المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب وقت المغرب) - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب وقت المغرب)

به بيان الأعمال لا بيان الأوقات. هذا الحديث أخرجه البخاري في الإجارة أيضًا.

قوله: (مَثَلُ المُسْلِمِيْنَ) المَثل -بفتح الميم- في الأصل بمعنى المِثل -بكسر الميم- وهو النظير، يقال: مِثل ومَثَل ومَثيل كشِبه وشَبَه وشبيه، ثمَّ قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده مِثل، ولم يضربوا مثلًا إلَّا لقول فيه غرابة، وهذا تشبيه المركب بالمركب، فالمشبه والمشبه به هما المجموعان الحاصلان من الطرفين، وإلا كان القياس أن يقال: كمثل أقوام استأجرهم رجل، ودخول كاف التشبيه على المشبه به في تشبيه المفرد بالمفرد، وهذا ليس كذلك.

قوله: (لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجرِكَ) الخطاب إنَّما هو للمستأجر، والمراد منه لازم هذا القول، وهو ترك العمل.

قوله: (فَقَالَ: أَكْمِلُوا) كذا للأكثر بهمزة القطع، وبالكاف من الإكمال، وكذا وَقَعَ في رواية البخاري في الإجارة، ووَقَعَ هنا في رواية الكُشْمِيهَني: <اعْمَلُوا> بهمزة الوصل وبالعين من العمل.

قوله: (حِيْنَ) منصوب بأنه خبر كان؛ أي كان الزَّمان زمان الصلاة، ويجوز أن يكون مرفوعًا بأنَّه اسم كان وتكون تامة.

وحاصل المعنى من قوله: (وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَجْرِكَ

) إلى آخره، لا حاجة في أجرتك الَّتي شرطت لنا وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، اعملوا بقيَّة يومكم وخذوا أجرتكم كاملًا، فأبوا وتركوا ذلك كلَّه، فاستأجر قومًا آخرين فقال لهم: اعملوا بقيَّة يومكم ولكم الذي شرطت لهؤلاء من الأجر، فعملوا حتَّى حان العصر قالوا: لك ما عملنا، باطل ذلك الأجر الذي جعلت لنا، لا حاجة لنا فيه، فقال لهم: اكملوا بقيَّة عملكم، فإنما بقي من النَّهار شيء يسير وخذوا أجركم، فأبوا عليه فاستأجر قومًا آخرين، فعملوا بقيَّة يومهم، حتَّى إذا غابت الشَّمس واستكملوا أجر الفريقين كلَّه، مثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله عز وجل ومثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمقصود من هذا الحديث: ضرب المثل للنَّاس الذين شرع لهم دين موسى عليه السلام ليعملوا الدهر كلَّه بما يأمرهم به وينهاهم، إلى أن بعث الله عيسى عليه السلام فأمرهم باتباعه، فأبوا وتبرؤوا مما جاء به، وعمل آخرون بما جاء به عيسى على أن يعملوا بما يؤمرون به باقي الدَّهر، فعملوا حتَّى بُعِث سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى العمل بما جاء به فأبوا وعصوا، فجاء الله تعالى بالمسلمين فعملوا بما جاء به وتكملوا إلى قيام السَّاعة، فلهم أجر من عمل الدَّهر كلَّه بعبادة الله تعالى كإتمام النَّهار الذي استؤجر عليه كلَّه أوَّل طبقة.

وفي حديث ابن عمر: قدَّر لهم مدَّة أعمال اليهود، ولهم أجرهم إلى أن نسخ الله تعالى شريعتهم بعيسى عليه السلام، وقال عند مبعث عيسى عليه السلام: من يعمل إلى مدَّة هذا الشَّرع وله أجر قيراط؟ فعملت النَّصارى حتَّى نسخ الله تعالى ذلك بمحمَّد صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال متفضلًا على المسلمين: من يعمل بقيَّة النَّهار إلى اللَّيل وله قيراطان؟ فقال المسلمون: نحن نعمل إلى انقطاع الدَّهر، فمن عمل من اليهود إلى أن آمن بعيسى عليه السلام وعمل بشريعته له أجره مرَّتين، وكذلك النَّصارى إذا آمنوا بمحمَّد صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث:((وَرَجُلٌ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ)).

