الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البخاري أيضًا عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن يحيى بن يحيى، وأخرجه النَّسائي فيه عن سُوَيد بن نصر عن ابن المبارك.
فإن قلت: هذا الحديث مسند أو موقوف؟ قال شيخنا: وإخراج المُصَنِّف لهذا الحديث مشعر بأنَّه كان يرى أنَّ قول الصحابي: كنَّا نفعل كذا، مسندٌ ولو لم يصرِّح بإضافته إلى زمن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو اختيار الحاكم، وقال الدَّارَقُطْني والخطيب وغيرهما: هو موقوف، والحقُّ: إنَّه موقوف لفظًا مرفوع حُكمًا؛ لأنَّ الصحابي أورده في مقام الاحتجاج، فيُحمل على أنَّه أراد كونه في زمن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقد روى ابن المبارك هذا الحديث عن مالك فقال فيه: ((كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي العصر)) الحديث أخرجه النسائي.
قوله: (إِلَى بَنِي عَمْرو بنِ عَوْفٍ) -بفتح العين وسكون الواو وبالفاء- وكانت منازلهم على ميلين من المدينة بقباء، قال النَّوَوي: وكانوا يصلُّون العصر في وسط الوقت؛ لأنَّهم كانوا يشتغلون بأعمالهم وحروثهم، فدلَّ الحديث على تعجيل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بصلاة العصر في أوَّل وقتها. وسيأتي في طريق الزُّهْري عن أنس: أنَّ الرجل كان يأتيهم والشمس مرتفعة. قال العَيني: إنَّما يدلُّ ذلك على ما ذكره إذا كان الحديث مرفوعًا قطعًا، وقد ذكرنا أنَّ في مثل هذا خلافًا: هل هو موقوف أو في حكم المرفوع؟
549 -
قوله: (حَدَّثَنَا ابنُ مُقَاتِلٍ) أي محمَّد أبو الحسن المَرْوَزي المجاور بمكَّة شرَّفها الله تعالى، وقد تقدَّم عن قريب.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ) أي ابن المبارك المتقدِّم قريبًا أيضًا.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا أَبُو بَكْرِ بنُ عُثْمَانَ) أي ابن سهل بن حُنيف -بضمِّ الحاء المهملة وفتح النُّون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء- الأنصاريُّ الأوسيُّ، سمع عمَّه أبا أمامة، مات سنة مائة.
قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ) -أي بضمِّ الهمزة- واسمه: أسعد بن سهل، المولود في عهد النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي على الأصحِّ.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك في موضعين، وفيه القول والسَّماع، وفيه رواية الصَّحابي عن الصَّحابي، وفيه راويان مروزيان والبقية مدنيون.
قوله: (يَقُوْلُ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَر بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الظُّهْرَ) ترجمته في كتاب الإيمان.
قوله: (ثُمَّ خَرَجْنَا حتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَس بنِ مَالِكٍ) أي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترجمته في باب من الإيمان أن يحبَّ.
قوله: (فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَا هَذِهِ [الصَّلَاةُ]
(1)
الَّتي صَلَّيتَ؟ قَالَ: العَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاةُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ) مطابقته للترجمة ظاهرة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة عن مَنْصور بن أبي مُزاحم، وأخرجه النَّسائي فيه عن سُوَيد بن نصر كلاهما عن عبد الله بن المبارك.
قوله: (دَخَلْنَا عَلَى أَنَس بنِ مَالِكٍ) وداره كانت بجنب المسجد.
قوله: (يَا عَمِّ) بكسر الميم، وأصله: يا عمي، فحذفت الياء، وهذا من باب التوقير والإكرام لأنس، ولكونه أكبر سنًّا منه، مع أنَّ نسبهما يجتمع في الأنصار، ولكنَّه ليس عمَّه على الحقيقة.
قوله: (مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ) أي ما هذه الصَّلاة في هذا الوقت؟ والإشارة فيه بحسب
(1)
الصلاة: ليس في الأصل.
