المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس

قَاعِدًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه.

مطابقته للترجمة في قوله: (يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

) إلى آخره، وهذا الحديث مضى في باب حد المريض أن يشهد الجماعة، ورواه عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، وفي باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، عن أحمد بن يونس عن زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة، وفي باب من أسمع الناسَ تكبير الإمام، عن مسدد عن عبد الله بن داود عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، وقد مر الكلام في مباحثه مستوفي.

قوله: (يُؤذِنُهُ) أي: يُعْلِمه.

قوله: (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ) هذه رواية الكُشْمِيهَني، وفي رواية غيره:(مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي).

قوله: (مَتَى مَا يَقُومُ) كذا هو بإثبات الواو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكُشْمِيهَني:(مَتَى مَا يَقُمْ) بالجزم هذا على الأصل، لأن متى مِنْ كَلِمِ المجازاة، وأما على رواية الأكثرين فشُبِّهت متى بإذا فأهملت كما تُشَبَّهُ إذا بمتى فتُهمل، كما في قوله صلى عليه السلام:((إذا أخذتما مضاجعكما تُكبِّرا أربعاً وثلاثين. وتُسبحا ثلاثًا وثلاثين، وتحمدا ثلاثاً وثلاثين)).

قوله: (يَتَأَخَّرُ) جملةٌ حالية (فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أشار إليه أنْ لا يتأخر.

قوله: (حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ) وإنما لم يجلس عن اليمين، لأن اليسار كان من جهة حجرته، فكان أخف عليه.

قوله: (مُقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ) على صيغة الجمع لاسم الفاعل، ويروى:(يَقْتَدُونَ) بصيغة المضارع.

(69)

‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

؟)

أي هذا باب ترجمته: هل يأخذ الإمام

إلى آخره، وفي بعض النسخ:(هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ بِقَوْلِ النَّاسِ إِذَا شَكَّ؟) يعني في الصلاة، وإنما لم يذكر الجواب لأنه مشى على عادته أن الحكم إذا كان مختلَفاً فيه لا يذكره بالجزم. وقال الزين بن المنير: أراد أن محل الخلاف في هذه المسألة هو ما إذا كان الإمامُ شاكَّاً أما إذا كان على يقينٍ مِن عَمَلِ نفسِه فلا خلاف أنه لا يرجع إلى أحد. انتهى.

وقد اختلف العلماء في أن الإمام إذا شك في صلاته فأخبره المأمومُ بأنه تَرَكَ ركعةً مثلاً، هل يرجع إلى قوله أم لا؟ واختُلِف عن مالك في ذلك فقال مرَّةً: يرجع إلى قولهم - وهو قول أبي حنيفة - وقال مرَّةً: يعمل عمل نفسِه ولا يرجع إلى قولهم، وهو قول الشافعيِّ والصحيحُ عند أصحابه. وقال ابن التين: يُحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم شك بإخبار ذي اليدين، فسألهم إرادةَ تيقُّنِ أحد الأمرين، فلما صدَّقُوا ذا اليدين علم صحة قوله. وهذا الذي أراد البخاري بتبويبه. قال ابن بطَّال: حمَل الشافعيُّ رحمه الله رجوعه عليه السلام على أنه تذكَّر فذَكَر. قال: وفيه نظر، لأنه لو كان كذلك لبيَّنَهُ عليه السلام لهم ليرتفع اللبس، ولو بيَّنَه لنُقِل ومن ادعى ذلك فعليه ذِكره. قال شيخنا: قد ذكره أبو داود من طريق الأوزاعي عن الزهري عن سعيد وعبد الله عن أبي هريرة بهذه القصة، قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يَقَّنَهُ اللهُ ذلك. انتهى.

714 -

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

ص: 270

رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)

في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضع واحد، والعنعنة في أربع مواضع. وفيه: ذكر مالك بنَسْبه إلى أبيه، وكذلك أيوب ذُكِر مع نسبته إلى حِرفَته، واسمُ أبي تميمةَ كيسانُ. وفيه: أن رواته ما بين مدني وبصري. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي.

قوله: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو اليَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ)) فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ

(1)

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ).

مطابقته للترجمة من حيث أنه عليه السلام شك فيما قال له ذو اليدين فرجع فيه إلى قول الناس، وهو السبب الظاهر في ذلك وإن كان يُحتَمل تذكُّره عليه السلام الأمرَ- من تلقاء نفسِه فبَنَى عليه لا على إخبار الناس، لأن هذا سبب خفي، والشيءُ إذا كان له سببان ظاهرٌ وخفيٌّ يُسند إلى السبب الظاهر دون الخفي. وقد ذكرنا مباحث هذا الحديث وما يتعلق به من كل شيء في باب تشبيك الأصابع في المسجد وفي باب التوجه نحو القبلة. قال شيخنا: وسيأتي الكلامُ عليه في موضعِه. انتهى.

