المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب) - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب)

بعد ذلك إلى آخر النَّهار، ولا مانع أيضًا من أن تصعد ملائكة النَّهار وبعضُ النَّهار باقٍ ويقيم ملائكة اللَّيل، ولا يردُّ على ذلك وصفهم بالمبيت بقوله:(بَاتُوا فِيْكُمْ) لأنَّ اسم المبيت صادق عليهم ولو تقدَّمت إقامتَهم باللَّيل إقامتُهم قطعةً من النَّهار، ويحتمل أن يكون أنَّهم لا يصعدون حتَّى يفرغ الوقت؛ ليعلموا من صلَّى ومن لم يصلِّ، وهو ظاهر. انتهى.

قال العَيني: هذا القائل ذكر في هذا الموضع ناقلًا عن البعض أنَّ ملائكة اللَّيل إذا صلَّوا الفجر عرجوا في الحال، وملائكة النَّهار إذا صلَّوا العصر لبثوا إلى آخر النَّهار لضبط بقيَّة عمل النَّهار، ثمَّ قال: وهذا ضعيف؛ لأنَّه يقتضي أنَّ ملائكة النَّهار لا يُسألون، وهو خلاف ظاهر الحديث، فالعجب منه إنَّه ناقَضَ كلامَه الذي ذكره في التَّعَقُّب على ما لا يخفى، وبمثل هذا التَّصرُّف لا يتوجَّه الردُّ على المستدلِّين بقوله:(ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِيْنَ بَاتُوا فِيْكُمْ) على استحباب تأخير صلاة العصر. انتهى.

قلت: لم يناقض شيخُنا كلامَه؛ لأنَّه ناقل في الموضعين، واعترض على أحد القولين وردَّ العَيني اعتراضَه، فقد قوَّى قول المُتَعَقِّب هنا، والله أعلم. انتهى.

قال شيخنا: وسيأتي الكلام على فوائد الحديث في باب قوله: (ثُمَّ يَعْرُجُ) في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى. انتهى.

(17)

(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

أي هذا باب في بيان حكم من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشَّمس، قيل: جواب (مَنْ) الَّتي تضمَّن معنى الشرط محذوف، قال العَيني: لا نسلِّم أنَّ (مَنْ) هذه شرطيَّة، ولكنَّها موصولة، يوضح ذلك ما قدَّرناه. انتهى. قلت: للعَيني في هذا التقدير غرضٌ، وسيتَّضح ذلك فيما في الحديث من الأحكام. انتهى.

وقال شيخنا: أورد فيه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة: ((إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمس فَلْيُتِمَّ صَلَاتُهُ))، فكأنه أراد تفسير الحديث، وأن المراد بقوله فيه:(سَجْدَةً) أي ركعة، وقد رواه الإسماعيلي من طريق حُسَين بن محمَّد بن شَيْبان بلفظ:((مَنْ أدركَ مِنْكُم ركعةً)) فدلَّ على أنَّ الاختلاف في اللَّفظ وَقَعَ من الرواة، وستأتي رواية مالك في أبواب وقت الصُّبح بلفظ:((مَنْ أَدْرَك َرَكْعَةً)) ولم يختلف على راويها في ذلك، فكان عليها الاعتماد. وقال الخطَّابيُّ: المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنَّما يكون تمامها بسجودها، فسمِّيت على هذا المعنى سجدة. انتهى كلام الخطابي.

وقد روى البَيْهَقي هذا الحديث من طريق محمَّد بن الحسين بن الحنفي عن الفَضْل بن دُكَين، وهو أبو نُعَيم شيخ البخاري فيه، بلفظ:((إذا أدركَ أحدُكم أوَّلَ سجدةٍ منْ صلاةِ العصرِ)) وإنَّما لم يأتِ المُصَنِّف في الترجمة بجواب الشرط؛ لما في لفظ المتن الذي أورده من الاحتمال، وهو قوله:(فليُتِمَّ صَلَاتُهُ) لأن الأمر بالإتمام أعمُّ من أن يكون ما يتمُّه أداءً أو قضاءً، فحذف جواب الشرط لذلك، ويحتمل أن تكون (مَنْ) في الترجمة موصولة، وفي الكلام حذف تقديره: باب حكم من أدرك إلى آخره، لكن سيأتي من حديث مالك بلفظ:((قَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ)) وهو يقتضي أن تكون أداءً، وستأتي مباحثه هناك إن شاء الله تعالى. انتهى.

قال العَيني: لا بدَّ للشرط من جواب، سواء كان ملفوظًا أو مقدَّرًا، والجواب

ص: 74

في الحديث مذكورٌ، وكون الأمر بالإتمام أعمَّ ليست قرينةً لترك جواب الشرط في الترجمة، وكان ينبغي أن يقول: جواب الشرط في الترجمة محذوف تقديره: فليتمَّ، يبيِّنه جواب الشرط الذي في متن الحديث، ولكن التقدير الذي قدَّرناه لا يحوجنا إلى تقدير جواب الشرط ولا إلى القول بأنَّ مَن شرطيَّة. انتهى.

556 -

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) أي الفَضْل بن دُكَين، ترجمته في باب من استبرأ لدينه في كتاب الإيمان.

قوله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) أي ابن عبد الرحمن التَّميمي، ترجمته في باب كتابة العلم.

قوله: (عَنْ يَحْيَى) أي ابن أبي كثير، ترجمته في الباب أيضًا.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) أي عبد الله بن عبد الرحمن بن عَوْف، ترجمته في بدء الوحي.

قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أي عبد الرحمن بن صخر، ترجمته في باب أمور الإيمان.

في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاث مواضع، وفيه القول، وفيه أنَّ رواته ما بين كوفي وبصري ومدني.

قوله: (قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ، قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَليُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدرَكَ سَجدَةً مِنْ صَلَاةِ الصبحِ، قَبلَ أَن تَطلُعَ الشمسُ، فَليُتِمَّ صَلَاتَهُ).

مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ) فإن قلت: المذكور في الترجمة ركعة وفي الحديث سجدة، والترجمة في الإدراك في العصر، والحديث في العصر والصُّبح، فلا تطابق! قال العَيني: المراد من السجدة الركعة على ما يجيء إن شاء الله تعالى، وترك الصُّبح فيها من باب الاكتفاء.

