الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيبة وأبي كريب ومحمد بن عبد الله بن نمير به، وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة به.
قوله: (قَالَ عُرْوَةُ
…
) إلى آخره، قال الكِرماني: من ههنا إلى آخره موقوف عليه، وهو من مراسيل التابعين ومن تعليقات البخاري، ويحتمل دخوله تحت الإسناد الأول. انتهى. قال شيخنا: هو بالإسناد المذكور، ووهِم من جعله معلقاً ثم إن ظاهره الإرسال من قوله (فَوَجَدَ
…
) إلى آخره لكن رواه ابن أبي شيبة عن ابن نمير بهذا الإسناد متصلاً بما قبله، وأخرجه ابن ماجه عنه وكذا
(1)
وصله الشافعي عن يحيى بن حسان
(2)
عن حماد بن سلمة عن هشام، وكذا وصله غيرُ عروة عنها كما تقدم. انتهى.
فإن قلتَ: إذا كان الحديثُ متصلاً فلم قطعه عروة عن القدْر الأول الذي أخذه عن عائشة؟ أجيب: بأنه يحتمل أن يكون عروة أخذه عن غير عائشة، فقطع الثاني عن القدْر الأول لذلك.
قوله: (اسْتَأْخَرَ) أي: تأخر.
قوله: (أَنْ كَمَا أَنْتَ) كلمةُ ما موصولةٌ. وأنتَ مبتدأٌ وخبرُه محذوف، أي كما أنت عليه أو فيه، والكافُ للتشبيه. أي كن مشابهاً لما أنت عليه، أي يكون حالك في المستقبل مشابهاً بحالك في الماضي. ويجوز أن تكون الكاف زائدة، أي اِلزَمْ الذي أنت عليه، وهو الإمامة.
قوله: (حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ) أي: محاذياً من جهة الجنب لا من جهة القُدَّام والخلف، ولا منافاة بين قوله في الترجمة:(قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ)، وهنا قال: (جَلَسَ
…
إِلَى جَنْبِهِ)، لأن القيام إلى جنب الإمام قد يكون انتهاؤه بالجلوس في جنبه، ولا شك أنه كان قائماً في الابتداء ثم صار جالساً، أو قاس القيام على الجلوس في جواز كونه في الجنب، أو المراد: قيامُ أبي بكر لا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: قام أبو بكر بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم محاذياً له لا متخلفاً عنه، لغرض مشاهدة أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يستفاد منه: جواز الإشارة المفهِمة عند الحاجة، وجواز جلوس المأموم إلى جنب الإمام عند الضرورة والحاجة. قال شيخُنا: الأصل في الإمام أن يكون متقدماً على المأموم إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأمومٌ
(3)
واحدٌ، وكذا لو كانوا عراة، وما عدا ذلك يجوز ويجزئُ ولكن تفوت الفضيلة. انتهى.
وفي الحديث إشعار بصحة صلاة المأموم وإن لم يتقدم الإمام عليه، كما هو مذهب المالكية. وأجيب: بأنه قد يكون بينهما المحاذاة مع تقدم العقِب على عقب المأموم، أو جازَ محاذاة العقبيْن لا سيما عند الضرورة أو الحاجة. وفيه: دلالة أن الأئمة إذا كانوا بحيث لا يراهم من يأتمُّ بهم جاز أن يركع المأموم بركوع المكبِّر. وفيه: أن العمل القليل لا يُفسِد الصلاة، ففي قوله: استأخر، دليل واضح أنه لم يكن عنده مستنكراً أن يتقدم الرجل عن مَقامه الذي قام فيه في صلاته ويتأخر، وذلك عملٌ في الصلاة مِن غيرها، فكلُّ ما كان نظير ذلك فَفَعله فاعلٌ في صلاته لأمرٍ دعاه إليه فذلك جائز.
(48)
(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ
أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، جَازَتْ صَلَاتُهُ)
(1)
في (الأصل) : ((ذكراً)) والصواب ((وكذا)).
(2)
في (الأصل) : ((حيان)) والصواب ((حسان)) كما في مسند الشافعي.
