الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرى في الظلام كما يرى في الضوء.
وذكر بعض أهل العلم أن ذلك راجع إلى العلم، وأن معناه: لأَعْلَمُ. وهذا تأويلٌ لا حاجة إليه، بل حَمْلُ ذلك على ظاهره أولى، ويكون ذلك زيادةً في كرامات الشارع. قاله القرطبي: وقال أحمد وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية العين حقيقةً ولا مانع له من جهة العقل، وورودُ التصريحٍ به فوجب القول به. انتهى. فإن قلتَ: هذه الخصوصيةُ كانت من حينِ المبعثِ أو بعدَه؟ قلتُ: ورد في حديثٍ ذكره أبو الربيع في «شفاء الصدور» أنَّ هذا حصل له عليه السلام ليلة المعراج، وهو يؤيد حمله على الحقيقة، لأن المعراج وما وقع فيه كلُّ ذلك مِن خرق العادة، وقال بعضُ العارفين: إنه عليه السلام ليلة المعراج انخرقَ بصرُه إلى بصيرته وبصيرتُه إلى بصَرِه فرجع وهو يرى من خلفِه كما يرى مِن بين يديه. انتهى.
فيه: الأمر بتسوية الصفوف، وهي من سنة الصلاة عند أبي حنيفة والشافعي ومالك، وزعم ابنُ حزمٍ أنه فرض، لأنَّ إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض. قال عليه السلام:((فإنَّ تسوية الصف من تمام الصلاة)). فإن قلتَ: الأصلُ في الأمر للوجوب ولا سيما فيه الوعيد على ترك تسوية الصفوف، فدل على أنها واجبة. قال العيني: هذا الوعيد من باب التغليظ والتشديد تأكيداً وتحريضاً على فعلها، كذا قاله الكِرماني، وليس بِسَديد، لأنَّ الأمر المقرون بالوعيد يدل على الوجوب، بل الصواب أن يقول: فلتكن التسوية واجبة بمقتضى الأمر، ولكنها ليست من واجبات الصلاة بحيث إنه إذا تركها فسَدت صلاتُه أو نَقَصَتْها. غاية ما في الباب إذا تركها يأثم. وروي عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يوكل رجلاً بإقامة الصفوف، فلا يكبر حتى يُخبَر أن الصفوف قد استوت. وروي عن علي وعثمان رضي الله عنهما: أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان: استووا. وكان علي يقول: تقدم يا فلان، وتأخر يا فلان. وروى أبو داود من حديث النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفَنا إذا قُمنا للصلاة وإذا استوينا كبَّر للصلاة، ولفظُ مسلم: كان يسوي صفوفَنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأَى أَنَّا قد عَقَلْنا عنه خرج يوماً فقامَ حتى كان أن يكبر، فرأى رجلاً بادياً صدرُه، فقال: ((عبادَ الله لَتُسَوُّنَّ صفوفَكم
…
)) الحديثُ.
(72)
(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)
أي هذا باب في بيان حكم إقبال الإمام، ولفظُ الإقبال مصدرٌ مضافٌ إلى فاعله.
719 -
قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ) أي بفتح الراء وتخفيف الجيم وبالمد، واسم أبي رجاء عبدُ الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي، مات بهراة في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، ترجمته في باب إذا حاضت في شهر ثلاث حِيَض.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو) أي ابن المهلب الأزدي البغدادي وأصلُه كوفي.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ) أي بضم القاف، مَرَّ في باب غسل المذي.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ) أي بضم الحاء، ترجمته في باب خوف المؤمنِ أن يحبط عملُه وهو لا يشعر في كتاب الإيمان.
قوله: (حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) ترجمته في باب لا يؤمن أحدكم.
في هذا الإسنادِ: التحديث
بصيغة الجمع في جميع الإسناد مثل هذا إلى هنا
(1)
. وفيه: القول في خمس مواضع. وفيه: أن رواته ما بين هروي وبغدادي وكوفي وبصري. وفيه: أن شيخ البخاري من أفراده. وفيه: أن معاوية بن عمرو أيضاً من شيوخ البخاري، وهو مِن قدماء شيوخه، وروى له ههنا بواسطة، والظاهر أنه لم يسمع هذا الحديث منه. وفيه: تصريح حميد بالتحديث عن أنس، فأُمِن بذلك تدليسُه.
قوله: (قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: ((أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي))).
مطابقته للترجمة ظاهرة.
قوله: (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ) الخِطابُ للجماعة الحاضرين لأداء الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإقامة الصفوف: تسويتُها، وقد وقع في رواية معمر عن حميد عند الإسماعيلي بدل:(أَقِيمُوا)(اعْتَدِلُوا).
قوله: (وَتَرَاصُّوا) بضم الصاد المشددة وأصله: تراصَصُوا، أدغمت الصاد في الصاد لأنهما مِثْلاً يُوجِبُ الإدغامَ، ومعناه: تضامُّوا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم ولا ينقطع، وأصلُه من الرصِّ، يقال: رص البناءَ يرصُّه رصَّاً إذا ألصق بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، وفي «سنن أبي داود» و «صحيح ابن حبان» : من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رُصُّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده أني لأرى الشيطانَ يدخل من خَلَلِ الصف، كأنه الحَذَفُ)). والحَذَفُ بالحاء المهملة والذالِ المعجمة المفتوحتين وفي آخره فاء، وهي غنم صغار سود يكون باليمن، وفسرها مسلم: بالنَّقَد، بالتحريك، وهي جنس من الغنم قِصارُ الأرجل قِبَاحُ الوجوه. قال الأصمعي: أجودُ الصوف صوفها. وفي رواية البيهقي: قيل: يا رسول الله، وما أولادُ الحذف؟ قال:((ضأنٌ جُرْدٌ سُودٌ يكون بأرض اليمن)). وقال الخطابي: ويقال: أكثر ما يكون بأرض الحجاز.
قوله: (مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) أي من خلف ظهري، وههنا ذَكَر كلمة (مِنْ) بخلاف الباب السابق، والنكتة فيه أنه إذا وُجِدَ (مِنْ) يكون صريحاً بأنَّ مَبدأ الرؤية ومَنشأَها من خلفٍ بأن يخلق الله حاسَّةً باصِرةً فيه، وإذا عُدِم يُحتمل أن يكون منشؤُها هذه الحاسة المعهودة، وأن تكون غيرُها مخلوقةً في الوراء، ولا يلزم رؤيتُها بتلك الحاسة، إذْ الرؤيةُ إنما هي بخلق الله تعالى وإرادته.
فيه: جواز الكلام بين الإقامة وبين الصلاة وقد تقدم في باب مفرد. قال العيني: وفيه: وجوب تسوية الصفوف، وفيه: معجزة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخنا: وفيه: مراعاة الإمام لرعيته والشفقةُ عليهم وتحذيرُهم من المخالفة. قلت: وفيه: أن المصلين كانوا يقومون خلفه أكثر من صفين، وأن الصف الأول لا يحجِبُ رؤيتَه للصف الثاني، ولا الأول والثاني يحجبان رؤيته للصف الثالث، ولا الظلامُ ولا الثيابُ يحجبون رؤيته للمصلين خلفَه. انتهى.
(73)
(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)
أي هذا بابٌ في بيان ثوابِ الصف الأول، واختُلِف في الصف الأول فقيل: المراد به ما يلي الإمام مطلقاً. وقيل: المرادُ من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف،
(1)
في (الأصل) : ((مثل هذا إلى هنا)) ولعل الصواب ((ولم يقع مثل هذا إلا هنا)).