وانصرف، وفي رواية سليم بن حيان: فتَجَوَّزَ رجل فصلى صلاةً خفيفةً، وفي رواية مسلم عن ابنِ عيينة: فانحَرَفَ رجلٌ فسلَّم ثم صلى وحده.

قال شيخنا: لم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسميةُ هذا الرجل لكن روى أبو داود الطيالسي في «مسنده» ، والبزار من طريقِه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: مَرَّ حَزْمُ بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العَتَمة، فافتتح بسورةٍ طويلةٍ ومع حزمٍ ناضحٌ له

الحديث. قال البزار: لا نعلم أحداً سماه عن جابر إلا ابنُ جابر. انتهى قولُ البزار. وقد رواه أبو داود في «السنن» من وجهٍ آخر عن طالب فجعله عن ابن جابرٍ عن حزمٍ صاحبِ القصةِ، وابنُ جابرٍ لم يُدرِك حزمًا، ووقع عنده: صلاة المغرب. وهو نحوُ ما تقدم من الاختلاف في رواية محارِب. ورواه ابن لَهيعة عن أبي

(3)

الزبير عن جابر فسماه: حازماً. وكأنَّه صحَّفَهُ.

ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسنادٍ صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: كان معاذٌ يؤُمُّ قومَه فدخل حَرَامٌ وهو يريد أن يسقي نخلَه

الحديث. كذا فيه بِراءٍ بعدَها ألِفٌ، وظن بعضُهم أنه حَرَام بن مِلْحان خالُ أنس، وبذلك جزم الخطيب في «المبهمات»

(4)

، لكنْ لم أَرَهُ منسوباً في الرواية، ويُحتمل أن يكون تصحَّفَ من: حَزْمٍ، فتَجْمَعُ هذه الروايات، وإلى ذلك يومئ صنيعُ ابن عبد البر، فإنَّه ذكر من الصحابة حَرَام بن أبي كعب وذَكَر له هذه القصة وعَزَا تسميتَه

(1)

في (الأصل) : ((ابن)) والصواب ((أبي)).

(2)

في (الأصل) : ((البقرة)) والصواب ((بالبقرة)).

(3)

في (الأصل) : ((ابن)) والصواب ((أبي)).

(4)

في (الأصل) : ((المهمات)) والصواب ((المبهمات)).

ص: 260

لرواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس، ولم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه، وكأنه بَنَى على أنَّ اسمه تصحَّفَ والأبُ واحدٌ سمَّاهُ جابرٌ ولم يسمه أنس.

وجاء في تسميته قولٌ آخر أخرجه أحمد من رواية معاذ بن رِفاعة: عن رجل من بني سلِمة يقال له: سُلَيْم، وقد رواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ بن رِفاعة: أن رجلاً من بني سلِمة

، ورواه البزار من وجهٍ آخر عن جابرٍ فسماه سُلَيْمًا، لكن وقع عند ابنِ حزم من هذا الوجهِ أنَّ اسمه: سَلْم

(1)

بفتح السين وسكون اللام.

قال شيخنا: وقولُه في رواية مسلم: ثم صَلَّى. لكنْ ذَكَر البيهقيُّ أن محمد بن عباد شيخَ مسلم تفرد عن ابن عيينة بقوله: ثم سلَّم. وأَنَّ الحفاظ من أصحاب ابن عيينة وكذا من أصحاب شيخِه عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابرٍ لم يذكروا السلامَ، وكأنه فَهِم أن هذه اللفظة تدلُّ على أن الرجلَ قطع الصلاة، لأن السلام يتحلل به من الصلاة، وسائر الروايات تدلُّ على أنه قطع القدوةَ فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفرداً. قال الرافعي في «شرح المسند» - في الكلام على رواية الشافعي رضي الله عنه عن ابن عيينة في هذا فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده -: هذا يُحتمل من جهة اللفظ أنه قَطَع الصلاة وتنحَّى عن موضع صلاته واستأنفَها لنفسه، لكنه غيرُ محمول عليه، لأن الفرض لا يُقطع بعد الشروع فيه. انتهى. ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوةَ ويُتِمَّ صلاتَه منفرداً. ونازع النوويُّ فيه فقال: لا دَلالة فيه، لأنه ليس فيه أنه فارَقَه وبنى على صلاتِه، بل في الرواية التي فيها أنه سَلَّم دليلٌ على أنه قَطَع الصلاةَ من أصلها ثم استأنفَها، فيدل على جواز قطع الصلاةِ وإبطالها بعذر.

