الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جبير: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما أطال ركعتي الفجر))، وقال مجاهد: لا بأس أن يُطيلَ ركعتي الفجر، وبالغ قومٌ فقالوا: لا قراءة فيهما، حكاه عياض والطحاوي. والحديثُ الصحيح يرُدُّ ذلك، وهو:((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثانية بالفاتحة و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1])).
وفي رواية ابن عباس: كان يقرأ فيهما: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] وبقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64]. واستحب مالك الاقتصار على الفاتحة، على ظاهر قول عائشة رضي الله عنها:((كان يخففهما حتى إني لأقول قد قرأ فيهما بأم الكتاب؟)). وفي «فضائل القرآن العظيم» لأبي العباس الغافقي: أمر رجلًا شكى إليه شيئًا أن يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وسورة {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: 1]، وفي الثانية بالفاتحة وسورة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [الفيل: 1].
وفيه: استحباب الاضطجاع على الأيمن عند النوم، وهو سُنَّةٌ عند البعض، واجبٌ عند الحسن البصري، وذكر القاضي عياض: أن عند مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة بدعة.
قال العيني: يعني الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وفي «سنن أبي داود والترمذي» بإسناد صحيح على شرط الشيخين، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم الفجر فليضطجع على يمينه)). واعلم أنه ثبت في «الصحيح» : ((أنه عليه السلام كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر فيها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين))، فهذا الاضطجاع كان بعد صلاة الليل، وقبل صلاة ركعتي الفجر.
قال العيني: ولم يقل أحد إن الاضطجاع قبلهما سنة، فكذا بعدَهما. وقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:((إنْ كنت مستيقظةً حدثني وإلا اضطجع)). فهذا يدُلُّ على أنه ليس بسنة، وأنه تارة كان يضطجع قبل وتارة بعد وتارة لا يضطجع. انتهى.
قلتُ: حديث أبي هريرة المتقدم آنفاً يدل على أن اضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة. انتهى.
وفيه: استحباب إتيان المؤذن إلى الإمام الراتب وإعلامِه بحضور الصلاة.
وفيه: مراعاةُ الوقت للمؤذن وأن الإمام يجعل إليه ذلك.
وفيه: دلالةٌ على أن الانتظار للصلاة في البيت كالانتظار في المسجد، ولو لم يكن كذلك لخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ليأخذ لنفسه بحظها من فضيلة الانتظار. قال الداودي: في حديث عائشة دلالة أن المؤذن لا يكون إلا عالماً بالأوقات، أو يكون من يعرِّفُه بها.
وفيه: تعجيلُ ركعتي الفجر عند طلوع الفجر، وقد كره جماعةٌ من العلماء - منهم الحنفية - التنفلَ بعد أذان الفجر إلى صلاة الفجر بأكثر من ركعتي الفجر، لِما في مسلم عن حفصة رضي الله عنها:((كان عليه السلام إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين)). وعند أبي داود: عن يسار مولى ابن عمر قال: رآني عبد الله وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: ((لا تصلوا بعد الفجر إلا ركعتين)). وقال أبو عيسى: حديث غريبٌ لا نعرِفُه إلا من حديث قدامة بن موسى.
وهذا مما أجمع عليه أهل العلم، كرِهوا أن يصليَ الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر،
وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد، ولأصحاب الشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها: مثلُ الجماعة، الثاني: لا تدخل الكراهة حتى يصلي سنة الفجر، الثالث: لا تدخل الكراهة حتى يصلي الصبح، وقال النووي: وهو الصحيح.
(16)
بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ
أي هذا باب في بيان أنَّ بين كلِّ أذانين صلاة، وقد قلنا: إن المراد من الأذانين: الأذانُ والإقامةُ بطريق التغليب، كالقمرين والعُمرين ونحوِهما، لا يقال: هذا الباب تكرارٌ لأنه ذُكر قبل الباب الذي قبل هذا الباب، لأنَّا نقول: إنه ذُكِر هناك ببعض ما دل عليه لفظ حديث الباب، وههنا ذُكِر بلفظِ الحديث، وأيضًا لَمَّا كانَ بعضُ اختلافٍ في رواة الحديث وفي متنه ذَكَرَهُ بترجمتين بحسب ذلك.
627 -
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) أي أبو عبد الرحمن المقرئ مولى آل عمر البصري ثم المكي، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، روى عنه البخاري، وروى عن علي بن المديني عنه في الأحكام، وعن محمد غيرِ منسوب عنه في البيوع، وروى عنه مسلم بواسطة.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا كَهْمَسُ) أي بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم وبالسين المهملة: ابنُ الحسن مكبر النَّمَري - بالنون والميم المفتوحتين - القيسي، مات سنة تسع وأربعين ومائة، وباقي الرواة وما يتعلق بالحديث قد ذكرناه.
فإن قلتَ: ما الفرق بين عبارة حديث ذاك الباب وعبارة حديث هذا الباب؟ قال العيني: الحديثُ الذي هنا يفسر ذاك الحديث، والأحاديثُ تفسر بعضها بعضاً.
وقوله هناك: ((ثلاثًا))، من لفظ الراوي أي: قالها ثلاث مرات، وتُبيِّنُ ذلك روايةُ النَّسائي:((بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة)). وقال الكِرماني: فإن
(1)
قلتَ: ما التوفيقُ بينه حيث قيد الثالثة بقوله: ((لمن شاء))، وبين المطلَق الذي ثَمَّةَ؟ قلتُ: هذا في الكَرَّتين الأوليين مطلقٌ، وذاك مقيد بقوله:((لمن شاء)) في المرات، والمطلق يُحمل على المقيد عند الأصوليين، وأيضاً ثمة نقلُ الزيادة في الأوليين، وزيادةُ الثقة مقبولة عند المحدثين. انتهى.
قال العيني: مشيئة الصلاة مرادة بين كل أذانين على أي وجه كان، ألا ترى أن عند الترمذي قالها مرةً، وقال في الرابعة:((لمن شاء))، وعند أبي داود قالها مرتين، وعند البخاري ثلاثاً، وعند النسائي ثلاث مرات مكررة بغير لفظ العدد.
