المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب فضل صلاة الجماعة - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌باب فضل صلاة الجماعة

التسمير على الأبواب، وبعضَهم لا يراه. وقال بعض الحكام: أَجلِس رجلًا على بابه ويمنع من الدخول والخروج من منزله إلا الطعامُ والشراب فإنه لا يُمنَع عنهما، ويُضَيَّقُ عليه حتى يخرُج فيُحكم عليه. قال الخصاف: ومن رأى الهجوم من أصحابنا على الخصم في منزله إذا تبيَّنَ ذلك فيكون ذلك بالنساءِ والخدم والرجال، فيُقدَّم النساءُ في الدخول ويفتَّش الدار ثم يدخل البيتَ الذي فيه النساءُ خاصَّةً، فإذا وُجِدَ أُخرِج، ولا يكون الهجومُ إلا على غفلة من غير استئمار، يدخل النساءُ أولًا كما قلنا آنفًا.

وفيه: جوازُ أخذِ أهل الجرائم على غِرَّةٍ.

وفيه: جواز الحلف من غير استحلاف كما في حلف النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: جواز التخلف عن الجماعة لعذرٍ كالمرض والخوف من ظالم أو حيوان، ومنه خوفُ فواتِ الغريم.

وفيه: جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كانت فيه مصلحة، قال ابنُ بزيزة: وفيه نظر، لأن الفاضل في هذه الصورة يكون غائبًا، وهذا مختَلفٌ في جوازه.

واستدل ابنُ العربي منه في شيئين:

أحدُهما: على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك. قال العيني: وبذلك روي عن بعض أصحابنا - أي الحنفية - وادعى الجمهورُ النسخَ فيه كما في العقوبة بالمال.

والثاني: استَدَلَّ به على مشروعية قتل تارك الصلاة تهاونًا بها، والله أعلم. قال شيخنا: ونوزع في ذلك، روايةُ أبي داود التي فيها أنهم كانوا يُصلُّون في بيوتهم كما قدمناه تُعَكِّرُ عليه، نعم يمكن الاستدلال منه بوجهٍ آخر، وهو أنَّهم إذا استحقوا التحريق بترِك صفة من صفات الصلاة خارجةٍ عنها سواء قلنا واجبة أو مندوبة كَانَ من تركها أصلًا ورأسًا أَلحَقَ بذلك لكن لا يلزم من التهديد بالتحريق حصولُ القتلِ

(1)

لا دائمًا ولا غالبًا، لأنه يمكن الفرار منه أو الإخمادُ له بعد حصولِ المقصود منه من الزجر والإرهاب.

(30) بَابُ فَضْلِ الجَمَاعَةِ

أي هذا بابٌ في بيان فضل الصلاة بالجماعة، وفي بعض النسخ: <‌

‌باب فضل صلاة الجماعة

>، لا يقال: إن بين هذه الترجمة وبين ترجمة الباب الذي قبله منافاة، لأن هذه في بيان الفضيلة وتلك في بيان الوجوب، لأنَّا نقول: كون الشيء مُتَّصفًا بالوجوب لا ينافي اتصافه بالفضيلة.

قال شيخنا: لكن الفضائل تتفاوت، فالمراد من الترجمة بيان زيادة ثواب الجماعة على صلاة الفذ. انتهى.

قوله: (وَكَانَ الأَسْوَدُ) أي ابن يزيد النخعي، أحد كبار التابعين، ترجمته في باب من ترك بعض الاختيار في كتاب العلم.

قوله: (كان إِذَا تفوتهُ الصلاة بالجَمَاعَة في مسجد يذهَبُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ ليصلي فيه بالجَمَاعَة) مطابقته للترجمة ظاهرة، وهي أنه لولا ثبوتُ فضيلة الجماعة عندَه لَمَا ترك فضيلةَ أول الوقتِ والمبادرةَ إلى خلاص الذمة وتوجه إلى مسجد آخر. كذا أشار إليه بن المنير.

قال شيخنا: والذي يظهر لي أن البخاري قصد الإشارةَ بأثر الأسود وأنس إلى أن

(1)

في (الأصل) : ((الفعل)) والصواب ((القتل)).

ص: 188

الفضلَ الوارد في أحاديث البابِ مقصورٌ على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلًا كما سيأتي البحثُ فيه في الكلام على حديث أبي هريرة، لأن التجميع لو لم يكن مختصًّا بالمسجد لجمع الأسودُ في مكانه ولم ينتقل إلى مسجدٍ آخر لِطلبِ الجماعة، ولَمَا جاء أنس إلى مسجد بني رِفاعة كما سنبينُه. انتهى.

قلت: وهذا الذي قاله شيخنا يحتاج إلى أنَّ الأسود أمكنه الجماعةُ فترَكَها وطلب جماعة المسجد، وقد حصل هذا لأنس - كما سيأتي - وطَلَب المسجد، فسَانَدَ قول شيخنا. انتهى.

ووصل

(1)

هذا التعليق أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح، ولفظُه: إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه ذهب إلى مسجد آخر. وقال صاحب «التوضيح» - أي ابن الملقن -: وقد رُوي ذلك عن حذيفة وسعيد بن جبير، وذكر الطحاوي عن الكوفيين ومالك: إن شاء صلى في مسجد وحده، وإن شاء أتى مسجدًا آخر يطلب فيه الجماعة. إلا أن مالكًا قال: إلا أن يكون في المسجد الحرام أو مسجدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يخرج منه ويصلي فيه وحده، لأن الصلاة في هذين المسجدين أعظمُ أجرًا ممن صلى في جماعة. انتهى.

قلت: وعلى مقتضى هذا التعليل يكون المسجد الأقصى كذلك. انتهى.

وقال الحسن البصري: ما رأينا المهاجرين يتبعون المساجد. وفي «مختصر ابن سفيان» عن مالك: من صلى في جماعةٍ لا يعيد في جماعةٍ إلا في مسجد مكة والمدينة.

قلت: مذهب الشافعي: يعيد في جماعة ولو كلن صلى في جماعة، ولابن الرِّفعة فيه بحث. انتهى.