(3)
في (الأصل) : ((المأموم)) والصواب ((إلا مأمومٌ)) كما في فتح الباري.
أي هذا بابٌ ترجمته من دخل
…
إلى آخره.
قوله: (الإِمَامُ الأَوَّلُ) أي الراتب.
قوله: (فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ) أي الذي أراد أن ينوب عن الراتب، والمعرفة إذا أعيدت إنما تكون عينَ الأُولى عند عدم القرينة الدالة على المغايَرة، وقرينةُ كونها غيرَها هنا ظاهرة، ويروى (فَتَأَخَّرَ الآخَرُ)، والمراد منه الداخل. وكلٌّ منهما أولٌ باعتبار.
قوله: (فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أي في المذكور من قوله: (فَجَاءَ الإِمَامُ
(1)
الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ
…
) إلى آخره، قال شيخنا: يشير بالسبق
(2)
الأول وهو ما إذا تأخر إلى رواية عروة عنها في الباب الذي قبله حيث قال: فلما رآه استأخر، والثاني وهو ما إذا لم يستأخر إلى رواية عبيد الله عنها حيث قال: فأراد أبو بكر أن يتأخر. وقد تقدمتْ في باب حد المريض، والجوازُ مستفاد من التقرير وكلا الأمرين قد وقعا في حديث الباب.
684 -
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) أي التنيسي.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنَي مَالِكٌ) أي ابن أنس، ترجمتهما في بدء الوحي.
قوله: (عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ) أي بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة، ترجمته في باب غسل المرأة أبَاها الدم.
قوله: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ) أي الأنصاري، ترجمته في الباب أيضاً.
في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضع واحد، وفيه: الإخبارُ بصيغة الإفراد، وفيه: العنعنة في موضعين، وفيه: القول في موضع واحد، وفيه: عن سهل، وفي رواية النسائي من طريق سفيان
(3)
عن أبي حازم سمعت سهلاً، وفيه: أن رواته ما بين تنسي ومدني.
قوله: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ المُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ التَفَتَ
(4)
، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ))، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:((يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ)) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ))).
مطابقته للترجمة في قوله: (ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى).
وهذا الحديث أخرجه البخاري في سبعة
(1)
((الإمام)) ساقطة من (الأصل).
(2)
كذا في (الأصل) : ((بالسبق)) ولعل الصواب ((بالشق)).
(3)
في (الأصل) : ((شعبان)) والصواب ((سفيان)).
(4)
((التفت)) ساقطة من (الأصل).
مواضع: هنا وفي الصلاة أيضاً فيما يجوز من التسبيح والحمدِ للرجال ورفعِ الأيدي فيها لأمرٍ ينزل به والإشارةِ فيها والسهو والصلح والأحكام. وأخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة وعن محمد بن عبد الله بن بَزِيع وعن يحيى بن يحيى. وأخرجه أبو دواد عن القَعْنَبي وعن عمرو بن عون، وأخرجه النسائي عن محمد بن عبد الله وعن أحمد بن عبده.
قوله: (إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) هم من ولد مالك بن الأوس والخزرج، وبنو عمرو بن عوف بطنٌ كبير من الأوس فيه عدة أحياء منهم: بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، وبنو ضبيعة بن زيد، وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف. والسبب في ذهابه عليه السلام إليهم ما رواه البخاري في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم:(أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، فَقَالَ: ((اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ))). وروَى في الأحكام من طريق حماد بن زيد أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر. وروى الطبراني من طريق عمر بن علي عن أبي حازم أن الخبر جاء بذلك وقد أذَّن بلال لصلاة الظهر.
قوله: (فَحَانَتِ الصَّلَاةُ) أي صلاة العصر، وصرَّح به في الأحكام. ولفظه:(فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، فَأَذَّنَ بِلَالٌ وَأَقَامَ، وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ) ولم يبين فاعلَ ذلك، وقد أخرجه أبو داود في «سننه» بسند صحيح، ولفظه: كان قتالٌ بين بني عمرو بن عوف فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر، فقال لبلال:((إن حضرتْ صلاةُ العصر ولم آتك فمُرْ أبا بكر فليصل بالناس))، فلما حضرت صلاة العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم. وعُلم من ذلك أن المراد من قوله:(فَجَاءَ المؤَذِّنُ) هو: بلال.