تلك الصَّلاة لا بحسب شخصها، قال النَّوَوي: هذا الحديث صريح في التبكير لصلاة العصر في أوَّل وقتها؛ فإن وقتها يدخل بمصير ظلِّ كلِّ شيء مثله، ولهذا كان الآخرون يؤخِّرون الظهر إلى ذلك الوقت، وإنما أخَّرها عُمَر بن عبد العزيز رضي الله عنه على عادة الأمراء قبله قبل أن تبلغه السنَّة في تقديمها، ويحتمل أنَّه أخَّرها لعذرٍ عرضَ له، وهذا كان حين ولي عُمَر المدينة نيابةً، لا في خلافته؛ لأنَّ أنسًا توفي قبل خلافته بنحو تسع سنين. انتهى. قال العَيني: ليس فيه تصريح في التبكير لصلاة العصر، ومثل عُمَر بن عبد العزيز كان يتبع الأمراء ويترك السنَّة. انتهى.
قلت: لم يقل: إنَّه تبع الأمراء وترك السنَّة، وإنما قال: قبل أن تبلغه السنَّة في تقديمها، وإن لم يكن فيه صراحةً بالتبكير، لكن يلزم من كون صلاتهم مع عُمَر ثمَّ دخولهم على أَنَس ودارُه بجنب المسجد فوجدوه يصلِّي العصر إنَّه بكَّر بها. انتهى.
قال شيخنا: وفي القصَّة دليل على أنَّ عُمَر بن عبد العزيز كان يصلِّي الصَّلاة في آخر وقتها تبعًا لسلفه إلى أن أنكر عليه عُرْوَة فرجع إليه كما تقدَّم، وإنما أنكر عليه عُرْوَة في العصر دون الظهر؛ لأن وقت الظُّهر لا كراهةَ فيه بخلاف وقت العصر، وفيه دليل على صلاة العصر في أوَّل وقتها أيضًا، وهو عند انتهاء وقت الظهر، ولهذا تشكَّك أبو أمامة في صلاة أَنَس أهي الظهر أو العصر، فيدلُّ أيضًا على عدم المفاصلة بين الوقتين.
(13 م)
(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)
كذا في رواية المُسْتَمْلي دون غيره، قال شيخنا: وهو خطأ؛ لأنَّه تكرار بلا فائدة. انتهى.
550 -
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) أي الحكم بن نافع البَهراني الحمصي، ترجمته في كتاب الوحي.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا شُعَيْبٌ) أي ابن أبي حمزة، ترجمته في بدء الوحي أيضًا.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ) أي محمَّد بن مسلم، ترجمته في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَس بنُ مَالِكٍ) تقدَّم آنفًا رضي الله عنه.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع آخر، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في موضع، وفيه القول، وفيه من الرُّواة حمصيَّان ومدني.
قوله: (قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلى العَوَالِي فَيَأْتِيْهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ العَوَالِي مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ ونَحْوِهِ).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا الحديث أخرجه مسلم عن هارون بن سعيد عن ابن وَهْب عن عَمْرو بن الحارث عن الزُّهْري عن أَنَس، وأخرجه أيضًا عن قُتَيْبَة ومحمَّد بن رمح، وأخرجه أبو داود والنَّسائي عن قتيبة، وأخرجه ابن ماجَهْ عن محمَّد بن رمح.
قوله: (وَالشَّمْسُ) الواو فيه للحال، وقد مرَّ في تفسير قوله:(حَيَّةٌ).
قال شيخنا: وقوله بعد ذلك: (فَنَأْتِيْهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) أي دون ذلك الارتفاع، ولكنها لم تصل إلى الحدِّ الذي توصف به لأنَّها منخفضة، وفي ذلك دليل على تعجيله صلى الله عليه وسلم بصلاة العصر لوصف الشَّمس بالارتفاع بعد أن تمضي مسافة أربعة أميال.
وروى النَّسائي والطَّحاوي واللفظ له من طريق أبي الأبيض عن
أَنَس قال: ((كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي بنا العصرَ والشَّمسُ بيضاءٌ محلقةٌ، ثمَّ أرجعُ إلى قومي في ناحيةِ المدينةِ فأقولُ لهم: قومُوا فصلُّوا؛ فإنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صلَّى)) قال الطَّحاوي: نحن نعلم أنَّ أولئك - يعني قوم أنس- لم يكونوا يصلُّونها إلَّا قبل اصفرار الشَّمس، فدلَّ ذلك على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يعجلها. انتهى.
