المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت) - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت)

لغير عذر شغله عنها، قال شيخنا: وهو كلام متدافع فأي عذر أبين من النَّوم. انتهى.

وفيه دليل على قبول خبر الواحد، واستدلَّ به قوم على ذلك، وقال [ابن]

(1)

بَزِيزَةَ: وليس هو بقاطع فيه لاحتمال أنَّه عليه السلام لم يرجع إلى قول بلال بمجرَّده، بل بعد النظر إلى الفجر لو استيقظ مثلًا، واستدلَّ به مالك رحمه الله في عدم قضاء سنَّة الفجر، لأنَّه لم يذكر فيه أنَّهم صلَّوا ركعتي الفجر، قال شيخنا: ولا دلالة فيه لأنَّه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، لا سيَّما وقد ثبت إنَّه ركعهما في حديث أبي قَتَادَة هذا عند مسلم، وسيأتي في باب مفرد لذلك في أبواب التَّطوُّع، وقال أَشْهَب: سئل مالك هل ركع عليه السلام ركعتي الفجر حين نام عن صلاة الفجر حتَّى طلعت الشمس، قال: ما بلغني؛ وقال أشهب: بلغني أنَّه عليه السلام ركع، وقال علي بن زياد: وقاله غير مالك، وهو أحبُّ إليَّ أن يركع؛ وهو قول الكوفيين والثَّوْري والشافعي، وقد قال مالك إن أحبَّ أن يركعهما من فاتته بعد طلوع الشَّمس فعل؛ قال العَيني: مذهب محمَّد بن الحسن: إذا فاتته ركعتا الفجر يقضيهما إذا ارتفع النَّهار إلى وقت الزوال، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يقضيهما هذا إذا فاتت وحدها، وإذا فاتت مع الفرض يقضي اتفاقًا، قال العَيني أيضًا: وفيه أقوى دليل لنا على عدم جواز الصَّلاة عند طلوع الشَّمس، لأنَّه عليه السلام ترك الصَّلاة حتَّى ابياضت الشَّمس، ولورود النَّهي فيه أيضًا. انتهى.

قال شيخنا: وفيه جواز تأخير قضاء الفائتة عن وقت الانتباه مثلًا، وقد تقدَّم ذلك مع بقيَّة فوائده في باب الصعيد الطَّيِّب من كتاب التيمم. انتهى.

(36)

(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

أي هذا باب يذكر فيه من صلَّى بالنَّاس الفائتة بعد خروج الوقت.

قال شيخنا: قال الزَّين بن المنيِّر: إنَّما قال البخاري بعد ذهاب الوقت، ولم يقل مثلًا من صلَّى صلاة فائتة للإشعار بأن إيقاعها كان قرب خروج وقتها، لا كالفوائت الَّتي جهل يومها أو شهرها. انتهى.

قوله: (جَمَاعَةً) نصب على الحال من النَّاس يعني مجتمعين.

596 -

قوله: (حَدَّثَنَا مُعَاُذ بنُ فَضَالَةَ) أي بضمِّ الميم، الزَّهْراني، ويقال القُرَشي مولاهم البصري؛ ترجمته في النَّهي عن الاستنجاء باليمين.

قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا هِشَاٌم) أي ابن أبي عبد الله الدَّسْتُوائي، ترجمته في باب زيادة الإيمان ونقصانه.

قوله: (عَنْ يَحْيَى) أي ابن أبي كثير؛ ترجمته في باب كتابة العلم.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) أي ابن عبد الرحمن، ترجمته في كتاب الوحي.

قوله: (عَنْ جَابِرَ بنِ عَبْدِ اللهِ) أي الأنصاري، ترجمته في الكتاب أيضًا.

قوله: (أَنَّ عُمَر بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه ترجمته في البدء أيضًا.

في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في موضع واحد، وفيه أن شيخ البخاري من أفراده، وفيه أنَّ رواته ما بين كوفي ومدني، قال شيخنا: قد اتَّفق الرُّواة على أنَّ هذا الحديث من رواية جابر عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا حجَّاج بن نُصَير، فإنَّه رواه عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، فقال فيه: عن جابر عن عُمَر؛ جَعْلُهُ من [مسند]

(2)

عُمَر تفرَّد به حجَّاج وهو ضعيف. انتهى.

