الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باعتبار المهادنة.
قوله: (فَفَرَّقَنَا) الفاء فيه فاء الفصيحة، أي فجاؤوا إلى المدينة ففرَّقنا من التفريق، أي جعل كلَّ رجل مع اثني عشر فرقة، وفي مسلم: فعرَّفنا -بالعين والرَّاء المشدَّدة- أي جعلنا عرفاء نقباء على قومهم، وقال الكِرْماني: وفي بعض الرواية فقَرّينا من القِرى بمعنى الضيافة.
قوله: (اثْنَا عَشَرَ) وفي البخاري ومعظم نسخ مسلم: اثني عشر، وكلاهما صحيح، الأوَّل على لغة من جعل المثنَّى بالألف في الأحوال الثلاثة، وقال السَّفَاقِسي: لعلَّ ضبطه ففُرِّقنا بضمِّ الفاء الثانية وبرفع اثنا عشر على أنَّه مبتدأ، وخبره مع كلِّ رجل منهم أناس.
قوله: (واللهُ أَعْلَمُ) جملة معترضة، أي أناس الله أعلم عددهم.
قوله: (كَمْ مَعَ كلِّ رَجَلٍ) مميز كم محذوف، أي كم رجل مع كلِّ رجل.
قوله: (أَوْ كَمَا قَالَ) شكٌّ من أبي عثمان، وفاعل قال عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما.
فيه أنَّ للسلطان إذا رأى مسغبة أن يفرِّقهم على السعة بقدر ما [لا]
(1)
يجحف بهم، قال التَّيْمي: وقال كثير من العلماء: إنَّ في المال حقوقًا سوى الزكاة، وإنَّما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاثنين واحدًا، وعلى الأربعة واحدًا، وعلى الخمسة واحدًا، ولم يجعل على الأربعة والخمسة بإزاء ما يجب للاثنين مع الثالث، لأن صاحب العيال أولى أن يرفق به، والحاصل فيه أنَّ تشريك الزائد على الأربعة لا يضر بالباقين، وكانت المواساة إذ ذاك واجبة لشدَّة الحال، وزاد عليه السلام واحدًا واحدًا رفقًا بصاحب العيال، وضيق معيشة الواحد، والاثنين أرفق بهم من ضيق معيشة الجماعات.
وفيه فضيلة الإيثار والمواساة، وأنَّه عند كثرة الأضياف يوزِّعهم الإمام على أهل المحلَّة، ويعطي لكلِّ واحد منهم ما يعلم أنَّه يحتمله، ويأخذ هو ما يمكنه، ومن هذا أخذ عُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه فِعْلَه في عام الرمادة، على أهل كلِّ بيت مثلهم من الفقراء، ويقول: لن يهلك امرؤٌ عن نصف قوَّته، وكانت الضرورة ذلك العام، وقد تأوَّل سُفْيان بن عُيَيْنَة في المواساة في المسغبة قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} [التوبة: 111] ومعناه أنَّ المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم لله تعالى عند توجُّه الحاجة إليهم، ولهذا قال كثير من العلماء: في المال حقٌّ سوى الزكاة، وورد في التِّرْمِذي مرفوعًا.
وفيه بيان ما كان عليه الشَّارع من الأخذ بأفضل الأمور، والسبق إلى السخاء والجود، فإنَّ عياله عليه السلام كانوا قريبًا من عدد ضيفانه هذه اللَّيلة، فأتى بنصف طعامه أو نحوه، وأتى أبو بكر رضي الله عنه بثلث طعامه أو أكثر.
وفيه الأكل عند الرئيس وإن كان عنده ضيف، إذا كان في داره من يقوم بخدمتهم. وفيه أنَّ الولد والأهل يلزمهم من خدمة الضيف ما يلزم صاحب المنزل. وفيه أنَّ الأضياف ينبغي لهم أن يتأدَّبوا وينتظروا صاحب الدار، ولا يتهافتوا على الطعام دونه. وفيه الأكل من طعام ظهرت فيه البركة، وفيه إهداء ما يُرجى بركته لأهل الفضل، وفيه أنَّ آيات النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قد تظهر على يد غيره، وفيه ما كان عليه أبو بكر من الحبِّ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من عمدة القاري.
والانقطاع إليه، وإيثاره في ليله ونهاره على الأهل والأضياف، وفيه كرامة ظاهرة للصِّدِّيق رضي الله عنه.
وفيه إثبات كرامات الأولياء رضي الله عنهم، وهو مذهب أهل [السنَّة]
(1)
، وفيه جواز تعريف العرفاء للعساكر ونحوهم، وفيه جواز الاختفاء عن الوالد إذا خاف منه على تقصير واقع منه، وفيه جواز الدعاء بالجذع والسبِّ على الأولاد عند التقصير، وفيه ترك الجماعة لعذر، وفيه جواز الخطاب للزوجة بغير اسمها، وفيه جواز القسم بغير [الله]
(2)
.
وفيه حمل المضيف المشقَّة على نفسه في إكرام الضيفان، والاجتهاد في رفع الوحشة، وتطييب قلوبهم، وفيه جواز ادخار الطعام لغد، وفيه مخالفة اليمين إذا رأى غيرها خيرًا منها، وفيه أنَّ الرَّاوي إذا شكَّ يجب أن ينبِّه عليه، كما قال:«لا أدري هلْ قالَ وامرأتي» ، ومثل لفظة:«أو كما قال» ونحوها.
وفيه أنَّ الحاضر يرى ما لا يرى الغائب، فإنَّ امرأة أبي بكر رضي الله عنه لما رأت أن الضيفان تأخَّروا عن الأكل تألَّمت لذلك، فبادرت حين قدم تسأله عن سبب تأخُّره مثل ذلك، وفيه إباحة الأكل للضيف في غيبة صاحب المنزل، وأن لا يمتنعوا إذا كان قد أذِن في ذلك، لإنكار الصِّدِّيق عليهم.
قلت: وفيه أنَّ الأضياف إذا امتنعوا عن الأكل أدبًا مع صاحب المنزل، لا يلحُّ الخادم وأهل الدَّار عليهم في ذلك، وفيه أنَّ المضيف إذا عزم على الأضياف، يذهب معهم إلى المنزل إلَّا أن يكون مشغولًا بأمر يتعلَّق بالسلطان أو شيخه ونحو ذلك، لأنَّ الياء في قوله (فليذهب) تقال للمصاحبة، وفيه أنَّ الولي ليس بمعصوم، وفيه ذكر ما يقع للكبير من التقصير. انتهى.
قال شيخنا خاتمة: اشتمل كتاب المواقيت على مائة حديث وسبعة عشر حديثًا، المعلَّق من ذلك ستة وثلاثون حديثًا، والباقي موصول، الخالص منها ثمانية وأربعون حديثًا، والمكرر منها فيه وفيما تقدَّم تسعة وستون حديثًا، وافقه مسلم على جميعها سوى ثلاثة عشر حديثًا، وهي حديث أَنَس في السُّجود على الظهائر، وقد أخرج معناه وحديثه:(ما أعرف شيئًا)، وحديثه في المعنى: هذه الصَّلاة وقد ضعف، وحديث ابن عمر:(أبردوا)، وكذا حديث أبي سعيد، وحديث ابن عمر:(إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم)، وحديث أبي موسى:(مثل المسلمين واليهود)، وحديث أنس:(كنا نصلِّي العصر)، وقد اتفقا على أصله، وحديث عبد الله بن مغفل:(لا تغلبنكم الأعراب)، وحديث ابن عبَّاس:(لولا أن أشقَّ على أمَّتي)، وحديث سهل بن سعد:(كنت أتسحَّر)، وحديث معاوية:(في الركعتين بعد العصر)، وحديث أبي قتادة:(في النَّوم عن الصبح)، على أن مسلمًا أخرج أصل الحديث من وجه آخر، لكن بينَّا في الشرح أنهما حديثان لقصتين، والله أعلم، وفيه من الآثار الموقوفة ثلاثة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
كِتَابُ الأَذَانِ
أي هذا كتاب في بيان أحكام الأذان، وفي بعض النُّسَخ بعد البسملة: أبواب الأذان،
(1)
في الأصل بياض مقدار كلمة، وأضيفت [السنة] من عمدة القاري.