قال شيخنا: واستُدِل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، وذلك لأنَّ ابن جريج روى عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب: هي له تطوعٌ ولهم فريضة. قال العيني: فزعم أبو البركات ابن تيمية: أن الإمام أحمد ضعَّف هذه الزيادة، وقال: أخشى أن لا تكون محفوظة، لأن ابن عيينة يزيد فيها كلاماً لا يقوله أحد، وقال ابن قدامة في «المغني» : وروى الحديثَ منصورُ بن زاذان وشعبة فلم يقولا ما قال سفيان بن

(2)

عيينة. وقال ابن الجوزي: هذه الزيادة لا تصح، ولو صحَّتْ لكانت ظنًّا من جابر، وبنحوه ذَكَره ابن العربي في «العَارِضَة»

(3)

. وقال الطحاوي: إنَّ ابن عيينة روى عن عمرو حديث جابر أَتَمَّ من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة.

قال شيخنا: ويدل على أن معاذاً كان ينوي بالأولى الفرضَ وبالثانية النفلَ ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرُهم من طريق بن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد: هي له تطوع ولهم فريضة. كما تقدم آنفاً، وهو حديث صحيح، وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه منه فانتفت تهمة تدليسه، فَقَولُ

(4)

ابن الجوزي: إنه لا يصح. مردودٌ.

وتعليلُ الطحاوي له أن ابن عيينة ساقَه عن عمرو أَتَمَّ من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة. ليس

(5)

بقادح في صحته، لأن بن جريج أسنُّ وأجَلُّ من ابن عيينة وأقدمُ أخْذًا عن عمرو، ولو

(6)

لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافيةً لرواية من هو أحفظُ منه ولا أكثرُ عددًا فلا معنى للتوقف مِن الحكم بصحتها، وأما رَدُّ الطحاوي

(1)

في (الأصل) : ((سليم)) والصواب ((سَلم)).

(2)

في (الأصل) : ((ابن سفيان)) والصواب ((سفيان بن)).

(3)

في (الأصل) : ((المعارضة)) والصواب ((العارضة)) وهي عارضة الأحوذي.

(4)

في (الأصل) : ((بقول)) والصواب ((فقول)).

(5)

في (الأصل) : ((وليس)) والصواب ((ليس)).

(6)

كلمة: ((لو)) ساقطة في (الأصل).

ص: 260

لها باحتمالِ أن تكون مدرجةً فجوابُه: أن الأصل عدمُ الإدراج حتى يثبت

(1)

التفصيلُ، فمهما كان مضموماً إلى الحديث فهو منه، ولا سيما إذا رُوِي من وجهين، والأمرُ هنا كذلك، لكنَّ الشافعي أخرجَها من وجهٍ آخرَ عن جابر متابِعاً لعمرو بن دينار عنه.

وقول الطحاوي: هو ظنٌّ من جابر. مردودٌ، لأن جابراً كان ممن يصلي مع معاذ، فهو محمولٌ على أنه سمع ذلك منه، ولا يُظَنُّ بجابرٍ أنه يخبِر عن شخص بأمٍر غير مشاهدٍ إلا بأنْ يكون ذلك الشخصُ أَطْلَعَه عليه. وأما احتجاجُ أصحابنا لذلك بقوله عليه السلام:((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) فليس بجيد، لأن حاصلَه النهيُ عن التلبُّس بصلاةٍ غيرِ التي أقيمت من غيرِ تعرُّضٍ لنيةِ فرضٍ أو نفلٍ، ولو تعينت نيةُ الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذٍ فرضاً له.

