الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا يردُّ قول من قال: لو كان الخضر حيًّا لاجتمع بنبيِّنا عليه السلام، وأيضًا عدم إتيانه إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليس مؤثرًا في الحياة ولا غيرها؛ لأنَّا عهدنا جماعة آمنوا به ولم يروه مع الإمكان، قال العَيني: وزَعَمَ ابن عبَّاس ووهب أنَّ الخضر كان نبيًّا مرسلًا، وممن قال بنبوته أيضًا مقاتل وإسماعيل بن أبي زياد، وقيل: كان وليًّا، وقال أبو الفرج: والصحيح إنَّه نبيٌّ، ولا يعترض على الحديث بعيسى؛ لأنَّه ليس على وجه الأرض، ولا بالخضر؛ لأنَّه في البحر، ولا بهاروت وماروت؛ لأنَّهما ليسا ببشر، وكذا الجواب في إبليس.
ويقال: معنى الحديث: لا يبقى ممن ترونه وتعرفونه، فالحديث عام أريد به الخصوص، والجواب الأوجه في هذا أن نقول: إنَّ المراد ممن هو على ظهر الأرض أُمَّتُه، وكلُّ من هو على ظهر الأرض أُمَّته، المسلمون أُمَّة إجابة، والكفَّار أمَّة دعوة، وعيسى والخضر ليسا داخلين في الأمَّة، والشَّيطان ليس من بني آدم. انتهى.
(21)
(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)
أي هذا باب في بيان وقت العشاء عند اجتماع الجماعة وعند تأخُّرهم، فوقتها عند الاجتماع أوَّل الوقت، وعند التأخُّر التأخير، وأما حدُّ التأخير ففي حديث عَمْرو بن العاص وقتها إلى نصف اللَّيل الأوسط، وفي رواية بُرَيدة: إنَّه صلَّى في اليوم الثَّاني بعدما ذهب ثلث اللَّيل، وفي رواية: عندما ذهب ثلث اللَّيل، ومثله في حديث أبي موسى: حين كان ثلث اللَّيل، وفي حديث جبريل عليه السلام: حين ذهب ساعة من اللَّيل، وفي رواية ابن عبَّاس: إلى ثلث اللَّيل، وفي حديث أبي بَرزَة: إلى نصف اللَّيل أو ثلثه، وقال مرَّة: إلى نصف اللَّيل ومرَّة إلى ثلث اللَّيل، وفي حديث أنس: شطره، وفي حديث ابن عُمَر: حين ذهب ثلثه، وفي حديث جابر: إلى شطره، وعنه: إلى ثلثه، وفي حديث عائشة: حتَّى ذهب عامَّة اللَّيل.
واختلف العلماء بحسب هذا، وقال عياض: وبالثلث قال مالك والشافعي في قول، وبالنصف قال أصحاب الرأي وأصحاب الحديث والشافعي في قول وابن حبيب من الحنفيَّة، وعن النَّخَعي الربع، وقيل: وقتها إلى طلوع الفجر، وهو قول داود، قال العَيني: وهذا عند مالك وقت الضرورة، ومذهب أبي حنيفة: التأخير أفضل إلَّا في ليالي الصيف، وفي «شرح الهداية» : تأخيرها إلى نصف اللَّيل مباح، وقيل: تأخيرها بعد الثلث مكروه، وفي «الغنية» : تأخيرها إلى النِّصف مكروه كراهة تحريم.
قال شيخنا: أشار بهذه الترجمة إلى الردِّ على من قال: إنَّها تسمَّى العشاء إذا عُجِّلت والعتمةَ إذا أُخِّرت أخذًا من اللَّفظين، وأراد هذا القائل بوجه غير الأوجه المتقدِّمة، فاحتجَّ عليه المُصَنِّف بأنَّها قد سمِّيت في حديث الباب في حال التقديم والتأخير باسم واحد. انتهى.
قال العَيني: هذا كلام واهٍ؛ لأنَّ الترجمة لا تدلُّ على هذا أصلًا، وإنَّما أشار بهذا إلى أنَّ اختياره في وقت العشاء التقديم عند الاجتماع، والتأخير عند التأخُّر، وهو نصَّ الشَّافعي أيضًا في «الأم» إنَّه إذا اجتمعوا عجَّل، وإذا أبطؤوا أخَّر. انتهى.