(2)
ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من عمدة القاري.
قلت: وهو الذي شرح عليه شيخنا، ولم يذكر كتاب. انتهى. وسقطت البسملة في رواية القابسي وغيره.
والأذان لغةً: الإعلام، قال تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] قال شيخنا: واشتقاقه من الأَذَنِ بفتحتين، وهو الاستماع، وقال العَيني: من أذَّن يؤذِّن تأذينًا وأذانًا، مثل: كلَّم يكلِّم تكليمًا وكلامًا، فالأذان والكلام اسم المصدر القياسي، وقال الهروي: الأذان والأذين والتأذين بمعنى، وقيل: الأذين المؤذِّن، فعيل بمعنى مفعل، وأصله من الأذن، كأنَّه يلقي في آذان النَّاس بصوته ما يدعوهم إلى الصلاة.
وفي الشريعة: الأذان إعلام مخصوص، بألفاظ مخصوصة، في أوقات مخصوصة. ويقال: الإعلام بوقت الصَّلاة الَّتي عيَّنها الشَّارع مثناة، وقال القُرْطُبي وغيره: الأذان على قلَّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة، لأنَّه بدأ بالأكبرية، وهي تتضمَّن وجود الله وكماله، ثمَّ ثنَّى بالتوحيد ونفي الشريك، ثمَّ بإثبات الرسالة بمحمَّد صلى الله عليه وسلم، ثمَّ دعا إلى الطاعة المخصوصة عقيب الشَّهادة بالرسالة، لأنَّها لا تعرف إلَّا من جهة الرسول، ثمَّ دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثمَّ أعاد ما أعاد توكيدًا، ويحصل من الأذان: الإعلام بدخول الوقت، والدُّعاء إلى الجماعة، وإظهار شعائر الإسلام، والحكمة في اختيار القول له دون الفعل، سهولة القول وتيسيره لكلِّ أحد في كلِّ زمان ومكان.
واختلف له أيُّما أفضل الأذان أو الإقامة؟ ثالثها: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل، وإلا فالأذان، وفي كلام الشَّافعي ما يومئ إليه، واختُلِفَ أيضًا في الجمع بينهما، فقيل: يكره، وفي البَيْهَقي من حديث جابر مرفوعًا: النَّهي عن ذلك لكن سنده ضعيف، وصحَّ عن عمر: لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذَّنت، رواه سعيد بن مَنْصور وغيره، وقيل: خلاف الأولى، وقيل: مستحبٌّ وصححه النَّوَوي رضي الله عنه.
(بَابُ بِدْءِ الأَذَانِ) أي هذا باب في بيان ابتداء الأذان، وليس في رواية أبي ذرٍّ لفظ باب.
قوله: (وَقُوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاة اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] وقولِهِ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} [الجمعة: 9])
قوله: (وَقَوْلِ اللهِ) مجرور لأنَّه عطف على لفظ بدء، وقوله الثَّاني عطف عليه، وإنما ذكر هاتين الآيتين إما للتبرك، أو لإرادة ما بوَّب له، وهو بدء الأذان، وإن ذلك كان بالمدينة، والآيتان المذكورتان مدنيتان، وقد ذكر أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان، قالوا: لقد أبدعت يا محمَّد شيئًا لم يكن فيما مضى، فنزلت:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 58] الآية، واختلف في السنة الَّتي فُرِضَ فيها، فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى، وقيل بل كان في السنة الثانية، ورُوِيَ عن ابن عبَّاس: أنَّ فَرض الأذان نزل مع هذه الآية، أخرجه أبو الشيخ.
تنبيه: الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى وباللَّام، أنَّ صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام، فقصد في الأولى: معنى الانتهاء، وفي الثانية: معنى الاختصاص، لأنَّ الحروف ينوب بعضها عن بعض قاله الكِرْماني، ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى
أو العكس، والله أعلم.
قال العَيني: أما الآية الأولى ففي سورة المائدة، وإيراد البخاري هذه الآية ههنا، إشارة إلى أن بدء الأذان بالآية المذكورة كما ذكرنا، وعن هذا قال الزمخشري في «تفسيره» قيل: فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب، لا بالمنام وحده.
قوله: ({وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 58]) يعني إذا أذَّن المؤذِّن للصلاة، وإنَّما أضاف النداء إلى جميع المسلمين، لأنَّ المؤذِّن يؤذِّن لهم ويناديهم فأضاف إليهم، فقال:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاة اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} [المائدة: 58] يعني الكفَّار إذا سمعوا الأذان استهزؤوا بهم، وإذا رأوهم ركوعًا وسجودًا ضحكوا عليهم واستهزؤوا بذلك.
قوله: {ذَلِكَ} [المائدة: 58] يعني الاستهزاء، {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُوْنَ} [المائدة: 58] يعني لا يعلمون ثوابهم، وقال أسباط عن السدي قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي أشهَّد أنَّ محمَّدًا رسول الله قال: حُرق الكاذب، فدخلت خادمته ليلة من اللَّيالي بنار وهو نائم، فسقطت شرارة فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وأما الآية الثانية ففي سورة الجمعة فقوله: ({نُوْدِيَ لِلصَّلَاةِ} [الجمعة: 9]) أراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة، ذكره النَّسَفي في «تفسيره» .
وحديث ابن عُمَر المذكور في هذا الباب، ظاهر في أنَّ الأذان إنَّما شرع بعد الهجرة، فإنَّه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقًا، وقوله في آخره:(يَا بِلَالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ)، كان ذلك قبل رؤيا عبد الله بن زيد، وسياق حديثه يدلُّ على ذلك، كما أخرجه ابن خُزَيمَة وابن حبَّان من طريق محمَّد بن إِسْحاق حدَّثني محمَّد بن إبراهيم التَّيمي عن محمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربُّه، فذكر نحو حديث ابن عمر، وفي آخره:((فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أُرِيَ عَبْدُ اللهِ النِّدَاءَ)) فذكر الرؤيا وفيها صيغة الأذان، لكن بغير ترجيع، وفيه تربيع التكبير، وإفراد الإقامة، وتثنية قد قامت الصَّلاة، وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ [مع]
(1)
بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ).