وقد وَقَعَ في ألفاظ هذا الحديث اختلاف، أخرج البخاري أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:((مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبح رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمس فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تغْرُبَ الشَّمس فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ))، أخرجه في باب من أدرك من الفجر ركعة، وفي رواية النسائي:((إذا أدركَ أحدُكم أوَّلَ السجدةِ مِن صلاةِ العصرِ قبلَ أنْ تغربَ الشَّمس فليتمَّ صلاتَه))، وكذا أخرجه ابن حبَّان في «صحيحه» ، ورواه أحمد بن مَنِيع، ولفظه:((مَن أدركَ منكم أوَّلَ ركعةً مِن صلاةِ العصرِ قبلَ أنْ تغربَ الشَّمسُ فليتمَّ صلاتَه، ومَنْ أدركَ ركعةً مِنْ صلاةِ الصُّبح قبلَ أنْ تطلعَ الشَّمسُ فقدْ أدركَ))، وفي رواية أبي داود:((إذا أدركَ أحدُكم أوَّلَ السجدةِ مِنْ صلاةِ العصرِ)).

وعند السَّرَّاج: ((مَنْ صلَّى سجدةً واحدةً مِن العصرِ قبلَ غروبِ الشَّمسِ، ثمَّ صلَّى ما بقي بعدَ غروبِ الشَّمسِ فلمْ يفُتْه العصرَ، ومَن صلَّى سجدةً واحدةً مِن الصُّبح قبلَ طلوعِ الشمسِ، ثمَّ صلَّى ما بقي بعدَ طلوعِها فلمْ يفُتْه الصُّبحَ))، وفي لفظٍ:((مَن أدركَ ركعةً مِن الفجرِ قبلَ أنْ تطلعَ الشَّمسُ، وركعةً بعدَ ما تطلعُ فقدْ أدركَ))، وفي لفظٍ:((منْ أدركَ ركعةً منْ صلاةِ الصُّبحِ ثمَّ طلعَتِ الشَّمسُ فليتمَّ صلاتَه))، وفي لفظٍ:((منْ أدركَ ركعةً منَ الجمعةِ فليضمَّ إليها أخرى))، وفي لفظٍ:((منْ صلَّى سجدةً واحدةً منَ العصرِ قبلَ غروبِ الشَّمسِ، ثمَّ صلَّى ما بقي بعدَ الغروبِ فلمْ تفُتْه العصرَ))، وفي لفظٍ: ((منْ أدركَ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ

ص: 74

سجدةً فقدْ أدركَ الصَّلاةَ، ومنْ أدركَ قبلَ غروبِ الشَّمسِ سجدةً فقدْ أدركَ الصلاةَ))، وفي لفظٍ:((منْ أدركَ ركعةً أو ركعتينِ منْ صلاةِ العصرِ))، وفي لفظٍ:((ركعتين)) من غير تردُّد، غير إنَّه موقوف، وهو عند ابن خُزَيمَة مرفوع بزيادة:((أو ركعةً منْ صلاةِ الصُّبحِ)).

وعند الطَّيالِسي: ((منْ أدركَ منَ العصرِ ركعتينِ أو ركعةً - الشكُّ من أبي بشر- قبل أنْ تغربَ الشَّمسُ فقدْ أدركَ، ومنْ أدركَ منَ الصُّبحِ ركعةً قبلَ أنْ تطلعَ الشَّمسُ فقدْ أدركَ))، وعند أحمد:((منْ أدركَ ركعةً منْ صلاةِ الصُّبحِ قبلَ أنْ تطلعَ الشَّمسُ فقدْ أدركَ، ومنْ أدركَ ركعةً أو ركعتينِ منْ صلاةِ العصرِ قبلَ أنْ تغربَ الشَّمسُ فقدْ أدركَ))، وفي رواية النَّسائي:((منْ أدركَ منْ صلاةٍ ركعةً فقدْ أدركَ))، وعند الدَّارَقُطْني:((قبلَ أنْ يقيمَ الإمامُ صُلْبَه فقدْ أدركَها))، وعنده أيضًا:((فقدْ أدركَ الفضيلةَ، ويتمُّ ما بقي)) وضعَّفه.

وفي «سنن الكَجِّي» : ((منْ أدركَ منْ صلاةٍ ركعةً فقدْ أدركَها))، وفي «الصلاة» لأبي نعَيم:((منْ أدركَ ركعتينِ قبلَ أنْ تغربَ الشَّمسُ وركعتينِ بعدما غابَتِ الشَّمسُ فلمْ تفتْه العصرَ))، وعند مسلم:((منْ أدركَ ركعةً منَ الصَّلاةِ معَ الإمامِ فقدْ أدركَ الصَّلاةَ))، وعند النَّسائي بسند صحيح:((منْ أدركَ ركعةً منَ الصَّلاةِ معَ الإمامِ فقدْ أدركَ الصَّلاةَ كلَّها إلَّا أنَّه يقضي ما فاتَه))، وعند الطَّحاوي:((منْ أدركَ ركعةً منَ الصَّلاةِ فقدْ أدركَ الصَّلاة وفضلَها)) قال: وأكثر الرُّواة لا يذكرون فضلَها، قال: وهو الأظهر، وعند الطَّحاوي في حديث عائشة نحوُ حديث أبي هريرة. وأخرجه النَّسائي وابن ماجَهْ أيضًا. انتهى.

قوله: (إِذَا أَدْرَكَ) كلمة إذا تتضمَّن معنى الشرط، فلذلك دخلت الفاء في جوابها وهو قوله:(فَليُتِمَّ صَلَاتَهُ).

قوله: (سَجْدَةً) أي ركعة، تدلُّ عليه الرواية الأخرى للبخاري:((مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبح رَكْعَةً)) وكذلك فسَّرها في رواية مسلم: حدَّثني أبو الطَّاهر وحَرْمَلَة، كلاهما عن ابن وَهْب، والسِّياق لحرملة قال: أخبرني يُونُس عن ابن شهاب، أنَّ عُرْوَة بن الزُّبَيْر حدَّثه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((منْ أدركَ منَ العصرِ سجدةً قبلَ أنْ تغربَ الشَّمسُ، أو منَ الصُّبحِ قبلَ أنْ تطلعَ فقدْ أدركَها)) والسجدة إنَّما هي الركعة، وفسَّرها حَرْمَلَة، وكذا فسَّر في «الأم» لأنَّه يعبَّر بكلِّ واحد منهما عن الآخر، وأيًّا ما كان فالمراد بعضُ الصَّلاة وإدراك شيءٍ منها، وهو يطلق على الركعة والسجدة وما دونها مثل تكبيرة الإحرام.

