المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين}

خلف المتنفِّل من جهة أنَّ الملائكة ليسوا مكلَّفين بمثل ما كلِّف به الإنس، قال العَيني: هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأنَّ جبريل كان مكلَّفًا بتبليغ تلك الصَّلوات ولم يكن متنفِّلًا، فتكون صلاةَ مفترضٍ خلف مفترض. وقال عياض: يحتمل ألَّا تكون تلك الصَّلاة كانت واجبة على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حينئذ، ورُدَّ بأنها كانت صبيحة ليلة فرض الصَّلاة، واعترض عليه باحتمال أنَّ الوجوب عليه كان معلَّقًا بالبيان، فلم يتحقق الوجوب إلَّا بعد تلك الصَّلاة.

وفيه جواز البنيان، ولكن ينبغي الاقتصاد فيه، ألا ترى أنَّ جدار الحجرة كان قصيرًا؟! قال الحسن: كنت أدخل في بيوت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأنا محتلم وأنا أسقفها بيدي.

وفيه ما استدلَّ به من يرى بجواز الائتمام بمن يأتم بغيره، والجواب عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان مُبَلِّغًا فقط كما في قصَّة أبي بكر في صلاته خلف النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وصلاة النَّاس خلفه، وسيأتي مزيد الكلام فيه في أبواب الإمامة.

وفيه فضيلة عُمَر بن عبد العزيز، وفيه ما قال ابن بطَّال: فيه دليل على ضعف الحديث الوارد: ((أنَّ جبريلَ عليه السلام أمَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في يومَين لوقتَين مختَلفين لكُلِّ صلاةٍ)) قال: لأنَّه لو كان صحيحًا لم ينكر عُرْوَة على عُمَر صلاتَه في آخر الوقت محتجًّا بصلاة جبريل، مع أنَّ جبريل قد صلَّى في اليوم الثَّاني في آخر الوقت وقال:((الوقتُ ما بينَ هَذَين)) وأجيب عن هذا: بأنه يحتمل أن تكون صلاة عُمَر كانت خرجت عن وقت الاختيار، وهو مصير ظلِّ الشيء مثله، لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشَّمس، فحينئذ يتَّجه إنكارُ عُرْوَةَ، ولا يلزم منه ضعف الحديث، أو يكون إنكار عُرْوَة لأجل مخالفة عُمَر ما واظب عليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وهو الصَّلاة في أوَّل الوقت، ورأى أنَّ الصَّلاة بعد ذلك إنَّما هي لبيان الجواز، فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضًا، وفي قوله:(مَا وَاظَبَ عَليْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهوَ الصَّلاة فِي أَوَّلِ الوَقْتِ) نظر لا يخفى قاله العَيني، وقال ابن المنيِّر: قد يتعلق به من يُجَوِّز صلاة مفترض بفرض خلف مفترض بفرض آخر. قال شيخنا: كذا قال، وهو مسلَّم له في صورة المؤدَّاة مثلًا خلف المؤدَّاة، لا في صورة الظهر خلف العصر مثلًا. انتهى.

وفيه قبول خبر الواحد المثبِت، واستدلَّ عياض على جواز الاحتجاج بمرسَل الثقة؛ لصنع عُرْوَة حين احتجَّ على عمر، وإنما راجعه عُمَر ليثبته فيه لا لكونه لم يرضَ به مرسَلًا، فإن قلت: ذكرُ حديث عائشة بعد ذكر حديث أبي مسعود ما وجهه؟ قال العَيني: لأن عُرْوَة احتجَّ بحديث عائشة في كونه عليه السلام كان يصلِّي العصر في أوَّل الوقت، وحديث أبي مسعود يشعر بأنَّ أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل عليه السلام.

قال العَيني: فإن قلت: ما معنى قولها: (قَبلَ أَنْ تَظهَرَ) والشمسُ ظاهرة على كلِّ شيء من أوَّل طلوعها إلى غروبها؟ قلت: إنَّها أرادت: والفيء في حجرتها قبل أن تعلو على البيوت، فكَنَّتْ بالشمس عن الفيء؛ لأن الفيء عن الشَّمس كما سُمِّي المطر سماء لأنَّه من السَّماء ينزل، ألا ترى جاء في رواية:

ص: 36

((لم يَظهَرِ الفَيءُ مِن حُجرَتِها))، وفي لفظ:((وَالشَّمسُ طالِعَةٌ في حُجرَتي)) فافهم.