وفيه مجيء عُمَر رضي الله عنه، وقوله: إنَّه رأى مثل ذلك، وقد أخرج التِّرْمِذي في ترجمة بدء الأذان، حديث عبد الله بن زيد، مع حديث عبد الله بن عمر، وإنما لم يخرجه البخاري لأنَّه على غير شرطه، وقد روي عن عبد الله بن زيد من طرق، وحكى ابن خُزَيمَة عن الذهلي إنَّه ليس في طرقه أصحَّ من هذه الطريق، وشاهده حديث عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن الزُّهْري عن سعيد بن المُسَيَّب مرسلًا، من وصله عن سعيد عن عبد الله بن زيد، والمرسل أقوى إسنادًا. ووَقَعَ في «الأوسط» للطبراني: أنَّ أبا بكر أيضًا رأى الأذان، ووَقَعَ في «الوسيط» للغزالي: أنَّه رآه بضعة عشر رجلًا، وعبارة الجيلي في «شرح التنبيه» : أربعة عشر، وأنكره ابن الصلاح والنووي، ونقل مُغُلْطاي: أنَّ في بعض كتب الفقهاء أنَّه رآه سبعة، ولا يثبت شيء من ذلك إلَّا لعبد الله بن زيد، وقصة عُمَر جاءت في بعض طرقه، وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسندٍ واهٍ عن
…
(2)
، قال:((أوَّل مَنْ أذَّن بالصلاةِ جبريل في السَّماء الدنيا، فسمعه عُمَر وبلال، فسبق عُمَر بلالًا، فأخبر النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ جاء بلال فقال له: سبقك بها عمر)).
فائدتان: وردت أحاديث تدلُّ على أنَّ الأذان شُرع بمكَّة قبل الهجرة، منها
(1)
ليس في الأصل، وأضيفت من فتح الباري.
(2)
في الأصل بياض بمقدار كلمتين.
للطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عُمَر عن أبيه قال: ((لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ الأَذَانَ فَنَزَلَ بِهِ فَعَلَّمَهُ بِلَالًا)) وفي إسناده طلحة بن زيد وهو ضعيف متروك، وللدارقطني في «الأفراد» من حديث أنس:((أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالأَذَانِ حِينَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ)) وإسناده ضعيف أيضًا، ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعًا:((لَمَّا أُسْرِيَ بِي، أَذَّنَ جِبْرِيلُ فَظَنَّتِ المَلَائِكَةُ إنَّه يصلِّي بِهِمْ، فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْتُ)) وفيه من لا يُعرف، وللبزَّار وغيره من حديث علي قال:((لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الأَذَانَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا البُرَاقُ فَرَكِبَهَا)) فذكر الحديث، وفيه: ((إِذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ [وَرَاءِ]
(1)
الحِجَابِ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ)) وفي آخره: ((ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَأَمَّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ)) وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود، وهو متروك أيضًا. ويمكن على تقدير الصحَّة أن يحمل على تعدُّد الإسراء، فيكون ذلك وَقَعَ بالمدينة.
وأما قول القُرْطُبي: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعًا في حقِّه، ففيه نظر، قوله في أوَّله: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحبِّ الطَّبَرِي: يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللُّغَوي وهو الإعلام، ففيه نظر أيضًا، لتصريحه بكيفيَّته المشروعة فيه، والحقُّ أنَّه لا يصحُّ شيء من هذه الأحاديث، وقد جزم ابن المنذر بأنَّه عليه الصلاة والسلام كان يصلِّي بغير أذان منذ فرضت الصَّلاة بمكَّة، إلى أن هاجر إلى المدينة، وإلى أن وَقَعَ التشاور في ذلك، على ما في حديث عبد الله بن عُمَر، ثمَّ حديث عبد الله بن زيد. انتهى. وقد حاول السُّهَيلي الجمع بينهما فتكلَّف وتعسَّف، والأخذ بما صحَّ أولى، فقال بانيًا على صحة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصَّحابي:((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سماوات، وهو أقوى من الوحي، فلمَّا تأخَّر الأمر بالأذان عن فرض الصَّلاة، وأراد إعلامهم بالوقت، فرأى الصحابي المنام فقصَّها، فوافقت ما كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سمعه، فقال: إنَّها لَرُؤْيَا حَقّ وعلم حينئذ أنَّ مرادَ الله بما أراه في السَّماء أن يكون سنَّة في الأرضِ))، ويقوى ذلك بموافقة عُمر، لأنَّ السكينة تُنطق على لسانه، والحكمة أيضًا في إعلام النَّاس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم للتنويه بعبده والرفع لذكره بلسان غيره، ليكون [أقوى]
(2)
لأمره وأفخم لشأنه. انتهى ملخصًا.
والثاني: حسن بديع، ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد، حتَّى أضيف عُمَر للتقوية الَّتي ذكرها. لكن قد يقال: فلم لا اقتصر على عمر؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة، وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت، ما ظاهره أنَّ بلالًا أيضًا رأى، لكنها مؤوَّلة فإنَّ لفظها:(سَبَقَكَ بِهَا بِلَال) فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين لرؤيا عبد الله بن زيد.
ومما يكثر السؤال عنه: هل باشر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه؟ وقد وَقَعَ عند السُّهَيلي: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ فِي سَفَرٍ، وَصلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمُ، السَّماء مِنْ فَوْقِهِمْ وَالبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ)) أخرجه التِّرْمِذي من طريق تدور على عُمَر بن أبي الرماح، يرفعه إلى أبي هريرة. انتهى. وليس هو من حديث أبي هريرة، وإنَّما من حديث يعلى بن مُرَّة، وكذا جزم النَّوَوي بأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
ليس في الأصل.
(2)
ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من فتح الباري.
أذَّن مرَّة في السَّفر وعزاه للتِّرْمِذي وقوَّاه، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه التِّرْمِذي ولفظه:((فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ)) فعرف أنَّ في رواية التِّرْمِذي اختصارًا، وأنَّ معنى قوله:((أَذَّنَ)) أمر بلالًا به، كما يقال: أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفًا، وإنَّما باشر العطاء غيره، ونسب للخليفة لكونه أمر به.
ومن أغرب ما وَقَعَ في بدء الأذان، ما رواه أبو الشيخ بسند مجهول عن عبد الله بن الزُّبَيْر قال:((أُخِذَ الأَذَانُ مِنْ أَذَانِ إِبْرَاهيمَ عليه السلام: {وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ} [الحج: 27] الآية. قَالَ: فَأَذَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) وما رواه أبو نُعَيم، في «الحلية» بسند فيه مجاهيل:((أَنَّ جِبْرِيلَ نَادَى بِالأَذَانِ لِآدَمَ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الجَنَّةِ)).
الثانية: قال الزَّين بن المنيِّر: أعرض البخاري عن التصريح بحكم الأذان، لعدم إيضاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين، فأثبت مشروعيته وسَلِمَ من الاعتراض. وقد اختلف في ذلك، ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، حتَّى استقر برؤيا بعضهم فأقره، كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثمَّ لما واظب على تقريره ولم ينقل إنَّه تركه، ولا رخص في تركه، كان ذلك بالواجبات أشبه. انتهى. وسيأتي بقيَّة الكلام على ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى.
603 -
قوله: (حَدَّثَنَا عِمْران بنُ مَيْسَرَةَ) أي ضدُّ الميمنة، وقد تقدَّم، قلت: ترجمته في باب رفع العلم.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) أي ابن سعيد التَّنُّوْري، ترجمته في باب قول النَّبِيِّ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ.
قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) أي الحذَّاء، كما ثبت في رواية كريمة، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) أي -بكسر القاف- عبد الله بن زيد الجَرْمي، ترجمته في باب حلاوة الإيمان.
قوله: (عَنْ أَنَسٍ) أي ابن مالك، ترجمته في باب من الإيمان أن يحبَّ.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول في موضعين، وفيه أن شيخ البخاري من أفراده، وفيه أنَّ رواته بصريُّون.
قوله: (قَالَ: ذَكَرُوا النَّار وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ).