فإن قلت: ما الفرق بين قوله: (مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبح سَجْدَةً) و (مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنَ الصُّبْحِ)؟ قال العَيني: رواية تقديم السجدة هي السبب الذي به الإدراك، ومن قدَّم الصُّبح أو العصر قبل الركعة فلأنَّ هذين الاسمين هما اللذان يدلَّان عن هاتين الصلاتين دلالةً خاصة تتناول جميع أوصافها، بخلاف السجدة فإنَّها تدلُّ على بعض أوصاف الصلاة، فقُدِّم اللَّفظ الجامع. انتهى.

فيه دليل صريح أنَّ من صلَّى ركعة من العصر، ثمَّ خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته، بل يتمُّها، قال العَيني: وهذا بالإجماع. وأمَّا في الصُّبح فكذلك

ص: 75

عند الشَّافعي ومالك وأحمد، وعند أبي حنيفة تبطل صلاة الصُّبح بطلوع الشَّمس فيها، وقالوا: الحديث حجَّة على أبي حنيفة، وقال النَّوَوي: أبو حنيفة يبطل صلاة الصُّبح بطلوع الشَّمس فيها؛ لأنَّه دخل وقت النَّهي عن الصَّلاة بخلاف الغروب، والحديث حجَّة عليه.

قال العَيني: من وقف على ما أسس عليه أبو حنيفة عرف أنَّ الحديث ليس بحجَّة عليه، وعرف أنَّ غير هذا من الأحاديث حجَّة عليهم، فنقول: لا شكَّ أنَّ الوقت سبب للصلاة وظرف لها، ولكن لا يمكن أن يكون كلُّ الوقت سببًا؛ لأنَّه لو كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعيَّن أن يجعل بعض الوقت سببًا، وهو الجزء الأوَّل؛ لسلامته عن المزاحم، فإن اتصل به الأداء تقرَّرت السَّببيَّة، وإلَّا تنتقل إلى الجزء الثَّاني والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكَّن فيه من عند التحرية إلى آخر جزء من آخر الوقت، ثمَّ هذا الجزء إن كان صحيحًا بحيث لم ينسب إلى الشيطان، ولم يوصف بالكراهة كما في الفجر وجب عليه كاملًا، حتَّى لو عرض له الفساد في الوقت بطلوع الشَّمس في خلال الصَّلاة فسد خلافًا لهم؛ لأنَّ ما وجب كاملًا لا يتأدَّى بالناقص كالصَّوم المنذور المطلق أو صوم القضاء لا يتأدَّى في أيَّام النَّحْر والتَّشريق، وإن كان هذا الجزء ناقصًا كان منسوبًا إلى الشَّيطان كالعصر وقت الاحمرار وجب ناقصًا؛ لأنَّ نقصان السبب مؤثِّر في نقصان المتسبِّب، فيتأدَّى بصفة النقصان؛ لأنَّه أُدّي كما لزم، كما إذا أنذر صوم النَّحْر وأداه فيه، فإذا غربت الشَّمس في أثناء الصَّلاة لم يفسد العصر؛ لأنَّ ما بعد الغروب كامل فيتأدَّى فيه؛ لأنَّ ما يجب ناقصًا يتأدَّى كاملًا بالطريق الأولى.

فإن قلت: يلزم أن تفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدَّها إلى أن غربت. قلت: لما كان الوقت مُتَّسِعًا جاز له شغل كلِّ الوقت، فيعفى الفساد الذي يتصل به بالبناء؛ لأنَّ الاحتراز عنه مع الإقبال على الصَّلاة متعذِّر.

وأمَّا الجواب عن الحديث المذكور: فهو ما ذكره الإمام الحافظ أبو جعفر الطَّحاوي رحمه الله، وهو أنَّه يحتمل أن يكون معنى الإدراك في الصبيان الذين يدركون -يعني يبلغون قبل طلوع الشَّمس- والحيِّض اللاتي يطهرن، والنَّصارى الذين يسلمون؛ لأنَّه لما ذكر في هذا الإدراك ولم يذكر الصَّلاة فيكون هؤلاء الذين سمَّيناهم ومن أشبههم مدركين لهذه الصَّلاة، فيجب عليهم قضاؤها وإن كان الذي بقي عليهم من وقتها أقلُّ من المقدار الذي يصلُّونها فيه.

فإن قلت: ما تقول فيما رواه أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمسُ فليُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبح قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمسُ فليُتِمَّ صَلَاتَهُ)) رواه البخاري والطَّحاوي أيضًا، فإنه صريح في ذكر البناء بعد طلوع الشَّمس.

قلت: قد تواترت الآثار عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالنَّهي عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس ما لم تتواتر بإباحة الصَّلاة عند ذلك، فدلَّ ذلك أنَّ ما كان فيه الإباحة كان منسوخًا بما فيه التواتر بالنَّهي.

فإن قلت: ما حقيقة النَّسخ في هذا

ص: 75

والذي تذكره احتمال، وهل يثبت النَّسخ بالاحتمال؟

قلت: حقيقة النَّسخ هنا إنَّه اجتمع في هذا الموضع محرِّم ومبيح، وقد تواترت الأخبار والآثار في باب المحرِّم ما لم تتواتر في باب المبيح، وقد عرف من القاعدة: أنَّ المحرِّم أو المبيح إذا اجتمعا يكون العمل للتحريم، ويكون المبيح منسوخًا؛ وذلك لأنَّ الناسخ هو المتأخِّر، ولا شكَّ أنَّ الحرمة متأخِّرة عن الإباحة؛ لأنَّ الأصل في الأشياء الإباحةُ والتحريمُ عارضٌ، ولا يجوز العكس؛ لأنَّه يلزم النَّسخ مرَّتين، فافهم؛ فإنَّه كلام دقيق قد لاح لي من الأنوار الإلهيَّة.

فإن قلت: إنَّما ورد النَّهي المذكور عن الصَّلاة في الطُّلوع خاصَّة، وليس بنهي عن قضاء الفرائض. قلت: دلَّ حديث عِمْران بن حُصَين الذي خرجه البخاري ومسلم وغيرهما على أنَّ الصَّلاة الفائتة قد دخلت في النَّهي عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس وعند غروبها، وعن عِمْران أنَّه قال:((سَرَيْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، أَوْ قَالَ: فِي سَرِيْةٍ، فَلَمَا كَانَ آخِرُ السَّحَرِ عَرَّسْنَا، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا حتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ)) الحديث، وفيه أنَّه عليه السلام أخَّر صلاة الصُّبح حين فاتت عنهم إلى أن ارتفعت الشَّمس، ولم يصلِّها قبل الارتفاع، فدلَّ ذلك أنَّ النَّهي عامٌّ يشمل الفرائض والنوافل، والتخصيص بالتطوع ترجيح بلا مرجح. هذا كلُّه كلام العيني.