قوله: (العَوَالِي) جمع عالية، وهي القرى الَّتي حول المدينة من جهة البحر، وأما من جهة تهامة فيقال لها: السافلة.
قوله: (وَبَعْضُ العَوَالِي مِنَ المَدِيْنَةِ
…
) إلى آخره، قال الكِرْماني: إما كلام البخاري وإما كلام أنس، قال العَيني: الظَّاهر إنَّه من الزهري. وجزم شيخنا إنَّه مدرج من كلام الزهري، في حديث أَنَس بيَّنه عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن الزُّهْري في هذا الحديث فقال فيه بعد قوله:(والشَّمْسُ حَيَّةٌ) قال الزُّهْري: والعوالي من المدينة على ميلين أو ثلاثة، ولم يقف الكِرْماني على هذا فقال ذلك على عادته. انتهى.
وروى البَيْهَقي حديث الباب من طريق أبي بكر الصَّغاني عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه، وقال في آخره:((وبُعْدُ العَوَالِي)) -بضمِّ الباء الموحدة وبالدال المهملة- وكذلك أخرجه المُصَنِّف في الاعتصام تعليقًا، ووصله البَيْهَقي من طريق اللَّيث عن يُونُس عن الزُّهْري لكن قال:((أربعة أميال أو ثلاثة)).
وروى هذا الحديث أبو عَوانة في «صحيحه» وأبو العبَّاس السَّرَّاج جميعًا عن أحمد بن الفَرَج أبي عُتْبَة عن محمَّد بن حِمير عن إبراهيم بن أبي عَبْلة عن الزُّهْري ولفظه: ((والعوالي منَ المدينةِ على ثلاثةِ أميالٍ))، وأخرجه الدَّارَقُطْني عن المُحاملي عن أبي عُتْبَة المذكور بسنده المذكور، فوقع عنده:((على ستَّة أميالٍ))، ورواه عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن الزُّهْري فقال فيه:((على مِيلَين أو ثلاثة))، فيحصل من ذلك أنَّ أقرب العوالي من المدينة مسافة ميلين، وأبعدها مسافة ستَّة أميال إن كانت رواية المُحاملي محفوظة، ووَقَعَ في «المدونة» عن مالك: أبعد العوالي مسافة ثلاثة أميال، قال عياض: كأنَّه أراد تعظيم عمارتها، وإلا ما بعدها ثمانية أميال. انتهى. وبذلك جزم ابن عبد البرِّ وغير واحد آخرهم صاحب «النِّهاية» ، ويحتمل أنَّه يكون أراد إنَّه أبعد الأمكنة الَّتي يذهب إليها الذاهب في هذه الواقعة.
قال العَيني: عُلِمَ من هذه الاختلافات أنَّ أقرب العوالي من المدينة مسافة ميلين، وأبعدها ثمانية أميال، وأمَّا الثلاثة والأربعة والستَّة باعتبار القرب والبعد من المدينة، وبهذا الوجه يحصل التوفيق بين هذه الرِّوايات.
والميل: ثلث فرسخ، أربعة آلاف ذراع بذراع محمَّد بن فرج الشَّاشي، طولها أربعة وعشرون إصبعًا بعدد حروف (لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله) وعرض الإصبع ستّ حبات شعير ملصقة ظهرًا لبطن وزنة الحبة من الشعير سبعون حبَّة خردل، وفسَّر أبو شجاع الميل بثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة دراهم إلى أربعة آلاف ذراع، وفي «الينابيع» : الميل ثلث الفرسخ، أربعة آلاف خطوة، كلُّ خطوة ذراع ونصف بذراع العامَّة، وهو أربعة وعشرون إصبعًا.
551 -
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ) أي التَّنِّيسي، ترجمته في بدء الوحي.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا مَالِكٌ) أي ابن أنس، ترجمته في البدء أيضًا.
قوله: (عَنِ ابنِ شِهَابٍ) أي محمَّد بن مسلم،
تقدَّم عن قريب.
قوله: (عَنْ أَنَس بنِ مَالِكٍ) تقدَّم عن قريب أيضًا.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول.
قوله: (كُنَّا نُصَلِّي العَصْرَ، ثمَّ يَذهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ فَنَأْتِيْهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ).