ص: 80

فإن قلت: حديث أبي موسى دلَّ على أنَّ الفريقين لم يأخذوا شيئًا، وحديث ابن عُمَر دلَّ على أنَّ كلًّا منهما أخذ قيراطًا، قال العَيني: ذلك فيمن ماتوا منهم قبل النسخ، وهذا فيمن حرَّف أو كفر بالنَّبِيِّ الذي بعث بعد نبيِّه. وقال ابن رُشَيد ما محصَّله: إنَّ حديث ابن عُمَر ذكر مثالًا لأهل الأعذار؛ لقوله: ((فعجزوا)) فأشار إلى أنَّ من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أنَّ الأجر يحصل له تامًّا فضلًا من الله، وذكر حديث أبي موسى مثالًا لمن أخَّر من غير عذر، وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم:(لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ) فأشار بذلك إلى أنَّ من أخَّر عامدًا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار.

وقال الخطَّابي: دلَّ حديث ابن عُمَر أنَّ مبلغ أجرة اليهود بعمل النَّهار كلِّه قيراطان، وأجرة النصارى للنصف الثَّاني من النَّهار إلى اللَّيل قيراطان، ولو تمَّموا العمل إلى آخر النَّهار لا يستحقوا تمام الأجرة وأخذوا قيراطين، إلَّا أنَّهم انخزلوا ولم يفوا بما ضمنوه فلم يصيبوا إلَّا ما خصَّ كلَّ فريق منهم من الأجرة وهو قيراط، ثمَّ إنَّ المسلمين لما استوفوا أجرة الفريقين معًا حاسدوهم وقالوا

إلى آخره، يعني قولهم: (أَيْ رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيْرَاطَيْنِ

) إلى آخره، ولو لم تكن صورة الأمر على هذا لم يصحَّ هذا الكلام، ومن طريق أبي موسى زيادة بيان له، وقولهم:(لَا حَاجَةَ لَنَا) إشارة إلى تحريفهم الكتب وتبديلهم الشرائع وانقطاع الطريق بهم عن بلوغ الغاية، فحرموا تمام الأجرة لجنايتهم على أنفسهم حين امتنعوا من تمام العمل الذي ضمنوه.

(18)

(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

أي هذا باب في بيان وقت صلاة المغرب، ووجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله ظاهر لا يخفى.

قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ) أي ابن أبي رباح، ترجمته في باب عظة الإمام النساء.

قوله: (يَجْمَعُ المَرِيْضُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ) هذا التعليق وصله عبد الرزَّاق في «مصنَّفه» عن ابن جُرَيج عنه.

قال شيخنا: وأشار - أي البخاري - بهذا الأثر في هذه الترجمة إلى أنَّ وقت المغرب يمتدُّ إلى العشاء، وذلك إنَّه لو كان مضيَّقًا لانفصل عن وقت العشاء، ولو كان منفصلًا لم يجمع بينهما كما في الصُّبح والظهر، وبهذه النكتة ختم الباب بحديث ابن عبَّاس الدال على أنَّه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وأما الأحاديث الَّتي أوردها في الباب فليس فيها ما يدلُّ على أنَّ الوقت مضيّق؛ لأنَّه ليس فيها إلَّا مجرد المبادرة إلى الصَّلاة في أوَّل وقتها، وكانت تلك عادته صلى الله عليه وسلم في جميع الصَّلوات إلَّا فيما ثبت فيه خلاف ذلك كالإبراد وتأخير العشاء إذا أبطؤوا كما في حديث جابر والله أعلم.

واختُلِفَ في المريض، هل يجوز له أن يجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أو لا؟ فجوَّزه أحمد وإسحاق مطلقًا، وأجازه بعض الشافعيَّة، وجوزه مالك بشرطه، والمشهور عن الشَّافعي وأصحابه المنع، ولم أر في المسألة نقلًا عن أحد

ص: 80

من الصحابة. انتهى.