قلت: وفي هذا الحديث الذي استدلَّ به على أنَّ النَّهي عامٌّ ما يبطل قوله، وهو قول عِمْران:(فَمَا اسْتَيْقَظَنَا حتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ) وحرُّها لا يكون إلَّا بعد ارتفاعها، وهو لا يقول: إنَّ النَّهي يكون في حالة الارتفاع، وتأخيره عليه السلام لم يكن لأجل طلوع الشَّمس، إنَّما هو لأجل الشَّيطان الذي في ذلك الوادي، وقول العَيني: كالصَّوم المنذور المطلق إلى آخره، معارضّةٌ لنصٍّ بالقياس، وفي غالب ما قاله نظر، ولا شكَّ أنَّ حديث الباب حجَّةٌ عليه كما قاله النَّوَوي وغيره؛ لأنَّه عليه السلام أمر بإتمامها بعد طلوع الشَّمس، ونهيه عن الصَّلاة عند الطلوع هو أن يبتدئ المصلِّي الصَّلاة في حالة الطُّلوع، لا أن يبتدئ قبل الطُّلوع، فقد روى مسلم عن عُقْبَة بن عامر رضي الله عنه قال:((ثلاثُ ساعاتٍ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ينهَانا أنْ نصلِّي فيهنَّ أو نقبُرَ فيهنَّ موتَانا: حينَ تطلعُ الشَّمسُ بازغةً حتَّى ترتفعَ، وحينَ يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتَّى تميلَ الشَّمسُ، وحينَ تضيَّفُ للغروبِ)) فالظهيرة: شدَّة الحرِّ، وقائمها: البعير يكون باركًا فيقوم من شدَّة حرِّ الأرض، وتضيّف للغروب: أي مالت إليه، ومنه الضيف؛ لميله إلى المضيف وميلِ المضيف إليه، والله أعلم.

قال العَيني: وفيه أنَّ أبا حنيفة ومن تبعه استدلُّوا بالحديث المذكور أنَّ آخر وقت العصر هو غروب الشَّمس؛ لأنَّ من أدرك منه ركعة أو ركعتين مدركٌ له، فإذا كان مدركًا يكون ذلك الوقت من وقت العصر؛ لأنَّ معنى قوله:(فَقَدْ أَدْرَكَ) وجوبها، حتَّى إذا أدرك الصبي قبل غروب الشمس، أو أسلَّم الكافر أو أفاق المجنون أو طهرت الحائض تجب عليه صلاة العصر ولو كان الوقت الذي أدركه جزأ يسيرًا لا يسع فيه الأداء، وكذلك الحكم قبل طلوع الشَّمس. انتهى.

قلت: هذا الذي قاله العَيني معناه صحيح، وأمَّا تفسيره الحديث بذلك فغير مسلَّم. انتهى.

قال: وقال زُفَر رحمه

ص: 76

الله: لا يجب ما لم يجد وقتًا يسع الأداء فيه حقيقةً، وعن الشَّافعي رحمه الله قولان فيما إذا أدرك دون ركعة كتكبيرة مثلًا، أحدهما: لا يلزمه، والآخر: يلزمه، وهو أصحُّهما. انتهى.

وفيه: أنَّهم اختلفوا في معنى الإدراك، هل هو للحكم أو للفضل أو للوقت من أقلِّ من ركعة؟ فذهب مالك وجمهور الأئمة، وهو أحد قولي الشافعي، إلى أنَّه لا يدرك شيئًا من ذلك بأقلِّ من ركعة، متمسكين بلفظ الركعة، وبما في «صحيح ابن حبَّان» عن أبي هريرة:((إذا جئتم إلى الصَّلاة ونحن سجود فاسجدوها ولا تعدُّوها شيئًا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصَّلاة))، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في قولٍ إلى إنَّه يكون مدركًا لحُكم الصَّلاة.

فإن قلت: قيَّد في الحديث ركعة، فينبغي ألَّا يعتبر أقلَّ منها، قال العَيني: قيَّد الركعة فيه خرج مخرج الغالب، فإنَّ غالب ما يمكن معرفة الإدراك به ركعة ونحوها، حتَّى قال بعض الشافعيَّة: إنَّما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر الركعة البعض من الصَّلاة؛ لأنَّه رُوي عنه: ((منْ أدركَ ركعةً منَ العصرِ)) و ((منْ أدركَ ركعتينِ منَ العصرِ)) و ((منْ أدركَ سجدةً منَ العصرَ)) والتكبيرة في حكم الركعة؛ لأنَّها بعض الصَّلاة، فمن أدركها فكأنَّه أدرك ركعة. انتهى. قلت: هذا التفسير يوافق مذهبه، وقد علمت ما فيه مما تقدَّم. انتهى.

وقال القُرْطُبي: واتَّفق هؤلاء - يعني أبا حنيفة وأبا يوسف والشافعي في قول - على إدراكهم العصر بتكبيرة قبل الغروب، واختلفوا في الظُّهر، فعند الشَّافعي في قول: هو مدرك بالتكبيرة لها؛ لاشتراكهما في الوقت، وعنه: إنَّه بتمام القيام للظُّهر يكون قاضيًا لها، واختلفوا في الجمعة، فذهب مالك والثَّوْري والأوزاعي واللَّيث وزُفَر ومحمَّد والشافعي وأحمد إلى أنَّ من أدرك ركعة منها أضاف إليها أخرى، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أحرَّم في الجمعة قبل سلام الإمام صلَّى ركعتين، وهو قول النَّخَعي والحكم وحمَّاد، وأغرب عطاء ومكحول وطاوس ومجاهد فقالوا: من فاتته الخطبة يوم الجمعة يصلِّي أربعًا؛ لأنَّ الجمعة إنَّما قصرت من أجل الخطبة. وحمل أصحاب مالك قوله: ((منْ أدركَ ركعةً منَ العصرِ)) على أصحاب الأعذار كالحائض والمغمى عليه وشبههما.