قال شيخنا: زاد عبد الرزَّاق في «مصنَّفه» عن الزُّهْري في هذه القصة، قال: فلم يزل عُمَر يُعَلِّمُ الصَّلاة بعلامة حتَّى فارق الدنيا. ورواه أبو الشيخ في كتاب «المواقيت» له من طريق الوليد عن الأوزاعي عن الزُّهْري قال: ما زال عُمَر بن عبد العزير يتعلم مواقيت الصَّلاة حتَّى مات. ومن طريق إسماعيل بن حكيم: أنَّ عُمَر بن عبد العزير جعل ساعاتٍ ينقضين مع غروب الشمس. زاد من طريق ابن إِسْحاق عن الزهري: فما أخَّرها حتَّى مات. وكلُّه يدل على أنَّ عُمَر لم يكن يحتاط في الأوقات كثير احتياط إلَّا بعد أن حدَّثه عُرْوَة بالحديث المذكور، والله أعلم.

تنبيه: ورد في هذه القصَّة من وجه آخر عن الزُّهْري بيانُ أبي مسعود للأوقات، وفي ذلك ما يرفع الإشكال، ويوضح توجيه احتجاج عُرْوَة بالحديث، فروى أبو داود وغيره وصحَّحه ابن خُزَيمَة وغيره من طريق ابن وَهْب، والطَّبَراني من طريق يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن أسامة بن زيد عن الزُّهْري هذا الحديث بإسناده وزاد في آخره: قال ابن مسعود: ((فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الظهر حين تزول الشَّمس)) فذكر الحديث. وذكر أبو داود أنَّ أسامة بن زيد تفرَّد بتفسير الأوقات فيه، وأنَّ أصحاب الزُّهْري لم يذكروا ذلك. قال: وكذا رواه هشام بن عُرْوَة وحبيب بن أبي مرزوق عن عُرْوَة لم يذكرا تفسيرًا. انتهى. ورواية هشام أخرجها سعيد بن مَنْصور في «سُنَنِهِ» ، وقد وجدت ما يعضد رواية أسامةَ ويزيدُ عليها أنَّ البيان من فعل جبريل، وذلك فيما رواه البَاغَنْدي في «مسند عُمَر بن عبد العزيز» والبَيْهَقي في «السُّنَن الكبرى» من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي بكر بن حزم إنَّه بلغه عن أبي مسعود، فذكره منقطعًا، لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة، فرجع الحديث إلى عُرْوَة ووضح إنَّه له أصلًا، وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارًا، وبذلك جزم ابن عبد البرِّ، وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفي الزيادة المذكورة، فلا توصف والحالة هذه بالشذوذ. وقد روى سعيد بن مَنْصور من طريق طَلْق بن حبيب مرسلًا قال:((إن الرجلَ ليُصلِّي الصَّلاة وفاتَته، ولَمَا فاتَه من وقتِها خيرٌ له مِن أهلِه ومالِه)) ورواه أيضًا عن ابن عُمَر من قوله، ويؤيِّد ذلك احتجاج عُرْوَة بحديث عائشة في كونه صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي العصر والشَّمس في حجرتها، وهي الصَّلاة الَّتي وَقَعَ الإنكار بسببها. انتهى.

(2)

‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

[الروم: 31]) أي هذا باب. فبابٌ بالتنوين خبر مبتدأ محذوف، وهكذا هو في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية غيره: بابُ قوله تعالى بالإضافة، ثمَّ الكلام في هذه الآية على أنواع:

الأوَّل: أنَّ هذه الآية الكريمة من سورة الروم، وقبلها قوله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلْدِّيْنِ حَنِيْفًا فِطْرَتَ اللهِ} [الروم: 30] الآية.

الثاني: في معناها وإعرابها، فقوله:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلْدِّيْنِ} [الروم: 30] أي قوِّم وجهك له غير ملتفتٍ يمينًا وشمالًا، قاله الزمخشري، وعن الضَّحَّاك والكلبي: أي أقم عملك.

قوله: (حَنِيْفًا) أي مسلمًا، قاله الضحَّاك، وقيل:

ص: 36

مخلصًا، وانتصابه على الحال من الدين.

قوله: (فِطْرَتَ اللهِ) أي وعليكم فطرةَ الله، أي الزموا فطرة الله وهي الإسلام، وقيل: عهد الله في الميثاق.