قال العَيني: وقال عياض: الجمع بين الصَّلوات المشتركة في الأوقات يكون تارة سنَّة وتارة رخصة، فالسنَّة الجمع بعرفة والمزدلفة، وأمَّا الرُّخصة فالجمع في المرض والسَّفر والمطر، فمن تمسَّك بحديث صلاة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام وقدَّمه لم يرَ الجمع في ذلك، من خصَّه أثبت جواز الجمع في السَّفر بالأحاديث الواردة فيه وقاس المرض عليه، فنقول: إذا أبيح للمسافر الجمع لمشقَّة السَّفر فأحرى أن يباح للمريض، وقد قرن الله المريض بالمسافر في الترخيص له في الفطر والتيمم، وأمَّا الجمع في المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء، وعنه قولةٌ شاذةٌ: إنَّه لا يجمع إلَّا في مسجد الرسول عليه السلام، ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المطر. انتهى.

قلت: الجديد من قولي الشَّافعي جواز الجمع بالمطر تقديمًا ومنعه تأخيرًا، وشرط في التقديم وجود المطر أوَّل الصَّلاة الأولى وعند سلامها ليُصلِّ بأوَّل الثانية، ولا يضرُّ انقطاعه في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدها، وسواء قويُّ المطر وضعيفُه إذا بل الثَّوب، والثلج والبرد كمطر إن ذابا لبلهما الثَّوب، والأظهر من قولي الشَّافعي تخصيص الرُّخصة بالمصلِّي جماعة بمسجد بعيد يتأذَّى بالمطر في طريقه، بخلاف من يصلِّي في بيته منفردًا أو جماعة أو يمشي في كُنٍّ أو كان المسجد بباب داره فلا يترخص؛ لانتفاء المشقة، والثاني يترخص لإطلاق الحديث، روى الشيخان عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما:((أنَّه عليه السلام صلَّى بالمدينة سبعًا جميعًا وثمانيًا جميعًا الظهر والعصر والمغرب والعشاء)) وفي رواية لمسلم: ((منْ غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ))، قال الإمام مالك: أرى ذلك بعذر المطر. انتهى.

559 -

قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ؟) أي الجمَّال -بالجيم- الحافظ الرَّازي أبو جعفر، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ) أي ابن مسلم -بكسر اللام الخفيفة- أبو العبَّاس الأموي، عالم أهل الشام، مات سنة خمس وتسعين ومائة.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ) أي عبد الرحمن بن عُمَر، وقد مرَّ في باب الخروج في طلب العلم.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعٍ) هو عطاء بن صُهَيب النَّجَاشيِّ -بفتح النُّون وتخفيف الميم وبالشين من المعجمة- وصُهَيب بضمِّ الصَّاد المهملة، ورافع بن خُدَيج شيخ عطاء، قال ابن حبَّان: صحبه ستَّ سنين.

قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بنَ خَدِيْجٍ يَقُوْلُ) رافع بالفاء، وخَدِيج -بفتح الخاء المعجمة وكسر الدَّال المهملة وبالجيم- الأنصاري الأوسي المدني رضي الله عنه.

في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه التَّحديث بصيغة الإفراد من الماضي في موضع واحد، وفيه القول في خمس مواضع، وفيه السَّماع، وفيه أنَّ رواته ما بين رازي وشامي ومدني.

قوله: (كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وإنَّه لَيُبْصِرُ مَواقِعَ نَبْلِهِ).

مطابقته للترجمة من حيث إنَّه يدلُّ بالإشارة لا بالتصريح، فإنَّ المفهوم منه ليس إلَّا مُجَرَّد المبادرة إلى صلاة المغرب خوفًا أن يتأخَّر إلى اشتباك النُّجوم، وقد روى ابن خُزَيمَة والحاكم من حديث

ص: 81

العبَّاس بن عبد المطلب: ((لَا تَزَالُ أُمْتَي عَلَى الفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤْخِّرُوا المَغْرِبَ إِلَى النُّجُوْمِ)).

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصَّلاة عن محمَّد بن مِهْران به، وعن إِسْحاق بن إبراهيم عن شُعَيب بن إِسْحاق عن الأوزاعي به، وأخرجه ابن ماجَهْ فيه عن دُحَيم عن الوليد به.

قوله: (لَيُبْصِرُ) -بضمِّ الياء آخر الحروف- من الإبصار، واللام فيه للتأكيد.