قوله: (وَجَاءَ أَنَسُ) أي ابنُ مَالِكٍ، ترجمته في باب من الإيمان أن يحب لأخيه.

قوله: (إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً) مطابقته للترجمة ظاهرة كالتي قبلها.

وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن ابن عُلَيَّة عن الجعد أبي عثمان عنه، وعن هشيم أخبرنا يونس بن عبيد حدثني أبو عثمان فذكره، ووصله أيضًا أبو يعلى في «مسنده» من طريق الجعد، قال: مر بنا أنس بن مالك

فذكر نحوه. وأخرجه البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العَمِيِّ نحوه، وقال: مسجد بني رفاعة. وقال: فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه. انتهى.

واختلف العلماء في الجماعة بعد الجماعة في المسجد، فرُوي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود في مسجد قد جمع فيه، وهو قول عطاء والحسن في رواية، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأشهب عملًا بظاهر قوله عليه السلام: ((صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ

)) الحديث. وقالت طائفة: لا يجمع في مسجد جمع فيه مرتين، رُوي ذلك عن سالم والقاسم وأبي قِلابة، وهو قول مالك والليث وابن المبارك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي.

وقال بعضهم: إنما يُكره ذلك خشية افتراق الكلمة وأنَّ أهل البدع يتطرقون إلى مخالفة الجماعة. وقال مالك والشافعي: إذا كان المسجد على طريق الإمام له أن يجمع فيه قوم بعد قوم.

قال العيني: وحاصل مذهب الشافعي أنه لا يكره في المسجد المطروق، وكذا

(1)

((ووصل)) ليست في (الأصل) والصواب إثباتها.

ص: 188

غيره إن بعُدَ مكان الإمام ولم يخف فيه.

645 -

646 - قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) أي التنيسي، ترجمته في بدء الوحي.

قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) أي الإمام، ترجمته فيه أيضًا.

قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي مولى ابن عمر، ترجمته في باب العلم والفتيا في المسجد.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) أي ابن الخطاب ترجمته في كتاب الإيمان.

في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضعين. وفيه: السماع. وفيه: أن رواته ما بين بصري ومدني. وفيه: أن بين مالك بن أنس والنبي صلى الله عليه وسلم اثنان.

قلت: وهو أصح الأسانيد على قول. انتهى.

قوله: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الفَرْدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً») مطابقته للترجمة ظاهرة.

وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا في الصلاة، ولفظ مسلم:((صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده))، رواه من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع.

قوله: (صَلَاةِ الفَرْدِ) والرواية المشهورة: ((صلاة الفَذِّ)) بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة، ومعناه: المنفرد. يقال: فَذَّ الرجل من أصحابه إذا بقي وحده.

قال العيني: وقد استقصينا الكلام في لفظ: (سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) في باب الصلاة في مسجد السوق فيما مضى. انتهى.

قال شيخنا: سياق مسلم أوضح، ولفظه:((صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده بسبع وعشرين درجة)). قال الترمذي: عامة من رواه قالوا: خمسًا وعشرين، إلا ابن عمر فإنه قال: سبعًا وعشرين. قلتُ: لم يُختَلَف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه: خمس وعشرون. لكن العمري ضعيفٌ.

ووقع عند أبي عوانة في «مستخرجه» من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع فإنه قال فيه: ((بخمس وعشرين))، وهي شاذةٌ مخالفةٌ لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحابِ نافع، وإن كان راويها ثقة، وأما ما وقع عند مسلم من رواية الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ:((بضع وعشرين))، فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدقِ البِضعِ على السبع.

وأما غير ابن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب، وعن ابن مسعود عند أحمد وابن خزيمة، وعن أُبَي بن كعب عند ابن ماجه والحاكم، وعن عائشة وأنس عند السراج، وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت، وكلها عند الطبراني، واتفق الجميع على خمس وعشرين سِوى رواية أُبَي فقال: أربع أو خمس على الشك، وسِوى روايةٍ لأبي هريرة عند أحمد قال فيها: سبع وعشرون. وفي إسنادها شريك القاضي، وفي حفظه ضعف، وفي رواية لأبي عوانة: بضعًا وعشرين، وليست مغايرة أيضًا لصدق البضع على الخمس.

فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذْ لا أثر للشك.

واختُلِف في أيهما أرجح: فقيل: الخمس، لكثرة رواتها. وقيل: رواية السبع لأن فيها زيادةً من عدلٍ حافظٍ.

ووقع الاختلافُ في موضع آخر من الحديث وهو:

ص: 189

مميزُ العدد المذكور، ففي الروايات كلِّها التعبيُر بقوله:((درجة)) أو حذفُ المميَّز، إلا طرق حديث أبي هريرة، ففي بعضها:((ضِعفًا))، وفي بعضها:((جزءًا))، وفي بعضها:((درجة))، وفي بعضها:((صلاة)). ووقع هذا الأخيرُ في بعض طرق حديث أنس، والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة.

وأما قول بن الأثير: إنما قال: ((درجة)) ولم يقل جزءًا ولا نصيبًا ولا حظًّا ولا يجوز

(1)

ذلك، لأنه أراد الثواب من جهة العلو أو الارتفاع، فإن تلك فوق هذه بكذا وكذا درجة، لأن الدرجات إلى جهة العلو فوق فكأنه بناه على أن الأصل لفظ درجة، وما عدا ذلك من تصرف الرواة، لكن نفيه ورود الجزء مردود، فإنه ثابت، وكذلك الضِّعف.

وقد جُمِع بين روايتي الخمس والسبع بوجوه:

منها: أن ذكر القليل لا ينفي الكثير. وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد، لكن قد قال به جماعة من أصحاب الشافعي، وحُكِي عن نصِّه.

وعلى هذا فقيل: - وهو الوجه الثاني - لعله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بخمس ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبرنا بسبع. وتُعُقِّبَ بأنه يحتاج إلى التاريخ، وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلَفٌ فيه. لكن إذا فرَّعْنَا على المنع تعيُّنَ تقدُّمِ الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص.