(17)
بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ
أي هذا باب في بيان قول من قال
…
إلى آخره، وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن واحداً من المسافرين إذا أَذَّنَ يكفي ولا يُحتاج إلى أذان البقية، لأنه ربما كان يُتَخيَّل أنه لا يكفي الأذان إلا من جميعهم، لأن حديث الباب
(2)
يدل ظاهراً أن الأذان في السفر لا يتكرر، سواء كان في الصبح أو غيره.
قال شيخنا: كأنه يشير إلى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح: أن ابن عمر كان يؤذن للصبح في السفر أذانين. وهذا مصيرٌ منه إلى التسوية بين الحضر والسفر، وظاهرُ حديث الباب
(1)
((فإن)) ساقطة في (الأصل).
(2)
((الباب)) ساقطة في (الأصل).
أن الأذان في السفر لا يتكرر، لأنه لم يفرِّق بين الصبح وغيرِها، والتعليلُ الماضي في حديث ابن مسعود يؤيده، وعلى هذا فلا مفهوم لقوله: مؤذن واحد في السفر. لأن الحضر أيضاً لا يؤذِّنُ فيه إلا واحد، ولو احتيج إلى تعدُّدِهم لِتباعُدِ أقطار البلد أَذَّنَ كلُّ واحد في جهة ولا يؤذنون جميعاً. وقد قيل: إن أول من أحدث التأذين جميعاً بنو أمية.
وقال الشافعي في «الأم» : وأُحِبُّ أن يؤذِّنَ مؤذنٌ بعدَ مؤذن ولا يؤذن جماعة معاً، وإن كان مسجدٌ كبير فلا بأس أن يؤذِّنَ في كل جهة منه مؤذن يُسمِعُ من يليه في وقت واحد.
628 -
قوله: (حَدَّثَنَا
(1)
مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ) أي بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة: أبو الهيثم البصري العمري، أخو بهز بن أسد، مات بالبصرة في شهر رمضان سنة ثمان عشرة ومائتين، ترجمتُه أيضاً في باب المرأة تحيض بعد الإفاضة.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) أي مُصغَّرُ وهب، ابنُ خالد البصري الكرابيسي، ترجمتُه في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد.
قوله: (عَنْ أَيُّوبَ) أي السختياني، ترجمتُه في باب حلاوة الإيمان.
قوله: (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) أي بكسر القاف، عبدُ الله بن زيد، ترجمتُه في باب حلاوة الإيمان.
قوله: (عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ) أي مصغر الحارث، بالثاء المثلثة: ابنُ أشيم الليثي، ترجمتُه في باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفدِ عبد القيس.
في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في موضعين. وفيه: أن رواته كلهم بصريون. وفيه: رواية التابعي عن التابعي على قول من قال: إن أيوب رأى أنس بن مالك.
قوله: (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهْلِينَا، قَالَ: «ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)
مطابقته للترجمة في قوله: (فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ).
هذا الحديثُ أخرجه البخاري أيضًا في الصلاة عن سليمان بن حرب، وفي خبر الواحد عن محمد بن المثنى، وفي الأدب عن مسدد، وفي الصلاة أيضاً عن محمد بن يوسف، وفيه وفي الأدب أيضاً عن مسدد، وفي الجهاد عن أحمد بن يونس. وأخرجه مسلم في الصلاة أيضاً عن زهير بن حرب، وعن أبي الربيع الزهراني، وخلف بن هشام، وعن إسحاق بن إبراهيم وعن أبي سعيد الأشج. وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد. وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي فيه عن حاجب بن الوليد وعن زياد بن أيوب وعن علي بن حجر. وأخرجه ابن ماجه فيه عن بشر بن هلال الصواف.
قوله: (فِي نَفَرٍ) بفتح الفاء: عِدةُ رجال من ثلاثة إلى عشرة، والنفير مثلُه ولا واحدَ له من لفظِه، وسُمُّوا بذلك لأنهم إذا حَزَبَهُم أمرٌ اجتمعوا ثم نَفَروا إلى عدوِّهم. وفي «الواعي» : ولا يقولون عشرون نفرًا ولا ثلاثون نفرًا.
قوله: (مِنْ قَوْمِي) هم بنو ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة. وكان قدوم وفد
(1)
((حدثنا)) ساقطة في (الأصل).
بني ليث فيما ذكره ابن سعد بأسانيد متعددة أن وائلة الليثي قدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجهز لتبوك.
قوله: (فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ) أي عند النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (عِشْرِينَ لَيْلَةً) المراد بأيامها، بدليل الرواية الثانية في الباب: بعد عشرين يوما وليلة.
قوله: (وَكَانَ رَحِيمًا) بمعنى: ذا رحمة وشفقة ورقة قلب.
قوله: (رَقِيقًا) بقافين في رواية الأصيلي، وقيل: والكُشْمِيهَني أيضًا، ومعناه: كان رقيق القلب، وفي رواية غيرهما: <رفيقاً>. بالفاء أولاً ثم بالقاف، من الرفق. وقال النووي: رواية البخاري بوجهين: بالقافين وبالفاء والقاف، ورواية مسلم بالقافين خاصةً. وقال ابن قرقول: رواية القابسي بالفاء، والأصيلي وأبي الهيثم بالقاف.
قوله: (إِلَى أَهْلِينَا) هو جمعُ أهل، والأهل من النوادر حيث يُجمَع مكسراً نحو: الأهالي، ومصحَّحًا بالواو والنون نحو: الأهلون، وبالألف والتاء نحو: الأهلات.
قوله: (ارْجِعُوا) من الرجوع لا من الرَّجع.
قوله: (وَصَلُّوا) زاد في رواية إسماعيل بن عُلَيَّة عن أيوب: ((كما رأيتموني أصلي)). وهو في باب رحمة الناس والبهائم في كتاب الأدب. ومثله في باب خبر الواحد من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب.