قوله: (مَوَاقِعَ نَبْلِهِ) المواقع: جمع موقع، وهو موضع الوقوع، والنَّبْل -بفتح النُّون وسكون الباء الموحَّدة-: السِّهام العربيَّة، قال شيخنا: وروى أحمد في «مسنده» من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا: ((كنَّا نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغربَ، ثمَّ نرجع فنترامى حتَّى نأتي ديارنا فما يخفى علينا مواقع سهامنا)) إسناده حسن.

قال العَيني: النَّبْل مؤنَّثة، وقال ابن سِيدَه: لا واحد له من لفظه، وقيل: واحدتها نَبْلة مثل تمر وتمرة، وفي «المغيث» لأبي موسى: هو سهم عربي لطيف غير طويل لا كسهام النُّشَّاب، والحُسبان أصغر من النَّبْل يرمي بها على القِسي الكِنانة في مجاري الخشب.

ومعنى الحديث: أنَّه عليه السلام يبكر بالمغرب في أوَّل وقتها بمُجَرَّد غروب الشَّمس، حتَّى ينصرف أحدنا ويرمي النَّبْل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضَّوء.

فيه: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى المغرب عند غروب الشَّمس، وبادر بها بحيث إنَّه لما فرغ منها كان الضوء باقٍ، وهو مذهب الجمهور، وذهب طاوس وعطاء ووَهْب بن مُنَبِّه إلى أنَّ أوَّل وقت المغرب حين طلوع النجم، واحتجُّوا في ذلك بحديث أبي بَصْرة الغفاري قال:((صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم العصر بالمَحْمَض فقال: إنَّ هذه الصَّلاة عرضت على من كان قبلكم فضيَّعوها، فمنْ حافظَ عليها كانَ لهُ أجره مرَّتين، ولا صلاة بعدها حتَّى يطلع الشاهد))، والشاهد: النَّجم. أخرجه مسلم والنَّسائي والطَّحاوي، وأجاب الطَّحاوي رحمه الله عنه بأن قوله:(ولا صلاةَ بعدها حتَّى يرى الشاهد) يحتمل أن يكون هو آخر قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كما ذكره اللَّيث، ولكن الذي رواه غيره تأوَّل أنَّ الشاهد هو النَّجم، فقال ذلك برأيه لا عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، على أنَّ الآثار قد تواترت عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:((أنَّهُ كانَ يصلِّي المغربَ إذا توارَتِ الشَّمسُ بالحجابِ)).

و (أَبُو بَصْرَةَ) -بفتح الباء الموحَّدة وسكون الصَّاد المهملة- واسمه: حُميل -بضمِّ الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف- وقيل: جُميل -بالجيم-، قال العَيني: والأوَّل أصحُّ، و (المَحْمَض) -بفتح الميمين وسكون الحاء المهملة وفي آخره ضاد معجمة- وهو الموضع الذي ترعى فيه الإبل الحمض، وهو ما حمض وملح وأمر من النبات كالرمث والأثل والطرفاء ونحوها، والخُلَّة من النبت ما كان حلوًا، تقول العرب: الخُلَّة خبز الإبل والحمض فاكهتها.

وقد وَقَعَ اختلاف في ألفاظ هذا الحديث ورواته، رواه أبو داود من حديث أَنَس رضي الله عنه:((كنا نصلِّي المغربَ ثمَّ نرمي فيرى أحدُنا موضعَ نَبْلِه))، وعن كعب بن مالك: ((كان النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم

ص: 81

يصلِّي المغربَ، ثمَّ يرجع النَّاس إلى أهليهم ببني سلمة وهم يبصرون مواقع النَّبْل حين يُرمى بها))، قال أبو حاتم: الصحيح مرسل.