قلت: ليس بكلام واهٍ، وإنما هو نظر دقيق أفاد فيه ما لم
يسبق مثله. انتهى.
565 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرو وَهُوَ ابنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ وَالعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَالمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ وَالعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاس عَجَّلَ وَإِنْ أَبْطَؤُوا أَخَّرَ وَالصُّبح بِغَلَسٍ) قد تقدَّم هذا الحديث في باب وقت المغرب عن قريب، رواه عن محمَّد بن بشار عن محمَّد بن جعفر عن شُعْبَة، قال العَيني: فانظر بينهما في التفاوت في الرُّواة ومتن الحديث، وقد مرَّ الكلام فيه هناك مستقصى.
(22)
(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)
أي هذا باب في بيان فضل العشاء ووجه المناسبة بين البابين ظاهرة.
566 -
قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ) أي الأنصار.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا اللِّيْثُ) أي ابن سعد.
قوله: (عَنْ عُقَيْلٍ) أي بضمِّ العين ابن خالد الأيلي، ترجمة هؤلاء في بدء الوحي.
قوله: (عَنِ ابنِ شِهَابٍ) أي محمَّد بن مسلم الزُّهْري، ترجمته في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة.
قوله: (عَنْ عُرْوَةَ) أي ابن الزُّبَيْر بن العوَّام.
قوله: (أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ) ترجمتها في بدء الوحي.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاث مواضع، وفيه الإخبار بتأنيث الفعل المفرد من الماضي، وفيه القول، وفيه عن عُرْوَة وعنه مسلم في رواية يُونُس عن ابن شهاب أخبرني عروة، وفيه رواية التَّابعي عن التابعية عن الصحابية. قلت: هكذا رأيته بخطِّ العيني، ورواية التَّابعي عن التابعية ولم أرَ في السند تابعية. انتهى.
قوله: (قَالَتْ: اعْتَمَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالعِشَاءِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوا الإِسْلَامُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حتَّى قَالَ عُمَر رضي الله عنه: نَامَ النِّسَاءُ وَالصَّبْيَانُ، فَخَرَجَ فَقَالَ لِأَهْلِ المَسْجِدِ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ) قال شيخنا: لم أرَ من تكلَّم على هذه الترجمة فإنه ليس في الحديثين اللذين ذكرهما في هذا الباب ما يقتضي اختصاص العشاء بفضيلة ظاهرة، وكأنَّه مأخوذ من قوله:(مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ) فعلى هذا في الترجمة حذف تقديره باب فضل انتظار العشاء.
قال العَيني: هذا القائل نفى أوَّلًا كلام النَّاس على هذه الترجمة. ثمَّ ذكر شيئًا ادَّعى كأنَّه تفرَّد به، وهو ليس بشيء لأنَّ كلامه آل إلى الفضل لانتظار العشاء لا للعشاء، والترجمة في أنَّ الفضل للعشاء. فنقول: مطابقته للترجمة من حيث إنَّ العشاء عبادة قد اختصَّت بالانتظار لها من بين سائر الصَّلوات، وبهذا ظهر فضلها فحسن قوله: باب فضل العشاء.
قال شيخنا: عفل العَيني عن مراده وهو أنَّ العبادة إذا ثبت الفضل لمن ينتظر دخول وقتها ليؤدِّها ثبت لها الفضل بذلك إذ لولا وجود الفضل فيها ما ثبت الفضل لانتظارها وظاهر كلام العَيني أولًا أنَّ النَّاس تتكلَّم على هذا الترجمة وأني لم أنفرد بالمناسبة المذكورة ثمَّ لم يذكر شيء على ما أوهمه كلامه ثمَّ قال: مطابقة
الحديث للترجمة من حيث إلى آخره. وهذا يؤخذ من كلامي الذي عابه. انتهى.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في باب النَّوم قبل العشاء لمن غلب وأخرجه مسلم أيضًا بإسناد الباب ولفظ مسلم: (أعتمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةً من الليالي بصلاةِ العشاءِ وهي الَّتي تُدعى العتمةَ) قال ابن شهاب: وذُكر لي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وما كان لكم أن تَنْزُرُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصَّلاة، وذلك حين صاح عُمَر رضي الله تعالى عنه)، قال ابن شهاب، ولا يصلَّى يومئذ إلَّا بالمدينة قال: وكانوا يصلُّون فيما بين أن يغيب الشَّفق إلى ثلث اللَّيل الأوَّل، وأخرج مسلم من حديث أمِّ كلثوم عن عائشة:(أعتمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ذاتَ ليلةٍ حتَّى ذهبَ عامَّةُ اللَّيلِ، وحتَّى نامَ أهلُ المسجدِ ثمَّ خرجَ فصلَّى، وقالَ: إنَّه لوقتُها لولا أنْ أشقَّ على أمَّتي).