مطابقته للترجمة من حيث إن بدء الأذان كان بأمر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بلالًا، لأنَّهم كانوا يصلُّون قبل ذلك في أوقات الصَّلوات بالمناداة في الطرق الصَّلاة الصَّلاة، والدليل عليه: حديث أَنَس رضي الله عنه، أيضًا رواه أبو الشيخ ابن حبَّان في كتاب الأذان، تأليفه من حديث عطاء بن ميمونة عن خالد عن أبي قِلابة عن أَنَس رضي الله عنه: ((كَانَتِ الصَّلاة إِذَا حَضَرَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سَعَى رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ فَيُنادِي: الصَّلاة الصَّلاة، فَاشْتَدَّ ذَلِك على النَّاس، فَقَالُوا: لَو اتَّخَذْنَا نَاقُوسًا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ذَلِكَ لِلنَّصَارَى، فَقَالُوا: لَو اتَّخَذْنَا بوقًا، فَقَالَ: ذَاكَ للْيَهُودِ، فَقَالُوا: لَو رَفَعْنَا نَارًا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ذَاكَ لِلْمَجوسِ، فَأُمِرَ بِلَالٌ
…
)) الحديث.
وعند الطَّبَرَاني من هذه الطريق: ((فأَمَرَ بِلَالًا))، فإن قلت: قد أخرج التِّرْمِذي في ترجمة بدء الأذان،
حديث عبد الله بن زيد، مع حديث عبد الله بن عُمَر رضي الله عنهم، فلم اختار البخاري فيه حديث أنس؟ قال العَيني: لأنَّه لم يكن على شرطه. انتهى.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في ذكر بني إسرائيل عن عِمْران بن مَيْسَرَة وعن محمَّد بن سلَام وعن علي بن عبد الله وعن سُلَيمان بن حرب، وأخرجه مسلم في الصَّلاة عن خلف بن هشام وعن يحيى بن يحيى وعن إِسْحاق بن إبراهيم وعن محمَّد بن حاتم وعن عُبَيْد الله بن عُمَر، وأخرجه أبو داود فيه عن سُلَيمان بن حرب وعبد الله بن المبارك وعن موسى بن إسماعيل وعن حُمَيْد بن مَسْعَدة، وأخرجه التِّرْمِذي فيه عن قُتَيْبَة بن عبد الوهَّاب ويزيد بن زُرَيع، وأخرجه النَّسائي أيضًا عن قُتَيْبَة، وأخرجه ابن ماجَهْ فيه عن عبد الله بن الجرَّاح وعن نصر بن علي.
قوله: (والنَّاقُوْسُ) وهو الذي يضربه النَّصارى لأوقات الصَّلاة، وقال ابن سِيدَه: النقس ضرب من النَّواقيس، وهو الخشبة الطويلة والوبيلة القصيرة، وقال الجَواليقي: ينظر فيه هل معرَّب أو عربي، وهو على وزن فاعول، قال ابن الأَعْرابي: لم يأت في الكلام فاعول لام الكلمة فيه سين إلَّا النَّاقوس، وذكر ألفاظًا أخرى على هذا الوزن، ولم يذكر فيه النَّاقوس والظَّاهر إنَّه معرب.
قوله: (فَذكرُوا اليَهُود وَالنَّصَارَى) هذا لفٌّ ونشر غير مرتَّب، لأنَّ النَّاقوس للنَّصارى والبوق لليهود والنَّار للمجوس، قال الكِرْماني: يحتمل أن يكون النَّار والبوق جميعًا لليهود، جمعًا بين حديثي أَنَس وابن عُمَر. انتهى.
قوله: (فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ) -بضمِّ الهمزة- على صيغة المجهول، وهذه الصيغة يحتمل أن يكون الآمر فيه غير الرسول عليه السلام، وفيه خلاف عند الأصوليين، قال شيخنا: هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنَّها تقتضيه، لأنَّ الظَّاهر أنَّ المراد بالأمر من له الأمر الشرعي، الذي يلزم اتباعه، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيِّد ذلك هنا من حيث أنَّ المعنى أن التقدير في العبادة إنَّما يوجد عن توقيف، فيقوى جانب الرَّفع جدًّا، وقد وَقَعَ في رواية روح عن عطاء:((فَأَمَرَ بِلَالًا)) بالنَّصب، وفاعل أمر هو النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو بيِّن في سياقه، وأصرح من ذلك رواية النَّسائي وغيره عن قُتَيْبَة عن عبد الوهَّاب بلفظ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَالًا)) قال الحاكم: صرَّح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قُتَيْبَة ولم ينفرد به، فقد أخرجه أبو عَوانة من طريق عَبْدان المَرْوَزي عن قُتَيْبَة ويحيى بن معين كلاهما عن عبد الوهاب، وطريق يحيى عند الدَّارَقُطْني أيضًا، ولم ينفرد به عبد الوهَّاب، وقد رواه البَلَاذُري من طريق ابن شِهاب الخيَّاط عن أبي قِلابة، وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النِّداء إلى الصَّلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم
لا غيره، كما استدلَّ به ابن المنذر وابن حبَّان، واستدلَّ بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان، وتعقُّب بأنَّ الأمر إنَّما ورد بصفة الأذان لا بنفسه، وأجيب بأنَّه إذا ثبت الأمر بالصفة، لزم أن يكون الأصل مأمورًا به، قاله ابن دقيق العيد، وممن قال بوجوبه مطلقًا الأوزاعي وداود وابن المنذر، وهو ظاهر قول مالك في «الموطأ» ، وحكي عن محمَّد بن الحسن، وقيل: واجب في الجمعة فقط، وقيل: فرض كفاية، والجمهور على أنَّه من السُّنن المؤكَّدة، وقد تقدَّم ذكر منشأ الخلاف في ذلك، وقد أخطأ من استدلَّ على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرنا، والله أعلم.
قال الكِرْماني: والصَّواب وعليه الأكثر، أنَّه مرفوع لأنَّ إطلاق مثله ينصرف عرفًا إلى صاحب الأمر والنَّهي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال العَيني: مقصوده من هذا الكلام تقوية مذهبه، وقوَّى بعضهم هذا بقوله، وقد وَقَعَ في رواية روح عن عطاء، وساق العَيني كلام شيخنا المتقدِّم ثمَّ قال: روى البَيْهَقي في «سننه» من حديث ابن المبارك عن يُونُس عن الزُّهْري عن سعيد عن عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه وأبو عَوانة في «صحيحه» من حديث الشَّعْبي عنه ولفظه: ((أَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى)) وحديث أبي مَحذُورَة عند التِّرْمِذي صحيحًا: ((عَلَّمَهُ الأَذَانَ مَثْنَى مَثْنَى والإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى)) وحديث أبي جُحَيْفَة: ((أَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه كَانَ يُؤَذِّنُ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُقِيمُ مَثْنَى مَثْنَى)) وروى الطَّحاوي من حديث وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن مُجَمِّع بن حارثة عن عُبَيْد مولى سلمة بن الأَكوَع: ((أَنَّ سَلَمَةَ بنَ الأَكْوَع كَانَ يُثَنِّي الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ)).