وعن أبي طَريف: ((كنتُ معَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حينَ حاصرَ الطائفَ، فكانَ يصلِّي بنا صلاةَ البصر، حتَّى لو أنَّ رجلًا رمى بسهمٍ لرأى موضعَ نَبْلِه))، قال أحمد بن حنبل: صلاة البصر المغربُ. وعند أحمد من حديث جابر رضي الله عنه ولفظه: ((نأتي بني سلمةَ ونحنُ نبصرُ مواقعَ النَّبْل))، وعند الشَّافعي من حديثه عن إبراهيم:((ثمَّ نخرجُ نتناضل حتَّى ندخل بيوت بني سلمة فننظر مواقعَ النَّبْل من الإسفار))، وعند النَّسائي بسند صحيح عن رجل من أسلَّم:((أنَّهم كانوا يصلُّون مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المغرب، ثمَّ يرجعون إلى أهليهم إلى أقصى المدينة، ثمَّ يرمون فيبصرون مواقع نَبْلِهم))، وعند الطَّبَرَاني في «المعجم الكبير» من زيد بن خالد:((كنَّا نصلِّي معَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المغربَ ثمَّ ننصرف حتَّى نأتي السوقَ وإنَّا لنرى مواضعَ النَّبْل))، وعن أمِّ حبيبة بنت أبي سُفْيان نحوه، ذكره أبو علي الطُّوسي في «الأحكام». فإن قلت: وردت أحاديث تدلُّ على تأخيره إلى قرب سقوط الشَّفق. قال العَيني: هذه لبيان جواز التأخير.

ثمَّ اختلفوا في خروج وقت المغرب، فقال الثَّوْري وابن أبي ليلى وطاوس ومَكْحول والحسن بن حيٍّ والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإِسْحاق وداود: إذا غاب الشَّفق، وهو الحمرة، خرج وقتها. وممن قال ذلك أبو يوسف ومحمَّد، وقال عُمَر بن عبد العزيز وعبد الله بن المبارك والأوزاعي في رواية، ومالك في رواية، وزُفَرُ بن الهُذَيل وأبو ثور والمبرِّد والفرَّاء: لا يخرج حتَّى يغيب الشَّفق الأبيض، ورُوي ذلك عن أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه وعائشة وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وأُبَي بن كعب وعبد الله بن الزُّبَيْر رضي الله عنهم، وإليه ذهب أبو حنيفة، وقال ابن المنذر: كان مالك والأوزاعي والشافعي يقولون: لا وقت لها إلَّا وقتًا واحدًا إذا غابت الشَّمس. وقد رُوِّينا عن طاوس إنَّه قال: لا تفوت المغرب والعشاء حتَّى الفجر، ورُوِّينا عن عطاء إنَّه قال: لا تفوت المغرب والعشاء حتَّى النَّهار.

560 -

قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ) أي بُنْدَار، ترجمته في باب ما كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يتخوَّلهم بالموعظة كيلا ينفروا.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ) أي غُنْدَر، ترجمته في باب ظلم دون ظلم.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج، ترجمته في باب يتلو باب أمور الإيمان.

قوله: (عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ) أي ابن عبد الرحمن بن عَوْف، ترجمته في باب الرجل يوصي صاحبه.

قوله: (عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرو بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ) أي أبو عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، ترجمته في باب

(1)

.

قوله: (قَدِمَ الحَجَّاجُ) أي -بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم وآخره جيم- ابن يوسف الثَّقَفي والي العراق. قال شيخنا: وصدَّر الكِرْماني كلامه أنَّ الرواية بضمِّ أوَّله، قال: وهو حاجٌّ، وهو تحريف بلا خلاف؛ فقد وَقَعَ في رواية أبي عَوانة في «صحيحه» من طريق أبي النَّضر عن شُعْبَة: سألنا جابر بن عبد الله في زمن الحجَّاج وكان يؤخِّر الصَّلاة عن وقت الصلاة. وفي رواية مسلم من طريق معاذ

(1)

لم يذكر اسم الباب في المخطوط، بل ترك بياضاً بمقدار كلمتين أو ثلاثة.

ص: 82

عن شُعْبَة: كان الحجَّاج يؤخِّر الصَّلوات. انتهى.

قال العَيني: لم يقل الكِرْماني: إنَّ الرواية بضمِّ أوَّله، وإنما قال: الحجَّاج بضمِّ الحاء جمع الحاجِّ، وفي بعضها بفتحها، وهو ابن يوسف الثَّقَفي، وهذا أصحُّ ذكره مسلم، ولم يقف الكِرْماني على الضمِّ، بل نبَّه على الفتح ثمَّ قال: وهذا أصحُّ. انتهى.