قوله: (فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ) يعني: إذا حان وقتها.
قال شيخنا: وجه مطابقته للترجمة مع أن ظاهرَه يخالفُها لقوله: ((كُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ
…
فَإِذَا حَضَرَتِ)). فظاهره أن ذلك بعد وصولهم إلى أهليهم وتعليمهم. لكن المصنف أشار إلى الرواية الآتية في الباب الذي بعد هذا فإن فيها: ((فإذا أنتما خرجتما فأذِّنا)). ولا تعارُضَ بينَهُما أيضًا وبين قوله في هذه الترجمة: (مُؤَذِّنٌ)، لأن المراد بقوله:((أَذِّنَا)). أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن، وذلك لاستوائهما في الفضل، ولا يُعتبر في الأذان السنُّ بخلاف الإمامة، وهو واضح من سياق حديث الباب حيث قال:(فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ). انتهى.
وقال الكِرماني: قد يقال: فلان قتله بنو تميم، مع أن القاتلَ واحدٌ منهم، وكذا في الإنشاء يقال: يا تميم قفا نبك ومراده الخطاب للواحد، وكذلك يأتي في الجمع. وقال التيمي: المراد من قوله: ((أَذِّنَا)) الفضلُ وإلا فأذان الواحد يجزئ. انتهى.
واعلم أنه وقع في لفظ هذا الحديث اختلافُ الرواية ههنا: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي). وعن خالد عن أبي قلابة في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة: أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال:((إذا أنتما خرجتما فأذِّنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما)). وفي باب الاثنان فما فوقهما جماعة: ((إذا حضرت الصلاة فأذِّنَا)) الحديث.
وفي باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم: قَدِمْنَا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، وفيه: ((لو رجعتم إلى بلادكم
فعلِّمُوهُم فلْيُصلُّوا صلاةَ كذا في حين كذا، وصلاةَ كذا في حين كذا)). وفي إجازة خبر الواحد: فلمَّا ظن أنَّا قد اشتقنَا أهلَنا سألْنا عمن تركْنا بعدَنا، فأخبرناه، فقال:((ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم، ومُرُوهُم - وذكر أشياء أحفظُها أو لا أحفظها - وصلُّوا كما رأيتموني أصلي)) الحديث. وفي باب رحمة الناس والبهائم نحوُه.
وعند أبي داود: ((كنَّا يومئذ متقارِبِين في العلم)). وفي رواية لأبي قلابة: فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقارِبِين. وفي رواية ابن حزم: متقارنين، بالنون في الموضعين، من المقارنة. يقال: فلانٌ قرينُ فلان، إذا كان قرينَه في السِّنِّ، وكذا إذا كان في العلم. وقال القرطبي: يُحتمل أن تكون هذه الألفاظ المتعددة كانت في وِفادتين أو في وِفادةٍ واحدة، غير أن النقل تكرر منه، ومن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
فيه: قال شيخنا: استُدِلَّ بهذا على أفضلية الإمامة على الأذان وعلى وجوب الأذان وبيان خطأ من نقل الإجماع على عدم الوجوب، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في باب إذا استووا في القراءة، في أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى. انتهى.
فيه: الأمر بالأذان للجماعة، وهو عامٌّ للمسافر وغيره، وكافة العلماء على استحباب الأذان للمسافر، إلا عطاء فإنه قال: إذا لم يؤذِّن ولم يُقِم أعاد الصلاة، وإلا مجاهدًا فإنه قال: إذا نسي الإقامة أعاد، وأَخَذَا بظاهر الأمر، وهو: أذِّنَا وأقيما. وقيل: الإجماع صارف عن الوجوب.
قال العيني: وفيه نظر، وحكى الطبري عن مالك أنه: يعيد إذا ترك الأذان، ومشهورُ مذهبه الاستحباب. وفي «المختصر» عن مالك: ولا أذان على مسافر، وإنما الأذان على من يُجتمَع إليه لتأذينه، وبوجوبه
(1)
على المسافر قال داود. قالت طائفة: هو مخيَّر، إن شاء أذَّنَ وأقام. روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وهو قول عروة والثوري والنخعي. وقالت طائفة: تُجزئه الإقامةُ، رُوي ذلك عن مكحول والحسن والقاسم، وكان ابن عمر يقيم في السفر لكل صلاة إلا الصبح فإنه كان يؤذن لها ويقيم.
وقال قاضي خان من الحنفية: رجلٌ صلى في سفر أو في بيته بغير أذان وإقامة يُكره. قال: فالكراهة مقصورة على المسافر، ومَن صلَّى في بيته فالأفضل له أن يؤذِّنَ ويُقيمَ ليكون على هيئة الجماعة، ولهذا كان الجهرُ بالقراءة في حقِّه أفضل. وقال القرطبي في قوله:((ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا)) يدل على تساويهما في شروط الإمامة، ورجَّحَ أحدهما بالسن.
قال العيني: لأن هؤلاء كانوا مُستوين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا جميعًا، وأسلموا جميعًا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة، فاستوَوا في الأخذ عنه. فلم يبق ما يُقدَّم به إلا السن.
وفيه: حجة لأصحابنا - أي الحنفية - في تفضيل الإمامة على الأذان لأنه عليه السلام قال: ((لْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا)) خَصَّ الإمامةَ بالأكبر. انتهى.
وفيه: دليلٌ على أن الجماعة تصِحُّ بإمام ومأموم، وهو إجماع المسلمين.
وفيه: الحض على المحافظة
(1)
في (الأصل) : ((وبجوبه)) والصواب ((وبوجوبه)).
على الأذان في الحضر والسفر.
وفيه: أن الأذان والجماعة مشروعان على المسافرين. انتهى.
قلت: وفيه الرحلة لطلب العلم.
وفيه: جواز مفارقة المتعلم شيخَه لاشتياقه إلى أهله.
وفيه: رحمةُ الشيخ لتلميذه وإعانتُه له على مطلوبه بالإذن له فيما يرومُه من أمر الدنيا المباح.
وفيه: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورقةُ قلبه.