ثالثها: أن اختلاف العددين باختلاف مميَّزِهما، وعلى هذا فقيل: الدرجة أصغر من الجزء، وتُعُقِّبَ بأن الذي رُوي فيه الجزء رُوي عنه الدرجة. وقال بعضهم: الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة. وهو مبني على التغاير.

رابعها: الفرق بقرب المسجد وبُعدِه.

خامسها: الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع.

سادسها: الفرق بإيقاعها في المسجد أو في غيره.

سابعها: الفرق بين منتظر الصلاة وغيره.

ثامنها: الفرق بين إدراك كلها أو بعضها.

تاسعها: الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم.

عاشرها: السبع مختصة بالفجر والعشاء، وقيل: بالفجر والعصر، والخمسُ بما عدا ذلك.

حادي عاشرها: السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية. وهذا الوجه عندي أوجهُها لِمَا سأبينه.

ثم الحكمةُ في هذا العدد الخاص غيرُ محققةِ المعنى، ونقل الطيبي عن التوربشتي ما حاصله أن ذلك لا يُدرك بالرأي بل مرجعه إلى علم النبوة التي قصرَت علوم الألِبَّاءِ عن إدراك حقيقتها كلها، ثم قال: ولعل الفائدة هي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة والاقتداء بالإمام وإظهار شعائر الإسلام وغير ذلك. وكأنه يشير إلى ما قدمتُه عن غيره، وغفل عن مراد من زعم أن هذا لا يفيد المطلوب.

لكن أشار الكِرماني إلى احتمال أن يكون أصله كون المكتوبات خمسًا فأريد المبالغة في تكثيرها فضُرِبت في مثلها فصارت خمسًا وعشرين، ثم ذَكَر للسبع مناسبةً أيضًا من جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها. انتهى.

وقال بعضهم: الحسنةُ بعشر للمصلي منفردًا فإذا انضم إليه آخر بلغت عشرين ثم زيد بقدر عدد الصلوات الخمس أو يزاد عدد أيام الأسبوع. قال شيخنا:

(1)

كذا في (الأصل) : ((يجوز))، ولعل الصواب:((نحو)).

ص: 189

ولا يخفى فساد هذا. قلتُ: لأنه جعل الحسنة بعشر أمثالها للمنفرد ولم يعتبره في غيره. انتهى.

وقيل: الأعداد عشرات ومِئينَ وألوف، وخير الأمور الوسط فاعتبرت المئة، والعدد المذكور رُبعها. وهذا أشدُّ فسادًا من الذي قبله. قلت لم يقل أحدٌ أنَّ الأقل من الأجر خير من الأكثر. انتهى.

قال شيخنا: وقرأت بخط شيخنا البُلقيني - أي سراج الدين عمر - فيما كَتَبَ على «العمدة» : ظهرَ لي في هذين العددين شيءٌ لم أُسبَق إليه، لأن لفظ ابن عمر:((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ))، ومعناه: الصلاة في الجماعة كما وقع في حديث أبي هريرة: ((وصلاة الرجل في الجماعة))، وعلى هذا فكل واحد من المحكوم له بذلك صلى في جماعة، وأدنى الأعداد التي يتحقق فيها ذلك ثلاثةٌ، حتى يكون كلُّ واحد صلى في جماعة وكلُّ واحد منهم أتى بحسنة وهي بعشرة، فيحصل من مجموعه ثلاثون، فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد وهو سبعة وعشرون دون الثلاثة التي هي أصل ذلك. انتهى.

قال شيخنا: وظهر لي في الجمع بين العددين أن أقل الجماعة إمام ومأموم فلولا الإمام ما سُمي المأموم مأمومًا، وكذا عكسُه فإذا تفضل الله على من صلى جماعة بزيادة خمس وعشرين درجةً حُمِل الخبرُ الوارد بلفظها على الفضل الزائد والخبرُ الوارد بلفظ سبعة وعشرين على الأصلِ والفضلِ. انتهى.

وقد خاض قومٌ في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن الجوزي: وما جاؤوا بطائل. وقال المحب الطبري: ذَكَر بعضُهم أن في حديث أبي هريرة

(1)

- يعني ثالث أحاديث الباب - إشارةً إلى بعض ذلك، ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصَّلها ابن بَطَّال وتبعه جماعة من الشارحين، وتعقب الزينُ ابن المنير بعضَ ما ذكر واختار تفصيلًا آخر أورده.

قال شيخنا: وقد نقَّحتُ ما وقفتُ عليه من ذلك وحذفتُ ما لا يختص بصلاة الجماعة.

فأوَّلُها: إجابةُ المؤذن بنية الصلاة في جماعة، والتبكيرُ إليها في أول الوقت، والمشيُ إلى المسجد بالسكينة، ودخولُ المسجد داعيًا، وصلاة التحية عند دخوله، كلُّ ذلك بنية الصلاة في الجماعة.

سادسها: انتظار الجماعة.

سابعها: صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له.

ثامنها: شهادتهم له.

تاسعها: إجابةُ الإقامة.

عاشرها: السلامةُ من الشيطان عند نفره عند الإقامة.

حادي عشرها: الوقوف منتظرًا إحرام الإمام، أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها.

ثاني عشرها: إدراك تكبيرة الإحرام كذلك.

ثالث عشرها: تسوية الصفوف، وسد فرجها.

رابع عشرها: جواب الإمام عند قوله: سمع الله لمن حمده.

خامس عشرها: الأمنُ من السهو غالبًا، وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتحِ عليه.

سادس عشرها: حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبًا.

سابع عشرها: تحسين الهيئة غالبًا.

ثامن عشرها: احتفافُ الملائكة به.

تاسع عشرها: التدربُ على تجويد القراءة، وتعلمُ الأركان والأبعاض.

العشرون: إظهارُ شعائر الإسلام.

الحادي والعشرون: إرغامُ الشيطان بالاجتماع للعبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل.