قال شيخنا: وأخرجه أحمد وابن حبان من رواية حماد المذكورة، ونحوُه للطبراني من رواية موسى بن محمد عن أبي حازم.
قوله: (فَقَالَ) أي المؤذن الذي هو بلال.
قوله: (أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل التقرير، وبهذا يندفع إشكال من يقول: هذا يخالف ما ذُكِر في رواية أبي داود من قوله: ثم أمَرَ أبا بكر فتقدم. لأنه يُحمل على أنه استفهمه هل يبادر أولَ الوقت أو ينتظر قليلاً ليأتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ورجح عند أبي بكر المبادرة، لأنها فضيلة محققة فلا تُترك لفضيلة متوهمة. قال شيخنا: وفي هذه الزيادة أي التي في رواية أبي داود رَدٌّ لما اختاره الروياني أن الإمام الراتب إذا غاب ولم يستنِبْ أحداً أنَّ الحاضرين يقدمون منهم رجلاً يؤمُهم، واحتج مِن حديث الباب بفعل أبي بكر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد أفادت الزيادة المذكورة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عَهِد إلى بلال أن يقدم أبا بكر إذا أبطأ هو عن العادة التي كان يصلي فيها، لأن محله إذا لم يقع من الإمام الراتب استنابةٌ.
قوله: (فَأُقِيمَ) قال الكِرماني: بالرفع والنصب، وسكت على ذلك. قال العيني: وجه الرفع على أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ تقديره: فأنا أقيمُ، ووجه النصب على أنه جواب الاستفهام، والتقدير: فأن أقيمَ؟
قوله: (قَالَ نَعَمْ) أي قال أبو بكر: نعم أقم الصلاة، وزاد في رواية عبد العزيز
(1)
عن أبي حازم عن أبيه لفظة: (إِنْ شِئْتَ). وأخرج البخاري هذه الرواية في باب رفع الأيدي، ووجه هذا التفويض إليه لاحتمال أن يكون عنده زيادةُ علمٍ من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. قلت: قال علماء اللسان: نعم بفتح العين وكذا بكسرها، وهي حرفُ تصديقٍ ووعد وإعلام: فالأول: بعد الخبر كقام زيدٌ أو ما قام زيدٌ، والثاني: بعد افعل أو لا تفعل وما في معناهما نحو: أتفعل؟ وهلَاّ لم تفعل؟ وبعد الاستفهام في نحو: هل تعطيني؟ ويحتمل أن تفسر في هذا بالمعنى. والثالث: المعنيين بعد الاستفهام في نحو: هل جاءك زيد؟ ونحو: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44]، {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا}؟ [الأعراف: 113]. وهي في الحديث بالمعنى الثاني. انتهى.
قوله: (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ) ليس على حقيقته، بل معناه دخل في الصلاة، ويدل عليه رواية عبد العزيز:(وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ) وفي رواية المسعودي عن أبي حازم: (فَاسْتَفْتَحَ أَبُو بَكْرٍ الصَّلَاةَ)، وهي عند الطبراني. وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين حيث امتنع هنا أن يستمرَّ إماماً وحيث استمر في مرض موته عليه السلام حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح، كما صرح به موسى بن عقبة في «المغازي» فكأنه لَمَّا أن مضى معظم الصلاة حسُن الاستمرارُ، ولما أنْ لم يمض منها إلا اليسيرُ لم يستمر، وكذا وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح، فإنه استمر في صلاته إماماً لهذا المعنى، وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة.
قوله: (وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ) جملة حالية، يعني: شرعوا فيها مع شروع أبي بكر.