قوله: (أَعْتَمَ) : أي: دخل في العتمة، ومعناه: أخَّر صلاة العتمة، وذكر ابن سِيدَه: العتمة ثلث اللَّيل الأوَّل بعد غيبوبة الشَّفق، وقيل: عن وقت صلاة العشاء الآخرة، وقيل: هي بقيَّة اللَّيل، وفي «المصنَّف» : حدَّثنا وكيع حدَّثنا شريك عن أبي فَزارة عن ميمون بن مِهْران، قال: قلت لابن عُمَر: من أوَّل من سمَّاها العتمة؟ قال: الشيطان. قلت: هذا الأثر ذكره شيخنا في باب ذكر العشاء والعتمة لكن ذكره العَيني في هذا الباب وذكره هناك أنسب. انتهى.
قوله: (وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُو الإِسْلَامُ) أي: قبل أن يظهر، يعني: في غير المدينة، وإنَّما فشا الإسلام في غيرها بعد فتح مكَّة.
قوله: (حَتَّى قَالَ عُمَر رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ:) قال شيخنا: زاد المُصَنِّف من رواية صالح عن ابن شهاب في باب النَّوم قبل العشاء ((حَتَّى نَادَاهُ عُمَر الصَّلَاةَ)) وهي بالنَّصب بفعل مضمر تقديره: مثلًا صلِّ الصَّلاة وشاع هذا الحذف لدلالة السِّياق عليه.
قوله: (نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ) أي الحاضرون في المسجد لا النائمون في بيوتهم، وإنما خصَّهم بالذكر لأنَّهم مظنَّة قلَّة الصَّبر على النَّوم ومحلُّ الشَّفقة والرحمة بخلاف الرجال، وسيأتي قريبًا في حديث ابن عُمَر في هذه القصَّة حتَّى رقدنا في المسجد ثمَّ استيقظنا، ونخوه في حديث ابن عبَّاس وهو محمول على أنَّ الذي رقد بعضهم لا كلُّهم، ونسب الرقاد إلى الجميع مجازًا، قال شيخنا: وسيأتي الكلام على بقيَّة هذا الحديث في باب النَّوم قبل العشاء لمن غلب.
قوله: (مَا يَنْتَظِرُهَا) أي الصَّلاة في هذه الساعة، وذلك إما أنَّه لا تصلَّى حينئذ إلَّا بالمدينة، وإما أنَّ سائر الأقوام ليست في أديانهم صلاة في هذا الوقت.
قوله: (غَيْرُكُمْ) بالرفع: صفة لأحد، ووَقَعَ صفة للنكرة لأنَّه لا يتعرَّف بالإضافة إلى المعرفة لتوغله في الإبهام، اللهم إلَّا إذا أضيف إلى المشتهر بالمغايرة، ويجوز أن يكون بدلًا من لفظ: أحد، ويجوز أن ينتصب على الاستثناء فيه.
قوله: (أَعْتَمَ لَيْلَةً) يدلُّ على أنَّ غالب أحوال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كان تقديم العشاء. وفيه: جواز النَّوم قبل العشاء، وهو الذي بوَّب عليه البخاري: باب النَّوم قبل العشاء لمن غلب. قلت: لكن النَّوم قبلها مكروه والجواز لا ينافي الكراهة.
انتهى.
فيه الدلالة على فضيلة العشاء كما بيَّناها في أوَّل الباب. وفيه جواز الإعلام للإمام بأنَّ يخرج إلى الصَّلاة إذا كان في بيته، وفيه لطف النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وتواضعه حيث لم يقل شيئًا عند مناداة عُمَر رضي الله تعالى عنه.