الثاني والعشرون: السلامةُ من صفة النفاق ومِن

(1)

((أبي هريرة)) ليست في (الأصل) والصواب إثباتها.

ص: 190

إساءةِ غيرِه به الظنَّ بأنه ترك الصلاة رأسًا.

الثالث والعشرون: نيةُ ردِّ السلام على الإمام.

الرابع والعشرون: الانتفاعُ باجتماعهم على الدعاء والذكرِ وعود برَكَة الكاملِ على الناقص.

الخامس والعشرون: قيام نظام الأُلْفة بين الجيران وحصولُ تعاهدِهم في أوقات الصلوات.

فهذه خمس وعشرون خَصلة وَرَدَ في كُلٍّ منها أمرٌ أو ترغيبٌ يخُصُّهُ، وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما: الإنصاتُ عند قراءة الإمام والاستماعُ لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة، وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

قال شيخنا أيضًا: تنبيهات: الأول: مقتضى الخصال التي ذكرتُها اختصاصُ التضعيف بالتجميع في المسجد وهو الراجح في نظري كما سيأتي البحث فيه، وعلى تقدير أن لا يختص بالمسجد فإنما يسقط مما ذكرتُه ثلاثةُ أشياء وهي: المشيُ والدخولُ والتحيةُ، ويمكن أن يعوضَ من بعض ما ذُكِر مما تشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة كالأخيرتين، لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة فائدةِ عود بركة

(1)

الكامل على الناقص، وكذا فائدة قيام نظام الأُلفة غير فائدةِ حصول التعهد، وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبًا غير تنبيه الإمام إذا سها. فهذه ثلاثة يمكن أن يعوض بها الثلاثةُ المذكورة فيحصل المطلوبُ.

الثاني: لا يرد على الخصال التي ذكرتُها كونُ بعض الخصال يختص ببعض من صلى جماعةً دون بعض، كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك، لأن أجر ذلك يحصُل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع كما سبق والله أعلم. انتهى.

الثالث: معنى الدرجة والجزء حصولُ مقدارِ صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع، وقد أشار ابن دقيق العيد إلى أن بعضهم زعم خلافَ ذلك، قال: والأول أظهر لأنه قد ورد مثلها في بعض الروايات. انتهى. وكأنه يشير إلى ما عند مسلم في بعض طرقه بلفظ: ((صلاة الجماعة تعدِل خمسًا وعشرين من صلاة الفذِّ))، وفي أخرى:((صلاةٌ مع الإمام أفضلُ من خمسٍ وعشرين صلاةً يصليها وحده))، ولأحمد من حديث بن مسعود بإسناد رجاله ثقاتٌ نحوُه. وقال في آخره:((كلها مثل صلاته))، وهو مقتضى لفظ رواية أبي هريرة الآتية حيث قال:((تضعف)) لأن الضِّعف كما قال الأزهري: المِثْلُ إلى ما زاد، ليس بمقصور على المثلين، كقوله: هذا ضِعف الشيء، مثلُه أو مِثْلَاه فصاعدًا، لكن لا يزاد على العشرة.

وظاهر قوله: ((تضعف)) وكذا قوله في روايتي ابنِ عمر وأبي سعيد: ((تفضُل)) أي تزيد، وقولُه في رواية أبي هريرة السابقة في باب مساجد السوق يريد أن صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرد وتزيد عليها العددَ المذكور، فيكون لمصلي الجماعة ثوابُ سِتٍّ أو ثمانٍ وعشرين من صلاة المنفرد.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) أي التنيسي المذكور في الإسناد السابق.

(1)

في (الأصل) : ((تركه))، والصواب:((بركة)).

ص: 190

قوله قال: (حَدَّثَنِي اللَّيْثُ) أي ابن سعد، ترجمته في بدء الوحي.

قوله: (قال: حَدَّثَنِي ابْنُ الهَادِ) أي يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، ترجمته في باب الصلوات الخمس كفارة.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ) أي بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى، الأنصاري التابعي، وليس هو بابن خباب بن الأرَتِّ صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما وافقه في اسمه واسم أبيه.

قال شيخنا: لكن ليس له في الصحيحين رواية. قلتُ: هو مولى بني عدي بن النجار، سمِع أبا سعيد الخدري، روى عنه يزيد بن الهاد عندهما والقاسم بن محمد عند البخاري وبكير بن الأشجِّ عند مسلم. انتهى.

قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ) أي سعد بن مالك رضي الله عنه، ترجمته في باب من الدين الفرارُ من الفتن.

في هذا الإسناد: التحديثُ بصيغة الجمع في موضع، وبصيغة الإفراد في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضعين. وفيه: السماع. وفيه: أن رواته ما بين مصري ومدني.

قوله: (أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) مطابقته للترجمة ظاهرة.

وهذا الحديث ساقط في بعض النسخ ثابت في الأطراف لأبي مسعود وخلف.

قال شيخنا: هذا الحديث سقط من رواية كريمة، وثبت للباقين وأورده الإسماعيلي قبل حديث ابن عمر.

قال العيني: وذكره أبو نعيم هنا بعد حديث ابن عمر، وهو من أفراد البخاري رحمه الله.

قوله: (تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ) كذا هو في عامة نسخ البخاري، وعزاه ابن الأثير إليه في «شرح المسند» بلفظ:((على صلاة الفذ))، ثم أَوَّلَها بأنَّ (تَفْضُلُ) لما كانت بمعنى «تزيد» وهو يتعدى بـ «على» أعطاها معناها فعدَّاها بها، وإلا فهي متعدية بنفسها. قال: وأما الذي في مسلم: ((أفضل من صلاة الفذ))، فجاء بلفظ:((أفضل))، التي هي للتفضيل والتكثيرِ في المعنى المشترك، وهي أبلغ من:«تفضل» ، على ما لا يخفى.

وقد ذكرنا أن: (الفَذ) بالذال المعجمة هو المنفرد، ولغةُ عبد القيس:«الفنذ» بالنون وهي غنةٌ لا نون.