قوله: (انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ) من الصلاة الرُّباعية وكانت إحدى صلاتي العَشِيِّ كما جاء في لفظ البخاري: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيِ العَشِيِّ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا). وفي رواية أيوب عن محمد: أكبرُ ظني أنها الظهر. وكذا ذكره البخاري في الأدب، وفي «الموطأ» : العصرُ.

قوله: (أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ) واسمه الخِرباق بكسر الخاء المعجمة، والهمزة فيه للاستفهام عن سبب تغيير وضع الصلاة ونقصِ ركعاتها.

قوله: (مِثْلَ سُجُودِهِ) ظاهرُه أنه سَجَدَ واحدةً، ولكن لفظ السجود مصدر يتناول السجدة والسجدتين والحديث الذي يأتي بعده فَبَيَّن أن المراد سجدتان.

715 -

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) أي هشام بن عبد الملك الطيالسي. (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) ابنُ الحجاج. (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) أي ابن عبد الرحمن بن عوف. (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) أي عمِّ سعد

(2)

بن إبراهيم. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ: صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ) هذا طريق آخرُ في الحديث المذكور، وأخرجه أبو داود في الصلاة عن عبد الله بن معاذ عن أبيه، وأخرجه النسائي فيه عن سليمان بن عبيد الله عن بهز عن شعبة به، وقال: لا أعلم أحداً ذَكَرَ في هذا الحديث: ثم سجد سجدتين، غيرَ سعد بن إبراهيم.

فإن قلتَ: رَوَى ابنُ عَدي في «الكامل» : أخبرنا أبو يعلى حدثنا ابن معين حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا ليث وابن وهب عن عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يسجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو، قال: كان ابن شهاب يقول: إذا عرف الرجل ما نسي من صلاته فأتمها فليس عليه سجدتا السهو لهذا الحديث. قال العيني: قال مسلم في «التمييز» : قول ابن شهاب: إنه لم يسجد يومَ ذي اليدين، خطأ وغلط، وقد ثبت أنه سجد سجدتي السهو من رواية الثقات: ابنِ سيرين وغيرِه.

(70) (بَابُ إِذَا بَكَى الإِمَامُ

(1)

في (الأصل) : ((فقال))، والصواب:((فقام)).

(2)

في (الأصل) : ((سعيد))، والصواب:((سعد)).

ص: 270

فِي الصَّلَاةِ)

أي هذا باب ترجمته إذا بكى الإمام في الصلاة، يعني هل تفسد أم لا؟ ولم يذكر جواب:(إِذَا) لما فيه من الخلاف والتفصيل على ما نذكره عن قريبٍ إن شاء الله تعالى.

قوله: (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ) أي ابن الهاد، تابعيٌّ كبير له رواية، ولأبيه صحبة. وقال الذهبي: عبد الله بن شداد بن أسامة بن الهاد الكناني الليثي، من قدماء التابعين. وقال في باب الشين: شداد بن الهاد، واسمُ الهاد: أسامة بن عمرو، وقيل له الهاد، لأنه كان يوقد النار في الليل ليهتدي إليه الأضياف. وقيل: الهاد، لقب جده عمرو، ترجمته في باب مباشرة الحائض.

قوله: (سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ رضي الله عنه، وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]) هذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبدَ الله بن شداد بهذا، وزاد: في صلاة الصبح. وأخرجه ابن المنذر من طريق عبيد بن عمير، (قال: صلى عمر رضي الله عنه الفجرَ فافتتح بيوسف فقرأ {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]، فبكى حتى انقطع ثم رجع). وقال البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن وأبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج سمعت ابن أبي مليكة يقول: أخبرني علقمة بن وقاص قال: كان عمر بن الخطاب يقرأ في العتمة بسورة يوسف عليه السلام، وأنا في مؤخر الصف، حتى إذا جاء ذكر يوسف سمعت نشيجه من مؤخر الصف.