قلت: وفيه إعلام الإمام بما حصل للمصلِّين بسبب انتظاره من المشقَّة وفيه شفقة الصَّحابة بعضهم على بعض وفيه شفقة القويِّ على الضعيف. وفيه ذكر ما يرويه المسؤول على المسؤول له وفيه جواز نظر الرجل إلى حركة شخص المرأة الأجنبيَّة إذا قلنا إنَّ إخبار عُمَر عن غير محارمه وزوجاته وهو الظاهر. انتهى.
567 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَلَاءِ) أي أبو كُرَيب الهَمْداني، ترجمته في باب من عَلِمَ وعَلَّمَ.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَسَامَةَ) أي حمَّاد بن أسامة، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (عَنْ بُرَيْدٍ) أي بضمِّ الباء الموحَّدة والرَّاء بلفظ التصغير، ترجمته في باب أي الإسلام أفضل.
قوله: (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) أي عامر جدُّ بُريد هذا، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (عَنْ أَبِي مُوْسَى) أي عبد الله بن قَيْس الأشعري، ترجمته في الباب أيضًا.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه: القول، وفيه: رواية الرجل عن جدِّه، وفيه: ثلاثة بالكنى، وفيه: أنَّ رواته ما بين كوفي ومدني، وهذا الإسناد بعينه تقدَّم في باب من أدرك من العصر ركعة، غير أنَّ هناك ذكر محمَّد بن العلاء بكنيته وههنا باسمه.
قوله: (قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِيْنَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِيْنَةِ نُزُوْلًا فِي بَقِيْعِ بُطْحَانَ وَالنَّبِيُّ عليه السلام بِالمَدِيْنَةِ فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ صَلَاةَ العِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حتَّى ابْهَارَّ اللَّيل ثمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: لِمَنْ حَضَرَ عَلَى رِسْلِكُمْ أَبْشِرُوا أَنَّ مِنْ نِعْمَتِ اللهِ عَلَيْكُمْ إنَّه لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاس يُصَلِّى هَذِهِ السَّاعة غَيْرُكُمْ، أَوْ قَالَ: مَا صَلَّى أَحَدٌ غَيْرُكُمْ لَا نَدْرِي أَيَّ الكَلِمَتَيْنِ قَالَ، قَالَ أَبُو مُوسَى: فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السَّابق وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن أبي بكر بن أبي شَيْبَة وعبد الله بن بَرَّاد وأبي كُرَيب، ثلاثتهم عن أبي أسامة عنه به، وروى أحمد وأبو داود والنَّسائي وابن خُزَيمَة وغيرهم، من حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله تعالى عنه:(صلِّينا معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ العتمةِ فلمْ يخرجْ حتَّى مضى نحو مِنْ شطرِ اللَّيلِ، فقالَ: إنَّ النَّاس قد صلَّوا وأخذُوا مضاجعَهم، وإنَّكم لن تزالُوا في صلاةٍ ما انتظرْتُم الصَّلاة، ولولا ضعفُ الضعيفِ وسقمُ السقيمِ وحاجةُ ذي الحاجةِ لأخَّرْتُ هذهِ الصَّلاة إلى شطرِ اللَّيلِ).
وأخرجه ابن ماجَهْ عن أبي سعيد: (أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى المغربَ ثمَّ لمْ يخرجْ حتَّى ذهبَ شطرُ اللَّيلِ، ثمَّ خرجَ فصلَّى
بهم، وقالَ: لولا الضعيفُ والسقيمُ لأحببْتُ أنْ أؤخِّرَ هذهِ الصَّلاة إلى شطرِ اللَّيلِ).
وروى التِّرْمِذي من حديث أبي هريرة: (لولا أنْ أشقَّ على أمَّتي لأمرْتُهم أنْ يؤخِّرُوا العشاءَ إلى ثلثِ اللَّيلِ أو نصفِه). وروى أبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه يقول: (بَقَينا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ العتمةِ فتأخَّرَ حتَّى ظنَّ ظانٌّ إنَّه ليسَ بخارجٍ، والقائلُ منَّا يقولُ: صلَّى وأنا كذلك حتَّى خرجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالُوا له كما قالُوا، فقال: أعتمُوا بهذِه الصَّلاة فإنَّكم قد فُضِّلْتُمْ بها على سائرِ الأممِ، ولم تُصَلِّها أمَّة قبلَكم).
