الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَقدَّم مِن فهم راوي الخبر حيث قال التابعي: فأين القراءة؟ فإنَّه دالٌّ على أنه أراد كِبَر السن، وكذا دعوى من زعم أن قوله (وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) معارَضٌ بقوله:((يؤم القومَ أقرؤهم))، لأن الأول يقتضي تقديم الأكبر على الأقرأ، والثاني عكسُه، ثم انفصل عنه بأن قصة مالك بن الحويرث واقعةُ عينٍ
(1)
قابلةٌ للاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقريرُ قاعدةٍ تفيد التعميم، قال: فيحتمل أن يكون الأكبرُ منهم كانَ يومَئذ هو الأفقه. انتهى. والتنصيصُ على تقاربهم في العلم يرُدُّ عليه فالجمع الذي قدمناه أَوْلى والله أعلم.
قلت: هو قوله: وقوله في حديث أبي مسعودٍ ((أَقْرَؤُهُمْ)) قيل: المراد به الأفقه، وقيل: هو على ظاهره، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء: قال النووي: قال أصحابنا الأفقه مقدم على الأقرأ فإنَّ الذي يُحتاج إليه من القراءة مضبوٌط والذي يُحتاج إليه من الفقه غيرُ مضبوطٍ، فقد يَعرِض في الصلاة أمر لا يَقدِر على مراعاة الصلواتِ فيه إلا كاملُ الفقه، ولهذا قدَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نصَّ على أنَّ غيرَه أقرأُ منه، كأنَّه عنى حديث أُبَيٍّ. قال: وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه، وهذا الجواب يلزم منه أنَّ مَنْ نَصَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأُ من أبي بكر كان أفقهَ من أبي بكر، فيفسُد الاحتجاجُ بأنَّ تقديمَ أبا بكر كان لأنه الأفقه.
ثم قال النووي بعد ذلك: قولُه في حديث أبي مسعودٍ: ((فإن كانوا في القراءةِ سواءً فأعلمُهم بالسنةِ، فإنْ كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرةً))، يدل على تقديم الأقرأ مطلقاً. انتهى. قال شيخنا: وهذا واضحٌ للمغايَرة
(2)
. وهذه الرواية أخرجها مسلم أيضاً من وجه آخر عن إسماعيل بن رجاء، ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفاً بما تتعين معرفته من أحوال الصلاة فأما إذا كان جاهلاً بذلك فلا يقدم اتفاقاً، والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهلَ اللسان، فالأقرأ منهم لا بل القارئ
(3)
كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاؤوا بعدهم. انتهى.
(50)
(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)
أي هذا باب ترجمته: إذا زار الإمام أي الإمامُ الأعظم، أو من يجري مجراه، إذا زار قوماً فأَمَّهم في الصلاة، ولم يبين حكمه. هل للإمام ذلك أم يحتاج إلى إذن القوم؟ فاكتفى بما ذُكِر في حديث الباب، فإنَّه يُشعِر بالاستئذان كما سنذكره، إن شاء الله تعالى.
وقال شيخنا: أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعاً: ((مَن زارَ قوماً فلا يؤمَّهم، ولْيؤمَّهم رجلٌ منهم)) محمولٌ على مَن عدا الإمامِ الأعظمِ. وقال الزين ابن المنير: مرادُه أن الإمامَ الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكانٍ مملوكٍ لا يَتقدم عليه مالكَ الدارِ والمنفعةِ
(1)
في (الأصل) : ((غير))، والصواب:((عين)).
(2)
في (الأصل) : ((للمعايرة))، والصواب:((للمغايرة)).
(3)
في (الأصل) : ((العاري))، والصواب:((القارئ)).
ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحَقَّين: حقِّ الإمام في التقديم وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه. انتهى ملخصاً. قال شيخنا: ويُحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعودٍ المتقدم: ((ولا يُؤَمُّ الرجلُ في سلطانِه، ولا يُجلَس على تَكرِمَتِه إلا بإذنه))، فإنَّ مالكَ الشيء سلطانٌ عليه، والإمام الأعظم سلطان على المالك. وقوله:((إلا بإذنه)) يُحتمل عَودُه على الأمرين: الإمامةِ والجلوسِ، وبذلك جزم أحمدُ كما حكاه الترمذي عنه، فيَحصُلُ بالإذن مراعاةُ الجانبين. انتهى.
686 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ) أي أبو عبد الله المروزي نزيل البصرة، وليس هو أخاً لِمُعَلَّى بن أسد أحدِ شيوخ البخاري أيضاً، وكان معاذُ المذكور كاتباً لعبد الله بن المبارك، وهو شيخه في هذا الإسناد، وحكى عنه البخاري أنه قال في سنة إحدى وعشرين ومائتين: أنا ابن إحدى سبعين سنة، لأنه وُلِد سنة خمسين ومائة.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) أي ابن المبارك، ترجمته في بدء الوحي.
قوله: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) أي بفتح الميم، ابنُ راشد، ترجمته في البدء أيضاً.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ) أي محمد بن مسلم بن شهاب، ترجمته في باب إذا لم يكن الإسلامُ على الحقيقة.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ) أي بفتح الراء، أبو محمد الأنصاري. وقال أبو نعيم، عقل مَجَّةً مَجَّهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه من دلو في دارهم، ذكرَه الذهبي في كتاب «تجريد الصحابة» منهم، قال العيني: وتقدم في باب المساجد في البيوت. انتهى. قلت: ذكرت قبل ذلك في باب متى يصح سماع الصبيِّ في كتاب العلم. انتهى.
قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصارِيَّ) ترجمته في باب إذا دخل بيتاً يصلي فيه حيث شاء أو حيث أُمِر.
في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضع، والإخبار كذلك في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه: القول في خمس مواضع. وفيه: السماع. وفيه: رواية التابعيِّ عن الصحابيِّ والصحابيِّ عن الصحابيِّ. وفيه: أن شيخه من أفراده. وفيه: أن رواته ما بين مروزيين والبصري والمدني. قلت: وفيه العنعنة.
قوله: (قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَذِنْتُ لَهُ فَقَالَ: ((أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟)) فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى المَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ فَسَلَّمْنَا)
مطابقته للترجمة في قوله: (فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ
…
) إلى آخره، فإنه يتضمن أمرين: أحدهما: قصداً، وهو تعيين المكان من صاحب المنزل. والآخر: ضمناً، وهو الاستئذان بالإمامة.
وقد ذكرنا تعدد موضعه، ومَن أخرجه غيره في باب إذا دخل بيتاً يصلي حيث شاء، وبقية ما يتعلق به في باب المساجد في البيوت.
قوله: (وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ) بفتح الفاء الأولى وسكون الثانية، جمعُ المتكلم، ويروى:(وَصَفَّنَا) بتشديد الفاء أي: صفَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه.
(51)
(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)
أي هذا باب ترجمته: إنما جعل الإمام ليؤتَمَّ أي: يُقتَدَى به، وهذه الترجمة قطعةٌ من حديث مالك من أحاديث الباب على ما يأتي إن شاء