قوله: (فَكَانَ مُعَاذٌ يَنَالُ مِنْهُ) أي من الرجل المذكور، ومعنى: ينال منه أي يصيب منه، أي يعيبه ويتعرض به بالإيذاء. وقوله:(كَانَ) فعل ماض، و (مُعَاذٌ) بالرفع اسمُه. وقوله:(يَنَالُ مِنْهُ) جملةٌ خبرٌ لِكانَ، وفي رواية المستملي:(يَتَنَاوَلُ مِنْهُ) من باب التفاعل، وفي رواية الكُشْمِيهَني:(فَكَأَنَّ مُعَاذًا) بالهمز والنون المشددة. وقوله: (مُعَاذًا) بالنصب اسمُ كَأَنَّ، وقد فُسِّر ذلك في رواية سليم بن حيان. ولفظه: فبلغ ذلك معاذًا فقال: إنه منافق. وكذا في رواية أبي الزبير وابن عيينة: فقالوا له: أَنافقتَ يا فلان؟ قال: لا والله، لآتين رسولَ الله فَلَأُخبِرَنَّه. فكأَنَّ معاذًا قال ذلك في غَيْبَةِ الرجلِ، وَبَلَّغَهُ إلى الرجل أصحابُه.

قوله: (فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أي فَبَلَغَ ذلك الأمرُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّن ابنُ عيينة ومحاربُ بن دِثار في روايتيهما أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ، وفي رواية النَّسائي: فقال معاذ: لئن أصبحتُ لأذكُرَنَّ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأرسَلَ إليه فقال: ((ما حملك على الذي صنعت؟)) فقال: يا رسول الله، عملتُ على ناضحٍ لي بالنهار، فجئتُ وقد أقيمت الصلاة فدخلتُ المسجد، فدخلتُ معه في الصلاة فقرأ بسورة كذا وكذا، فانصرفتُ

(2)

فصليتُ في ناحية المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفتَّانًا يا معاذ؟ أفتَّانًا يا معاذ؟)).

وقوله: 0 ويروى: (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) و: (فَتَّانٌ) مرفوعٌ على أنه خبرُ مبتدأ محذوف، أي: أنت فتانٌ، والتكرار للتأكيد، وفي رواية ابن عيينة: أفتان أنت؟ بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار، ومعناه: أنت مُنَفِّرٌ، لأن التطويل سببُ خروجهم من الصلاة، والتَّكَرُّهِ للصلاة في الجماعة، وقال الداودي: يُحتَمل أن يريد قوله: (فَتَّانٌ) أي معذِّبٌ، لأنه عَذَّبَهُم بالتطويل كما في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ} [البروج: 10]. أي عذبوهم.

قوله: (أَوْ قَالَ: فَاتِنًا، فَاتِنًا) هذا شكٌّ من الراوي، ونصبُه على أنه خبرُ يكون مقدَّرًا أي يكون فاتنًا

(3)

. وفي رواية أبي

(4)

الزبير: أتريد أن تكون فاتناً؟ وفي رواية أحمد في حديث معاذ بن رِفاعة المتقدم ذكرُه: ((يا معاذ لا تكن فاتنًا)). وزاد في حديث أنس: ((لا تُطوِّل بهم)). وروى البيهقي في «الشُّعَب» بإسناد صحيح عن عمر قال: لا تبغِّضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه.

قوله: (وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ المُفَصَّلِ) أوسط المفصل مِن كُوِّرَتْ إلى الضحى، وطِوال المفصل من سورة الحجرات إلى والسماء ذات البروج، وقصار المفصل من

(1)

في (الأصل) : ((ثبت)) والصواب ((يثبت)).

(2)

في (الأصل) : ((فانصرف)) والصواب ((فانصرفتُ)).

(3)

في (الأصل) : ((فتانا)) والصواب ((فاتنا)).

(4)

في (الأصل) : ((ابن)) والصواب ((أبي)).