قوله في رواية أبي داود: (بَقَينا) -بفتح القاف- أي انتظرناه، يقال: بقيت الرجل أبقيته إذا انتظرته، وأخرج أبو داود أيضًا عن عبد الله بن عُمَر:((مَكَثْنَا ذَاتَ ليلةٍ ننتظرُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لصلاةِ العشاء: فخرجَ إلينا حينَ ذهبَ ثُلُثُ اللَّيلِ أو بعده، فلا ندري أشيء شغله أم غير ذلك؟ فقالَ حينَ خرجَ: أتنتظرون هذِه الصَّلاة؟ لولا أن تثقل على أمَّتي لصلَّيت بهم هذه الساعة، ثمَّ أمر المؤذِّن فأقام الصَّلاة)). وأخرجه مسلم والنَّسائي أيضًا.
قوله: (نُزُوْلًا) جمع: نازل، كشهود جمع شاهد.
قوله: (فِي بَقِيْعِ بُطْحَانَ) البقيع -بفتح الباء الموحَّدة وكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة- وهو من الأرض: المكان المُتَّسِع، ولا يسمَّى بقيعًا إلَّا وفيه شجر أو أصولها، و (بُطْحَانَ) -بضمِّ الباء الموحَّدة وسكون الطَّاء المهملة وبالحاء المهملة، غير منصرف-: وادٍ بالمدينة، وقال ابن قرقول:(بُطْحَانَ) بضمِّ الباء، يرويه المحدِّثون أجمعون، وحكى أهل اللغة فيه بُطحان، بفتح الباء وكسر الطاء، وكذلك قيَّده أبو المعالي في (تاريخه) وأبو حاتم، وقال البَكْري: بفتح أوَّله وكسر ثانيه، على وزن: فعلان، لا يجوز غيره.
قوله: (نَفَرٌ) مرفوع لأنَّه فاعل: يتناوب، والنَّفَر عدَّة رجال من ثلاثة إلى عشرة.
قوله: (فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ عليه السلام بلفظ المتكلِّم.
قوله: (وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ) جملة حاليَّة، وجاء تفسير: بعض الشُّغل، في «معجم الطَّبَرَاني» من وجه صحيح عن الأَعْمَش عن أبي سُفْيان عن جابر:(كانَ في تجهيزِ جيش)، قال شيخنا: ففيه دلالة على أنَّ تأخير النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغاية لم يكن قصدًا ومثله قوله في حديث ابن عُمَر الآتي قريبًا ((شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً)) وكذا قوله في حديث عائشة رضي الله عنها ((فَاعْتَمَ بِالصَّلَاةِ لَيْلَةً)) يدلُّ على أنَّ ذلك لم يكن من شأنه. والفيصل في هذا حديث جابر: ((كَانُوا إِذَا اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا أَبْطَؤُوا أَخَّرَ)). انتهى.
قوله: (فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةَ) أي: أخَّرها عن أوَّل وقتها.
قوله: (حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ) -بالموحَّدة وتشديد الرَّاء على وزن: إفعال إحمار- أي طلعت نجومه واشتبكت، والباهر الممتلئ نورًا، قاله أبو سعيد الضَّرير.
وعن سيبويه: ابهارَّ اللَّيل كثرة ظلمته، وابهارَّ القمر، كثر ضوؤه، ذكره في «الموعب» وفي «المحكم» : إبهار اللَّيل إذا تراكمت ظلمته، وقيل: إذا ذهبت عامَّته، وفي «الصِّحاح» : إبهار اللَّيل ابهيرارًا: إذا ذهب معظمه وأكثره، وإبهارَّ علينا اللَّيل أي: طال.
وعند مسلم من رواية أمِّ كلثوم عن عائشة: ((حتى ذهب عامَّة اللَّيل)) قال الأَصْمَعي: ابهارَّ انتصف، مأخوذ من بهور الشيء وهو وسطه ويؤيِّده أنَّ في بعض الروايات حتَّى إن كان قريبًا
من اللَّيل، وهو في حديث أبي سعيد كما سيأتي، وسيأتي في حديث أَنَس عند المٌصَنِّف ((إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)).