قال شيخنا: أخذ العَيني كلامي بعينه - أي في الكلام على هذا المحل - ونسبه لنفسه، وتعقَّب كلامي بما يضحك منه؛ لأنَّ حاصله: لم يقل الكِرْماني إنَّ الرواية بالضمِّ، بل نبَّه على الفتح ثمَّ قال: وهذا أصحُّ، فكأن العَيني لا يدري أنَّ من قال الحجَّاج بضمِّ الحاء جمع حاج، وفي بعضها بالفتح، قال: إنَّ الرواية وقعت بالضمِّ وبالفتح، وهي بالفتح أصحُّ، وإلَّا فما معنى أصحُّ؟! والرواية في هذا الحديث بالضمِّ لا تؤخذ عن موثوق به من أهل الرواية ولا غير موثوق به إلَّا ما وَقَعَ في عبارة الكِرْماني، أفما يستحي العَيني من هذا الانتصار البارد، ثمَّ لا يكتفي بالردِّ على السَّابق حتَّى يجعل مصحوبًا بالإغارة على كلام من نبَّه على ما يقع في كلام غيره من الخطأ؟! فإذا كان عنده لا يوثق به فكيف يأخذ كلامه بعينه ويرتضيه ويجزم به وينسبه لنفسه؟! وإن كان يوثق به فكيف يبالغ في التَّعسُّف في ردِّ كلامه مع ظهور صوابه؟! ومن أراد العجب فليتأمَّل ما استعلنه في هذا الشرح خصوصًا في هذا الباب. انتهى.

وكان قدوم الحجَّاج المذكور ههنا إلى المدينة واليًا من قِبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين، وذلك عُقيب قتل ابن الزُّبَيْر رضي الله عنهما، فأمَّره عبد الملك على الحرمين، ثمَّ نقله بعد هذا إلى العراق.

قوله: (فَسَأَلَنا جَابرُ بنُ عَبْدِ اللهِ) أي ابن زيد، ترجمته في بدء الوحي، قال العَيني: لم يبيِّن المسؤول ما هو تقديره، فسألنا جابر بن عبد الله عن وقت الصلاة، وقد فسَّره في حديث أبي عَوانة في «صحيحه» من طريق أبي النصر عن شعبة: سألنا جابر بن عبد الله في زمن الحجَّاج وكان يؤخِّر وقت الصلاة.

قوله: (بِالهَاجِرَةِ) الهاجرة: شدَّة الحرِّ، والمراد بها نصف النَّهار بعد الزوال، سمِّيت بها لأنَّ الهجرة هي الترك، والناس يتركون التصرف حينئذ لشدَّة الحرِّ لأجل القيلولة وغيرها، فإن قلت: ظاهره يعارض حديث الإبراد؛ لأنَّ قوله: (كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ) يشعر بالكثرة والدوام عرفًا.

قال ابن دقيق العيد: ويُجمع بين الحديثين بأن يكون أطلق الهاجرة على الوقت بعد الزوال مطلقًا لأن الإبراد كما تقدَّم مفيد بحال شدَّة الحرِّ وغير ذلك كما تقدَّم، فإن وُجِدَتْ شروط الإبراد أبرد، وإلا عجَّل، فالمعنى: كان يصلِّي الظهر بالهاجرة إلَّا إنَّ احتاج إلى الإبراد. قال شيخنا: وتعقِّب بأنَّه لو كان ذلك مُرَاده لفصَّل كما فصَّل في العشاء، والله أعلم. انتهى.

قوله: (وَالعَصْرَ) بالنَّصب، أي ويصلِّي العصر.

قوله: (وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ) أي بالنُّون، جملة اسميَّة وقعت حالًا على الأصل بالواو، ومعنى نقيَّة: أي خالصة صافية لم يدخلها بعدُ صفرة وتغيَّر. قلت: قال ابن الأثير في «النهاية» : والنقي المخ، يقال: نقيِّت العظم وانتقيته

ص: 82

ونقوته، قال: وفيه: ((المدينة كالكير تنفي خبثها)) الرواية المشهورة بالفاء، وقد جاء في رواية بالقاف، فلو كانت مخفَّفة فهو من إخراج المخ، أي يستخرج خبثها، وإن كانت مشدَّدة فهو من التنقية، وهو إفراد الجيد من الرديء. انتهى.

