الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَا فِي العَتَمَةِ) وهي صلاةُ العشاء، يعني: لو يعلمون ما في ثواب أدائها وأداء الصبح (لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) أي: ولو كانوا حابين، من: حَبَا الصبيُّ إذا مشى على أربع، قاله صاحب «المجمل» ، ويقال: إذا مشى على يديه وركبتيه أو استه. انتهى.
فيه: فضيلةُ الأذان، وقد ذكرناه فيما مضى من ذلك.
وفيه: فضيلةُ الصف الأول لاستماع القرآن إذا جهر الإمام، والتأمين عند فراغه من الفاتحة، والتكبير عقيب تكبير الإمام، وأيضاً يحتمل أن يحتاج الإمام إلى الاستخلاف عند الحدث فيكون هو خليفته، فيحصل له بذلك أجرٌ عظيمٌ، أو يضبط صفة الصلاة ويفعلها ويعلمها الناس، وروى مسلم:((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا))، وفي «الأوسط» للطبراني:((استغفر للصف الأول ثلاث مرات، وللثاني مرتين، وللثالث مرة))، وعن جابر بن سمرة من حديث مسلم:((أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا، يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ))، وعند ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها:((لَا يَزَالُ قَوْمُ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ إِلَى النَّارِ))، وعن عبد الرحمن بن عوف:((إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ))، وعند ابن حبان عن البراء بن عازب:((إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ)).
وقال القرطبيُّ: اختلف في الصف الأول هل هو الذي يلي الإمامَ أو المبكِّرُ؟ والصحيحُ: أنه الذي يلي الإمام، فإن كان بين الإمام والناس حائلٌ كما أحدث الناسُ المقاصيرَ فالصفُّ الأولُ الذي يلي المقصورةَ.
وفي «التوضيح» : الصفُّ الأولُ: ما يلي الإمام ولو وقع فيه حائل خلافاً لمالك، وأبعد مَن قال: إنه المبكر، ولو جاء رجل ورأى الصف الأول مسدداً لا ينبغي أن يزاحمهم، وقد روي عن ابن عباس يرفعه:((مَنْ تَرَكَ الصَّفَّ الأَوَّلَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِماً أَضْعَفَ اللهُ لَهُ الأَجْرَ)).
وفيه: فضيلةُ التبكير إلى الصلوات.
وفيه: حثٌّ عظيمٌ على حضور صلاتي العتمة والصبح، والفضل الكبير في ذلك لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول اليوم وآخره.
وفيه: تسميةُ العشاء بالعتمة. فإن قلت: قد ثبت النهيُ عنه.
قال العيني: هذه التسميةُ لبيان الجواز، وإنَّ النهيَ ليس للتحريم، وأيضاً استعمال العتمة ههنا لمصلحةٍ؛ لأنَّ العرب كانت تستعمل العشاء في المغرب، فلو قال: ما في العشاء؛ لحملوها على المغرب، ففسد المعنى وفات المطلوب، فاستعمل العتمة التي لا يشكون فيها، فقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما.
وفيه: أنَّ الصفَ الثاني أفضلُ من الثالث، والثالث من الرابع، وهلم جراً.
وفيه: دلالةٌ لمشروعية القرعة.
وفيه: ما استدلَّ به بعضهم ممن قال بالاقتصار على مؤذنٍ واحدٍ، وهذا ليس بظاهرٍ؛ لصحة استهام أكثر من واحد.
قلت: وفيه الوعظُ بالدليل المجمل.
وفيه: السعيُ في تحصيل الفضائل ولو بالمشقة العظيمة. انتهى.
(10)
(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)
أي: هذا باب في بيان حكم الكلام في أثناء الأذان بغير ألفاظه، لكنه ما صرّح بالحكم كيف هو، أجائزٌ أم غير جائزٍ؟ قال شيخنا: وجرى المصنف على عادته في عدم الجزم بالحكم الذي دلالته غير صريحة، لكن إيراده الأثرين المذكورين فيه، وإيرادُه حديث ابن عباس يشير إلى أنه اختار الجواز كما ذهبت إليه طائفةٌ على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.
قوله: (وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ) أي: سليمان بن صُرَد - بضم الصاد المهملة وفتح الراء في آخره دال مهملةر- ابن أبي الجون الخزاعيُّ الصحابيُّ، وكان اسمه في الجاهلية: يساراً، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سليمان، وكنيته: أبو المطرِّف، وكان حبراً عابداً ترك الكوفة، وقال ابن سعد: قتل بالجزيرة بعين الوردة في شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين، وكان أميراً على التوابين أربعة آلاف يطلبون بطلب الحسين بن علي رضي الله عنهم.