ثمَّ هذه الركعة الَّتي يدركون بها الوقت هي بقدر ما يكبِّر فيها للإحرام، ويقرأ أمَّ القرآن قراءة معتدلة، أو يركع ويسجد سجدتين يفصل بينهما ويطمئن في كلِّ ذلك على قول من أوجب الطمأنينة، وعلى قول من لا يوجب قراءة أمِّ القرآن في كلِّ ركعة يكفيه تكبيرة الإحرام والوقوف لها، وأشهب لا يراعي إدراك السجدة بعد الركعة.

وسبب الخلاف: هل المفهوم من اسم الركعة الشرعيَّةُ أو اللغويَّةُ. وأمَّا الَّتي يدرك بها فضيلة الجماعة، فحكمها بأن يكبِّر لإحرامها، ثمَّ يركع ويمكِّن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه، وهذا مذهب الجمهور، ورُوي عن أبي هريرة: إنَّه لا يعتدُّ بالركعة ما لم يدرك الإمام قائمًا قبل أن يركع. ورُوي معناه عن أَشْهَب، وروى جماعة من السَّلف: إنَّه متى أحرم والإمام راكع أجزأه وإن لم

ص: 76

يدرك الركوع وركع بعد الإمام، وقيل: تجزئه وإن رفع الإمام رأسه ما لم يرفع النَّاس، ونقله ابن بَزيزَة عن الشَّعْبي قال: وإذا انتهى إلى الصَّف الآخر ولم يرفعوا رؤوسهم، أو بقي منهم واحد لم يرفع رأسه وقد رفع الإمام رأسه فإنَّه يركع وقد أدرك الصَّلاة؛ لأنَّ الصَّف الذي هو فيه إمامه. وقال ابن أبي ليلى وزُفَر والثَّوْري: إذا كبَّر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك، وإن رفع الإمام قبل أن يضع يديه على ركبتيه فإنه لا يُعتد بها. وقال ابن سيرين: إذا أدرك تكبير يدخل فيها في الصَّلاة وتكبيرة للركوع فقد أدرك تلك الركعة، وقال القُرْطُبي: وقيل: تجزئه إن أحرم قبل سجود الإمام. وقال ابن بَزيزَة: قال أبو العالية: إذا جاء وهم سجود يسجد معهم، فإذا سلَّم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد، ويعتدُّ بتلك الركعة. وعن ابن عُمَر رضي الله عنهما: إنَّه كان إذا جاء والقوم سجود سجد معهم، فإذا رفعوا رؤوسهم سجد أخرى ولا يعتدُّ بها. وقال ابن مسعود: إذا ركع ثمَّ مشى فدخل في الصفِّ قبل أن ترفعوا رؤوسكم اعتدَّ بها، وإن رفعوا رؤوسهم قبل أن يصل إلى الصفِّ فلا يعتدُّ بها.

وأمَّا حكم هذه الصَّلاة، فالصحيح: إنَّها كلُّها أداء، قال بعض الشافعية: كلُّها قضاء، وقال بعضهم: تلك الركعة أداء وما بعدها قضاء، وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى القصر وصلَّى ركعة في الوقت، فإن قلنا: الجميع أداءٌ، فله قصرها، وإن قلنا: كلُّها قضاء أو بعضها، وجب إتمامها أربعًا إن قلنا: إنَّ فائتة السَّفر إذا قضاها في السَّفر يجب إتمامها، وهذا إن أدرك ركعة في الوقت، فإن كان دون ركعة فقال الجمهور: كلُّها قضاء.

557 -

قوله: (حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ) أي الأويسيُّ -بضمِّ الهمزة- نسبة إلى أويس أحد أجداده، مرَّ في كتاب الحرص على الحديث.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي إِبراهِيْمُ بنُ سَعْدٍ) أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عَوْف أبو إِسْحاق الزُّهْري القُرَشي المدني، ترجمته في باب تفاضل أهل الإيمان.

قوله: (عَنِ ابنِ شِهَابٍ) أي محمَّد بن مسلم بن شهاب الزُّهْري، ترجمته في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة.

قوله: (عَنْ سَالمِ بنِ عَبْدِ اللهِ) أي ابن عُمَر بن الخطَّاب، ترجمته في باب الحياء من الإيمان.

قوله: (عَنْ أَبِيْهِ إنَّه أَخْبَرَهُ) أي عبد الله، ترجمته في كتاب الإيمان.

في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع، وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع، وفيه العنعنة في ثلاث مواضع، وفيه الإخبار بصيغة الماضي، وفيه القول، وفيه السَّماع، وفيه أنَّ رواته كلُّهم مدنيُّون، وفيه أنَّ شيخ البخاري من أفراده، وفيه رواية التَّابعي عن التَّابعي وهما ابن شهاب وسالم.

قوله: (أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: إنَّما بَقَاؤُكُمْ فِيْمَا سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ كَمَا بَينَ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التورَاةِ التورَاةَ، فَعَمِلُوا بها حتَّى إِذَا انتَصَفَ النَّهار عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثمَّ أُوْتِيَ أَهْلُ الإِنجِيلِ الإِنجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ العَصرِ، ثمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثمَّ أُوتِيْنَا

ص: 77

القُرآنَ، فَعَمِلنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعطِينَا قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ، فَقَالَ: أَهلُ الكِتَابَينِ: أَي رَبُّ، أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيْرَاطًا قِيْرَاطًا، وَنَحنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ اللهُ عز وجل: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجرِكُم مِنْ شَيءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هُوَ فَضْلِي أُوتِيْهِ مَنْ أَشَاءُ).

مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله: (إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ) فدلَّ على أنَّ وقت العصر إلى غروب الشمس، وأنَّ من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك، وفيها فليتمَّ ما بقي.

قال العَيني: وهذا المقدار بطريق الاستئناس الإقناعي، لا بطريق الأمر البرهاني، ولهذا قال ابن المنيِّر: هذا الحديث مثال لمنازل الأمم عند الله تعالى، وإنَّ هذه الأمَّة أقصرها عمرًا وأقلُّها عملًا وأعظمها ثوابًا.

ويستنبط منه للبخاري بتكلُّف في قوله: (فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ) فدلَّ أنَّ وقت العمل ممتدٌّ إلى غروب الشَّمس، وإنَّه لا يفوت، وأقرب الأعمال المشهور بهذا الوقت صلاة العصر، وهو من قبيل الأخذ بالإشارة، لا من صريح العبارة، فإن الحديث مثال، وليس المراد عملًا خاصًا بهذا الوقت، بل المراد سائر أعمال الأمَّة من سائر الصَّلوات وغيرها من سائر العبادات في سائر مدَّة بقاء الأمَّة إلى قيام السَّاعة، وكذا قال أبو المعالي الجُوَيني: فإن الأحكام لا تتعلَّق بالأحاديث الَّتي تأتي لضرب الأمثال، فإنه موضع تجوُّزٍ.