قوله: (وَالمَغْرِبَ) أي بالنَّصب أيضًا، والتقدير: وكان يصلِّي المغرب.

قوله: (إِذا وَجَبَتْ) أي إذا غابت الشَّمس، وأصل الوجوب السقوط، والمراد سقوط قرص الشَّمس، وفاعل وجبت مستتر وهو الشَّمس، وفي رواية أبي داود عن مسلم بن إبراهيم:((والمغرب إذا غربت الشَّمس))، ولأبي عَوانة من طريق أبي النَّضر عن شُعْبَة:((والمغرب حين تجب الشَّمس)) أي حين تسقط، وفيه دليل على أنَّ سقوط قرص الشَّمس يدخل به وقت المغرب، ولا يخفى أنَّ محلَّه ما إذا كان لا يحول بين رؤيتها غاربة وبين الرائي حائل، والله أعلم. انتهى.

قوله: (وَالعِشَاءَ) بالنَّصب أيضًا، أي وكان يصلِّي العشاء.

قوله: (أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا) أي منصوبان على الظرفيَّة، والأحيان جمع حين، وهو اسم مبهم يقع على القليل والكثير من الزمان، وهو المشهور، وهو المراد ههنا وإن كان جاء بمعنى أربعين سنة وبمعنى ستَّة أشهر، والمعنى: كان يصلِّي العشاء في أحيان بالتقديم وفي أحيان بالتأخير، قال شيخنا: وسيأتي الكلام على حكم وقت العشاء في بابه.

قوله: (إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ) هذا بيان لقوله: (أَحْيَانًا) يعني: إذا رأى الجماعة اجتمعوا عجَّل بالعشاء؛ لأنَّ في تأخيرها تنفيرهم.

قوله: (وَإِذَا رَآهُم أَبطَؤُوا أَخَّرَ) هذا بيان لقوله: (وَأَحْيَانًا) يعني: إذا رأى الجماعة تأخُّروا أخَّر العشاء لإحراز فضيلة الجماعة، وأبطؤوا على وزن أفعلوا بفتح الطاء وضم الهمزة، قال الكِرْماني: والجملتان الشرطيتان في محلِّ النَّصب حالًا من الفاعل. أي يصلِّي العشاء معجِّلًا إذا اجتمعوا ومؤخِّرًا إذا تباطؤوا، ويحتمل أن يكونا من المفعول والراجع إليه محذوف؛ إذ التقدير: عجَّلها وأخّرها، قال العَيني: لا نسلِّم أنَّ إذا ههنا للشرط بل على أصلها للوقت، والمعنى: كان يصلِّي العشاء أحيانًا بالتعجيل إذا رآهم اجتمعوا، وكان يصلِّي أحيانًا بالتأخير إذا رآهم تأخَّروا، والجملتان بيانيتان كما ذكرنا، وكل واحد من عجَّل وأخَّر جواب إذا.

قوله: (وَالصُّبْحَ) أي بالنَّصب أيضًا، والتقدير كما تقدم.

قوله: (كَانُوا أَوْ كَانَ) أي بكلمة الشك، قال الكِرْماني: الشك من الرَّاوي عن جابر، ومعناهما متلازمان؛ لأنَّ أيهما كان يدخل فيه الآخر، إن أراد النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فالصحابة في ذلك كانوا معه، وإن أراد الصحابة رضي الله عنهم فالنَّبِيُّ عليه السلام كان إمامهم، وخبر (كَانُوا) محذوف يدلُّ عليه (يُصَلِّيْها) أي كانوا يصلُّون، وقال ابن بطَّال: ظاهره أنَّ الصُّبح كان يصلِّيها بغلس اجتمعوا أو لم يجتمعوا، ولا يفعل فيها كما يفعل في العشاء، وهذا من فصيح الكلام، وفيه حذفان: حذف خبر كان وهو جائز كحذف خبر المبتدأ كقوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] والمعنى: واللائي لم يحضن فعدَّتهنَّ مثل ذلك ثلاثة أشهر، والحذف الثَّاني حذف الجملة الَّتي هي الخبر لدلالة ما تقدَّم عليه، وحذف الجملة الَّتي بعد أو مع كونها مقتضية لها، وقال السَّفَاقُسي: تقديره: أَوَلم يكونوا مجتمعين، ويصحُّ أن تكون كان تامة غير ناقصة، فتكون بمعنى الحضور والوقوع، ويكون المحذوف