قوله: (نَشِيجَ

(1)

) النشيج على وزن: فَعِيل بفتح النون وكسر الشين المعجمة وفي آخره جيم، مِن نَشَج الباكي ينشُج نشيجاً: إذا غصَّ بالبُكاء في حلقه، أو تردد في صدره ولم ينسحب

(2)

، وكل صوت بدا كالنفخة فهو نشيج، ذكره أبو المعالي في «المنتهى». وفي «المحكم» : النشيجُ: أشدُّ البكاء، وقيل: هي فاقةٌ يرتفع لها النفَس كالفُوَاق، وقال أبو عبيد: النشيج هو مثل بكاء الصبي إذا ردد صوته في صدره ولم يخرجه. وفي «مجمع الغرائب» : هو صوتٌ معه توجع وتحزن. وقال السفاقسي: أجاز العلماء البكاء في الصلاة من خوف الله تعالى وخشيته واختلفوا في الأنين والتأوه. قال ابن المبارك: إذا كان غالباً فلا بأس، وعند أبي حنيفة: إذا ارتفع تأَوُّهُهُ أو بكاؤه فإنْ كان من ذِكْر الجنة والنار لم يقطعها، وإن كان من وَجَعٍ أو مصيبة قَطَعَها، وعن الشافعي وأبي ثور: لا بأس به إلا أن يكون كلاماً مفهوماً، وعن الشعبي والنخعي: يعيد الصلاة. قلتُ: المقرر في كتب الشافعية أنَّ المصلي إذا نطق بحرفين بطلت صلاتُه، وكذا إن نطق بحرفٍ مُفهِمٍ. انتهى.

716 -

قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) أي ابن أويس الأصبحي المدني ابن أخت مالك بن أنس.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) أي خالُه.

قوله: (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) أي عروة بن الزبير.

قوله: (عَنْ عَائِشَةَ) أي أُمِّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها.

في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاث مواضع. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: أن رواته كلهم مدنيون.

قوله: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ: ((مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاس)) قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ، فَقَالَ:((مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ)) فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ،

(1)

في (الأصل) : ((نشيجه))، والصواب:((نشيج)).

(2)

كذا في (الأصل) : ((ينسحب))، ولعل الصواب:((ينتحب)).

ص: 271

فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ)) فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا).

مطابقته للترجمة من حيث إن عائشة أخبرت فيه أن أبا بكر إذا قام في مقام النبي صلى الله عليه وسلم يبكي بكاءً شديداً حتى لا يُسمع الناسَ قراءتَه من شدة البكاء. فإن قلتَ: هذا إخبارٌ عما سيقع وليس فيه ما يدل على أنه بَكَى. قال العيني: هي أخبرت عما شاهدتْهُ من بكائه في صلاته قبلَ ذلك، وقاست على هذا أنه إذا قام مقام النبي صلى الله عليه وسلم يبكي أشدَّ من ذلك لرؤيته خلوَّ مكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ما عندَهُ من الرِّقَّة وسرعةِ البكاء.

فإن قلتَ: ما في الحديث شيءٌ يدلُّ على أن أبا بكر كان إماماً، فضلاً عن أنه بكى وهو إمام؟ قال العيني: جاء في حديثِ هذا البابِ عن عائشة: قلتُ: يا رسول الله إنَّ أبا بكر رجل رقيقٌ، إذا قرأ القرآنَ لا يملِكُ دمعَه. فثبَتَ بهذا أنه كان يبكي إذا قرأ القرآن، وثبت أنه كان إماماً قبلَ أن يأتيَ النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قرأ قبل ذلك. والدليلُ عليه ما جاء فيه: فاستفتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة، فدل ذلك على أنه كان يبكي وهو يقرأ القرآن، وأنه قرأ وهو إمام إلى وقت مجيء النبي صلى الله عليه وسلم، فطابق الحديثُ الترجمة من هذه الحيثية. فافهمْ فإنَّ أحداً ما نبَّهَ على هذا. انتهى.

قوله: (مِنَ البُكَاءِ) كلمةُ (مِنْ) للتعليل، أي لأجل البكاء. وقال الكِرماني:(فِي البُكَاءِ) أي لأجل البكاء، و (فِي) جاءَ للسببية وهو حال، أي كائناً في البكاء، وهو من باب إقامة بعض حروف الجر مقام بعض. قال العيني: هذا إنما يتوجه إذا صحت رواية: (فِي البُكَاءِ). انتهى.

قوله: (فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ) ويروى: (يُصَلِّي).

قوله: (بِالنَّاسِ) ويروى: (لِلنَّاسِ).

قوله: (فَفَعَلَتْ) أي القولَ المذكور، ولم تقل: فقالت كذا وكذا اختصاراً.

قوله: (مَهْ) كلمة زجر، وقد تقدم فيما مضى.