قوله: (بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ) في رواية الأصيلي: <خمسًا وعشرين>، زاد ابن حبان وأبو داود من وجه آخر عن أبي سعيد:((فإن صلاها في فَلاةٍ فأتمَّ ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة)) وكأنَّ السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، بل حكى النووي أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها، لكن فيه نظر فإنه خلاف نص الشارع. وحكى أبو داود قال: في هذا الحديث أن صلاة الرجل في الفلاة تُضاعَف على صلاته في الجماعة. انتهى. وكأنه أخذه من إطلاق قولِه: ((فإنْ صلَّاها)) لِتَناوُلِه الجماعةَ والانفرادَ، لكنَّ حْمَله على الجماعة أولى، وهو الذي يظهر من السياق.

ويلزم على ما قال النووي أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة، وقد استشكله القرافي على أصل الحديث بناء على القول بأنها سنة، ثم أَوْرَدَ عليه أن الثواب المذكورَ

ص: 191

مُرتبٌ على صلاة الفرض وصفته من صلاة الجماعة، فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب، وأجاب: بأنه تُفرَضُ المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته وحده، والتضعيفُ يحصل بصلاته في الجماعة، فبقي الإشكال على حاله. وفيه نظر، لأن التضعيف لم يحصُل بسبب الإعادة وإنما حصل بسبب الجماعة، إذْ لو أعاد منفردًا لم يحصل له إلا صلاةٌ واحدة، فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب.

ورُوِي عن ابن عباس موقوفا عليه قال: فضلُ صلاة الجماعة على صلاة المنفرد خمسٌ وعشرون درجة. قال: فإن كانوا أكثر فعلى عدد من في المسجد. فقال رجل: وإن كانوا عشرة آلاف؟ فقال: نعم. وهذا له حكم الرفع، لأنه لا يقال بالرأي. قال شيخنا: لكنه غير ثابت.

قال العيني: يحصل له أجر خمسين صلاة، وذلك يحصل له في الصلاة مع الجماعة، لأن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، فإذا صلَّاها منفردًا لا يحصل له هذا التضعيف وإنما يحصل له إذا صلاها مع الجماعة، خمسةٌ وعشرون لأجل أنه صلاها مع الجماعة، وخمسة وعشرون أخرى - التي هي ضعف تلك - لأجل أنه أتم ركوع صلاته وسجودها وهو في السفر الذي هو مظنة التخفيف، فمن أمعن نظره فيه علم أن الإشكال الذي أورده بعضهم فيه من لزوم زيادة ثواب المندوب على الواجب غير وارد. انتهى.

647 -

قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أي المنقري، ترجمته في بدء الوحي.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) أي ابن زياد العبدي، ترجمته في باب الجهاد من الإيمان في كتاب الإيمان.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) أي سليمان، ترجمته في باب ظلم دون ظلم في كتاب الإيمان.

قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ) أي ذكوان، ترجمته في باب أمور الإيمان.

قوله: (يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ) أي عبد الرحمن، ترجمته في الباب أيضًا.

في هذا الإسناد: التحديثُ بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في خمسة مواضع. وفيه: السماع في موضعين.

قوله: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسةً وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ») مطابقته للترجمة ظاهرة.

وهذا الحديث عن أبي سعيد مضى في باب الصلاة في مسجد السوق، غير أن هناك أخرجه عن مُسدَّد عن أبي معاوية عن الأعمش إلى آخره، وفي لفظه شيء لم يُذكر هنا، وهنا شيءٌ لم يُذكر هناك، وقد ذكرنا هناك من أخرجه غيره ومعناه وما يستفاد منه.

قوله: (فِي الجَمَاعَةِ) وفي رواية الحموي والكُشْمِيهَني: <في جماعة> بدون الألف واللام.

قوله: (تُضَعَّفُ) أي: تُزاد، والتضعيف أن يُزاد على أصل

ص: 191

الشيءِ فيُجعَلَ مثلين أو أكثر، والضِّعفُ بالكسر المثلُ.

قوله: (خَمْسةً وَعِشْرِينَ

(1)

ضِعْفًا) كذا في الروايات التي وقفنا عليها، وحكى الكِرماني وغيرُهُ أنَّ فيه: <خمسًا وعشرين>، ووجهه بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة.

قال العيني: توضيحه أن (ضِعْفًا) مميز مذكر فتجب التاء فقيل بالتأويل المذكور، والأحسن أن يقول: إن وجوب التاء فيما إذا كان المميز مذكورًا، وإذا لم يكن مذكورًا يستوي فيه التاء وعدمها، وههنا مميز الخمس غير مذكور فجاز الأمران. انتهى.

قوله: (فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ) مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعةً وفرادى. قال ابن دقيق العيد: والذي يظهر أن المراد بمقابلِ الجماعةِ في المسجدِ الصلاةُ في غيره منفردًا، لكنه خرج مخرج الغالب في أنَّ من لم يحضر الجماعةَ في المسجد صلى منفردًا، وبهذا يرتفع الإشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق. انتهى.

ولا يلزم مِن حَمْلِ الحديث على ظاهره التسويةُ المذكورة إذْ لا يلزَمُ من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن يكون أحدهما أفضل من الآخر، وكذا لا يلزم منه أنَّ كونَ الصلاة جماعةً في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردًا، بل الظاهر أن التضعيف المذكورَ مختص بالجماعة في المسجد، والصلاةُ في البيت مطلقًا أولى منها في السوق لِمَا ورد من كون الأسواق موضع الشياطين، والصلاة جماعة في البيت والسوق أولى من الانفراد.

وقد جاء عن الصحابة قصرُ التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره. وروى سعيد بن منصور بإسنادٍ حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته؟ قال: حسن جميل. قال: فإن صلى في مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاة. قال: فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه؟ قال: خمس وعشرون. انتهى.