قلت: الفطرة تطلق على الإسلام، وتطلق على أصل الخِلقة، فمن المعنى الأوَّل قوله عليه السلام:((كلُّ مولودٍ يولدُ على الفطرةِ حتَّى يكونَ أبواهُ يهوِّدانهِ وينصِّرانهِ ويمجِّسانِه))، وقول جبريل عليه السلام للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لما أخذ اللبن:((هِيَ الفِطرةُ الَّتي أَنتَ عَلَيها)) أي دين الإسلام، ومن المعنى الثاني:{فِطْرَتَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا} [الروم: 30] وقوله تعالى: {فَاطِرَ السَّمَواتِ وَالأَرضِ} [الأنعام: 14]. انتهى.

قوله: ({مُنِيْبِيْنَ}) نصب على الحال من المقدر وهو: الزموا فطرة الله، معناه: منقلبين، واشتقاقه من: ناب ينوب إذا رجع، وعن قَتَادَة معناه: تائبين، وعن ابن زيد معناه: مطيعين، والإنابة: الانقطاع إلى الله تعالى بالإنابة، أي الرجوع عن كلِّ شيء.

الثالث: في بيان وجه عطف قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] هو الإعلام بأن الصَّلاة من جملة ما يستقيم به الإيمان؛ لأنَّها عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين، قال شيخنا: وهذه الآية مما استدلَّ به من يرى بتكفير تارك الصلاة؛ لما يقتضيه مفهومها. وأجيب بأن المراد: أنَّ ترك الصَّلاة من أفعال المشركين، فورد النَّهي عن التشبُّه بهم، لا أن من وافقهم في الترك صار مشركًا، وهي من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة. انتهى.

523 -

قوله: (حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ) ابن سعيد الأنصاري، ترجمته في باب السَّلام من الإسلام.

(قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، وَهُوَ ابنُ عَبَّادٍ) أي المهلَّبي البصري، وهو ممن وافق اسمه اسم أبيه، قلت: قال الذهبي في «الكاشف» : عبَّاد بن عبَّاد بن حبيب بن المُهَلَّب المهلَّبي أبو معاوية عن أبي جمرة ويونس بن خباب، وعنه أحمد ومسدَّد وابن عرفة وخلق، ثقة، قال أبو حاتم: لا يحتجُّ به، مات سنة إحدى وثمانين. وقال شيخنا في «المقدِّمة» : وثَّقه ابن معين وأبو داود والنَّسائي والعجلي وغيرهم، وقال أبو حاتم: لا يحتجُّ بحديثه، وقال ابن سعد: كان ثقة وربَّما غلط، وقال مرَّةً: ليس بالقوي، قلت: ليس له في البخاري سوى حديثين، أحدهما في الصَّلاة عن أبي جمرة عن ابن عبَّاس من حديث وفد عبد القيس بمتابعة شُعْبَة وغيرِه، والثاني في الاعتصام عن عاصم الأحول بمتابعة إسماعيل بن زكريا، واحتجَّ به الباقون.

قوله: (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) أي بالجيم والراء، واسمه نصر بن عِمْران.

قوله: (عَنِ ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول، وفيه: (وَهُوَ ابنُ عَبَّادٍ)، كذا وَقَعَ في رواية أبي ذرٍّ بالواو، وفي رواية غيره: <عبَّاد هو ابن عبَّاد> بدون الواو، وفيه من وافق اسمه اسم أبيه كما نبَّهنا عليه، وفيه إنَّه من رباعيات البخاري، وفيه أنَّ رواته ما بين بَغْلاني - وبَغْلان من بلخ - وهو قُتَيْبَة، وبصري وهو عبَّاد وأبو جمرة.

قوله: (قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: إِنَّا هَذَا الحَيَّ مِنْ رَبيْعَةَ، وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إلَّا فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَيءٍ نَأخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِليهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمُ عَنْ أَربَعٍ: الإِيمانِ بِاللهِ - ثمَّ فَسَّرَهَا لهُمْ - شَهَادَةُ ألَّا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَن تُؤَدُّوا إِليَّ خُمُسَ

ص: 37

مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَم ِوَالنَّقِيْرِ والمُقَيَّرِ).

مطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إنَّ في الآية المذكورة اقتران نفي الشرك بإقامة الصَّلاة، وفي الحديث اقتران إثبات التوحيد بإقامتها، فإن قلت: كيف المناسبة بين النَّفي والإثبات؟ قال العَيني: من جهة التضاد؛ لأنَّ ذِكْرَ أحد المتضادين في مقابلة الآخر يعدُّ مناسبة من هذه الجهة.