حدَّثنا محمَّد بن خُزَيمَة حدَّثنا محمَّد بن سنان حدَّثنا حمَّاد بن سلمة عن حمَّاد عن إبراهيم قال: ((كَانَ ثَوْبانُ رضي الله عنه يُؤَذِّنُ مَثْنَى مَثْنَى وَيُقِيمُ مَثْنَى)) حدَّثنا يزيد بن سنان حدَّثنا يحيى بن سعيد القطَّان حدَّثنا قُطْر بن خليفة عن مجاهد قال في الإقامة: مرَّة مرَّة، إنَّما هو شيء أحدثه الأمراء، وأنَّ الأصل للتثنية، قال العَيني: وقد ظهر لك بهذه الدلائل أنَّ قول النَّوَوي في «شرح مسلم» وقال أبو حنيفة: الإقامة سبع عشرة كلمة، وهذا المذهب شاذٌ قولٌ واهٍ لا يلتفت إليه، وكيف يكون شاذًا مع وجود هذه الأحاديث والأخبار الصحيحة، فإن قالوا حديث أبي مَحذُورَة لا يوازي حديث أَنَس المذكور من جهة واحدة، فضلًا عن الجهات كلِّها، مع أنَّ جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أنَّ هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، ثمَّ رووا من طريق البخاري عن عبد الملك بن أبي مَحذُورَة إنَّه سمع أباه أبا مَحذُورَة يقول:(إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ) قلنا: قد ذكرنا أنَّ التِّرْمِذي صحَّحه، وكذا ابن خُزَيمَة وابن حبَّان صحَّحا هذه اللفظة، فإن قالوا: سلَّمنا أنَّ هذه اللفظة محفوظة، وأنَّ الحديث ثابت، ولكن يقول: إنَّه منسوخ، لأنَّ أذان بلال هو آخر الأذانين، قلنا: لا نسلِّم أنَّه منسوخ، لأنَّ أذان بلال
إنَّما كان أوَّل ما شُرع الأذان، كما دلَّ عليه حديث أَنَس وحديث أبي مَحذُورَة كان عام حُنَين وبينهما مدَّة مديدة. انتهى. قلت: مقصود العَيني من هذا الكلام تقوية مذهبه، كما قال هو في حقِّ الكِرْماني، وفي كلامه وكلام شيخنا المتقدِّم ما يُكتفى به في الردِّ عن مذهبنا، فلا نطيل في ذلك مما لا يكون سببًا في الرجوع عن مذهب من المذهبين. انتهى.
قال شيخنا: لذا ساق حديث الباب هذا عبد الوارث مختصرًا، ورواية عبد الوهَّاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح دليلًا، حيث قال:(لَمَّا كَثُرَ النَّاس، ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوا لِوَقْتِ الصَّلاة بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا، أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا) وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء، أي المتقدِّمة. انتهى.
فيه التصريح بأنَّ الأذان مثنى، والإقامة فرادى، وبه قال الشَّافعي وأحمد، وحاصل مذهب الشافعي: أنَّ الأذان تسع عشرة كلمة، بإثبات الترجيع، والإقامة عشرة، بإفراد كلمة الإقامة، وقال الخطَّابيُّ: والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الشام، أنَّ الإقامة فرادى، ومذهب عامَّة العلماء أن يكون لفظ قد قامت الصَّلاة مكررة إلَّا مالكًا، فالمشهور عنه أنَّه لا يكرره، وقال: فرَّق بين الأذان والإقامة في التثنية والإفراد، ليعلم أنَّ الأذان إعلام بورود الوقت، والإقامة أمارة لقيام الصَّلاة، ولو سوى بينهما لاشتبه الأمر في ذلك، وصار سببًا لأن يفوت كثيرًا من النَّاس صلاة الجماعة، إذا سمعوا الإقامة فظنُّوا أنَّها الأذان. انتهى.
قال العَيني: العجب من الخطَّابي كيف يصدر عنه مثل هذا الكلام الذي تمجُّه الأسماع، ومثل هذا الفرق الذي بين [الأذان]
(1)
والإقامة غير صحيح، لأنَّ الأذان إعلام الغائبين، ولهذا لا يكون إلَّا على المواضع العالية كالمنارة ونحوها، والإقامة إعلام الحاضرين من الجماعة للصَّلاة، فكيف يقع الاشتباه بينهما، فالذي يتأمَّل الكلام لا يقول هذا وأبعد من ذلك.
قوله: إنَّ تثنية الإقامة يكون سببًا لفوات كثير من النَّاس صلاة الجماعة، لظنِّهم أنَّها الأذان، وكيف يظنُّون هذا وهم حاضرون، لأنَّ الإقامة إعلام الحاضرين، ومثل هذا الكلام يحتجُّ أحد لنصرة مذهبه وتمشية قوله، وأعجب من هذا قول الكلام
(2)
: قال أبو حنيفة: تثنَّى الإقامة والحديث حجَّة عليه، وكيف يكون حجَّة عليه وقد تمسَّك فيما ذهب إليه بالأحاديث الصحيحة الدالة على تثنية الإقامة على ما ذكرنا عن قريب؟ ونحن أيضًا نقول هذه الأحاديث حجَّة على الشافعي، وروي عن علي رضي الله عنه إنَّه مرَّ بمؤذِّن أوتر الإقامة، فقال له: اشفعها لا أمَّ لك. وروي عن النَّخَعي إنَّه قال: أوَّل من أفرد الإقامة معاوية. وقال مجاهد: كانت الإقامة في عهد النَّبِيّ ِصلَّى الله عليه وسلَّم مثنى مثنى، حتَّى استخفَّه بعض أمراء الجور لحاجة لهم، وقد ذكرناه عن قريب. انتهى.
قلت: قول الخطَّابي صحيح، لأنَّ قد يقع بأن يكون الشخص متلهيًا حال الأذان، أو نائمًا ثمَّ استيقظ فسمع الإقامة، والحال أنَّه خلف جدار المسجد مثلًا، فظن
(1)
في الأصل: (فرق)، والتصحيح (الأذان) من عمدة القاري.
(2)
كذا في الأصل، ولعل الصواب: الكِرْماني، التصويب من عمدة القاري.
إنَّه الأذان، فلم يسرع للطهارة ففاته الجماعة.
ويجاب عن الكِرْماني: بما أجاب به العَيني من قوله: وكيف يكون حجَّة على أبي حنيفة، إلى آخره، وقد نفى أن يكون حجَّة ثمَّ أثبت ذلك بقوله: ونحن أيضًا نقول هذه الأحاديث، إلى آخره. انتهى.
وقال الكِرْماني: ظاهر الأمر للوجوب لكن الأذان سنَّة، قلت: ظاهر صيغة الأمر له، لا ظاهر لفظه يعني: أمر، وههنا لم يذكر الصيغة، سلَّمنا إنَّه للإيجاب، لكنَّه لإيجاب الشفع لا لأصل الأذان، ولا شكَّ أنَّ الشفع واجب، ليقع الأذان مشروعًا، كما أن الطهارة واجبة لصحَّة صلاة النفل، ولئن سلَّمنا أنَّه لنفس الأذان، يقال: إنَّه فرض كفاية، لأنَّ أهل بلدة لو اتفقوا على تركه قاتلناهم، أو أنَّ الإجماع مانع عن الحمل على ظاهره.