وأخرج حميد بن زنجويه في كتاب «الترغيب» نحوَه من طريق واثلة، وخص الخمس والعشرين بمسجد القبائل. قال: وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه - أي الجمعة - بخمسمئة. وسنده ضعيف.

قوله (وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ) ظاهرٌ في أن الأمور المذكورة علةٌ للتضعيف المذكور إذ التقدير: «وذلك لأنه» ، فكأنه يقول: التضعيفُ المذكور سبَبُه كيتَ وكيت. وإذا كان كذلك فما رُتِّبَ على موضوعات متعددة لا بوجود بعضِها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرًا أو ليس مقصودًا لذاته.

قال شيخنا: وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولةُ المعنى فالأخذ بها متوجه، والروايات المطلقة لا ُتنافيها بل يحمل مطلقُها على هذه المقيَّدة، والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثيرٌ منهم أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت، وكذا رُوي عن أحمد في فرض العين ووجَّهُوهُ بأن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد ويُلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعائر.

(1)

في (الأصل) : ((وعشرون))، والصواب:((وعشرين)).

ص: 192

قوله: (لَا يُخْرِجُهُ) من الإخراج.

قوله: (إِلَّا الصَّلَاةُ) أي قصدُ الصلاة في جماعة، واللام فيها للعهد لما بيَّنَّاه.

قوله: (لَمْ يَخْطُ) بفتح الياء وضم الطاء.

قوله: (خَطْوَةً) قال شيخنا: ضبطناه بضم أوله ويجوز الفتح، وجزم اليعمري أنها ههنا بالفتح. وقال القرطبي: إنها في روايات مسلم بالضم. وقال الجوهري: الخُطوة بالضم: ما بين القدمين. وبالفتح: المرة الواحدة.

قوله: (فَإِذَا صَلَّى) قال ابنُ أبي جَمرَة - أي بالجيم والراء المفتوحتين- أي صلى صلاةً تامةً، لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته:((ارجع فصل فإنك لم تصل)). انتهى. قلتُ: المراد بالتمام هنا على مقتضى هذا التعليل التمامُ الذي لا بد منه لا التمامُ الذي تصحُّ الصلاة بدونه وهو غاية الكمال، لأنه وقع في حديث المسيء صلاته أنه لم يتم الركوع والسجود. انتهى.

قوله: (لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْه) قلتُ: قد أشبعنا الكلام على ذلك وحقيقتِه في بدء الوحي.

قوله: (مَا دَامَ فِي مُصَلَّاه) بضم الميم، المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد. وكأنه خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرًّا على نية انتظار الصلاة كان كذلك.

قوله: (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) أي لم تزل الملائكة يصلون عليه حال كونهم قائلين: يا الله ارحمه. وزاد ابن ماجه: ((اللهم تب عليه)). وفي الطريق الماضية في باب مسجد السوق: ((اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي)). واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال، لِمَا ذُكِرَ من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة، وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونوا في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشتغلون بالاستغفار والدعاء لهم.

قال العيني: هذا ليس على إطلاقه، فإن خواصَّ بني آدم - وهم الأنبياء عليهم السلام أفضلُ من الملائكة، وعوامُّهم أفضل من عوام الملائكة، وخواصُّ الملائكة أفضلُ من عوام بني آدم. انتهى.

واستُدِلَّ بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطًا لصحة الصلاة، لأنَّ قولَه:((على صلاته وحده)) يقتضي صحةَ صلاتِه منفردًا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل، فإنَّ ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد، وما لا يصح لا فضيلة فيه.

قال القرطبي وغيرُه: لا يقال إن لفظة «أفضل» قد تَرِد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]، لِأَنَّا نقول: إنما يقع ذلك على قلة حيث تَرِدُ صيغة أفعل مطلقةً غيرَ مقيدةٍ بعدد معين، فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بد من وجود أصل العدد، ولا يقال: يُحمل المنفرد على المعذور، لأن قوله:((صلاة الفذ)) صيغة عموم، فيشمل من صلى منفردًا بعذر وبغير عذر فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل، وأيضًا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لِمَا سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعًا:((إذا مرض العبدُ أو سافر كُتِبَ له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا)).

وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضَهم حَمَلَهُ على صلاة النافلة، ثم رده بحديث: ((أفضل صلاة المرء

ص: 192

في بيته إلا المكتوبة))، واستُدِلَّ بها على تساوي الجماعات في الفضيلة سواء كثُرت الجماعات أم قَلَّتْ، لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة، فيدخل فيه كل جماعة. كذا قال بعض المالكية، وقواه بما رواه ابنُ أبي شيبة بسندٍ صحيح عن إبراهيم النَّخَعي قال: إذا صلى الرجلُ مع الرجل فهما جماعةٌ لهم التضعيف خمسًا وعشرين. انتهى.

وهو مُسَلَّم في أصل الحصول، لكنه لا ينفي مزيدَ الفضلِ لِمَا كان أكثر، لا سيما لوجود النص المصرِّح به، وهو ما رواه أحمد وأصحابُ السُّنن وصححه ابنُ خزيمة وغيرُه من حديث أُبَي بن كعب مرفوعًا:((صلاةُ الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاتُه مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كَثُرَ فهو أحب إلى الله)). وله شاهدٌ قوي في الطبراني من حديث قَبَاث بن أَشْيَم، وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مُثَلَّثَة، وَأَبُوهُ بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن: أحمر.

ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استَحَبَّ إعادةَ الجماعة مطلقًا لتحصيل الأكثرية، ولم يَستحِبَّ ذلك الآخرون، ومنهم من فصَّل فقال: تُعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البُقعة الفاضلة، ووافق مالك على الأخير لكنْ قَصَرَهُ على المساجد، والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدني، وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغيرِ ذلك مما ذُكِر يفوق بعضُها بعضًا، فلذلك عَقَّب المصنفُ الترجمةَ المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيَّدة بصلاة الفجر، واستدل بها على أن أصل الجماعة إمامٌ ومأموم، وسيأتي الكلامُ عليه في باب مفرد قريبًا إن شاء الله تعالى.

