المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الاستهام في الأذان) - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب الاستهام في الأذان)

له لذلك، ليكون مكافأة لإحسانه إلينا؛ إذ لا إحسان أفضل من إحسانه إلينا، كذلك دعونا له بدرجة لا درجة أفضل منها، والله أعلم. انتهى

قال شيخنا: قوله: (الذي وعدته) بدل، أي: من قوله: (مقاما) أو عطف بيان، أو خبر مبتدأ محذوف، وليس صفة للنكرة، ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما:((المقام المحمود)) فيصح وصفه بالموصول، والله أعلم. قال العيني: فإن قلت: هل يجوز أن يكون صفة للمقام؟ قلت: إن قلنا: المقام المحمود، صار علماً لذلك المقام يجوز أن يكون صفة، وإلا لا يجوز لأنه نكرة. وأما على رواية النسائي، فيجوز بلا نزاع. انتهى

قوله: (حَلَّت لَهُ شَفاعَتي) جواب مَن، ومعنى (حلت) أي: استحقت ووجبت، ويكون من الحلال؛ لأنه مَن كان الشيءُ حلالاً له كان مستحقاً لذلك، وبالعكس، ويجوز أن يكون من الحلول بمعنى النزول، وتكون اللام بمعنى على، يقال: حَلَّ يَحُل بالضم إذا نزل، ويؤيده رواية مسلم:((حلَّت عليه))، ووقع في الطحاوي من حديث ابن مسعود:((وجبت له))، ولا يجوز أن يكون من الحِل خلاف الحُرمة؛ لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة. فإن قيل: كيف جعل ذلك ثواباً لقائل ذلك مع أنه ثبت أن الشفاعة للمذنبين؟ أجيب: بأن للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات متعددة، كإدخال الجنة بغير حساب، ورفع الدرجات، فيشفع لكل أحد بما يناسب حاله. ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه: أنه كان يرى تخصيص ذلك بمن قال مخلصاً مستحضراً إجلال النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قصد بذلك مجرد الثواب ونحو ذلك، وهذا مجرد تحكم غير مرضي. قال شيخنا: ولو كان أخرج بالغافل اللاهي لكان أشبه، قال العيني: وفيه نظر أيضاً على ما لا يخفى. انتهى

فيه الحض على الدعاء في أوقات الصلاة حين تفتح أبواب السماء للرحمة، وقد جاء:((ساعتان لا يرد فيهما الدعاء: حضرة النداء بالصلاة، وحضرة الصف في سبيل الله)) فدلهم عليه السلام على أوقات الإجابة.

فإن قلت: هل الإتيان بهذه الألفاظ المذكورة سبب لاستحقاق الشفاعة، أو غيرها يقوم مقامها؟ قال العيني: روى الطحاوي من حديث عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ما من مسلم يقول إذا سمع النداء، فيكبر المنادي فيكبر، ثم يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله، فيشهد على ذلك ثم يقول: اللهم أعطِ محمداً الوسيلة واجعله في الأعلَين درجته، وفي المصطفَين محبَّته، وفي المقربين ذِكره إلا وجبت له شفاعتي يوم القيامة)) وأخرجه الطبراني أيضاً.

قوله: (وَاجعَلهُ) أي: واجعل له درجة في الأعلين، وهو جمع أعلى، وهو صفة مَن يعقل ههنا؛ لأن المراد منهم الأنبياء عليهم السلام، فلذلك جمع بالواو والنون، فإعرابه بالواو حالة الرفع وبالياء في حالَتي النصب والجر، وهذا مقصور، والضمة والكسرة فيه مقدرتان في حالتي النصب والجر.

قوله: (المصطفَين) بفتح الفاء جمع مصطفى، وهو أيضاً كذلك بالواو حالة الرفع وبالياء حالتي النصب والجر، والمصطفى

ص: 147

المختار من الصَّفْوة، وأصله: مصفيّ، فقلبت كما عُرف في موضعه، أي: من كتب التصريف.