وفيه: محبةُ الأهل والاشتياق إليهم.
وفيه: جواز ترك الأفضل لأجل المفضول. انتهى.
(18) بَابُ الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِين، إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً، وَالإِقَامَةِ
أي هذا باب في بيان حكم الأذان للمسافرين، وأشار بهذه الترجمة إلى أن للمسافر أن يؤذن.
وقوله: (إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً) هو مقتضى أحاديث الباب، ولكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد. وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أميرٌ فينادى بالصلاة فيجتمعوا لها، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة.
وقوله: (لِلْمُسَافِرِين) بلفظ الجمع هو رواية الكُشْمِيهَني، وهو مناسب لقوله:(إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً)، وفي رواية الباقين: <لِلْمُسَافِرِ> بلفظ الإفراد، فيؤوَّل أن تكون الألف واللام فيه للجنس، وفيه معنى الجمع فحصلت المناسبة من هذا الوجه.
قوله: (وَالإِقَامَةِ) بالجر عطفا على الأذان.
قوله: (وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ) أي: وكذلك الأذان والإقامة بعرفة وجمع، بفتح الجيم وسكون الميم، وهو المزدلفة، سميت بجمع لاجتماع الناس فيها ليلة العيد. وأما عرفة فإنها تطلق على التاسع من ذي الحجة، وعلى المكان وهو الموضع المعروف الذي يقف فيه الحجاج يوم عرفة.
ولم يَذكر في: جمع، حديثا، فكأنه اكتفى بحديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الجمع، وفيه: أنه صلى المغرب بأذان وإقامة، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال:((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله))، وكذلك لم يذكر في عرفة شيئًا، وكأنه أشار إلى حديث جابر الطويل أخرجه مسلم، وفيه:((أن بلالًا أذَّن وأقام لَمَّا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة)).
قوله: (وَقَوْلِ المُؤَذِّنِ: الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ، فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ أَوِ المَطِيرَةِ) لفظ: (قَوْلِ) مجرور أيضًا عُطِفَ على قوله: (وَالإِقَامَةِ) وإلى هنا كله من الترجمة.
وقوله: (الصَّلَاةُ) بالنصب أي: أدُّوها، ويروى بالرفع على أنه مبتدأ وخبره قوله:(فِي الرِّحَالِ) تقديره: الصلاة تصلَّى في الرحال. وهو جمع رَحْل، ورحل الشخص.
قوله: (وَالمَطِيرَةِ) بفتح الميم، على وزن: فعيلة، بمعنى: الماطرة. وإسناد المطر إلى الليلة بالمجاز، إذ الليل ظرفٌ له لا فاعل، وللعلماء في: أنبت الربيع البقل، أقوال أربعة: مجاز في الإسناد، أو في أنبت، أو في الربيع - وسماه السكاكي: استعارة بالكناية -، أو المجموعُ مجازٌ عن المقصود، وذكر الإمام الرازي أنه المجاز العقلي، وإنما لم يجعل المطيرة بمعنى الممطور فيها لأن فعيلة إنما تُجعل بمعنى مفعولة
إذا لم يُذكر موصوفُها معها، وهنا الليلةُ موصوفُها مذكور، فلذلك دَخَلَها تاء التأنيث.
629 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) أي الأزدي الفراهيدي القصاب البصري من أفراد البخاري، ترجمته في زيادة الإيمان ونقصانه.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ المُهَاجِرِ أَبِي الحَسَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ المُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ»، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ»، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ» حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ).
فإن قلتَ: لا دلالة هنا على الإقامة، والترجمةُ مشتمِلة على الأذان والإقامة معاً؟ قال العيني: المقصود هو الدلالة في الجملة، ولا يلزم الدلالة صريحًا على كل جزء من الترجمة، ومن لا يَترك الأذان في السفر مع كونه مظنة التخفيف لا يترك الإقامة التي هي أخفُّ من الأذان. انتهى.
مطابقته للترجمة من حيث إن المؤذن أراد أن يؤذن فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإبراد ثلاث مرات، ولم يتعرض إلى ترك الأذان، فدل أنه أذَّن بعد الإبراد الموصوف وأقام، وأنه عليه السلام مع الصحابة كانوا في سفر، فطابق الحديثُ الترجمة من هذه الحيثية.
وهذا الحديث بعينه ولفظِه قد مَرَّ في باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، وفي الباب الذي يليه بابِ الإبراد بالظهر في السفر، مع اختلافٍ يسير في الرواة والمتن، فإنه في الكل عن شعبة
…
إلى آخره، غير أن شيخه في الأول: عن محمد بن بشار عن غُندَر عن شعبة، وفي الثاني: عن آدم عن شعبة، وههنا - كما رأيتَ - عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة.
قوله: (سَاوَى) أي: صار الظلُّ مساويًا التَّلَّ، أي مثلَه. وقال الكِرماني: فإن قلتَ: فحينئذ يكون أول وقت العصر عند الشافعية، ولا يجوز تأخير الظهر إليه؟ قلتُ: لا نسلم، إذْ ليس وقتُ الظهر مجردَ كون الظل مثلَه، بل هو بعد الفيء فهو مقدار الفيء وظل المثل كليهما.
قال العيني: أول وقت العصر عند صيرورة ظل كل شيء مثليه، وبين مساواة الظل المثل وكونِ ظل كل شيء مثليه آنات عديدة. انتهى.
630 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) أي الفَريابي. قال شيخنا: وبذلك صرح أبو نعيم في «المستخرج» . انتهى. ترجمته في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) أي الثوري، ترجمته في باب علامات المنافق. قال شيخنا: وقد روى البخاري عن محمد بن يوسف أيضًا عن سفيان بن عيينة لكنه محمد بن يوسف البِيكَندي وليست له روايةٌ عن الثوري والفَريابي، وإن كان يروي أيضًا عن ابن عيينة لكنه إذا أَطلَقَ سفيان فإنما يريد به الثوري وإذا روى عن ابن عيينة بَيَّنَهُ
وقد قدَّمْنا ذلك. انتهى.