قوله: (كُنَّا نُصَلِّي العَصْرَ) أي مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كما يظهر ذلك من الطرق الأخرى، وقد رواه خالد بن مَخْلَد عن مالك كذلك مصرحًا به، أخرجه الدَّارَقُطْني في «غرائبه» .
قوله: (ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى) وكأنَّ أنسًا أراد بالذاهب نفسَه كما تُشعر بذلك رواية أبي الأبيض المتقدِّمة، وقال ابن عبد البرِّ: لم يختلف على مالك أنَّه قال في هذا الحديث: (إلى قباء)، ولم يتابعه أحد من أصحاب الزُّهْري، بل كلُّهم يقولون:((إِلَى العَوَالِي))، وهو الصَّواب عند أهل الحديث، قال: وقول مالك: (إِلَى قُبَاءٍ) وَهْمٌ لا شكَّ فيه، وتعقِّب بأنَّه روي عن ابن أبي ذئب عن الزُّهْري:((إِلَى قُبَاءٍ)) كما قال مالك، نقله الباجي عن الدَّارَقُطْني، فنسبة الوهم فيه إلى مالك منتفي؛ فإنَّه إن كان وهمًا احتمل أن يكون منه، واحتمل أن يكون من الزُّهْري حين حدَّث به مالكًا، وقد رواه خالد بن مَخْلَد عن مالك فقال فيه:((إِلَى العَوَالِي)) كما قال الجماعة، فقد اختلف فيه على مالك، وتوبع عن الزُّهْري، بخلاف ما جزم به ابن عبد البرِّ، وأما قوله: الصَّواب عند أهل الحديث: (العَوَالِي) فصحيح من حيث اللفظ، ومع ذلك فالمعنى متفاوت، لكن رواية مالك أخصُّ؛ لأنَّ قباء من العوالي وليس العوالي كلَّ قباء، ولعل مالكًا لما رأى في رواية الزُّهْري إجمالًا حملها على الرواية المفسِّرة، وهي روايته المتقدِّمة عن إِسْحاق حيث قال فيها:((ثُمَّ يَخْرُجُ الإنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرو بنِ عَوْفٍ)) وقد تقدَّم أنَّهم أهل قباء، فبنى مالك على أنَّ القصَّة واحدة؛ لأنَّهما جميعًا حدَّثاه عن أَنَس والمعنى متقارب.
قال شيخنا: فهذا الجمع أولى من الجزم بأن مالكًا وهم فيه وأمَّا استدلال ابن بطَّال على أنَّ الوهم فيه ممن دون مالك برواية خالد بن مَخْلَد المتقدِّمة الموافقة لرواية الجماعة عن الزُّهْري ففيه نظرٌ لأن مالك أثبته في «الموطأ» باللَّفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه، فرواية خالد بن مَخْلَد عنه شاذَّة، فكيف تكون دالة على أنَّ رواية الجماعة وهمٌ؟! بل إن سلَّمنا إنَّها وهمٌ فهو من مالك كما جزم به البخاري والدَّارَقُطْني ومن تبعهما، أو من الزُّهْري حين حدَّث به، والأولى سلوك طريق الجمع الَّتي أوضحناها، والله الموفق. قال ابن رُشْد: قضى البخاري بالصَّواب لمالك بأحسن إشارة وأوجز عبارة؛ لأنَّه قدَّم أولًا المجمل ثمَّ أتبعه بحديث مالك المفسِّر المُعَيِّن.
قوله: (إِلَى قُبَاءٍ) تقدَّم ضبطه في باب ما جاء في القبلة.
قوله: (فَنَأْتِيْهِمْ) أي فيأتي أهل قُباء، وهو على حدِّ قوله:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} [يوسف: 82] والله أعلم.
قوله: (وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) الواو فيه للحال، قال النَّوَوي: في الحديث المبادرة بصلاة العصر في أوَّل وقتها؛ لأنَّه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين أو أكثر والشمس لم تتغير، ففيه دليل للجمهور في أنَّ أوَّل وقت العصر مصير كلِّ شيء مثله خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، وقد مضى ذلك في الباب
الذي قبله.
(14)(بَابُ إِثْمِ مَنْ فَاتَهُ العَصْرُ) أي هذا باب في بيان إثم من فاتته صلاة العصر، والمراد بفواتها: تأخيرها عن وقت الجواز بغير عذر؛ لأنَّ ترتب الإثم على ذلك، وسيأتي البحث في ذلك.