(31) بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ فِي الجَمَاعَةٍ

أي هذا باب في بيان فضل صلاة الفجر مع الجماعة، إنما ذكر هذه الترجمة مقيدة وذكر الترجمة التي قبلها مطلقة إشارةً إلى زيادة خصوصية الفجر بالفضيلة كما أشرنا إليه قبل.

648 -

649 - قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) أي الحكم بن نافع، ترجمته في بدء الوحي.

قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) أي ابن أبي حمزة، ترجمته في البدء أيضًا.

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيّ) أي محمد بن مسلم، ترجمته في باب إذا لم يكن الإسلامُ على الحقيقة.

قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ) ترجمته في باب من قال الإيمان هو العمل.

قوله: (وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ترجمته في بدء الوحي.

قوله: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ) أي عبد الرحمن، ترجمته في باب أمور الإيمان.

في هذا الإسناد: التحديثُ بصيغة الجمع في موضع. والإخبار كذلك في موضع، وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في موضع. وفيه: السماع. وفيه: القول في ثلاثة مواضع. وفيه: أن رواته ما بين حمصي ومدني. وفيه: ثلاثة من التابعين.

قوله: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَفْضُلُ صَلَاةُ الجَمِيعِ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ، بِخَمْسةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].

قَالَ شُعَيْبٌ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ) أي مولى ابن

ص: 193

عمر (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»)

مطابقته للترجمة في قوله: (وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ)، فإنه يدل على مزية لصلاة الفجر على غيرها.

قوله: (تَفْضُلُ) أي تزيد. (صَلَاةُ الجَمِيعِ) الإضافة فيه بمعنى «في» لا بمعنى اللام فافهم. قاله العيني.

قوله: (بِخَمْسةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا) كذا هو في عامة النسخ، ونقل الزركشي في «نكته» أنه وقع في «الصحيحين» : <خمس> بحذف الموحدة من أوله والهاء من آخره. قال: وخَفْضُ «خمس» على تقدير الباء، كقول الشاعر:

أشارت كليبٍ بالأكف الأصابعِ

أي إلى كليب، وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة

قال العيني: وأمَّا لأن المميَّز غير مذكور، وههنا مميز «خمس» غير مذكور.

قال شيخنا: وقد أورده المؤلف في التفسير من طريق معمر عن الزهري بلفظ: ((فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمسٌ وعشرون درجة)).

قوله: (وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ

) إلى آخره، هو الموجب لتفضيل صلاة الفجر مع الجماعة، وكذا في صلاة العصر أيضًا، فلذلك حث الشارع على المحافظة عليهما ليكون من يحضرهما ترفع الملائكة عمله وتشفع له.

وقال ابن بطال: ويمكن أن يكون اجتماع الملائكة فيهما هما الدرجتان الزائدتان على الخمسة والعشرين جزءًا في سائر الصلوات التي لا تجتمع الملائكة فيها.

قوله: (قُرْآنَ الفَجْرِ) كنايةٌ عن صلاة الفجر، لأن الصلاة مستلزمة للقرآن.

قوله: (مَشْهُودًا) أي محضورًا فيه.

قوله: (قَالَ شُعَيْبٌ) هو شعيب، المذكور في سند الحديث.

قوله: (وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ) قال شيخنا: أي بالحديث المذكور مرفوعًا نحوه، إلا أنه قال:(بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً). وهو موافق لرواية مالك وغيره عن نافع، وطريق شعيب هذه موصولة. وجَوَّزَ الكِرماني أن تكون معلَّقة، وهو بعيد بل هي معطوفة على الإسناد الأول، والتقدير: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب ونظائر هذا في الكتاب كثيرة، ولكن لم أر طريق شعيب هذه إلا عند المصنف ولم يستخرجها الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا أوردها الطبراني في «مسند الشاميين» في ترجمة شعيب. انتهى.

قلت: هذا من الأماكن التي قال شيخنا: لا أضيع الزمان بتشاغل الرد على العيني فيها. انتهى.

650 -

قوله: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) أي النخعي الكوفي، ترجمته في باب المضمضة والاستنشاق من الجنابة.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي) أي حفص بن غياث بن طلق، ترجمته في الباب أيضًا.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) أي سليمان، ترجمته في باب ظلم دون ظلم.

قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا) أي ابن أبي الجعد، ترجمته في باب التسمية على كل حال وعند الوِقاع في كتاب الطهارة.

قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ) أي هُجَيمة،

ص: 193

وهي أم الدرداء الصغرى التابعية، لا الكبرى التي اسمها: خَيرة، بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وهي الصحابية. فإنما قلنا كذلك لأن الكبرى ماتت في حياة أبي الدرداء، وعاشت الصغرى بعده بزمان طويل، وقد جزم أبو حاتم بأن سالم بن أبي الجعد لم يدرك أبا الدرداء، فعلى هذا لم يدرك أمَّ الدرداء الكبرى.

وقال الكِرماني: وأم الدرداء هي: خَيْرة بنت أبي حدرد الأسلمية، من فاضلات الصحابيات وعاقلاتهن وعابداتهن، ماتت بالشام في خلافة عثمان. قال شيخنا: فسَّرها الكِرماني هنا بصفات الكبرى، وهو خطأٌ لقول سالم:(سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ)

قوله: (دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ) أي عويمر بن مالك، ترجمته في باب من حمل معه الماء الطهور.

في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: السماع في موضعين. وفيه: القول في سبعة مواضع. وفيه: رواية الابن عن الأب. وفيه: رواية التابعية عن الصحابي. وفيه: رواية التابعي عن التابعية. وفيه: أن رواته

(1)

الأربعة كوفيون، وهذا من أفراد البخاري.

قوله: (وَهُوَ مُغْضَبٌ

(2)

، فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا» ).

مطابقته للترجمة من حيث إن أعمال الذين يصلون بالجماعة قد وقع فيها النقص والتغيير ما خلا صلاتهم في الجماعة، ولم يقع فيها شيء من ذلك، فدل ذلك على أن فضل الصلاة بالجماعة عظيم.