وروى الطَّحاويُّ أيضاً من حديث أم سَلَمَة رضي الله عنها أنها قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِذَا كَانَ عِنْدَ أَذَانِ المَغْرِبِ

(1)

: اللَّهُمَّ

(2)

عِنْدَ اسْتِقْبَالِ لَيْلِكَ، وَإِدْبَارِ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتِ دُعَائِكَ، وَحُضُورِ صَلَوَاتِكَ، اغْفِرْ لِيْ)) وأخرجه أبو داود، ولفظه:((اللَّهُمَّ هَذَا إِقْبَالُ لَيْلِكَ، وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتُ دُعَائِكَ، فَاغْفِرْ لِي))، وأخرجه الطَّبرانيُّ في «الكبير» وفي آخره:((وَكَانَتْ إِذَا تَعَارَّتْ مِنَ اللَّيْلِ تَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاهْدِ السَّبِيلَ الأَقْوَمَ))، وروى أبو الشيخ من حديث ابن عباس يرفعه:((مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَبْلِغْهُ الدَّرَجَةَ وَالوَسِيلَةَ عِنْدَكَ، وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)

وفيه إثباتُ الشّفاعة للأمة صالحاً وطالحاً لزيادة الثواب أو إسقاط العقاب؛ لأن لفظة (فِي) عامّةٌ، فهو حُجَّةٌ على المعتزلة حيث خصَّصوها بالمطيع لزيادة درجاته فقط.

(9)

(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

أي: هذا بابٌ في بيان حكم الاستهام - أي: الإسراع - في الأذان، ومنه قوله تعالى:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141]. قال الخَطَّابيُّ: وإنما قيل له: الاستهام؛ لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء، فمن خرج سهمُه غلب، والقرعةُ أصلٌ من أصول الشريعة في حال من استوتْ دعواهم في الشَّيء لترجِّحَ أحدهم، وفيها تطييبُ القلوب.

قوله: (وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ) أي: ابن أبي وقَّاص أحد العشرة المبشرة بالجنة. هذا التَّعليقُ أخرجه سعيدُ بن منصور والبيهقيُّ من طريق أبي عُبَيد كلاهما عن هُشَيم عن عبد الله بن شُبْرمةَ، قال: تشاحَّ الناسُ في الأذان بالقادسية، فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص فأقرع بينهم. وهذا منقطع، وقد وصله سيفُ بن عمر في «الفتوح» والطبريُّ من طريقه عنه، عن عبد الله بن شبرمة عن شَقِيق، وهو أبو وائل، قال: فتحنا القادسيةَ صدرَ النهار، فتراجعنا وقد أصيب المؤذنُ، فذكره وزاد: فخرجتِ القرعةُ لرجلٍ منهم فأذَّن.

قوله: (فِي الأَذَانِ) أي: في منصب التَّأذين، يعني: اختلافُهم لم يكن في نفس الأذان، وإنما كان في التَّأذين، والأذانُ يأتي بمعنى التأذين، وكان ذلك عند فتح القادسية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة خمس عشرة، وكان سعدٌ يومئذٍ أميراً على الناس.

قال الصَّغّانيُّ: القادسيّةُ: قريةٌ على طريق الحاجّ على مرحلة من الكوفة، وحكى الجوهريُّ: أنَّ إبراهيم عليه السلام قدَّس على ذلك المكان، فلذلك صار منزلاً للحاج، وكان بها وقعةٌ للمسلمين مشهورةٌ مع الفرس في خلافة عمر. قال العينيُّ: وقيل: مرَّ إبراهيم عليه السلام بالقادسية، فوجد هناك عجوزاً، فغسلت رأسه، فقال: قُدِّستِ من أرض، فسُميت القادسية، وقيل: سُميت بذلك لنزول أهل فارس بها، وقادس: قرية بمروِالروذ، قال شيخنا: القادسيةُ: مكانٌ بالعراق معروفٌ، نسب إلى قادس، رجلٍ نزل به.

615 -

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) أي: التّنيسيّ.

قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) أي: ابن أنس، ترجمتهما في بدء الوحي.

(1)

في ((شرح معاني الآثار)) زيادة: (فقولي).

(2)

في ((شرح معاني الآثار)) زيادة: (هذا).