552 -
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنا مَالِكٌ) تقدَّم التنبيه عليهما في الباب السابق.
قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي ابن جرجس مولى ابن عمر، ترجمته في باب العلم والفتيا في المسجد.
قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ) أي ابن الخطَّاب، ترجمته في كتاب الإيمان.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك، وفيه العنعنة في موضعين.
قوله: (أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الَّذِي تَفُوْتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ).
هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنَّسائي أيضًا من طريق مالك، وأخرجه الكَشِّي من حديث حمَّاد بن سلمة عن نافع وزاد في آخره:((وهو قاعدٌ))، وكذا رواه النَّسائي عن نَوفَل بن معاوية كرواية ابن عُمَر، وفي «الأوسط» للطَّبَراني: أنَّ نوفلًا رواه عن أبيه معاوية بلفظ: ((لأنْ يوتَر أحدُكم أهلَه ومالَه خيرٌ له من أن تفوتَه صلاةُ العصرِ))، وقال الذَّهَبي: نَوفَل بن معاوية الدِّيلي شهد الفتح، وتوفِّي بالمدينة زمن يزيد، روى عنه جماعة، وقال في باب الميم: معاوية بن نَوفَل الدِّيلي صحابي روى عنه أبيه.
قوله: (الَّذِي تَفُوْتُهُ) قال ابن بَزبزَة: فيه ردٌّ على من كره أن يقول: فاتتنا الصلاة.
قوله: (صَلَاةُ العَصْرِ) في رواية الكُشْمِيهَني، وفي رواية غيره:<يَفُوْتُهُ العَصْرُ>.
قوله: (كَأَنَّمَا) كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكُشْمِيهَني: <فَكَأَنَّمَا> بالفاء، قال العَيني: والمبتدأ إذا تضمَّن معنى الشرط جاز في خبره الفاء وتركها. انتهى.
قوله: (وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ) بنصب اللَّامين في رواية الأكثرين؛ لأنَّه مفعول ثان لقوله: (وُتِرَ) وهو على صيغة المجهول، والضمير فيه يرجع إلى قوله:(الَّذِي تَفُوْتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ) وهو المفعول الأوَّل، قلت: قول العيني: والضمير فيه يرجع إلى قوله: (الَّذِي) إذا نظر إليه من ليس له إلمام كبير بتراكيب الكلام يظنُّ أنَّ الضَّمير يرجع إلى الجملة الداخل عليها (إِلَى) وليس كذلك، وإنما الضَّمير يرجع إلى (الَّذِي) فقط، وقد سلم شيخنا من ذلك، فإنَّه قال: وأضمر في (وُتِرَ) مفعولٌ لم يُسَمَّ فاعلُه، وهو عائد على الذي فاتته، فالمعنى: أصيب بأهله وماله، وهو متعدٍّ إلى مفعولين، ومثله قوله تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] وإلى هذا أشار المُصَنِّف فيما وَقَعَ في رواية المُسْتَمْلي، قال أبو عبد الله:(يَتِرَكُمْ). انتهى.
فإن قلت: الفعل الذي يقتضي مفعولين يكون من أفعال القلوب، و (وُتِرَ) ليس منها، قال العَيني: إذا كان أحد المفعولين غير صريح يأتي أيضًا من غير أفعال القلوب وههنا كذلك، و (وُتِرَ) ههنا متعدٍّ إلى مفعولين بهذا الوجه، وذلك كما في قوله تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] أي لن ينقصكم أعمالكم، فعلى هذا المعنى في (وُتِرَ) نُقِصَ، من: وترته إذا نقصته، فكأنَّك جعلته وترًا بعد أن كان كثيرًا، وقيل: معناه هنا: سُلب أهلَه وماله فبقي وترًا ليس له أهل ولا مال، وقال النَّوَوي: روي برفع اللامين. قال العَيني: هي رواية المُسْتَمْلي ووجها: إنَّه لا يضمر شيء في (وُتِرَ)، بل يقوم الأهل مقام ما لم يُسم فاعله، وماله عطف عليه. وقال ابن الأثير: مَن ردَّ النقصَ
إلى الرجل نصبها، ومن رده إلى الأهل والمال رفعهما، وقيل: معناه: وتر في أهله، فلمَّا حذف الخافض انتصب، وقيل: إنَّه بدل اشتمال أو بدل بعض، ومعناه: انتزع منه أهله وماله. وقال الجوهري: الموتَر: الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه، تقول منه: وتَره يتِره وَترًا ووِترًا وتِرَةً.