قال العَيني: كيف يقول الإجماع مانع عن الحمل على ظاهره، وقد حمله قوم على ظاهره وقالوا به، فقال ابن المنذر: إنَّه فرض في حقِّ الجماعة في الحضر والسفر، وقال مالك: يجب في مسجد الجماعة، وقال عطاء ومجاهد: لا تصحُّ صلاة بغير أذان، وهو قول الأوزاعي، وعنه يعاد في الوقت، وقال أبو علي والإِصْطَخْري: هو فرض في الجمعة، وقالت الظاهريَّة: هما واجبان لكلِّ صلاة، واختلفوا في صحَّة الصَّلاة بدونهما، وقال داود: هما فرض للجماعة، وليسا بشرط لصحَّتها، وذكر محمَّد بن الحسن ما يدلُّ على وجوبه، فإنه قال: لو أنَّ أهل بلدة اجتمعوا على ترك الأذان لقاتلتهم عليه، ولو تركه واحد ضربته وحبسته، وقيل: إنَّه عند محمَّد من فروض الكفاية، وفي «المحيط» و «التحفة» و «الهداية» : الأذان سنَّة مؤكدة، وهو مذهب الشَّافعي وإسحاق، وقال النَّوَوي: هو قول جمهور العلماء. انتهى.
604 -
قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلَانَ) أي بفتح الغين المعجمة، ترجمته في باب النَّوم قبل العشاء لمن غلب.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق) أي ابن همَّام، ترجمته في باب حسن إسلام المرء.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ جُرَيْجٍ) أي عبد الملك، ترجمته في باب غسل المرأة رأس زوجها وترجيله.
قوله: (قَالَ: أَخْبرنِي نافِعٌ) أي ابن جرجس، ترجمته في باب العلم والفتيا في المسجد.
قوله: (أَنَّ ابنَ عُمَرَ) أي عُبَيْد الله، ترجمته في كتاب الإيمان.
في هذا الإسناد، التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، والإخبار في موضعين، أحدهما بصيغة الجمع، والآخر بصيغة الإفراد من الماضي، وفيه القول في أربع مواضع.
قوله: (كَانَ يَقُولُ: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ، فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاة، لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمِ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ يُنَادِي بِالصَّلاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ).
مطابقته للترجمة: في قوله: (يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) فإن قلت:
كيف يطابق الترجمة، والترجمة في بدء الأذان، والحديث يدلُّ على أنَّه عليه السلام أمر بلالًا بالنداء للصلاة، والنداء لا يفهم منه الأذان المعهود بالكلمات المخصوصة؟ قال العَيني: المراد بالنداء الأذان المعهود، ويدلُّ عليه أنَّ الإسماعيلي أخرج هذا الحديث، ولفظه فأذِّن بالصلاة، وكذا قال أبو بكر بن العَرَبي: إنَّ المراد الأذان المشروع. فإن قلت: قال القاضي عياض: المراد الإعلام المحض بحضور وقتها، لا خصوص الأذان المشروع، قال العَيني: يحمل أنَّه استند في ذلك على ظاهر اللفظ، ولئن سلَّمنا ما قاله، فالمطابقة بينهما موجودة باعتبار أنَّ أمره عليه السلام لبلال بالنِّداء للصَّلاة كان بدء الأمر في هذا الباب فإنه لم يسبق أمر بذلك قبله، بل إنَّما قال ذلك عليه السلام بعد تحينهم للصَّلاة وتشاورهم فيما بينهم، ماذا يفعلون في الإعلام بالصَّلاة.
هذا الحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزَّاق وعن إِسْحاق بن إبراهيم وعن هارون بن عبد الله، وأخرجه التِّرْمِذي فيه عن أبي بكر بن أبي النَّضر، وأخرجه النَّسائي فيه عن محمَّد بن إسماعيل وإبراهيم بن الحسن.
قوله: (أنَّ ابنَ عُمَر كانَ يَقُولُ) وفي رواية مسلم، عن عبد الله بن عُمَر، إنَّه قال.
قوله: (حَيْنَ قَدِمُوا المَدِيْنَةَ) أي من مكَّة مهاجرين.
قوله: (فَيَتَحَيَّنُوْنَ) -بالحاء المهملة- أي يقدرون تحينها ليأتوا إليها، وهو من التحين من باب التفعل، الذي وضع للتكلُّف غالبًا، والتحين من الحين وهو الوقت والزَّمن.
قوله: (لَيْسَ يُنَادَى لَهَا) أي للصلاة وهو على بناء المفعول، فهو بفتح الدَّال، وقال ابن مالك: هذا شاهد على جواز استعمال ليس حرفًا، لا اسم لها ولا خبرًا، أشار إليها سيبويه، ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها خبر، ورواية مسلم تؤيِّد ذلك، فإن لفظة ليس ينادى بها أحد.
قوله: (فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ) قال شيخنا: لم يقع في تعيين المتكلِّمين في ذلك، واختصر الجواب في هذه الرواية، ووَقَعَ لابن ماجَهْ من وجه آخر، عن ابن عُمَر:(أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَشَارَ النَّاس لِمَا يَجْمَعُهُمْ إِلَى الصَّلاة، فَذَكَرُوا البُوقَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ اليَهُودِ، ثمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى) وقد تقدَّمت رواية روح بن عطاء نحوه، وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ، وعن أبي عُمَير بن أَنَس عن عمومته عند سعيد بن منصور.
قوله: (اتَّخَذُوا) على صورة الأمر.
قوله: (بُوقًا) أي قال بعضهم: اتخذوا بوقًا -بضمِّ الباء الموحَّدة وبعد الواو الساكنة قاف- وهو الذي يُنفخ فيه، ووَقَعَ في بعض النُّسخ بل قرنًا، وهي رواية مسلم والنَّسائي، والبوق والقرن معروفان، والمراد إنَّه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود، ويسمَّى أيضًا الشَبُّور -بفتح الشين المعجمة وضمِّ الباء الموحدة المثقَّلة- قلت: وللنَّصارى أيضًا شيء من نحاس على صفة القلقل، يجعلونه في أعلى موضع في الكنيس أو الدير، وفيه حبل يهزونه به في الأوقات الَّتي يجتمعون فيها في كنائسهم. انتهى.
قوله: (فَقَالَ عُمَر
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدَّر، أي أتقولون بموافقتهم ولا تبعثون، وقال الطِّيبي: الهمزة إنكار للجملة الأولى أي المقدَّرة، وتقرير للجملة الثانية.
قوله: (رَجَلًا) زاد الكُشْمِيهَني: <مِنْكُمْ>.
قوله: (يُنَادِي) جملة فعليَّة مضارعة في محلِّ النَّصب على الحال من الأحوال المقدَّرة، وقال القُرْطُبي: يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه، وصدَّقه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بادر عُمَر رضي الله عنه فقال: أولا تبعثون رجلًا ينادي، أي يؤذِّن بالرؤيا المذكورة، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(قُمْ يَا بِلَالُ)، فعلى هذا فالفاء في قوله:(فَقَالَ عُمَرُ) فاء الفصيحة، والتقدير: فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد، فجاء إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقصَّ عليه فصدَّقه، فقال عمر: أو لا تبعثون. انتهى. هذا يصرِّح أن معنى قوله عليه السلام: (يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ)، أي فأذِّن بالرؤيا المذكورة، قال شيخنا: وسياق [حديث]
(1)
عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإنَّ فيه: لما قصَّ رؤياه على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال له: أَلْقِهَا عَلَى بِلَال فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا قال: فسمعَ عُمَر الصَّوت فخرجَ فأتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: لقدْ رأيتُ مثلَ الذي رأى. فدلَّ على أن عُمَر لم يكن حاضرًا لما قصَّ عبد الله بن زيد رؤياه، والظاهر أن إشارة عُمَر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت عقب المشاورة فيما يتعلَّق به، وأنَّ رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك، والله أعلم.