ص: 147

قوله: (عَنْ سُمَيٍّ) أي: بضم السين المهملة، وفتح الميم، وتشديد الياء آخر الحروف، (مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ) ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشيّ المدنيّ، قتله الحَرُوريَّة بقُدَيدٍ سنة ثلاثين ومئةٍ.

قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) أي: ذكوان الزَّيَّات، ترجمته في باب أمور الإيمان.

قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أي: صخر بن عبد الرحمن، ترجمته في الباب أيضاً.

في هذا الإسناد: التَّحديثُ بصيغة الجمع في موضعٍ واحدٍ، والإخبارُ كذلك، وفيه العنعنةُ في ثلاثة مواضع، وفيه: أنَّ رواته مدنيون ما خلا شيخ البخاري.

قوله: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَا يَجِدُونَ إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) مطابقتُه للترجمة في قوله: (لو يعلمُ الناسُ [ما] في النداء) وهو الأذان، وهذا الحديث أخرجه البخاريُّ أيضاً في الشهادات عن إسماعيل، وأخرجه مسلمٌ في الصلاة عن يحيى بن يحيى، وأخرجه الترمذيُّ فيه عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى، وأخرجه النَّسَائيُّ فيه عن عتبة بن عبد الله وقُتَيبة فوقهما عن الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم، سبعتُهم عن مالك به.

قوله: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ) قال الطِّيبيُّ: وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم.

قوله: (مَا فِي النِّدَاءِ) أي: الأذان، وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند الشّراح.

فإن قلت: ما الفرق بين النداء والأذان؟

قال العيني: لفظُ الأذان أو التأذين أخصُّ من لفظ النداء لغةً وشرعاً، والفرق بين الأذان والتأذين: أنَّ التأذينَ يتناول جميع ما يصدر عن المؤذن من قولٍ وفعلٍ وهيئةٍ ونيَّةٍ، وأما الأذان فهو حقيقة تُعقَل بدون ذلك.

قوله: (وَالصَّفِّ الأَوَّلِ) زاد أبو الشيخ في روايةٍ له من طريق الأعرج عن أبي هريرة: ((من الخير والبركة)) والتقدير: ولو يعلم الناسُ ما في الصف الأول، وقال الطيبيُّ: أطلق مفعولَ (يعلم) وهو كلمة (ما)؛ ليفيد ضرباً من المبالغة، وأنه مما لا يدخل تحت الوصف، والإطلاقُ إنما هو في قدر الفضيلة، وإلا؛ فقد مُيِّزتْ في الرواية الأخرى بالخير والبركة.

قوله: (ثُمَّ لَا يَجِدُونَ) هذه رواية المستملي والحَمَوي، وفي رواية غيرهما:((ثم لم يجدوا))، وقال الكرمانيُّ: وفي بعض الروايات: ((لا يجدوا)) ثم قال: جوَّز بعضهم حذفَ النون بدون الناصب والجازم، قال ابنُ مالك: حذفُ نون الرفع في موضع الرفع لمجرد التخفيف ثابتٌ في اللغة في الكلام الفصيح نظمِه ونثرِه. قال شيخنا: ولم أقف على هذه الرواية.

قوله: (إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ) من الاستهام، وهو الاقتراع، يقال: استهموا فسَهَمَهُم فلانٌ سهماً إذا قَرَعَهم، وقال صاحب «العين» : القرعةُ مثال الظُّلْمة: الاقتراعُ، وقد اقترعوا وتقارعوا، وقارعته فقرعته، أي: أصابتني القرعةُ دونه، واقترعت بينهم إذا أمرتهم أن يقترعوا، وقارعت بينهم أيضاً، والأولُ أصوبُ. ذكر ابن التّيانيِّ في «المُوعِب» في «التَّهذيب» لأبي منصورٍ عن ابن الأعرابيّ: القرع والسبق والندب: الخطرُ الذي يُستبَقُ عليه.

وقال النوويُّ: معناه: أنَّهم لو علموا فضيلةَ الأذان وعظم جزائه، ثم لم يجدوا طريقاً يحصِّلونه به لضيق الوقت

ص: 148

لاقترعوا في تحصيله.

وقال الطيبيُّ: المعنى: لو علموا ما في النداء والصف الأول من الفضيلة، ثم حاولوا الاستباق لوجب عليهم ذلك.