قال العَيني: أصل تِرة وِترة، فحذفت منها الواو تبعًا لفعله المضارع وهو يَتِر؛ لأنَّ أصله يوتر، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، فلما حذفت الواو في المصدر عوض عنها التَّاء كما في عدة.
وتكلَّموا في معنى هذا الحديث، فقال الخطَّابيُّ: نقص هو وأهله وماله وسلبهم فبقي بلا أهل ولا مال، فالتحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله. وقال أبو عُمَر: معناه: كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترًا، وهي الجناية الَّتي تطلب ثأرها، فيجتمع عليه غمّان: غمُّ المصيبة ومقاساة طلب النَّار. وقال الداودي: يتوجَّه عليه من الاسترجاع ما يتوجَّه على من فقد أهله وماله، فيتوجَّه عليه النَّدم والأسف لتفويته الصَّلاة. وقيل: معناه: فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف كما يلحق من ذهب أهله وماله.
ثم اختلفوا في المراد بفوات العصر في هذا الحديث، فقال ابن وَهْب وغيره: هو فيمن لم يصلِّها في وقتها، وقال الأَصِيلي وسَحْنون: هو أن تفوته بغروب الشَّمس، وقيل: أن يفوتها إلى أن تصفرَّ الشَّمس، قال العَيني: وقد ورد مفسَّرًا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث، قال: وفواتها أن تدخل الشَّمس صفرةٌ.
قال شيخنا: ومما يدلُّ على أنَّ المراد بتفويتها إخراجها عن وقتها ما وَقَعَ في رواية عبد الرزاَّق، فإنَّه أخرج هذا الحديث عن ابن جُرَيج عن نافع فذكر نحوه وزاد: قلت لنافع: حتَّى تغيب الشَّمس؟ قال: نعم. وتفسير الرَّاوي إذا كان فقيهًا أولى من غيره. انتهى.
وروى سالم عن أبيه إنَّه قال: هذا فيمن فاتته ناسيًا. وقال الدَّاوُدي: هو في العامد، وكأنَّه أظهرُ؛ لما في البخاري:((مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ))، وهذا ظاهر في العمد.
قلت: تعليل العَيني بهذا الحديث فيه نظر؛ لأنَّ معناه غير معنى حديث الباب، فلا شكَّ أنَّ فقد الأهل والمال أهون من أن يحبط العمل، والله أعلم. انتهى.
وقال المُهَلَّب: هو فواتها في الجماعة؛ لما يفوته من شهود الملائكة اللَّيلية والنَّهاريَّة، ولو كان فواتها بغيبوبة أو اصفرار لبطل الاختصاص؛ لأنَّ ذهاب الوقت كلِّه موجود في كلِّ صلاة. وقال أبو عُمَر: يحتمل أن يكون تخصيص العصر لكونه جوابًا لسائل سأل عن صلاة العصر، وعلى هذا يكون حكم من فاته الصُّبح بطلوع الشَّمس والعشاء بطلوع الفجر كذلك.
وخصَّت العصرُ لفضلها ولكونها مشهودة، وقيل: خُصَّتْ بذلك تأكيدًا وحضًّا على المثابرة عليها؛ لأنَّها تأتي في وقت اشتغال الناس، وقيل: يحتمل إنَّها خُصَّتْ بذلك لأنَّها على الصحيح إنَّها الصَّلاة الوسطى وبها تختم الصلوات، واعترض النَّوَوي لابن عبد البرِّ في قوله: فعلى هذا يكون حكم من فاته الصُّبح إلى آخره؛ أنَّ غير المنصوص إنَّما يلحق بالمنصوص إذا عرفت العلَّة واشتركا فيها، قال: والعلَّة في هذا الحكم لم تتحقق فلا يلحق غير العصر بها. انتهى.