قوله: (فَتَخَلَّصَ) قال الكِرماني: صار خالصاً من الأشغال. قال العيني: ليس المراد هذا المعنى ههنا، بل معناه فتخلص من شق الصفوف حتى وصل إلى الصف الأول. انتهى. قال شيخنا: في رواية عبد العزيز: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقاً حتى قام في الصف الأول، ولمسلم: فخرَق الصفوف حتى قام عند الصف الْمُقَدَّم.
قوله: (فَصَفَّقَ النَّاسُ) بتشديد الفاء، من التصفيق. قال الكِرماني: التصفيق الضربُ الذي يُسمَع له صوت، والتصفيق باليد التصويتُ بها. انتهى. قال العيني: التصفيق هو التصفيحُ بالحاء سواءٌ صفَّق بيده أو صفح. وقيل: هو بالحاء الضربُ بظاهر اليد إحداهما على صفحة الأخرى، وهو للإنذار والتنبيه. وبالقاف: ضرب إحدى الصفحتين على الأخرى، وهو لَّلهو واللعب. وقال أبو داود: قال عيسى بن أيوب: التصفيحُ للنساء ضربٌ بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى. وقال الداودي: في بعض الروايات: فصفَّح القوم. وإنما التصفيح للنساء. يحتمل أنهم ضربوا أكفهم على أفخاذهم. قال العيني: في رواية عبد العزيز: فأخذ الناس في التصفيح، قال سهل: أتدرون ما التصفيح؟ هو التصفيق. قال شيخنا: وهذا
(1)
في (الأصل) : ((عبد الرزاق)) والصواب ((عبد العزيز)).
يدل على ترادفهما عنده فلا يلتفت إلى ما يخالف ذلك، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد إن شاء الله تعالى.
قوله: (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ
(1)
) وذلك لعلمه بالنهي عن ذلك. وفي صحيح ابن خزيمة: سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته فقال: ((هو اختلاسٌ يختلسه الشيطانُ من صلاة الرجل)). قال شيخنا: وسيأتي في بابٍ مفرد في صفة الصلاة.
قوله: (فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ) وفي رواية حماد بن زيد: (فَلَمَّا رَأَىْ التَّصْفِيْحَ لَا يُمْسَكُ عَنْهُ الْتَفَتَ).
قوله: (فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ) كلمة (أَنِ)، مصدرية، والمعنى: فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بالْمَكث في مكانه. وفي رواية عبد العزيز: (فَأَشَاْرَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ)، وفي رواية عمر بن علي:(فَدَفَعَ فِيْ صَدْرِهْ لِيَتَقَدَّمَ فَأَبَىْ).
قوله: (فَرَفَعَ
(2)
أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ). ظاهرُه أنه حمِد الله بلفظه صريحاً، لكن في رواية الحميدي عن سفيان:(فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ شُكْرَاً لِلّهِ وَرَجَعَ القَهْقَرَى)، وادعى ابن الجوزي أنه أشار بالشكر والحمد بيده ولم يتكلم، وليس في رواية الحميدي ما يمنع أن يكون بلفظ، ويقوي ذلك ما رواه أحمد في رواية عبد العزيز الماجِشون عن أبي حازم:((يا أبا بكر لم رفعت يديك؟ وما منعك أن تثبت حين أشرت إليك؟)) قال: رفعتُ يديَّ لأنِّي حمدتُ الله على ما رأيت منك. وزاد المسعودي: فلما تنحى تقدم النبي صلى الله عليه وسلم. ونحوُه في رواية حماد بن زيد.
قوله: (فَلَمَّا انْصَرَفَ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة.
قوله: (إِذْ أَمَرْتُكَ) أي حين أمرتك.
قوله: (لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ) بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف فاء، واسمه عثمان بن عامر القرشي، أسلم عام الفتح، عاش إلى خلافة عمر رضي الله عنه، ومات سنة أربع عشرة، وإنما لم يقل أبو بكر: ما لي، أو: ما لأبي بكر تحقيراً لنفسه واستصغاراً لمرتبته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تقدمت ترجمته أيضاً في باب الخوخة والممر في المسجد.