وهذا التعليقُ أخرجه ابن أبي شيبة من حديث موسى بن عبد الله بن يزيد بن
(1)
سليمان بن صرد وكانت له صحبةٌ: كان يؤذن في العسكر، فكان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه. ووصله أبو نعيمٍ شيخ البخاريِّ في كتاب الصلاة له، وأخرجه البخاريُّ في «التاريخ» عنه بإسناد صحيح، ولفظه مثل لفظ ابن أبي شيبة.
قوله: (وَقَالَ الحَسَنُ) أي: البصري، ترجمته في باب:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] في كتاب الإيمان.
قوله: (لَا بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ) قال العيني: وهذا الأثر المطلق غير مطابق للترجمة؛ لأنها في الكلام في الأذان، والضحكُ ليس بكلامٍ؛ لأنه صوتٌ يسمع نفس الضاحك ولا يسمع غيره، ولو علق عنه ما رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» :((حدثنا ابن علية قال: سألت يونس عن الكلام في الأذان والإقامة، فقال: حدثني عبيد الله بن غلاب، عن الحسن: أنه لم يكن يرى بذلك بأساً)) لكان أَوْلى وأوفق للمطابقة. انتهى.
قال شيخنا: هذا التعليقُ لم أره موصولاً، والذي أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طرقٍ عنه جوازُ الكلام بغير قيد الضحك. وقيل: مطابقتُه للترجمة من جهة أن الضحك إذا كان بصوت قد يظهر منه حرف مفهم أو أكبر
(2)
، فيفسد
(3)
الصلاة، ومن منع الكلامَ في الأذان أراد أن يساويه بالصلاة، وقد ذهب الأكثر إلى أن تعمُّد الضحك يبطل الصلاة ولو لم يظهر حرف، فاستوى مع الكلام في بطلان الصلاة بعمله. انتهى.
616 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) أي: ابن مسرهد، ترجمته في باب: من الإيمان أن تحب.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) أي: ابن زيد، ترجمته في باب:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] في كتاب الإيمان.
قوله: (عَنْ أَيُّوبَ) أي: السختياني، ترجمته في باب حلاوة الإيمان.
قوله: (وَعَبْدِ الحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ) أي: ابن دينار، قلت: البصريّ،
(1)
كذا في الأصل، والصواب:(أن) كما في ((المصنف)).
(2)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:(أكثر) بالثاء.
(3)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:(فتفسد).
وقال عمر بن علي: هو عبد الحميد بن واصل، سمع أنس بن مالك وعبد الله بن الحارث، روى عنه شعبة وحماد بن زيد وإسماعيل بن علية.
قوله: (وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ) أي: ابن سليمان، ترجمته في باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان.
قوله: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ) أي: ابن عم محمد بن سيرين وزوجُ ابنته، وهو تابعي صغير، وقال الواقدي: هو خَتَنُ محمد بن سيرين، سمع عبد الله بن العباس وأبا هريرة وأفلح مولى أبي أيوب وعبد الله بن عمرو وزيد بن أرقم، وروى عنه عاصم الأحول وأيوب وعبد الحميد صاحب الزيادي وخالد الحذاء وابنة يوسف بن عبد الله.
قوله: (قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ) أي: عبد الله، ترجمته في بدء الوحي.
في هذا الإسناد: التحديثُ بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنةُ في موضعين، وفيه القولُ في موضعين. قال العينيُّ: وفيه رواية أيوب عن ثلاثة أنفس.
قلت: ليس هو كذلك، وإنما الراوي عن ثلاثة أنفس فيه حماد، فانظره. انتهى.
وفيه: عبد الله بن الحارث تابعيٌّ صغيرٌ كما تقدم، ورواية الثلاثة عنه من رواية الأقران؛ لأن الثلاثة من صغار التابعين.
ورجال الإسناد كلهم بصريون، وقد جمعهم حماد لمسدد كما هنا، وكذلك رواية سليمان بن صرد عنه عند أبي عوانة وأبي نعيم في «المستخرج» ، وكان حماد ربما اقتصر على بعضهم كما سيأتي قريباً في باب: يصلي الإمام بمن حضر عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن حماد بن عبد الحميد، وعن عاصم فوقهما، ورواه مسلم عن أبي الربيع عن حماد عن أيوب وعاصم، ومن طرق أخرى، منها وهيب عن أيوب، وحكي عن وهيب: أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث. قال شيخنا: وفيه نظر؛ لأن في رواية سليمان بن حرب عن حماد وأيوب قالا: سمعنا عبد الله بن الحارث، كذلك أخرجه الإسماعيلي وغيره، ولمسدَّدٍ فيه شيخٌ آخر، وهو ابن علية كما سيأتي في كتاب الجمعة. انتهى.
قوله: (فِي يَوْمِ رَدْغٍ، فَلَمَّا بَلَغَ المُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ «الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ»، فَنَظَرَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ) هذا الحديث غير مطابق للترجمة على ما زعمه الداودي، فإنه قال: لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان، بل القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك المحل.