قوله: (عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ) ترجمته في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب.
قوله: (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) مرّ عن قريب.
قوله: (عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ) مرّ أيضاً عن قريب.
في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: القول في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع.
قوله: ((أَتَى رَجُلَانِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا َكْبَرُكُمَا)).
مطابقته للترجمة ظاهرة. فإن قلتَ
(1)
: الترجمةُ لجمع المسافرين، والحديث للتثنية؟ قال العيني: للتثنية حكم الجمع.
وفيه: الأذان والإقامة صريحان، وقد مر الكلام فيه في الباب السابق.
قوله: (رَجُلَانِ) هما مالك بن الحويرث راوي الحديث ورفيقه، وسيأتي في باب سفر الإثنين من كتاب الجهاد:((انصرفتُ من عند النبي صلى الله عليه وسلم، أنا وصاحب لي)).
قال شيخنا: ولم أر في شيء من طرقه تسمية صاحبه. انتهى.
قوله: ((فَأَذِّنَا)) قال أبو الحسن بن القصار أراد به الفضلَ وإلا فأذانُ الواحد يجزئ. وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذِّنَا جميعًا كما هو ظاهر اللفظ. فأراد أنهما يؤذنان معاً وليس ذلك بمراد، وقد قدَّمْنا النقلَ عن السلف بخلافه. وإن أراد أنَّ كلًّا منهما يؤذِّنُ على حِدةٍ ففيه نظر، فإنَّ أذان الواحد يكفي الجماعة. نعم، يُستحب لكل أحد إجابةُ المؤذن، فالأوْلى حملُ الأمرِ على أنَّ أحدهما يؤذِّنُ والآخر يجيب. وقد تقدم له توجيهٌ آخرُ في الباب الذي قبلَه، وأنَّ الحاملَ على صرفِه عن ظاهره قولُه فيه:((فليؤذن لكم أحدكُم)).
وللطبراني من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في هذا الحديث: ((إذا كنتَ مع صاحبك فأذن وأقم وليؤمَّكُما أكبركُما)).
قوله: (ثُمَّ أَقِيمَا) قال شيخنا: فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة المؤذن بالإقامة إنْ حُمِل الأمرُ على ما مضى وإلا فالذي يؤذِّنُ هو الذي يقيم.
قال شيخنا: تنبيهٌ وقع هنا في رواية أبي الوقت: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب عن أيوب، فذكر حديث مالك بن الحويرث مطولاً نحو ما مضى في الباب قبله، وسيأتي بتمامه في باب خبر الواحد، وعلى ما ذُكِر هنا اقتصر باقي الرواة. انتهى.
قوله: (ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا) قال القرطبي: يدل على تساويهما في شروط الإمامة، ورُجِّح أحدُهما بالسن، وقال ابن بَزِيزَة: يجوز أن يكون أشار إلى كِبَر الفضل والعلم.
631 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) ترجمته في باب حلاوة الإيمان.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ) أي ابنُ عبد المجيد البصري، ترجمته في باب ما يكره من النوم قبل العشاء.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) أي السختياني، ترجمته في باب حلاوة الإيمان.
قوله: (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) أي المنبَّهِ عليه في السند السابق.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ) أي المنبَّهِ عليه أيضًا.
قوله: ((قَالَ: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ
(1)
((قلت)) ليست في (الأصل).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا - أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا - سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا - وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)).
مطابقته للترجمة ظاهرة، والكلام في أكثر الحديث قد مضى في الباب السابق.
قوله: (شَبَبَةٌ) على وزن: فَعَلَة. قال العيني: وهو جمعُ شاب.
و (مُتَقَارِبُونَ) صفته أي في السن.
قوله: (سَأَلَنَا) بفتح اللام.
قوله: (أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا) شكٌّ من الراوي، ويُروَى: <وقد اشتقنا> بواو العطف بغير شك.
قوله: (إِلَى أَهْلِيكُمْ) ويروى: <إلى أهاليكم>.
قوله: (أَوْ لَا أَحْفَظُهَا) شكٌّ من الراوي.
632 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) أي ابن مُسَرْهَد، ترجمته في باب من الإيمان أن يحب لأخيه.
قوله: (قَالَ: حدَّثنَا يَحْيَى) أي القطان، ترجمته في الباب أيضاً.
قوله: (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) أي ابن حفص، ترجمته في باب الصلاة في مواضع الإبل.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ) أي مولى ابن عمر، ترجمته في باب العلم والفتيا في المسجد.
قوله: (قَالَ: أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ) أي عبد الله، ترجمته في كتاب الإيمان.
قوله: (فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ، أَوِ المَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن ابن عمر هو الذي أذن، ثم قال: صلوا في رحالكم. التي هي قوله: (وقول المؤذن الصلاة في الرحال
…
) إلى آخره.
قوله: (بِضَجْنَانَ) بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم بعدها نونٌ وبعد الألف نون أخرى، على وزن فَعْلَان غير مصروف. قال صاحب «الصحاح» وغيرُه: وهو جبل بناحية مكة. وقال أبو موسى في
(1)
«ذيل الغريبين» : وهو موضع أو جبل
(2)
بين مكة والمدينة. وقال صاحب «المشارق» ومن تبعه: هو جبل على بريد من مكة. وقال صاحب «الفائق» : بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلاً، وبينه وبين وادي مُريسعة أميال.
قال شيخنا: وهذا القدْرُ أكثر من بريدين، وضبْطُه بالأميال يدل على مزيد اعتناءٍ، وصاحبُ «الفائق» ممن شهد تلك الأماكن واعتنى بها بخلاف من تقدم ذِكرُه ممن لم يرها أصلًا. ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البلوي قال: وبين قديد وضجنان يوم، قال معبد الخزاعي:
قد نفرت من رفقتي محمد
…
تَهْوِي على دين أبيها الأتلد
قد جعلت ماء قُدَيد موعدي
…
وماء ضَجْنان لنا ضحى الغد
قوله: (وَأَخْبَرَنَا) عطف على قوله: (أَذَّنَ). والمخبِر هو ابن عمر.