قال العَيني: لقائل أن يحتجَّ لابن
عبد البرِّ بما رواه ابن أبي شَيْبَة وغيره من طريق أبي قِلابة عن أبي الدرداء مرفوعًا: ((مَنْ تركَ صلاةً مكتوبةً حتَّى تفوتَهُ)) الحديث، قال شيخنا: في إسناده انقطاع؛ لأن أبا قِلابة لم يسمع من أبي الدرداء، وقد روى أحمد حديث أبي الدرداء بلفظ:((مَنْ تركَ العصرَ)) فرجع حديث أبي الدرداء إلى تعيين العصر.
قلت: روى ابن حبَّان وغيره عن نَوفَل بن معاوية مرفوعًا: ((مَنْ فاتتَهُ الصَّلاة فكأنَّما وترَ أهلَه ومالَه)) وهذا يشمل جميع الصَّلوات المكتوبات، ولكن روى الطَّبَرَاني هذا الحديث - أعني حديث الباب- من وجه آخر وزاد فيه عن الزُّهْري: قلت لأبي بكر - يعني ابن عبد الرحمن -وهو الذي حدَّثه به: ما هذه الصلاة؟ قال: العصر. ورواه ابن أبي خيثمة من وجه آخر، فصرَّح بكونها العصر في نفس الخبر، ورواه الطَّحاوي والبَيْهَقي من وجه آخر، وفيه أنَّ التفسير من قول ابن عُمَر رضي الله عنهما.
واعترض ابن التِّين على قول المُهَلَّب المذكور عن قريب: بأنَّ الفجر أيضًا فيها شهود الملائكة اللَّيليَّة والنَّهاريَّة، فلا يختصُّ العصر بذلك، قال: والحقُّ أنَّ الله تعالى يخصُّ ما شاء من الصَّلوات بما شاء من الفضيلة.
وبوَّب التِّرْمِذي على حديث الباب: ما جاء في السَّهو عن وقت العصر، فحمله على السَّاهي، قال العَيني: لا تطابق بين ترجمته وبين الحديث؛ فإنَّ لفظ الحديث (الَّذِي تَفُوْتُهُ) أعمُّ من أن يكون ساهيًا أو عامدًا، وتخصيصه بالساهي لا وجه له، بل القرينة دالة على أنَّ المراد بهذا الوعيد في العامد دون السَّاهي. قال شيخنا: ويؤخذ منه التنبيه على أنَّ أسف العامد أشدُّ؛ لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم.
قال ابن عبد البرِّ: في هذا الحديث إشارة إلى تحقير الدُّنْيا وأنَّ قليل العمل خير من كثير منها وقال ابن بطَّال: لا يوجد حديث يقوم مقام هذا الحديث؛ لأنَّ الله تعالى قال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] قال: ولا يوجد حديث فيه تكييف المحافظة غير هذا الحديث. انتهى.
قوله: (قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ) أي البخاري نفسه، ترجمته في مقدِّمة الشَّرح.
قوله: (يَتِرَكُمْ) وترت الرجل إذا قتلت له قتيلًا وأخذت ماله، وقد تقدَّم أنَّ البخاري أشار بهذا إلى لفظة (يَتِرَكُمْ) في قوله تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم} [محمد: 35] حيث نصب (يَتِرَ) مفعولين أحدهما كاف الخطاب والثاني لفظ: (أعمالَكم) وإنَّه متعدٍّ إلى مفعولين، وهذا يؤيِّد نصب اللَّامين في الحديث، وأشار بقوله: وترت الرجل، إلى أنَّه يتعدَّى إلى مفعول واحد، وهو يؤيِّد رواية المُسْتَمْلي.
(15)(بَابُ إِثْمِ مَنْ تَرَكَ العَصْرَ) أي هذا باب في بيان إثم من ترك صلاة العصر، قيل: لا فائدة في هذا التبويب؛ لأنَّ الباب السَّابق يغني عنه، وكان ينبغي أن يذكر حديث هذا الباب في الباب الذي قبله؛ لأنَّ كلًّا منهما في الوعيد، قال العَيني: بينهما فرَّق دقيق، وهو أنَّهم قد اختلفوا في المراد في معنى التفويت. قال ابن رُشَيد: أجاد البخاري رحمه الله حيث اقتصر على صدر الحديث فأبقى فيه محلًّا للتأويل. انتهى. قلت: أي اقتصر في الترجمة على صدر الحديث. انتهى.