قال شيخنا: وما أبداه مناسب لإدخال هذا الحديث في أبواب أوقات العصر لا بخصوص الترجمة، وهي:(مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ) بخلاف ما أبداه المُهَلَّب. وقال المُهَلَّب: إنَّما أدخل البخاري هذا الحديث والحديث الذي بعده في هذا الباب لقوله: (ثُمَّ أُوْتِيْنَا القُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيْنَا قِيْرَاطَيْنِ) ليدلَّ على أنَّه يستحقُّ بعمل البعض أجر الكلِّ مثل الذي أعطي من العصر إلى اللَّيل أجر النَّهار كلِّه، فمثله كالذي أعطي على ركعة أدرك وفيها أجر الصَّلاة كلِّها في آخر الوقت.

قال شيخنا: وتكملة ذلك أن يقال: إنَّ فضل الله الذي أقام به عمل ربع النَّهار مقام عمل النَّهار كلِّه هو الذي اقتضى أن يقوم إدراك الركعة الواحدة من الصَّلاة الرباعيَّة الَّتي هي العصر مقامَ إدراك الأربع في الوقت، فاشتركا في كون كلٍّ منهما ربع العمل، وحصل بهذا التقرير الجواب عمَّن استشكل وقوع الجميع أداءً مع أنَّ الأكثر إنَّما وَقَعَ خارج الوقت، فيقال في هذا ما أجيب به أهل الكتابين: ذلك فضل الله يُؤتيه من يشاء. انتهى.

وقال صاحب «التلويح» فيه بعدٌ: فإنه لو قال: إنَّ هذه الأمَّة أعطيت ثلاثة قراريط لكان أشبه، ولكنها ما أعطيت إلَّا بعض أجر جميع النَّهار، نعم عملت هذه الأمَّة قليلًا فأخذت كثيرًا، ثمَّ هو أيضًا منفك عن محلِّ الاستدلال؛ لأنَّ عمل هذه الأمَّة آخر النَّهار كان أفضل من عمل المتقدِّمين قبلها، ولا خلاف أنَّ صلاة العصر متقدِّمة أفضل من صلاتها متأخِّرة، ثمَّ هذا من الخصائص المستثناة عن القياس، فكيف يقاس عليه؟ ألا ترى أن صيام آخر النَّهار لا يقوم مقام جملته؟ وكذا سائر العبادات. انتهى.

قال العَيني: كلُّ ما ذكروا ههنا لا يخلو عن تعسُّف، وقوله: لا خلاف، غير موجَّه؛ لأنّ الخلاف موجود في تقديم صلاة العصر وتأخيرها، وقياسه على الصَّوم

ص: 77

كذلك؛ لأنَّ وقت الصَّوم لا يتجزَّأ بخلاف الصَّلاة. انتهى

وقال شيخنا: استبعد غير مستبعد، وليس في كلام المُهَلَّب ما يقتضي أنَّ إيقاع العبادة في آخر وقتها أفضل من إيقاعها في أوَّله، وأمَّا إجزاء عمل البعض عن الكلِّ فمن قبيل الفضل، فهو كالخصوصيَّة سواء. انتهى.

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في باب الإجارة إلى نصف النَّهار، عن سُلَيمان بن حرب عن حمَّاد عن أيُّوب عن نافع به، وأخرجه أيضًا في باب فضل القرآن، عن مُسَدَّد عن يحيى عن سُفْيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وأخرجه أيضًا في التوحيد عن أبي اليمان عن شُعَيب عن الزُّهْري عن سالم بن عبد الله، وأخرجه أيضًا في باب ما ذكر عن بني إسرائيل، عن قُتَيْبَة عن ليث عن نافع به، وأخرجه مسلم والتِّرْمِذي أيضًا.

قوله: (إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيْمَا سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ) ظاهره ليس؛ لأنَّ ظاهره أنَّ بقاء هذه الأمَّة وَقَعَ في زمان الأمم السَّالفة، وليس كذلك، وإنَّما معناه: أنَّ نسبتكم إليهم كنسبة وقت العصر إلى تمام النَّهار، وفي رواية التِّرْمِذي:((إنَّما أجلكم في أجلِ منْ خلا منَ الأممِ كما بينَ صلاةِ العصرِ إلى غروبِ الشَّمسِ))، قال شيخنا: وحاصله: أنَّ (فِي) بمعنى (إلى) وحذف المضاف وهو لفظ (نسبة)، وقد أخرج المُصَنِّف هذا الحديث، وكذا حديث أبي موسى الآتي بعده في أبواب الإجارة، ويقع استيفاء الكلام عليهما هناك إن شاء الله تعالى، والغرض هنا بيان مطابقتهما للترجمة والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منهما. انتهى.

قوله: (إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ) كان القياس أن يقال: وغروب الشَّمس بالواو؛ لأن بين يقتضي دخوله على متعدد، ولكن المراد من الصَّلاة وقت الصَّلاة وله أجزاء، فكأنَّه قال: بين أجزاء وقت صلاة العصر.

قوله: (أُوْتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ) قال العَيني: (أُوْتِيَ) على صيغة المجهول، أي أُعطي، فالتوراة الأولى مجرورة بالإضافة والثانية منصوبة على مفعول ثانٍ، قيل اشتقاق التوراة من الوَرْي ووزنها تفعلة، وقال الزَّمَخشَري: التوراة والإنجيل اسمان أعجميان، وتكلَّف اشتقاقهما من الوَرْي والنَّجْل ووزنهما بتَفْعلة وإفعيل إنَّما يصحُّ بعد كونهما عربيين. وقرأ الحسن:{الأنجيل} بفتح الهمزة، وهو دليل على العجمة؛ لأنَّ أفعيل بفتح الهمزة عديم في أوزان العرب. انتهى.

قال شيخنا: ظاهره أنَّ هذا كالشرح والبيان لما تقدَّم من تقريره مدَّة الزَّمانين، وقد زاد المُصَنِّف في رواية عبد الله بن دينار عن ابن عُمَر في فضائل القرآن هنا:((مَثَلُكُمْ مَثَلُ اليَهُوْدِ والنَّصَارَى)) إلى آخره، وهو يُشعر بأنهما قضيتان.