وفي «الكتاب الواعي» : إبهيرار اللَّيل طلوع نجومه.
وقال الدَّاُودي: انهار اللَّيل، يعني بالنُّون، موضع الباء، تقول: كسر منه وانهزم، ومنه قوله تعالى:{فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 109] قال العَيني: وفيه نظر، ولم يقله أحد غيره.
قوله: (عَلَى رِسْلِكُمْ) -بكسر الرَّاء وفتحها- قال العَيني: أي: على هيئتكم، -والكسر أفصح- وقال شيخنا: والمعنى تأنُّوا.
قوله: (أَبْشِرُوا) من: أبشر إبشارًا، يقال: بشَّرت الرجل وأبشرته وبشَّرته بالتشديد، ثلاث لغات بمعنى، ويقال: بشَّرته بمولود فأبشر إبشارًا أي: سُرَّ.
قوله: (إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ) كلمة: (مِنْ) للتبعيض، وهو اسم: إنَّ، قال شيخنا: إنَّ بالكسر، ووهم من ضبطها بالفتح.
وأما قوله: (أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ) فهو بفتح إنَّه للتعليل، قال العَيني: ليس كذلك على ما لا يخفى، أي ليس للتعليل. انتهى.
قوله: (فَفَرِحْنَا) بلفظ المتكلِّم، عطف على قوله:(فَرَجَعْنَا)، هذا في رواية الكُشْمِيهَني، وفي رواية غيره: <فَرَجَعْنَا فَرْحَى> على وزن: فعلى، قال شيخنا كذا عند مسلم. انتهى.
قال الكِرْماني: إما جمع الفريح على غير قياس، وإما مؤنَّث الأفرح، وهو نحو: الرجال فعلت. قال العَيني: بل هو جمع: فرحان، كعطشان يجمع على: عطشى، وسكران على سكرى، ويروى (فَرَجَعْنَا فَرَحًا) بفتح الرَّاء بمعنى الفرحين، وهو نحو: الرجال فعلوا، وعلى الوجهين أعني: فرحى وفرحًا، نصب على الحال من الضَّمير الذي في (رَجَعْنَا) فإن قلت: المطابقة بين الحال وذي الحال شرط في الواحد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، وفي رواية:(فَرَحًا) غير موجود. قلت: الفرح مصدر في الأصل ويستوي فيه هذه الأشياء.
قوله: (بِمَا سَمِعْنَا) الباء: تتعلَّق (بِفَرِحْنَا)، وكلمة:(مَا) موصولة، والعائد محذوف تقديره: بما سمعناه. فإن قلت: ما سبب فرحهم؟ أجيب: علمهم باختصاصهم بهذه العبادة الَّتي هي نعمة عظمى مستلزمة للمثوبة الحسنى، قاله الكِرْماني، وقال شيخنا: مع ما انضاف إلى ذلك من تجميعهم فيها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال العَيني: مع كونه مشغولًا بأمر الجيش خرج إليهم وصلَّى بهم، فحصل لهم الفرح بذلك، وازدادوا فرحًا ببشارته بتلك النعمة العظيمة. انتهى.
فيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء، قلت: مذهبنا كراهة النَّوم قبل العشاء والحديث بعدها كما يأتي. انتهى. وفيه إباحة تأخير العشاء إذا علم أنَّ بالقوم قوَّة على انتظارها ليحصل لهم فضل الانتظار، ولأنَّ المنتظر للصلاة في الصلاة. وقال ابن بطَّال: وهذا لا يصلح اليوم لأئمَّتنا، لأنَّه عليه السلام لما أمر الأئمَّة بالتخفيف وقال:((إنَّ فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة)) كان ترك التطويل عليهم في انتظارها أولى، وقال مالك: تعجيلها أفضل للتخفيف، قلت: والتعجيل عند الشَّافعي أفضل أيضًا. انتهى.
وقال ابن قُدامة ـ أي من الحنابلة ـ يستحبُّ تأخيرها للمنفرد، ولجماعة يرضون بذلك، وإنما نقل التأخير عنه عليه السلام مرَّة أو مرَّتين لشغل حصل له. وقال