553 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ) أي الأَزْدي الفراهيدي البصري القصَّاب، يكنَّى أبا عَمْرو، ترجمته.
في باب زيادة الإيمان
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ) أي ابن أبي عبد الله الدَّسْتُوائي، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (قالَ: أَخْبَرَنا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ) أي صالح بن المتوَّكل، ترجمته في باب كتابة العلم.
قوله: (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) أي -بكسر القاف- عبد الله بن زيد الجَرْمي، ترجمته في باب حلاوة الإيمان.
قوله: (عَنْ أَبِي المَلِيْحِ) -أي بفتح الميم وكسر اللَّام وبالحاء المهملة- واسمه عامر بن أسامة الهُذَلي، مات سنة ثمان وتسعين.
قوله: (قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ) أي -بضمِّ الباء الموحَّدة وفتح الرَّاء وسكون الياء آخر الحروف، وبالدَّال المهملة- ابن الحُصَيب -بضمِّ الحاء المهملة وفتح الصَّاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره باء موحَّدة- الأَسْلمي، رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثًا، للبخاري منها ثلاثة، مات غازيًا بمرو وهو آخر من مات من الصحابة بخراسان سنة اثنتين وستين.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع باتفاق الرُّواة عن مسلم بن إبراهيم، وفيه التَّحديث بصيغة الجمع عن هشام عند أبي ذرٍّ، وعند غيره:(أَخْبَرَنَا) بصيغة الجمع، وفيه الإخبار بصيغة الجمع عن يحيى عند أبي ذرٍّ، وعند غيره:(حَدَّثَنَا) وفيه العنعنة عن أبي قِلابة عن أبي المليح، وعند ابن خُزَيمَة من طريق أبي داود الطَّيالِسي عن هشام عن يحيى: أنَّ أبا قِلابة حدَّثه، وعند البخاري في باب التبكير بالصلاة في يوم الغيم عن حمَّاد بن فَضَالة عن هشام عن يحيى عن أبي قِلابة:(أنَّ أَبَا المَلِيْحِ حَدَّثَهُ). قال شيخنا: وسقط عند الأَصِيلي ابن إبراهيم من قوله: حدَّثنا مسلم بن إبراهيم.
وفيه ثلاثة من التَّابعين على الولاء، وفيه أنَّ الرُّواة كلُّهم بصريون، وفيه القول في ثلاثة مواضع.
قوله: (فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِيْ غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ العَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ).
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا عن معاذ بن فَضَالة، وأخرجه النَّسائي في الصَّلاة أيضًا، عن عُبَيْد الله بن سعيد عن يحيى عن هشام به، ورواه ابن خُزَيمَة كما رواه البخاري، وأخرجه ابن ماجَهْ وابن حبَّان من حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قِلابة عن أبي المهاجر عنه، قال ابن حبَّان: وهم الأوزاعي في تصحيفه عن يحيى فقال: عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المُهَلَّب عمُّ أبي قِلابة عن عمِّه عنه على الصَّواب. واعترض عليه أيضًا المقدسي فقال: الصَّواب أبو المَليح عن أبي بُرَيدة.
قوله: (ذِيْ غَيْمٍ) صفة يوم، ومحلُّ (فِي غَزْوَةٍ) و (فِي يَوْمٍ) نصب على الحال، وإنَّما خصَّ يوم الغيم لأنَّه مظنَّة التأخير؛ لأنَّه ربَّما يشتبه عليه فيخرج الوقت بغروب الشَّمس.
قال شيخنا: قيل: خُصَّ يوم الغيم بذلك لأنَّه مظنَّة التأخير، أمَّا المتنطع يحتاط لدخول الوقت فيبالغ في التأخير حتَّى يخرج الوقت أو لمتشاغل بأمر آخر فيظنُّ بقاء الوقت فيسترسل في سلعة إلى أن يخرج الوقت. انتهى. قلت: المتنطع: المتغالي في الأمور، المشدِّد في غير موضع التشديد. انتهى.
قوله: (بَكِّرُوا) أي أسرعوا وعجِّلوا وبادروا، وكلَّ من بادر إلى الشيء فقد بكَّر وأبكَّر إليه أيَّ وقت كان، فقال بكِّروا بصلاة المغرب؛ أي صلُّوها عند سقوط القرص. قال شيخنا: التبكير