قوله: (قِيْرَاطًا قِيْرَاطًا) قال العَيني: القيراط نصف دانق، والمراد منه النَّصيب والحصة، وقد استوفينا الكلام فيه في باب اتباع الجنائز من الإيمان. قال شيخنا: كرَّر (قِيْرَاطًا) ليدلَّ على تقسيم القراريط على جميعهم؛ لأنَّ العرب إذا أرادت تقسيم الشيء على متعدِّد كررته كما يقال: اقسم هذا المال على بني فلان درهمًا درهمًا.

قوله: (عَجِزُوا) قال الدَّاوُدي: هذا مشكل؛ لأنَّه إن كان المراد من مات منهم مسلِّمًا فلا يوصف بالعجز لأنَّه عمل ما أمر به، وإن كان ممن مات بعد التغيير والتبديل

ص: 78

فكيف يعطى القيراط من حبط عمله بكفره؟! وأورده ابن [التِّين]

(1)

قائلًا: قال بعضهم: ولم ينفصل عنه، وأجيب بأنَّ المراد من مات منهم مسلمًا قبل التبديل والتغيير، وعبَّر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النَّهار كلِّه وإن كانوا قد استوفوا عمل ما قدِّر لهم، فقوله:(عَجِزُوا) أي عن إحراز الأجر الثَّاني دون الأوَّل، لكن من أدرك منهم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وآمن به أعطي الأجر مرَّتين كما سبق مصرَّحًا به في كتاب الإيمان.

قوله: (ثُمَّ أُوْتيَ أَهْلُ الإِنْجِيْلِ الإِنْجِيْلَ) الأوَّل مجرور بالإضافة، والثاني منصوب على المفعوليَّة.

قوله: (فَقَالَ أَهلُ الكِتابَينِ) أي التوراة والإنجيل.

قوله: (أَيْ رَبَّنَا) كلمة (أَيْ) من حروف النِّداء، يعني: يا ربَّنا، ولا تفاوت في إعراب المنادى بين حروفه.

قوله: (وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا) قال الإسماعيلي: إنَّما قالت النَّصارى: نحن أكثر عملًا؛ لأنَّهم آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام. قال العَيني: النَّصارى لم يؤمنوا بموسى عليه السلام، على ذلك جماعة الإخباريين، وأيضًا قوله:(وَنَحْنُ أَكْثَرَ عَمَلًا) حكاية عن قول أهل الكتابين.

وقال الكِرْماني: قول اليهود ظاهر؛ لأنَّ الوقت من الصُّبح إلى الظهر أكثر من وقت العصر إلى المغرب، وقول النَّصارى لا يصحُّ إلَّا على مذهب الحنفيَّة حيث يقولون: العصر هو مصير ظلِّ الشيء مثليه، وهذا من جملة أدلَّتهم على مذهبهم. قال العَيني: هذا الذي ذكره هو قول أبي حنيفة وحدَه، وغيره من أصحابه يقولون: مثله. انتهى.

قال شيخنا: تمسَّك به بعض الحنفيَّة كأبي زيد - أي الدَّبُوسي - في «كتاب الأسرار» إلى أنَّ وقت العصر من مصير ظلِّ كلِّ شيء مثليه؛ لأنَّه إذا كان كذلك كان قريبًا من أوَّل العاشرة، فيكون إلى الغروب ثلاثة ساعات غير شيء يسير، ويكون النَّصارى عملوا أيضًا ثلاث ساعات وشيئًا يسيرًا، وهو من أوَّل الزَّوال إلى أوَّل السَّاعة العاشرة، وهو إذا صار ظلُّ الشيء مثله؛ لأنَّه لو كان من مصير ظلِّ كلِّ شيء مثله لكان مساويًا لوقت الظُّهر وقد قالوا:(كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا) فدلَّ على أنَّه دون وقت الظُّهر، وأجيب بمنع المساواة، وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن، وهو أنَّ المدَّة الَّتي بين الظُّهر والعصر أطول من المدَّة الَّتي بين العصر والمغرب.

قال العَيني: لا يخفى على كلِّ أحدٍ أنَّ وقت العصر لو كان بمصير ظلِّ كلِّ شيء مثله يكون وقت الظُّهر الذي إلى مصير ظلِّ كلِّ شيء مثليه وقت العصر الذي يقول وقته بمصير ظل ِّكلِّ شيء مثله، ومع هذا أبو زيد ما ادَّعى المساواة بالتحقيق. انتهى.

قال شيخنا: وأمَّا ما نقله بعض الحنابلة عن الإجماع على أنَّ وقت العصر ربع النَّهار، فمحمول على التقريب إذا فرعنا على أنَّ وقت العصر مصير الظلِّ مثله كما قال الجمهور، فأما على قول الحنفيَّة فالذي من الظُّهر إلى العصر أطول قطعًا، وعلى التنزل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كلِّ جهة. قال العَيني: ما ادعي هو التسوية من كلِّ جهة حتَّى يعترض عليه.

قال شيخنا: وبأن الخبر إذا ورد في معنىً مقصودٍ لا يؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك

(1)

التِّين: ليس في الأصل، وإنما أثبتت من فتح الباري.

ص: 78

المعنى بعينه مقصودًا في أمر آخر وبأنَّه ليس في الخبر نصَّ على أنَّ كلًّا من الطائفتين أكثر عملًا؛ لصدقَ أنَّ كلَّهم مجتمعين أكثر عملًا من المسلمين، وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبًا، وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصَّة، فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم، ويكون نسبة ذلك للجميع في الظَّاهر غيرَ مرادةٍ، بل هو عموم أريد به الخصوص، وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملًا أن يكونوا أكثر زمانًا؛ لاحتمال كون العمل في زمهم كان أشقَّ، ويؤيده قوله تعالى:{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286]. انتهى.

في حديث الباب تفضيل هذه الأمَّة وتوقير أجرها مع قلَّة العمل، وإنَّما فُضِّلت لقوَّة يقينها ومراعاة أصل دينها، فإن زلَّت فأكثر زلَلِها في الفروع بخلاف من كان قبلهم، كقولهم:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} [الأعراف: 138] وكامتناعهم من أخذ الكتاب حين نتق الجبل فوقهم، و {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} [المائدة: 54].