قوله: (كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا) في رواية مسلم: ((كان يأمر المؤذن)).
قوله: (ثُمَّ يَقُولُ) عطف على قوله: (يُؤَذِّنُ).
قوله: (عَلَى إِثْرِهِ) بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتحها: ما بقي من رسم الشيء.
(1)
((في)) ليست في (الأصل).
(2)
((جبل)) غير واضحة في (الأصل).
قوله: (فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ) ظرفُ لقوله: (كَانَ يَأْمُرُ).
قوله: (ثُمَّ يَقُولُ) يُشعر بأن القول به بعد الأذان.
فإن قلتَ: قد تقدم في باب الكلام في الأذان أنه كان في أثناء الأذان؟ قال العيني: يجوز كلاهما، وهو نص الشافعي أيضًا في «الأم». لكن الأولى أن يقال: بعد الأذان. وقال القرطبي - لَمَّا ذكر رواية مسلم بلفظ: ((يقول في آخر ندائه)) -: يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه جمعاً بينه وبين حديث ابن عباس.
قال شيخنا: وقد قدمنا في باب الكلام في الأذان عن ابن خزيمة أنه حَمَل حديثَ ابن عباس على ظاهره وأن ذلك يقال بدلًا من الحيعلة نظراً إلى المعنى، لأن معنى «حي على الصلاة» : هلموا إليها. ومعنى «الصلاة في الرحال» : تأخروا عن المجيء. فلا يناسب إيراد اللفظين معًا لأن أحدهما نقيض الآخر.
قال: ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذُكِر بأن الصلاة نُدِبَ لمن أراد أن يستكمل
(1)
الفضيلة ولو تحمل المشقة. ويؤيد ذلك حديثُ جابر عند مسلم قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمُطرنا فقال: ((لِيصلِّ من شاء منكم في رَحله)). انتهى. قلتُ: وتقدم مذاهب العلماء في ذلك.
قوله: (أَلَا) كلمة تنبيهٍ وتحضيض، ومرَّ تفسيرُ (المَطِيرَةِ) وكلمة «أو» فيه للتنويع لا للشك. وفي «صحيح أبي عوانة» :((ليلةٍ باردة أو ذاتِ مطر أو ذات ريح)). وهذا يدل على أن كل واحد من هذه الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة. ونقل ابن بطال فيه الإجماع.
قال العيني: لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط. وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل، ولكن جاء في «السنن» من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث:((في الليلة المطيرة والغداة القَرَّة)). وفيها بإسنادٍ صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه: أنهم مُطِروا يومًا فرخص لهم.
قال شيخنا: ولم أر في شيء من الأحاديث الترخصَ بعذر الريح في النهار صريحًا، لكنَّ القياس يقتضى إلحاقه. وقد نقله ابن الرِّفعة وجهًا. انتهى.
قوله: (فِي السَّفَرِ) ظاهره اختصاص ذلك في السفر. ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقةٌ وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدةَ حمل المطلق على المقيد يقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقًا، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضَر دون مَن لا تلحقه. والله أعلم.
633 -
قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) وقع في رواية أبي الوقت أنه ابن منصور، وبذلك جزم خلف في الأطهار
(2)
، وقد تردد الكلاباذي: هل هو ابن إبراهيم أو ابن منصور؟ ورجح الجِيَّاني أنه ابن منصور، واستدل على ذلك بأن مسلماً أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد عن إسحاق بن منصور.
قال العيني: وفيه نظر لا يخفى. ترجمه إسحاق بن إبراهيم في باب فضل من عَلِم وعَلَّم، وكذلك إسحاق بن منصور.
قوله: (أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ) أي أبو عوانة المخزومي، ترجمته في باب زيادة الإيمان:
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ) أي بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة. واسمه
(3)
.
(1)
في (الأصل) : ((يستملك)) والصواب ((يستكمل)).
(2)
غير واضحة في (الأصل).
(3)
في (الأصل) بياض بعد قوله: ((واسمه)).
قوله: (عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ) ترجمته في باب الصلاة في الثوب الأحمر.
قوله: (عَنْ أَبِيهِ) أي أبو جُحَيْفَة، بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء، وَهَبُ بن عبد الله السَّوائي، ترجمته في باب كتابة العلم.
في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد، والعنعنة في موضعين، والقول في موضع.
قوله: (قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَحِ، فَجَاءَهُ بِلَالٌ رضي الله عنه فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلَالٌ بِالعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَحِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن فيه الأذانُ والإقامة والنبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في السفر. والحديثُ قد مرَّ في باب سترةُ الإمام سترة لمن خلفه، وقد ذكرنا هناك أنه أخرجه في مواضع في كتاب الطهارة وكتاب الصلاة.
قوله: (آذَنَهُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلَالٌ) اختصره المصنف، وقد أخرجه الإسماعيلي من طُرُقٍ عن جعفر بن عون فقال بعد قوله (بِالصَّلَاةِ) :((فدعا بوضوء فتوضأ)) فذكر القصة.
قوله: (وَأَقَامَ الصَّلَاةَ) اختَصَرَ بقيِّتَه
(1)
وهي عند الإسماعيلي أيضاً وهي: ((وركزها بين يديه والظعن يمرون)). الحديث.
قوله: (بِالأَبْطَحِ) هو موضع معروف خارجَ مكة، وقد بيَّنَّاه في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه مع الكلام على الحديث. وفهم بعضهم أن المراد بالأبطح: جَمْعٌ، فذكر ذلك في الترجمة وليس ذلك مراده بل بين جَمْعٍ والأبطح مسافة طويلة.
وإنما أورد حديث أبي جحيفة لأنه يدخل في أصل الترجمة وهي مشروعية الأذان والإقامة للمسافر.
(19) بَابٌ: هَلْ يُتْبِعُ المُؤَذِّنُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَذَانِ
أي هذا باب يُذكر فيه: هل يتبع المؤذن
…
إلى آخره.