قال القاضي عياض: المراد الإعلام المحضُّ بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع، قال شيخنا: وأغرب القاضي أبو بكر بن العَرَبي فحمل قوله: (أذَّن) على الأذان المشروع فطعن في صحَّة حديث ابن عمر، وقال: عجبًا لأبي عيسى كيف صحَّحه، والمعنى ورد أن يشرع الأذان إنَّما كان برؤيا عبد الله بن زيد. انتهى. فلا تُدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدَّمناه، وقد قال ابن مَندَه في حديث ابن عُمَر: إنَّه مجمع على صحَّته.
قال العَيني: أما حديث عبد الله بن زيد فأخرجه أبو داود حدَّثنا محمَّد بن مَنْصور الطُّوسي حدَّثنا يعقوب حدَّثنا أبي عن محمَّد بن إِسْحاق حدَّثني محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التَّيْمي عن محمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربُّه حدَّثني أبي عبد الله بن زيد قال: ((لما أمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليعمل ليضرب به النَّاس لجمع الصَّلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع النَّاقوس؟ قال: وما يصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصَّلاة، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمَّدًا رسول الله أشهد أن محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح
(1)
ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من فتح الباري وعمدة القاري.
حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله. قال: ثمَّ استأخر عني غير بعيد، ثمَّ قال: ثمَّ يقول إذا أقمت الصَّلاة الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصَّلاة قد قامت الصَّلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما رأيته، فقال: إنَّها لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذِّن به قال: فسمع ذلك عُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه وهو في بيته، فخرج يجرُّ رداءه يقول: والذي بعثك بالحقِّ يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما أُري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلِلَّهِ الحَمْدُ)) وأخرجه التِّرْمِذي أيضًا، فلم يذكر فيه كلمات الأذان ولا الإقامة، وقال: حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجَهْ أيضًا فلم يذكر فيه لفظ الإقامة وزاد فيه شعرًا، فقال عبد الله بن زيد في ذلك:
أحمد الله ذا الجلال وذا الإكـ
…
رام حمدًا على الأذان كثيرًا
إذ أتاني به البشير من اللـ
…
ه فأكرم به لديَّ بشيرًا
في ليالٍ وافى بهنَّ ثلاث
…
كلَّما جاءني زادني توقيرًا
وأخرج ابن حبَّان هذا الحديث أيضًا في «صحيحه» ، ورواه أحمد في «مسنده» ، وقال أبو عُمَر بن عبد البرِّ: روى عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في قصَّة عبد الله بن زيد في بدء الأذان، جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعانٍ متقاربة، وكلُّها تتفق على أمره عند ذلك، والأسانيد في ذلك من وجوه صحاح، وفي موضع آخر من وجوه حسان، ونحن نذكر أحسنها، فذكر ما رواه أبو داود: حدَّثنا عبَّاد بن موسى الخُتَّلِيّ وحدَّثنا زياد بن أيُّوب، وحديث عبَّاد أتمُّ، قالا: حدَّثنا هُشَيم عن أبي بشر، قال زياد: أنبأنا أبو بشر عن أبي عُمَير بن أَنَس عن عمومة له من الأنصار قال: ((اهتمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع النَّاس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصَّلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكروا له القنع، يعني الشَبُّور، وقال زياد: شَبُّور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: هُوَ مِنْ أَمْرِ اليَهُودِ قال: فذكر له الناقوس، فقال: هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يومًا، قال: ثمَّ أخبره النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنَا؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدٍ فَافْعَلْهُ فأذَّن بلال)).
فأبو داود ترجم لهذا الحديث بقوله:
باب بدء الأذان، فهذا الذي هو أحسن أحاديث هذا الباب، كما ذكره أبو عُمَر يقوِّي كلام القُرْطُبي الذي ذكرناه آنفًا، لأنَّه ليس فيه ما يخالفه حديث عبد الله بن زيد بهذه الطريقة، لأنَّه لم يذكر فيها أنَّ عُمَر سمع الصوت، فخرج فأتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فدلَّ بحسب الظَّاهر أنَّ عُمَر رضي الله عنه كان حاضرًا، فهو يردُّ كلام بعضهم، الذي ذكرناه عنه، وهو قوله: فدلَّ على أن عُمَر لم يكن حاضرًا لما قصَّ عبد الله بن زيد رؤياه، إلى آخر ما ذكره، فافهم. انتهى.
قال شيخنا: إذا سكت في رواية أبي عُمَير، عن قوله فسمع عُمَر الصَّوت فخرج، وأثبتها ابن عمر، إنَّما يكون إثبات ذلك دالًا على أنَّه لم يكن حاضرًا، فكيف يعترض بمثل هذا إلَّا من غطَّى التعصُّب بصيرته، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله جلَّ وعلا. وحديث عبد الله بن زيد لا يخالف ما تقدَّم، أن عبد الله بن زيد لما قصَّ منامه فسمع عُمَر الأذان، فجاء فقال: قد رأيت، لأنَّه يحمل على أنَّه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيًا عنه، لقوله: ما منعك أن تخبرنا؟ أي عقب إخبار عبد الله، فاعتذر بالاستحياء، فدلَّ على أنَّه لم يخبر بذلك على الفور.
وليس في حديث أبي عُمَير التصريح بأن عُمَر كان حاضرًا عند قصِّ عبد الله رؤياه، بخلاف ما وَقَعَ في رواية الَّتي ذكرتها، فسمع عُمَر الصَّوت فخرج، فقال فإنَّه صريح بأنه لم يكن حاضرًا عند قصِّ عبد لله. انتهى.
فيه: أن قوله: (قُمْ يَا بِلَال فَنَادِ أَو فَأذِّنْ) يدلُّ على أنَّ مشروعية الأذان قائمًا، وإنَّه لا يجوز قاعدًا، قال عياض: وهو مذهب العلماء كافة، إلَّا أبا ثور فإنه جوَّزه، ووافقه أبو الفَرَج المالكي رحمه الله، وضعَّفه النَّوَوي لوجهين أحدهما: المراد بالنداء هنا الإعلام، الثاني: المراد قم واذهب إلى موضع بارز، فنادِ فيه بالصلاة، وليس فيه تعرُّض للقيام في حال الأذان، ومذهبنا ــ أي الحنفيَّة ــ المشهور أنَّه سنَّة، فلو أذَّن قاعدًا بغير عذر صحَّ أذانه، لكن فاتته الفضيلة، ولم يثبت في اشتراط القيام شيء، وفي كتاب أبي الشيخ بسند لا بأس به عن وائل بن حُجْر قال: حقٌّ وسنَّة مسنونة ألَّا يؤذِّن إلَّا وهو طاهر، ولا يؤذِّن إلَّا وهو قائم، وفي «المحيط» إن أذَّن لنفسه فلا بأس أن يؤذِّن قاعدًا من غير عذر، مراعاة لسنَّة الأذان وعدم الحاجة إلى إعلام النَّاس، وإن أذَّن قاعدًا لغير عذر صحَّ وفاتته الفضيلة، وكذا لو أذَّن قاعدًا مع قدرته على القيام صحَّ أذانه، والصَّواب ما قاله ابن المنذر: أنَّهم اتَّفقوا على أنَّ القيام سنَّة، قال شيخنا: كان اللَّفظ الذي ينادي به بلال للصلاة، قوله: الصَّلاة جامعة، أخرجه ابن سعد في «الطبقات» من مراسيل سعيد بن المُسَيَّب، وظنَّ بعضهم أنَّ بلالًا حينئذ أُمر بالأذان المعهود، فذكر مناسبة اختصاص بلال بذلك دون غيره، لكونه كان لما عذِّب ليرجع عن الإسلام، يقول: أحد أحد، فجُوزي
به لأنَّه الأذان المشتمل على التوحيد في ابتدائه وانتهائه، وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال، إلَّا أنَّ هذا الموضع ليس هو محلُّها.