وأتى بـ (ثم) المؤذنة بتراخي رتبة الاستباق من العلم، وقدم ذكر الأذان دلالة على تهيُّؤ المقدمة الموصلة إلى المقصود الذي هو المثول بين يدي رب العزة.

قال شيخنا: يعني: ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا، أي: لم يجدوا شيئاً من وجوه الأولوية، أما في الأذان؛ فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن، وأما في الصف الأول؛ فبأن يصلوا دفعة واحدةً، ويستووا في الفضل، فيقرع بينهم في الحالتين، وزعم بعضهم: أن المراد بالاستهام هنا: الترامي بالسِّهام، وأنه أُخْرِجَ مخرج المبالغة، واستأنس بحديث:((لَتُجَادِلُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ))، لكن الذي فهمه البخاري أَوْلى، ولذلك استشهد له بقصة سعد، ويدل عليه رواية لمسلم:(لَكَانَتْ قُرْعَةً) انتهى.

قوله: (عَلَيْهِ) أي: على كلِّ واحدٍ من الأذان والصف الأول، وبذلك يصحُّ تبويبُ المصنف، وقد نازع ابنُ عبد البر والقرطبيُّ في مرجع الضمير، قال ابن عبد البرِّ: يرجع إلى الصف الأول لا إلى النداء، وهو حقُّ الكلام؛ لأنَّ الضميرَ يعود لأقرب مذكورٍ، وقال القرطبيُّ: يلزم منه أن يبقى النداء ضائعاً لا فائدة له، بل الضمير يعود على معنى الكلام المتقدم، ومثله قوله تعالى:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] أي: جميع ما ذكر.

قال شيخنا: وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ: ((لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا))، فهذا مفصحٌ بالمراد من غير تكلفٍ. انتهى.

قال العينيُّ: الصوابُ مع القرطبيّ، وحديثُ عبد الرزاق يدلُّ على صحة التقدير الذي قدَّره. انتهى.

قوله: (مَا فِي التَّهْجِيرِ) أي: التّبكير إلى الصلوات، قال النوويُّ: وعليه الخليلُ وغيره على ظاهره

(1)

فقال: والمراد: الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت؛ لأن التهجير مشتقٌّ من الهاجرة، وهو شدَّةُ الحر نصف النهار، وهو أول وقت الظهر. قال العينيُّ: الصوابُ ما قاله الهرويّ؛ لأن اللفظ مطلقٌ، وتخصيصه بالاشتقاق لا وجهَ له.

ثم المرادُ من التبكير إلى الصلوات: التهيؤ والاستعداد لها، ولا يلزم من ذلك إقامتها في أول أوقاتها، وكيف وقد أمر الشارع بالإبراد في الظهر، والإسفار في الفجر؟! وأيضاً الهاجرةُ تطلق على وقت الظهر إلى أن يقرب العصر، فإذا أبرد يصدق عليه أنه هجَّر على ما لا يخفى. انتهى.

قال شيخنا: وإلى قول الخليل مال البخاريُّ كما سيأتي، ولا يرد على ذلك مشروعيَّةُ الإبراد بالظهر؛ لأنه أريد به الرفقُ، وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ما له من الفضل. انتهى.

قوله: (لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) قال ابن أبي حمزة

(2)

: المراد: الاستباق معنى لا حساً؛ لأن المسابقة على الأقدام حساً تقتضي السرعة في المشي، وهو ممنوعٌ منه.

قال العيني: المراد من الاستباق: التَّبكير، بأن يسبق غيره في الحضور إلى الصلاة.

قال شيخنا: وسيأتي الكلامُ على بقية الحديث في باب فضل صلاة العشاء في الجماعة قريباً، ويأتي الكلامُ على المراد بالصف الأول في آخر أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى.

قال العيني: قوله:

(1)

كذا في الأصل، وفي ((شرح النووي على مسلم)) :(التبكير إلى الصلاة أي صلاة كانت، قال الهروي وغيره، وخصه الخليل بالجمعة).

(2)

كذا في الأصل، والصواب:(جمرة)، والكلام في شرحه.

ص: 148