ص: 83

ما بعد أو خاصَّة، وقال ابن المنيِّر: يحتمل أن يكون شكًّا من الرَّاوي هل قال: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أو كانوا، ويحتمل أن يكون تقديره: والصُّبح كانوا مجتمعين مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أو كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وحدَه يصلِّيها بغَلَس.

قال شيخنا: والتقدير الأوَّل أولى، أي تقدير الكِرْماني، والحقُّ إنَّه شكٌّ من الراوي، فقد وَقَعَ في رواية مسلم: والصُّبح كانوا أو قال: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وفيه حذف واحد: والصُّبح كانوا يصلُّونها، أو كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّيها بغلس.

قوله: (يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ) هذا إضمار على شريطة التفسير، قال العَيني: وقد علم أنَّ الإضمار على شريطة التفسير كلُّ اسم بعده فعل أو شبهه مشتغَل عنه بضميره أو متعلَّقه، لو سُلِّطَ عليه لنصبه، وههنا الاسم هو قوله:(والصُّبْحَ)، وقوله:(يُصَلِّيْها) فعل وَقَعَ بعده (قَالُوا)، وقوله:(بِغَلَسٍ) متعلق بقوله: (كَانُوا) أو (كَانَ) باعتبار الشكِّ، فإن علَّقها بقوله:(كَانُوا) لا يلزم منه ألَّا يكون النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم معهم وإن علَّقها بـ (كَانَ) لا يلزم ألَّا يكون أصحابه معه. والغَلَس بفتحتين: ظلمة آخر اللَّيل. انتهى.

فيه بيان معرفة أوقات الصَّلوات الخمس، وفيه بيان المبادرة إلى الصَّلاة في أوَّل وقتها إلَّا ما ورد فيه الإبراد بالظهر، قال العَيني: والإسفار بالصُّبح وتأخير العشاء عند تأخُّر الجماعة، قلت: قد علمت مما تقدَّم ما في قول العَيني والإسفار بالصُّبح. انتهى. قال ابن دقيق العيد: إذا تعارض في شخص أمران، أحدهما أن يقدِّم الصَّلاة في أوَّل الوقت منفردًا، أو يؤخُّرها في الجماعة، أيهما أفضل؟ والأقرب عندي أنَّ التأخير لصلاة الجماعة أفضل، وحديث الباب يدلُّ عليه لقوله:(وإذا رآهم أبطؤوا أخَّر) فيؤخِّر لأجل الجماعة مع إمكان التقديم.

قال شيخنا: ورواية مسلم بن إبراهيم الَّتي تقدَّمت تدلُّ على أخصَّ من ذلك، وهو أنَّ انتظار تكثر بهم الجماعة أولى من التقديم، ولا يخفى أنَّ محلَّ ذلك إذا لم يفحش التأخير، والله أعلم. انتهى.

وفيه السؤال عن أهل العلم، وفيه تعيَّن الجواب على المسؤول عنه إذا علم بالمسؤول.

561 -

قوله: (حَدَّثَنا المكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ) أي ابن بشير، ذكره في باب من أجابه المفتي بإشارة اليد.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ) أي مولى سلمة، ترجمته في باب إثم من كذب على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قوله: (عَنْ سَلَمَةَ) أي ابن الأكوع الصحابي الذي ينسب ولاء يزيد الرَّاوي عنه إليه، ترجمته في باب إثم من كذب أيضًا.

في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضع واحد، وفيه القول في موضعين، وفيه أنَّ هذا من ثلاثيَّات البخاري، وفيه اسم شيخ البخاري على صورة المنسوب، وربَّما يتوهَّم إنَّه شخص منسوب إلى مكَّة وليس كذلك.

قوله قال: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالحِجَابِ).

مطابقته للترجمة ظاهرة؛

ص: 83