وفيه دليل على مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة، دون الاقتصار على الظَّواهر، وفيه منقبة ظاهرة لعُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه، وفيه مشروعية التَّشاور في الأمور المهمة، وإنَّه ينبغي للمتشاورين أن يقول كلٌّ منهم ما عنده، ثمَّ صاحب الأمر يفعل ما فيه المصلحة، وفيه التحين لأوقات الصَّلوات، قلت: وفيه كراهية التشبيه بأهل الكتاب، وفيه الردُّ على المستشار إذا أخطأ، وفيه أنَّ رؤيا المؤمن حقٌّ، وفيه الاستحياء ولو كان في حقٍّ.
فوائد: منها الاستشكال في إثبات الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، لأنَّ رؤيا غير الأنبياء لا يُبنى عليها حكم شرعي، والجواب: مقارنة الوحي لذلك، وقد تقدَّم من الأحاديث ما يدلُّ على ذلك، قال شيخنا: أو لأنَّه أمر بمقتضاهما لينظر أيقرَّ على ذلك أم لا، سيَّما لما رأى سعد دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده عليه السلام في الأحكام، وهو المقصود في الأصول ويؤيِّد الأوَّل ما رواه عبد الرزَّاق وأبو داود في «المراسيل» من طريق عُبَيْد ابن عُمَير التَّيمي أحد كبار التَّابعين أن عُمَر رضي الله عنه لما رأى الأذان جاء يخبر النَّبِيَّ عليه السلام، فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلَّا أذان بلال، فقال له النَّبِيُّ عليه السلام سبقك بذلك الوحي، هذا أصحُّ مما حكى الدَّاوُدي: أنَّ جبريل أتى النَّبِيَّ بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد بثمانية أيَّام، والله أعلم.
ومنها الترجيع في الأذان، وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما، وبه قال الشَّافعي ومالك، إلَّا أنَّه لا يأتي بالتكبير في أوَّله إلَّا مرَّتين، وقال أحمد: إن رجع فلا بأس به، وإن لم يرجع فلا بأس به، وقال أبو إِسْحاق من أصحاب الشافعي: إنَّه إن ترك الترجيع يعتدُّ به، وحكى عن بعض أصحابه أنَّه لا يعتدُّ به، كما لو ترك سائر كلماته، كذا في «الحلية» ، وفي «شرح الوجيز» ، والأصحُّ إن ترك الترجيع لم يضرُّه، وحجَّة الشَّافعي حديث أبي محذورة:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الأَذَانَ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَشْهَد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ.، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ)) رواه الجماعة إلَّا البخاري من حديث عبد الله بن مُحَيريز عن أبي مَحذُورَة، قال العَيني: وحجَّة أصحابنا ــ أي الحنفيَّة ــ حديث عبد الله بن زيد من غير ترجيع فيه، وكان حديث أبي مَحذُورَة لأجل التعليم، فكرره فظنَّ أبو مَحذُورَة أنَّه ترجيع وأنَّه في أصل الأذان. وروى الطَّبَرَاني في «معجمه الأوسط» عن أبي مَحذُورَة أنَّه قال: ((أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم [الأَذَانَ]
(1)
حَرْفًا حَرْفًا: اللهُ أَكْبَرُ
…
)) إلخ. ولم يذكر فيه ترجيعًا، وأذان بلال بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرًا وحضرًا، وهو مؤذِّن رسول الله بإطباق أهل الإسلام
(1)
ليس في الأصل، والإضافة من عمدة القاري.
إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤذِّن أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه إلى أن توفي من غير ترجيع.
ومنها قال العَيني: أنَّ التكبير في أوَّل الأذان مربَّع، على ما في حديث أبي مَحذُورَة، رواه مسلم وأبو عَوانة والحاكم، وهو المحفوظ عن الشَّافعي من حديث ابن زيد رضي الله عنه، وقال أبو عُمَر: ذهب مالك وأصحابه إلى أنَّ التكبير في أوَّل الأذان مرَّتين، قال: وقد روي ذلك من وجوه صحاح في أذان أبي مَحذُورَة، وأذان ابن زيد، والعمل عندهم بالمدينة على ذلك، في آل سعد القَرَظ إلى زمانهم، قال العَيني: الذي ذهبنا إليه هو أذان الملك الباري من السماء. انتهى.
ومنها في أذان الفجر الصَّلاة خير من النَّوم مرَّتين بعد الفلاح، روى الطَّبَرَاني في «معجمه الكبير» بإسناده عن بلال:((أنَّه أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصبح، فوجده راقدًا فقال: الصَّلاة خير من النَّوم مرَّتين، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَال، اجْعَلْهُ فِي أَذَانِكَ)) وأخرجه الحافظ أبو الشيخ في كتاب الأذان له عن ابن عُمَر قال: ((جاء بلال إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصُّبْح، فوجده قد أغفى، فقال: الصَّلاة خير من النَّوم، فقال له: اجْعَلْهُ فِي أَذَانِكَ إِذَا أَذَّنْتَ للصُّبْحِ فجعل بلال يقولها إذا أذَّن للصُّبْح)) ورواه ابن ماجَهْ من حديث سعيد بن المُسَيَّب عن بلال: ((أنَّه أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يؤذِّنه بصلاة الفجر، فقيل: هو نائم، فقال: الصَّلاة خير من النَّوم الصَّلاة خير من النَّوم))، فأُقرَّت في تأذين الفجر وخصَّ الفجر به لأنَّه وقت نوم وغفلة.
ومنها معاني كلمات الأذان، ذكر ثعلب أنَّ أهل العربيَّة اختلفوا في معنى أكبر، فقال أهل اللَّغة: معناه كبير، واحتجُّوا بقوله تعالى:{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] معناه: وهو هيِّن عليه، وكما في قول الشاعر:
تمنَّى رجال أن أموت وإن أمت
…
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي لست فيها بواحد، وقال الكِسائي والفرَّاء وهشام: معناه أكبر من كلِّ شيء، فحذفت (من) كما في قول الشاعر:
إذا ما ستور البيت أُرخيت لم يكن
…
سراج لنا إلَّا ووجهك أنور
أي أنور من غيره، وقال ابن الأَنْباري: وأجاز أبو العبَّاس: الله أكبر، واحتجَّ بأنَّ الأذان سُمِعَ وقفًا لا إعراب فيه.
قوله: (أَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إلَّا الله) معناه: أعلم وأبيِّن، ومن ذلك شهد الشاهد عند الحاكم، معناه قد بيَّن له وأعلمه الخبر الذي عنده، وقال أبو عبيدة: معناه أقضي كما في: {شَهِدَ اللهُ} [آل عمران: 18] معناه: قضى الله، وقال الزَّجَّاجي: ليس كذلك، وإنما حقيقة الشَّهادة هو تيقُّن الشيء وتحققه، من شهادة الشيء أي حضوره.
قوله: (رَسُولُ اللهِ) قال ابن الأَنْباري: الرَّسُول معناه في اللُّغة: الذي يتابع الأخبار من الذي بعثه، من قول العرب قد جاءت الإبل رسلًا، إذا جاءت متتابعة ويقال في تثنيته: رسولان، وفي جمعه: رسل، ومن العرب من يوحِّده في موضع