قال شيخنا: وفي الباب حديث عبد الله بن الشِّخِّير: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بِنَا وفي صدرِه أزيزٌ كأزيز الْمِرجَل من البكاء. رواه أبو داود والنسائي والترمذي في «الشمائل» ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ووهِم من زعم أن مسلماً أخرجه. والْمِرجَلُ بكسر الميم وفتح الجيم: القِدْرُ إذا غلت، والأَزِيزُ بفتح الهمزة بعدها زاي ثم تحتانية ساكنة ثم زايٌ أيضاً: هو صوتُ القِدْر وفي لفظٍ: كأزيز الرَّحَى.

(71)(بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ عِنْدَ الإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا)

أي هذا بابٌ في بيان حكم تسوية الصفوف عند الإقامة للصلاة وبعد الإقامة أي بعد الفراغ من الإقامة قبل الشروع في الصلاة.

717 -

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ) أي الطيالسي البصري، ترجمته في باب علامة الإيمان حب الأنصار.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن

(1)

الحجاج، ترجمته في بابٍ يتلو باب أمور الإيمان.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ) بضم الميم وتشديد الراء، أبو عبد الله الجُهني بضم الجيم، الْمُرَادي بضم الميم وتخفيف الراء، الكوفي الأعمى، من الأئمة العاملين، مات سنة ست عشرة ومائة.

قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الجَعْدِ) أي بفتح الجيم، رافع الأشجعي الكوفي التابعي، ترجمته في باب

(1)

كلمة ((ابن)) ساقطة في (الأصل).

ص: 271

التسمية على كل حال وعند الوداع.

قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ) أي بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة، مَرَّ في كتاب الإيمان في باب من استبرأ.

في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في ثلاث مواضع. وفيه: السماع في موضعين. وفيه: القول في خمس مواضع. وفيه: أن شيخه مذكورٌ بكنيتِه واسمِه صريحاً. وفيه: أن رواته ما بين بصري وكوفي.

قوله: (قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ))).

مطابقته للترجمة في لفظ التسوية ظاهرة وليس فيه ما يطابقُ قولَه: (عِنْدَ الإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا)، ولكنه أشار بذلك إلى ما في بعض طرق الحديث، وقد روى مسلم من حديث النعمان: قالَ ذلكَ عندما كاد أن يكبر. وفي حديث أنس في الباب الذي بعد هذا: أقيمت الصلاةُ فأقبل علينا فقال

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضاً في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن مثنى وابن بشار عن غندَر عن شعبة.

قوله: (لَتُسَوُّنَّ) بفتح اللام وضم الواو وتشديد النون، واللام فيه للتأكيد، وقال البيضاوي: هذه اللام هي التي يُتَلقَّى بها القسم، والقسم هنا مُقَدَّر، ولهذا أكده بالنون المشددة، وقد أبرزه أبو داود في «سننه» : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: أقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه، فقال:((أقيموا صفوفكم))، ثلاثاً ((والله لَتُقِيمُنَّ صفوفَكم أو لَيُخالِفَنَّ اللهُ بين قلوبكم)). الحديثُ، وأصل (لَتُسَوُّنَّ) : لَتُسَوُّوْن، لأنه من التسوية تقول: تُسوِّي تُسوِّيان تُسوُّوْن، بضم الواو الأولى وسكون الثانية، والنون فيه علامة الجمع، فلما دخلت عليه نون التأكيد الثقيلة حُذِفت نونُ الجمع وإحدى الواوين لالتقاء الساكنين، فالمحذوف هو واوُ الجمع أو واوُ الكلمة؟ فيه خلاف، وقد عُلِمَ في موضعه. وفي رواية المستملي:(لَتُسَوُّوْنَ) فالنون على هذه الرواية نون الجمع. فإن قلتَ: ما معنى التسوية؟ قال العيني: اعتدال القائمين بها على سَمْتٍ واحد، ويراد بها أيضاً سدُّ الخلل الذي في الصف على ما سيأتي.

قوله: (أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ) بفتح اللام الأولى لأنها لام التأكيد، وبكسر اللام الثانية وفتح الفاء، ولفظ:(اللهُ) مرفوع بالفاعلية، وكلمة:(أَوْ) في الأصل موضوعةٌ لأحد الشيئين أو الأشياء، وقد تخرُج إلى معنى بل، وإلى معنى الواو، وهي حرف عطفٍ ذَكَر المتأخِّرون لها معانيَ كثيرة، وههنا لأحد الأمرين، لأن الواقع أحدُ الأمرين: إما إقامةُ الصفوف أو المخالفةُ. والمعنى: لَيُخَالِفنَّ اللهُ إن لم تقيموا الصفوف، لأنه قَابَلَ بين الإقامة وبينَهُ، فيكون الواقع أحد الأمرين، وهذا وعيدٌ لِمَن لم يُقِم الصفَّ من جنس ذنبه لاختلافهم في مقامهم.