قوله: (يُتْبِعُ) بضم الياء آخر الحروف وإسكان التاء المثناة من فوق وكسر الباء الموحدة، من الإِتْبَاع، وهو رواية الأصيلي، وفي رواية غيره: بياء تحتانية ثم بتاءين مفتوحات ثم موحدة مشددة، من التَّتَبُّع.
و (المُؤَذِّنُ) مرفوع لأنه فاعلُ (يُتْبِعُ). و (فَاهُ) منصوب على أنه مفعول. وقال الكِرماني: لفظ (المُؤَذِّن) بالنصب وفاعله محذوف تقديره: الشخص ونحوه. و (فَاهُ) بالنصب بدلٌ من المؤذن. قال: ليوافق قوله في الحديث: (فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ). انتهى.
وليس ذلك بلازم لما عُرف من طريقة البخاري أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورِده غالبا بل يترجم ببعض ألفاظه الواردة فيه. وكذا وقع (هَهُنَا) فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوانة في «صحيحه» : ((فجعل يتبع بفيه يمينا وشمالًا)). وفي رواية وكيع عن سفيان عند الإسماعيلي: ((رأيت بلالًا يؤذِّنُ يتتبع بفيه)) ووصَف سفيان: يميل برأسه يميناً وشمالاً. والحاصل أن بلالا كان يتبع بفيه الناحيتين، وكان أبو جحيفة ينظر إليه وكل منهما متبع باعتبار.
قوله: (هَهُنَا وَهَهُنَا) ظرفَا مكان، والمراد: يمينًا وشمالًا. وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي جحيفة: ((فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا، يقول يمينًا وشمالًا: حي على الصلاة حي على الفلاح)). وعند أبي داود: ((فلما بلغ: حي على الصلاة حي على الفلاح،
(1)
غير واضحة في (الأصل).
لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر)). وعند النسائي: ((فجعل يقول في أذانه هكذا، ينحرف يميناً وشمالاً)). وعند الطبراني: ((فجعل يقول برأسه هكذا وهكذا يميناً وشمالاً حتى فرغ من أذانه)). عند الترمذي مصححاً من حديث عبد الرزاق: حدثنا سفيان عن عون عن أبيه. قال: ((رأيت بلالاً يؤذن ويدور ويتبع فاه، ههنا وههنا)).
قوله: (وَهَلْ يَلْتَفِتُ) أي: هل يلتفت المؤذن في الأذان؟ نعم يلتفت، يدل عليه رواية الإسماعيلي ورواية أبي داود أيضاً تدل عليه، وسيأتي في رواية يحيى بن آدم لفظ:«والتفت» . والمراد من الالتفات: أن يلوي عنقه ولا يحوِّل صدره عن القبلة، ولا يزيل قدميه عن مكانهما، وسواء المنارة وغيرها. وبه قال الثوري والأوزاعي وأبو ثور وأحمد في رواية.
وقال ابن سيرين: يكره الالتفات، وهو قول مالك، إلا أن يريد إسماع الناس.
وقال صاحب «التوضيح» من الشافعية: الالتفات في الحيعلتين سنة ليعم الناس بإسماعه، وخُص بذلك لأنه دعاء. وفي وجهٍ: يلتفت يميناً فيُحَيْعِل، ثم يستقبل ثم يلتفت فيُحَيْعِل، وكذلك الشمال.
قال شيخنا: واختُلف أيضًا في الحَيعلتين: هل يستدير في الأوليين مرة وفي الثانيتين مرة، أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى؟ ورجح الثاني، لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما. قال: والأول أقرب إلى لفظ الحديث.
قال: ويلتفت في الإقامة أيضًا على الأصح، ثم ذكر أبو داود في روايته:((ولم يستدر))، وتمامه: قال: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا قيس -يعني ابن الربيع- وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سفيان جميعاً عن عون بن أبي جُحيفة عن أبيه، قال:((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو في قبة حمراء من أدم، فخرج بلال فأذن، وكنت اتتبع فمه ههنا وههنا))، قال:((ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه حُلَّةٌ حمراء برود يمانية قطري))، وقال موسى: قال: ((رأيت بلالاً خرج إلى الأبطح فأذن، فلما بلغ: حي على الصلاة حي على الفلاح، لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر، ثم دخل فأخرج العَنَزة
…
)) وساق حديثه.
وأخرجه الترمذي مصححاً من حديث عبد الرزاق: حدثنا سفيان عن عون عن أبيه، قال:((رأيت بلالاً يؤذن ويدور ويتبع فاه ههنا وههنا)). وفي رواية ابن ماجه، قال:((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح وهو في قبة حمراء، فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه وجعل إصبعيه في أذنيه)).
واعترض البيهقي فقال: الاستدارة في الأذان ليست في الطرق الصحيحة في حديث أبي جُحيفة، ونحن نتوهم أن سفيان رواه عن الحجاج بن أرطأة عن عون، والحجاجُ غير محتج به، وعبد الرزاق وهِم في إدراجه. ثم أسند عن عبد الله بن محمد بن الوليد عن سفيان وليس فيه الاستدارة. وقد رويناه في حديث قيس بن الربيع عن عون، وفيه:((ولم يستدر)).
وقال الشيخ في الإمام: أما كونه غير مخرج في الصحيح فليس بلازم، وقد صححه الترمذي وهو من أئمة الشأن. وأما عبد الرزاق وهم فيه فقد تابعه مؤمل، كما أخرجه أبو عوانة
في «صحيحه» عن مؤمل عن سفيان به نحوه، وتابعه أيضاً عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أبو نعيم في «مستخرجه» على كتاب البخاري.
وقد جاءت الاستدارة من غير جهة الحجاج، أخرجه الطبراني عن زياد بن عبد الله عن إدريس الأزدي عن عون بن أبي جُحيفة عن أبيه، قال:((بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضرت الصلاة، فقام بلال فأذن وجعل إصبعيه في أذنيه، وجعل يستدير يميناً وشمالاً)).