قال العينيُّ: سلّمنا أنه مشروعٌ في مثل هذا الموضع، ولكنا لا نسلم أنه من جملة ألفاظ الأذان المعهودة، بل هذا حجة لمن يجوز الكلام في الأذان عند ظهور مصلحة وإن كانت الإجابة واجبة، فعلى هذا أمرُ ابن عباس المؤذن بهذا الكلام يدلُّ على أنَّه لم ير بأساً بالكلام في الأذان، فمن هذا الوجه يحصل التطابقُ بين الترجمة والحديث، فافهم. انتهى.
قلت: الترجمةُ في الكلام مطلقاً، وأمرُ ابن عباس في الكلام الخاصّ الذي هو من مصلحة الأذان، فكيف يدلُّ؟ انتهى.
هذا الحديثُ أخرجه البخاريُّ أيضاً في الصلاة عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي فوقهما كلاهما عن حماد بن زيد عن أيوب،
وفي الجمعة عن مسدد عن إسماعيل بن علية عن عبد الحميد به. وأخرجه مسلم في الصلاة عن علي بن حجر عن إسماعيل به، وعن أبي كامل الجحدري، وعن أبي الربيع الزهراني عن حماد، وعن إسحاق بن منصور عن النضر بن شميل عن شعبة عن عبد الحميد به، وعن عبد بن حميد عن سعيد بن عامر عن شعبة، وعن عبد بن حميد عن أحمد بن إسحاق الحضرمي عن وهيب عن أيوب. وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن إسماعيل به، وأخرجه ابن ماجه عن أحمد بن عبدة الضبي عن عباد بن عباد المهلبي عن عاصم به.
قوله: (فِي يَوْمٍ رَدْغٍ) بفتح الراء وسكون الدال المهملة وبالغين المعجمة، هذه رواية ابن السَّكَن والكُشْميهنيُّ وأبي الوقت، وفي رواية الأكثرين:(رزغ) بالزاي موضع الدال، وقال القرطبي: والأول أشهر، وقال أيضاً: والصوابُ الفتحُ، يعني فتح الدال، فإنه الاسمُ، وبالسكون المصدر. وقال صاحب «التلويح» :(الردغ) بدال مهملة وغين معجمة، رواه العدوي وبعض رواية مسلم، وكذا لابن السّكن والقابسيّ، إلا أنهما فتحا الدال، قال العيني: وهي روايتنا من طريق أبي الوقت، ورواه الأصيلي والسمرقندي:(زرغ) بزاي مفتوحة بعدها غين معجمة، قال السفاقسيُّ: رويناه بفتح الزاي، وهو في اللغة بسكونها. قال الداودي: الرزغ: الغيم البارد، وفي «المحكم» : الرزغ: الماءُ القليلُ في الثماد، والرزغة أقل من الردغة، والوزغة بالفتح: الطين الرقيق، وفي «الصحاح» : الرَّزَغَة بالتحريك: الوحلُ، وكذلك الرَّدَغَة بالتحريك، وفي كتاب أبي موسى: الردغةُ بسكون الدال وفتحها: طين ووحل كثير، والجمع: رداغ، وقد يقال: ارتدع بالعين المهملة: تلطخ، والصحيح الأول.
وقوله: (فِي يَوْمِ رَدْغٍ) بالإضافة، وفي رواية:(فِي يَوْمٍ ذِي رَزْغٍ)، قال شيخنا: هي رواية الحجبي الآتية، وأوضح
(1)
، وفي رواية ابن عليَّة:(فَي يَوْمٍ مَطِيرٍ).
وقال الكرمانيُّ: فإن قلت: اليوم أهو بالإضافة إلى الردغ أو بالتنوين على أنه موصوف؟
قلت: الإضافةُ ظاهرةٌ، وتحتمل الوصف على أن يكون أصله: يوم ذي ردغ.
قال العيني: لم نقف على الرواية التي ذكرناها حتى نصرف بذلك. انتهى.
قوله: (فَأَمَرَهُ) أي: أمر ابن عباس المؤذن، وهذا عطف على مقدر، وهو جواب لـ (ما) تقديره: لما بلغ المؤذن إلى أن يقول: حي على الصلاة أراد أن يقولها، فأمرها
(2)
ابن عباس أن ينادي: الصلاة في الرحال، ويوضح ذلك رواية ابن علية:(إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ)، وابن علية هو إسماعيل، روى أبو داود عن مسدد عن إسماعيل، أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي، حدثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين: أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير: (إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَلْ: صَلُّوا)، قال: فكأن الناس استنكروا
(1)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:(أن) كما في الصحيح.
(2)
في المخطوط: (فأمره).