قوله: (أَنْ يُصَلِّيَ). في رواية الحمَّاديْن والماجِشون: (أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والمراد بين يدي: القُدَّامُ. وقال الكِرماني: أو لفظُ يدي مقحم
(3)
. قال العيني: إذا كان لفظ: يدي مقحماً لا ينتظم المعنى على ما لا يخفى.
قوله: (أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ) ظاهرُه أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه. قال شيخنا: وسيأتي البحث فيه.
قوله: (مَنْ نَابَهُ) أي من أصابه.
قوله: (فَلْيُسَبِّحْ) أي فليقل: سبحان الله، وكذا هو في رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم (فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ الله) وسيأتي في باب الإشارة في الصلاة.
قوله: (التُفِتَ) بضم المثناة على صيغة المجهول وفي رواية يعقوب المذكورة: (فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَاّ الْتَفَتَ).
قوله: (وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) وفي رواية عبد العزيز: (وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ)، زاد الحميدي:(وَالتَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ). وقد روى المصنف هذه الجملة الأخيرة مقتصرا عليها من رواية الثوري عن أبي حازم كما سيأتي في باب التصفيق للنساء،
(1)
في (الأصل) : ((صلاة)) والصواب ((صلاته)).
(2)
في (الأصل) : ((فوقع)) والصواب ((فرفع)).
(3)
في (الأصل) : ((معجم)) والصواب ((مقحم)).
ووقع في رواية حماد بن زيد بصيغة الأمر، ولفظه:(إِذَا نَابَكُمْ أَمْرٌ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ).
في هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة القطيعة، وتوجُّهُ الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك، وتقديمُ مثل ذلك على مصلحة الإمام بنفسه. واستُنبِط منه توجهُ الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رَجَحَ ذلك على استحضارهم.
وفيه: جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدُهما بعد الآخر، وأَنَّ الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيرَه، وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبُه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصيرَ النائبُ مأموماً من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطُل بشيءٍ من ذلك صلاةُ أحدٍ من المأمومين. وادعى ابنُ عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الإجماعَ على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم، ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيحُ المشهور عند الشافعية: الجوازُ، وعن ابن القاسم في الإمام يُحِدثُ فيستخلفُ ثم يرجع فيَخرُج المستخلَف ويُتِمُّ الأول: أن الصلاة صحيحةٌ. قال العيني: هذا خَرْقُ الإجماعِ السابقِ قَبْلَ هؤلاء الشافعية، وَخَرْقُ الإجماع باطل. انتهى.
وفيه: جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماماً وفي بعضها مأموماً، وأن من أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطعٍ لصلاتِه، كذا استنبطه الطبري من هذه القصة، وهو مأخوذ من لازم جواز إحرام الإمام بعد المأموم. قال العيني: هذا قول غير صحيح يَرُدُّهُ قوله عليه السلام: ((إذا كبَّر الإمامُ فكبروا))، ولفظ البخاري:((فإذا كبَّرَ فكبروا))، وقد رَتب تكبير المأموم على تكبير الإمام فلا يصح أن يسبقه. وقال ابن بطال: لا أعلم من يقول: إن من كبر قبل إمامه فصلاته تامة إلا الشافعي بناء على مذهبه، وهو أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الإمام، وسائر الفقهاء لا يجيزون ذلك. انتهى. قلت: الحديث حجة على من خالفَ الشافعيَّ رحمه الله.
وفيه: فضل أبي بكر على جميع الصحابة، واستدل به جمع من الشرَّاح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره. وعلى جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب إمامهم، قالوا: ومحل ذلك إذا أُمِنت الفتنةُ والإنكار من الإمام، وأن الذي يتقدم نيابةً عن الإمام يكون أصلحَهم لذلك الأمر وأقومَهم به، وأن المؤذن وغيره يعرِض التقدم على الفاضل، وأنَّ الفاضل يوافقُه بعد أن يعلمَ أن ذلك بِرِضَى الجماعة. انتهى. وكل ذلك مبني على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أن الإقامة واستدعاء الإمامِ مِن وظيفةِ المؤذن. وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام. وأنَّ فِعْلَ ذلك - لا سيما العصر - مِن