قال شيخنا: ومما يؤيِّد كون المراد كثرة [العمل]

(1)

وقلَّته لا بالنسبة إلى طول الزَّمان وقصره، كون أهل الأخبار متفقين على أنَّ المدَّة الَّتي بين عيسى ونبينا عليه السلام دون المدَّة الَّتي بين نبينا وقيام [السَّاعة]

(2)

لأنَّ جمهور أهل المعرفة قالوا: إنَّ مدَّة الفترة بين عيسى ونبيِّنا ستمائة سنة وسيأتي الخلاف فيه، وهذه مدَّة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسَّكنا بأن المراد التمثل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظُّهر ولا قائل به، فدلَّ على المراد كثرة العمل وقلَّته، والله أعلم. انتهى.

وفيه ما استنبطه بعضهم: أنَّ مدَّة المسلمين من حين ولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام السَّاعة ألف سنة، وذلك أنَّه جعل النَّهار نصفين، الأوَّل لليهود فكانت مدَّتهم ألف سنة وستمائة سنة وزيادة في قول ابن عبَّاس رواية أبي صالح عنه، وفي قول ابن إِسْحاق ألف سنة وتسعمائة سنة وتسع عشرة سنة، وللنصارى كذلك، فكانت مدَّة النصارى الَّتي لا يختلف النَّاس إنَّه كان بين عيسى ونبيِّنا عليه السلام ستمائة سنة، فبقي للمسلمين ألف سنة وزيادة.

قال شيخنا: قال جمهور أهل المعرفة بالأخبار: إنَّ مدَّة الفترة بين عيسى ونبيِّنا عليهم السلام ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل: إنَّها دون ذلك، حتَّى جاء عن بعضهم: إنَّه مائة وخمس وعشرون سنة. انتهى.

قال العَيني: وفيما قاله: أي من قوله: (التي لا تختلف الناس) إلى آخره، نظر من حيث إنَّ الخلاف في مدَّة الفترة، فذكر الحاكم في «الإكليل» : إنَّها مائة وخمس وعشرون سنة، وذكر: إنَّها أربعمائة سنة، وقيل: خمسمائة وأربعون سنة، وعن الضَّحَّاك: أربعمائة وبضع وثلاثون سنة، وقد ذكر السُّهَيلي أنَّ جعفر بن عبد الواحد الهاشمي حدَّث بحديث مرفوع:((إنْ أحسنَت أمَّتي فبقاؤها يومٌ من أيَّام الدُّنْيا وذلك ألف سنة، وإنْ أساءت فنصف يوم))، وفي حديث زمل الخزاعي قال: ((رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع

(1)

العمل: ليس في الأصل، وإنما أثبتت من فتح الباري.

(2)

الساعة: ليس في الأصل، وإنما أثبتت من فتح الباري.

ص: 79

درجات، إلى جنبك ناقة عجفاء كأنَّك تبعتَها، ففسَّر له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الناقة بقيام السَّاعة الَّتي أنذر بها، ودرجات المنبر عدة الدُّنْيا سبعة آلاف سنة، بعُث في آخرها ألفًا)) قال السُّهَيلي: والحديث وإن كان ضعيف الإسناد فقد روي موقوفًا على ابن عبَّاس من طرقٍ صحاح إنَّه قال: ((الدنيا سبعة أيَّام كلُّ يوم ألف سنة))، وصحح الطَّبَري هذا الأصل وعضده بآثار.

قال العَيني: وفيه ما استدلَّ به بعض أصحابنا على أنَّ آخر وقت الظُّهر ممتد إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيء مثليه، وذلك إنَّه جعل لنا من الزَّمان من الدُّنْيا في مقابلة مَن كان قبلنا من الأمم بقدر ما بين صلاة العصر إلى غروب الشَّمس، وهو يدُّل أنَّ بينهما أقل من ربع النَّهار؛ لأنَّه لم يبق من الدُّنْيا ربع الزمان؛ لقوله عليه السلام:((بُعِثْتُ أَنَا والسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ)) وأشار بالسبَّابة والوسطى، فشبَّه ما بقي من الدُّنْيا إلى قيام السَّاعة مع ما انقضى بقدر ما بين السبَّابة والوسطى من التفاوت، قال السُّهَيلي: وبينهما نصف سبع؛ لأنَّ الوسطى ثلاثة أسباع، كلُّ مفصل منها سبع، وزيادتها على السبَّابة نصف سبع، والدُّنْيا على ما قدَّمناه عن ابن عبَّاس سبعة آلاف سنة، فلكل سبع ألفا سنة، وفضلت الوسطى على السبَّابة بنصف الأَنملة، وهو ألف سنة فيما ذكره أبو جعفر الطَّبَري وغيره، وزَعَمَ السُّهَيلي أنَّ بحساب الحروف المقطَّعة أوائل السور تكون تسعمائة سنة وثلاث سنين، وهل هي من مبعثه أو هجرته أو وفاته؟ والله أعلم.

558 -

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) أي بضمِّ الكاف، واسمه محمَّد بن العلاء، ترجمته في باب فضل من عَلِمَ وعَلَّمَ.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) أي حمَّاد بن أسامة، ترجمته في الباب أيضًا.

قوله: (عَنْ بُرَيْدٍ) أي بضمِّ الباء الموحدة، ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي، يكنَّى أبا بردة، ترجمته في باب أيُّ الإسلام أفضل.

قوله: (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) أي عامر، وهو جدُّ بريد المذكور، ترجمته في الباب أيضًا.

قوله: (عَنْ أَبِي مُوْسَى) أي عبد الله بن قيس رضي الله عنه، ترجمته في الباب أيضًا.

في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في أربع مواضع، وفيه القول، وفيه رواية الرجل عن جدِّه ورواية الابن عن أبيه، وفيه أنَّ رواته ما بين كوفي وبصري، وفيه ثلاثة بالكُنى.

قوله: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ المُسلِمِينَ، وَاليَهُودِ، وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ استَأجَرَ قَومًا يَعمَلُونَ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهار، وقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فاسْتَأجَرَ آخَرِيْنَ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بقيَّة يَومِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ، فَعَمِلُوا حتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلَاةِ العَصْرِ، قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا، فاسْتَأجَرَ قَومًا عَمَلُوا بقيَّة يَومِهِم، حتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الفَرِيْقَيْنِ).

مطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق الإشارة لا بالتصريح، بيان ذلك: أنَّ وقت العمل ممتد إلى غروب الشمس، وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر، وإنما قلنا: بطريق الإشارة؛ لأن هذا الحديث قصد

ص: 79