فإن قلتَ: الترجمة في فضل الصلاة بالجماعة في الفجر، والذي يُفهَم من الحديث أعم من ذلك، فكيف يكون التطابق؟ قال العيني: إذا طابقَ جزءٌ من الحديث الترجمة يكفي، ومثلُ هذا وقع له كثيرًا في هذا الكتاب.

قوله: (مُغْضَبٌ) بضم أوله وفتح الضاد المعجمة.

قوله: (مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كذا في رواية أبي ذر وكَريمة، وفي رواية الباقين: <من

(3)

محمد> بدون لفظة: «أمة» ، وعليه شرح ابن بطال ومَن تبعه، قال: يريدُ: من شريعة محمد شيئًا لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة في جماعة، فَحَذَفَ المضاف إليه لدلالة الكلام عليه، ووقع في رواية أبي الوقت: <من أمر محمد> بفتح الهمزة وسكون الميم وفي آخره راء، وكذا ساقه الحميدي في «جمعه» ، وكذا هو في «مسند أحمد» و «مستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم» من طُرُقٍ عن الأعمش، وعندهم بلفظ: ما أعرف فيهم، أي: في أهل البلد الذي كان فيه أبو الدرداء، كأنَّ لفظ «فيهم» لَمَّا حُذف من رواية البخاري صَحَّف بعضُ النَّقَلة «أمر» بـ «أمة» ، ليعود الضمير في:(أَنَّهُمْ) على الأمة. قال العيني: لا محذور في كون لفظة: «أمة» ، بل الظاهر هذا على ما لا يخفى. انتهى.

قوله: (يُصَلُّونَ جَمِيعًا) أي: مجتمعين، وانتصابُه على الحال، ومفعول:(يُصَلُّونَ) محذوفٌ تقديرُه: يصلون الصلاة أو الصلوات.

قال شيخنا: مرادُ أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقصُ أو التغيير إلا التجميع في الصلاة، فهو أمر نسبي، لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتمَّ مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدَهما، وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عُمُرِه وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه، ويا ليت شعري

(1)

في (الأصل) : ((رواية))، والصواب:((رواته)).

(2)

في (الأصل) : ((مصعب))، والصواب:((مغضَب)).

(3)

في (الأصل) : ((من رواية))، والصواب:((من)).

ص: 194

إذا كان ذلك العصر الفاضلُ بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان! قلتُ: الذي قَلَّ أن يَجِدَ فيه مَن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ويرتضيه، مع أن القرن الذي قال فيه أبو الدرداء هذا خيرُ القرون بنص الشارع.

وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شيءٍ من أمور الدين، وإنكارِ المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثرَ منه.

651 -

قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أي بضم الباء الموحدة (عَنْ أَبِي بُرْدَة) بضم الباء أيضًا، عامر وقيل: الحارث (عَنْ أَبِي مُوسَى) أي عبد الله بن قيس.

رجال هذا السند قد ذُكِروا بهذا الترتيب في باب من علم، لكنَّ ذِكْرَ أبو أسامة ثَمَّةَ باسمه حَمَّاد، وههنا بكنيته.

قوله: (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ، فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي، ثُمَّ يَنَامُ»).

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصلاة.

قوله: (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا) أي أكثرهم ثوابًا والناس: جماعةُ الحيَوان المتميزة بالصور الإنسانية.

قوله: (أَبْعَدُهُمْ) بالرفع خبرُ المبتدأ: أعني.

قوله: (أَعْظَمُ النَّاسِ) ونصب أجرًا على التمييز.

قوله: (فَأَبْعَدُهُمْ) قال الكِرماني: الفاء فيه للاستمرار، كما في قولهم: الأمثل فالأمثل.

قال العيني: لم يذكر أحد من النُّحاةِ أن الفاء تجيء بمعنى الاستمرار، ولكن يمكن أن تكون الفاء هنا لترتيبٍ مع تفاوت من بعض الوجوه.

قال الزمخشري: للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال:

أحدها: أن تدل على ترتيب معانيها في الوجود كقوله:

يا لهف زَيَّابة للحارثِ

الصابحِ

(1)

فالغانم فالآيبِ

أي الذي صبح فغنم فآب.

والثاني: يدل على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه، نحو قولك: خذ الأكمل فالأفضل، واعمل الأحسن فالأجمل.

والثالث: أن يدل على ترتيب موصوفاتها في ذلك، نحو: رحم الله الْمُحلِّقين فالمقصرين. وقيل: تقع الفاء تارة بمعنى «ثم» ، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14] فالفاءات فيها بمعنى «ثم» ، لتراخي موصوفاتها، فعلى هذا يجوز أن تكون الفاء هنا بمعنى «ثم» ، بمعنى: أبعدُهم ثم أبعدُهم

(2)

.

قوله: (مَمْشًى) بفتح الميم الأولى وسكون الثانية اسم مكان، وهو منصوب على التمييز، والمعنى: أبعدُهم مسافة إلى المسجد.

قوله: (مَعَ الإِمَامِ) زاد مسلم: ((في جماعة)) وبيَّنَ أنها رواية أبي كريب وهو محمد بن العلاء الذي أخرجه البخاري عنه.

قوله: (مِنَ الَّذِي يُصَلِّي) أعمُّ من أن يكون مع جماعة أو وحده.

قوله: (ثُمَّ يَنَامُ) قال الكِرماني: فإن قلتَ: هذا التفضيل أمرٌ ظاهر ضروري، فما الفائدة في ذِكره؟ قلتُ: معناه أن الذي ينتظرها حتى يصليها مع الإمام آخرَ الوقت أعظمُ أجرًا من الذي يصلي في وقت الاختيار وحدَه، أو الذي ينتظرها حتى يصليها مع الإمام أعظمُ أجرًا من الذي يصليها أيضًا

(1)

في (الأصل) : ((من رواية))، والصواب:((من)).

(2)

في (الأصل) : ((فأبعدهم))، والصواب:((ثم أبعدهم)).

ص: 194