ص: 261

الضحى إلى آخر القرآن. وقيل: أولُ الطوال من قَاف، وقال الخطابي: رُوي هذا في حديث مرفوع، وحكى القاضي عياض أنه من الجاثية وهو قريب

(1)

، وسمي المفصَّل لكثرة الفصول فيه، وقيل: لقلة المنسوخ فيه. قال شيخنا: قوله: (أَوْسَطِ) يحتمل أن يريد به المتوسطَ، والسورُ التي مَثَّل بها من قِصار المتوسط، ويحتمل أن يريد به المعتدِل أي المناسِب للحالة من المفصَّل.

قوله: (قَالَ عَمْرٌو: وَلَا أَحْفَظُهُمَا) أي: قال عمرو بن دينار: لا أحفظ السورتين المأمورَ بهما، وكأنَّ عَمْرًا قال ذلك في حال حديثه لشعبة، وإلا ففي رواية سليم بن حيان عن عمرو:((اقْرَأْ والشمسِ وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها)).

استدل الشافعي رضي الله عنه بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل بناءً على أن معاذًا كان ينوي بالأولى الفرض، وبالثانية النفل. وبه قال أحمد في رواية، واختاره ابن المنذر، وهو قول عطاء وطاووس وسليمان بن حرب وداود، وقال الحنفية: لا يصلي المفترضُ خلف المتنفل، وبه قال مالك في رواية، وأحمد في روايةِ أبي الحارث عنه، وقال ابن قدامة

(2)

: اختار هذه الرواية أكثر أصحابنا - أي الحنابلة -، وهو قول الزهري والحسن البصري وسعيد بن المسيب والنخعي وأبي قلابة ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقال الطحاوي: وبه قال مجاهد وطاووس. انتهى.

قال شيخنا فيما تقدم آنفاً: ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدارقطني

إلى آخره. انتهى. قال العيني: الجواب عن هذا: أن هذه زيادة قد ذكرنا ما قالوا فيها، أي فيما تقدم أيضاً، قال: ونقول أيضاً: إن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاةَ النهار ومع قومه صلاة الليل، فأخبر الراوي في قوله: فهي لهم فريضةٌ وله نافلة. بحالِ معاذ في وقتين لا في وقتٍ واحد، أو نقول: هو حكاية حالٍ لم نعلم كيفيتها فلا نعملُ بها، ونستدل بما في «صحيح ابن حبان» :((الإمامُ ضامن)). يعني: يضمنُها صحةً وفسادًا، والفرضُ ليس مضمونًا في النفل. وقال ابن بطال: ولا اختلاف أعظمُ من اختلاف النيات، ولأنه لو جاز بناءُ المفترض على صلاة المتنفل لما شُرِعت صلاةُ الخوف مع كل طائفةٍ بعضُها، وارتكابُ الأعمال التي لا تصح الصلاة معها في غير الخوف، لأنه كان يمكنه أن يصلي مع كل طائفة جميعَ الصلاة وتكونُ الثانيةُ له نافلةً وللطائفة الثانية فريضة. انتهى.

قال شيخنا: جوابُه أنه ثبت: أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاةَ الخوف مرتين، كما أخرجه أبو داود عن أبي بكرة صريحًا، ولمسلم عن جابر نحوُه، وأما صلاتُه لهم على أنواعٍ من المخالفة فلِبيان الجواز. انتهى. وأما قول الطحاوي: لا حجة فيها لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره. فجوابه: أنهم لا يَختلفون في أَّن رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيرُه حجةٌ، والواقع كذلك هنا، فإنَّ الذين كان يصلي بهم معاذ كلُّهم صحابة، ومنهم ثلاثون عَقَبِيًّا، وأربعون بَدْرِيًّا، قاله ابن حزم. قال: ولا يُحفَظ عن غيرِهم من الصحابة امتناعُ ذلك، بل قال بعضُهم بالجواز: عمرُ وابنُ عمر وأبو الدرداء وأنس وغيرهم. انتهى.

قال الطحاوي أيضاً: لو سلَّمنا جميعَ ذلك لم يكن فيه حُجَّةٌ لاحتمال أن ذلك كان في الوقت

(1)

طمس في (الأصل) ولعل الكلمة: ((قريب)).

(2)

كلمة: ((ابن قدامة)) ساقطة في (الأصل) وقاله في المغني.

ص: 261