واختُلِف في الوعيد المذكور فقيل: هو على حقيقته، والمراد: تسوِيَةُ الوجه بتحويل خَلْقِه عن وضعه بِجَعْلِه موضعَ القفا أو نحوَ ذلك، فهو نظيرُ ما تقدم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، وعلى هذا فهو واجبٌ والتفريط فيه حرام، وسيأتي البحث في ذلك في باب إثم مَن لم يُتِمَّ الصفوف قريباً، ويؤيد حملَه على ظاهره حديثُ أبي أُمامة بلفظ:((لَتُسَوُّنَّ الصفوفَ أو لَتُطْمَسَنَّ الوجوهُ)) أخرجه أحمد، ولهذا قال ابن الجوزي:

ص: 272

الظاهر أنه مثلُ الوعيدِ المذكور في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النساء: 47]. قال شيخنا: وحديث أبي أُمامة في إسناده ضعف. انتهى.

ومنهم مَن حمله على المجازِ قال النووي: معناه يُوقِع بينكم العداوة والبغضاء واختلافَ القلوب، كما تقول: تغيَّر وجهُ فلان عَلَيَّ أي ظهر لي من وجهِه كراهِيَةٌ، لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفةٌ في ظواهرهم واختلافُ الظواهر سببٌ لاختلاف البواطن، ويؤيده رواية أبي داود وغيرِه بلفظ:((أوْ ليخالِفَنَّ الله بين قلوبكم)) كما سيأتي قريباً. وقال القرطبي: معناه يفترقون فيأخذ كل واحدٍ وجهاً غيرَ الذي أخذ صاحبُه، لأن تقدم الشخص على غيرِه مظِنَّةُ الكِبْرِ المفسِدِ للقلب الداعي إلى القطيعة، والحاصل أن المراد بالوجه إن حُمِل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو الصفةِ أو جَعْلِ القُّدَامِ وراءً، وإن حُمِل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد. أشار إلى ذلك الكِرماني، ويُحتمل أن يراد بالمخالفة: في الجزاء فيجازي الْمُسَوِّي بخيرٍ ومَن لا يسوي بِشَرٍّ.

فإن قلتَ: إذا كان الصفُّ ثلاثةَ نفرٍ فتقدَّم واحدٌ على الأوسطِ وتأخَّر واحدٌ عنه، فإنْ سوَّى مع المتقدِّمِ فقد فرَّطَ في التسوية مع المتأخِّر وبالعكس، فكيف يفعلُ؟ قلتُ: يسوِّي مع الذي بينه وبين الإمامِ بالقدْر المطلوب في الشرع إلا أن يكون هناك صفٌّ بينهم وبين الإمام أكثر من القدْر المطلوبِ شرعاً أو أقل وثَمَّ واحدٌ بينه وبينه القدْر المطلوب فيُسوي مع الصفِّ. انتهى.

718 -

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) أي بفتح الميمين، هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد، ترجمته في باب قول النبي اللهم علمه الكتاب في كتاب العلم.

(قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) أي ابن سعيد البصري، ترجمته في الباب أيضاً.

قوله: (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ) ترجمته في باب حب الرسول من الإيمان.

قوله: (عَنْ أَنَسٍ) أي ابْنِ مَالِكٍ، ترجمته في باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضع.

قوله: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي))).

مطابقته للترجمة من حيث إن الأمرَ بإقامة الصفوف هو الأمر بالتسوية.

وهذا الحديث أخرجه مسلم عن شيبان عن عبد الوارث، وعند النسائي: كان يقول: ((استووا استووا، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم بين يدَيَّ)).

قوله: (أَقِيمُوا الصُّفُوفَ) أي عدِّلوا، يقال: أقام العودَ أي عدَّله وسوَّاه.

قوله: (فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي) الفاء فيه للسببية، وأشارتُه عليه السلام إلى أن سببَ الأمرِ بذلك إنما هو تحقُّقِي منكم خلافَه، ولا يخفى ذلك علَيَّ لأَنِّي أرى مِن خلف ظهري، كما أرى مِن بين يدي. ثم إن هذا يجوز أن يكون إدراكاً خاصَّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم مُحَقَّقاً انخَرقتْ له العادة، وخُلِقَ له عينٌ وراءه فيرى بها، كما ذكر مختار بن محمد في رسالته «الناصرية» : أنه عليه السلام كان بين كَتِفَيْه عينانِ مثلَ سَمِّ الخِيَاط، فكان يُبصِر بهما، ولا يحِجبُهُما الثياب. وفي حديث: كان عليه السلام -

ص: 272