قال العَيني: هذا الحديث قد أمعنا الكلام فيه في باب أداء الخمس من الإيمان؛ لأنَّ هذا الحديث ذكر فيه، لكنَّه رواه هناك عن علي بن الجعد عن شُعْبَة عن أبي جمرة، قال: كنت أقعد مع ابن عبَّاس فيجلسني على سريره، فقال: أقم عندي حتَّى أجعل لك سهمًا من مالي، فأقمت معه شهرين، ثمَّ قال:((إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ)) الحديث، وقد ذكرنا هناك: إنَّه أخرج هذا الحديث في عشرة مواضع، وذكرنا أيضًا من أخرجه.

قوله: (إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ)، الوفد: قوم يجتمعون فيردُّون البلاد، وقال القاضي: هم القوم يأتون الملك ركابًا، وهو اسم الجمع، وقيل: الجمع، وعبد القيس أبو قبيلة، وهو ابن أفصى - بالفاء - ابن دُعمى -بالضمِّ- ابن جَديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.

قوله: (إِنَّا هَذَا الحَيَّ) بالنَّصب على الاختصاص.

قوله: (مِنْ رَبِيْعَةَ) خبر، لأنَّ ربيعة هو ابن نزار بن معد بن عدنان، وإنَّما قالوا: ربيعة؛ لأنَّ عبد القيس من أولاده.

قوله: (إِلَّا فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ) المراد به الجنس، فيتناول الأشهر الحرم الأربعة: رجب وذو القعدة وذو الحجَّة والمحرَّم. قلت: وفي أوَّل الأشهر الحرم خلاف، وتظهر فائدته فيما لو نذر أن يصوم أوَّل الحرم، أو يؤجِّل المال إلى آخرها ونحو ذلك. انتهى.

قوله: (نَأخُذُهُ) بالرَّفع على أنَّه استئناف، وليس جوابًا للأمر بقرينة عطف (نَدْعُوا) عليه مرفوعًا.

قوله: (مَنْ وَرَاءَنَا) في محلِّ النَّصب على أنَّه مفعول ندعوا.

قوله: (ثُمَّ فَسَّرَهَا) إنَّما أنَّث الضَّمير نظرًا إلى أنَّ المراد من الإيمان الشَّهادة وإلى إنَّه خصلة؛ إذ التقدير: آمركم بأربع خصال، فإن قلت: لم يذكر الصَّوم ههنا، مع إنَّه ذكر في باب أداء الخمس من الإيمان حيث قال:((وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيَتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ)) والحال أنَّ الصَّوم كان واجبًا حينئذ؛ لأنَّ وفادتهم كانت عام الفتح، وإيجاب الصَّوم في السنة الثانية من الهجرة، قال ابن الصلاح: وأما عدم ذكر الصَّوم فيه فهو إغفال من الراوي، وليس من الاختلاف الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: (الدُّبَّاءِ) -بضمِّ الدال المهملة وتشديد الباء الموحَّدة وبالمدِّ وقد يقصر، وقد تُكسر الدَّال- وهو اليقطين اليابس، وهو جمع والواحدة دباءة، ومَن قَصَر قال: دُباة.

و (الحَنْتَمِ) -بفتح الحاء المهملة وسكون النُّون وفتح التَّاء المُثَنَّاة من فوق- وهي الجِرار الخضر تَضرب الى الحُمرة، و (النَّقِيْرِ) -بفتح النُّون وكسر القاف- وهو جذع ينقر وسطُه ويُنبذ فيه، و (المُقَيَّرِ) -بضمِّ الميم وفتح القاف وتشديد الياء آخر الحروف- وهو المطلي بالقارِ وهو الزفت، وفي باب أداء الخمس من الإيمان:((الحَنْتَم والدّبَاء والنَّقِيْر والمُزَفَّت)) وربما قال: ((المُقَيَّرِ)).

فإن قلت: ما مناسبة نهيه عليه السلام عن الظروف المذكورة، وأمرِه بأداء الخمس بمقارنة أمره بالإيمان وما ذكره معه؟ قال العَيني: كان هذا الوفد يكثرون الانتباذ في الظُّروف المذكورة، فعرفهم ما يهمُّهم ويُخشى منهم مواقعته، وكذلك كان يخاف منهم الغلول في الفيء فلذلك نصَّ عليه. انتهى.

قلت: وفيه مناسبة

ص: 37