وفي «سنن الدارقطني» من حديث كامل عن أبي صالح عن أبي هريرة: ((أُمر أبو محذورة أن يستدير في أذانه)).
قال شيخنا: ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله، ومشى ابنُ بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله.
قوله: (وَيُذْكَرُ عَنْ بِلَالٍ) أي ابن رباح وهو ابن حمامة، ترجمته في باب عظة الإمام النساء.
قوله: (أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) ذَكَر هذا التعليق بصيغة التمريض، وقد ذكرنا الآن عن ابن ماجه حديثه، وفيه:((جعل - يعني بلال - إصبعيه في أذنيه)). وكذا في رواية الطبراني المذكورة الآن. وفي «كتاب أبي الشيخ» من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار: حدثني أبي عن أبيه عن جده: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أذنيه)). ومن حديث ابن كاسب: حدثنا عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن محمد وعمير وعمار ابني حفص عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أذنتَ فاجعل إصبعيك في أذنيك، فإنه أرفع لصوتك)).
وذكر ابن المنذر في كتاب «الأشراف» : أن أبا محذورة جعل إصبعيه في أذنيه، زاد في «شرح الهداية» : ضم أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه، وفي «المصنف» لابن أبي شيبة عن ابن سيرين: أنه كان إذا أذن استقبل القبلة وأرسل يديه، فإذا بلغ: الصلاة والفلاح، أدخل إصبعيه في أذنيه. وفي «الصلاة» لأبي نُعيم عن سهل بن سعد
(1)
، قال:((من السنة أن تدخل إصبعيك في أذنيك)).
وكان سويد بن غفلة يفعله، وكذا ابن جبير، وأمر به الشعبي وشريك. قال ابن المنذر: وبه قال الحسن وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن.
وقال مالك: ذلك واسع. وقال الترمذي: عليه العمل عند أهل العلم في الأذان. وقال بعض أهل العلم: وفي الإقامة أيضاً، وهو قول الأوزاعي. وقال ابن بطال: وهو مباح عند العلماء، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنه: إن جعل إحدى يديه على أذنه فحسن، وبه قال أحمد
(2)
.
قوله: (جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) مجاز عن الأنملة من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، والحكمة فيه أنه يُعينه على رفع صوته، ولهذا قال في حديث ابن كاسب المذكور:((فإنه أرفعُ لصوتك)). ويقال: إنه ربما لا يسمع صوته من به صمم، فيستدل بوضع إصبعيه على أذنيه على ذلك.
ولم يبين في الحديث ما هي الإصبع، ونص النووي على أنها: المسبِّحة. ولو كان في إحدى يديه علة جعل الإصبع الأخرى في صِماخه. وصرح الروياني
(1)
في (الأصل) : ((أسد)) والصواب ((سعد)).
(2)
((أحمد)) ليست في (الأصل) والصواب إثباتها.
أن ذلك لا يستحب في الإقامة لفقد المعنى الذي عُلل به، وعن بعضهم: أنه يستحب في الإقامة، كما ذكرناه عن قريب.
قوله: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ) أي عبد الله، ترجمته في كتاب الإيمان.
قوله: (لَا يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَهِ) ذكر هذا التعليق بصيغة التصحيح، فكأن ميله إليه. ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق نُسَير - بضم النون وفتح السين المهملة - ابن ذُعْلُوق - بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام وفي آخره قاف - أبو طعمة عن ابن عمر رضي الله عنهما.
قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي النَّخَعي، ترجمته في باب ظُلمٌ دون ظلمٍ.
قوله: (لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) هذا التعليق وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عنه بذلك وزاد: ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع ليقيم.
وعن قتادة وعبد الرحمن بن الأسود وحماد: لا بأس أن يؤذن الرجل وهو على غير وضوء. وعن الحسن: لا بأس أن يؤذن غير طاهر، ويقيم وهو طاهر.
وقال صاحب «الهداية» من الحنفية: وينبغي أن يؤذن ويقيم على طُهر، لأن الأذان والإقامة ذِكْرٌ شريف، فيُستحب فيه الطهارة، فإنْ أذَّنَ على غير وضوء جاز، وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم.
وعن مالك: أن الطهارة شرط في الإقامة دون الأذان. وقال عطاء والأوزاعي وبعض الشافعية: شرط فيهما. وقال الحنفية: ويُكره أن يقيم على غير وضوء لما فيه من الفصل بين الإقامة والصلاة بالاشتغال بأعمال الوضوء. وعن الكرخي: لا تكره الإقامة بلا وضوء.
قال العيني: ويكره عندنا أن يؤذن وهو جنب، وذكر محمد في «الجامع الصغير» : إذا أذن الجنب أحبُّ إليَّ أن يعيد الأذان، وإن لم يُعِدْ أجزأه. وقال صاحب «الهداية» : الأشبه بالحق أن يعاد أذانُ الجنب، ولا تعاد الإقامة، لأن تكرار الأذان مشروع في الجملة.
قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ) أي ابن أبي رباح، ترجمته في باب عظة الإمام النساء.
قوله: (الوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ) أي ثابت في الشرع وسنة الشرع.
هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: قال عطاء: حق وسنة مسنونة ألَّا يؤذن المؤذن إلا متوضأً، هو من الصلاة، هو فاتحة الصلاة. وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» : عن محمد بن عبد الله الأسدي، عن معقل بن عبيد الله، عن عطاء: أنه كره أن يؤذن الرجل وهو على غير وضوء.
وقد جاءت هذه اللفظة مرفوعة، وذكرها أبو الشيخ عن ابن أبي عاصم: حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم عن معاوية عن يحيى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لا يؤذن إلا متوضئ)).
وقال البيهقي: كذا رواه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف، والصحيح رواية يونس وغيره عن الزهري مرسلاً ولَمَّا ذكر الترمذي حديثَ يونس قال: هذا أصح، يعني من الحديث المرفوع الذي عنده من حديث الزهري عن أبي هريرة.
وعند أبي الشيخ من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة مسنونة أن