قوله: (جَاءَ يَوْمُ الخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمس فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ [قُرَيْشٍ]

(3)

، قَالَ يَا رَسُول الله: مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ

(1)

ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من عمدة القاري.

(2)

ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من فتح الباري.

(3)

ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من صحيح البخاري.

ص: 114

حتَّى كَادَتِ الشَّمس تَغْرُبُ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا؛ فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فصلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ).

مطابقته للترجمة استفيدت من اختصار الرَّاوي في قوله: (فَصَلَّى العَصْرَ) إذ أصله فصلَّى بنا العصر وكذا رواه الإسماعيلي من طريق يزيد بن زُرَيع عن هشام.

وقال الكِرْماني: فإن قلت: كيف دلَّ الحديث على الجماعة؟ قلت: إمَّا لأنَّ البخاري استفاده من بقيَّة الحديث الذي هذا مختصره، وإمَّا من إجراء الرَّاوي الفائتة الَّتي هي العصر، والحاضرة الَّتي هي المغرب مجرىً واحدًا، ولا شكَّ أنَّ المغرب كان بالجماعة كما هو معلوم من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال العَيني: الوجه الأوَّل هو الذي ذكرناه، وهو الذي كان في نفس الأمر. وأمَّا الوجه الثَّاني فلا وجه له، لأنَّه يردُّه ما رواه أحمد في «مسنده» من حديث أبي سعيد قال:((حُبِسْنَا يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنِ الصَّلاة حتَّى كَانَ بَعْدَ المَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى كُفِيْنَا، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فَأَقَامَ صلاة الظُّهر فَصلَّاها كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ العَصْرَ فَصلَّاها كَذَلِكَ ثمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ المَغْرِبَ فَصلَّاها كَذَلِكَ ثمَّ أَقَامَ العِشَاءَ فَصلَّاها كَذَلِكَ قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ عز وجل فِي صَلَاةِ الخَوْفِ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239])). انتهى. وقال شيخنا: الاحتمال الأوَّل أي في كلام الكِرْماني هو الواقع في نفس الأمر، فقد وَقَعَ في رواية الإسماعيلي ما يقتضي أنَّه عليه السلام صلَّى بهم، أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن هشام بلفظ:((فصلَّى بنا العصر)). انتهى.

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا عن مسدَّد عن يحيى وعن أبي نُعَيم عن شيبان، وفي صلاة الخوف عن يحيى عن وكيع، وأخرجه في المغازي عن مكِّي بن إبراهيم، وأخرجه مسلم أيضًا في الصَّلاة عن أبي موسى وأبي غسان وأبي بكر بن أبي شَيْبَة، وأخرجه التِّرْمِذي فيه عن محمَّد بن بشَّار عن معاذ بن هشام، وأخرجه النَّسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود ومحمَّد بن عبد الأعلى.

قوله: (يَوْمَ الخَنْدَقَ) : أي يوم حفر الخندق، وهو أعجمي تكلَّمت به العرب، وكان في السنة الرابعة من الهجرة، ويسمَّى بغزوة الأحزاب؛ قال شيخنا: وسيأتي شرح أمره في كتاب المغازي. انتهى.

قوله: (بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) وفي رواية البخاري عن شَيْبان عن يحيى: (بعدَما أفطرَ الصائمُ) والمعنى واحد.

قوله: (فَجَعَلَ) أي عُمَر، (يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ)، لأنَّهم كانوا السبب لاشتغال المسلمين بحفر الخندق الذي هو سبب في تأخيرهم الصَّلاة عن وقتها، إما المختار كما وَقَعَ لعُمَر، وإمَّا مطلقًا كما وَقَعَ لغيره.

قوله: (مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ) اعلم أنَّ كاد من أفعال المقاربة، وهي على ثلاثة أنواع:

نوع منها: وضع للدلالة على قرب الخبر وهو كاد وكرب وأوشك، فإذا قلت كاد زيد يقوم، فُهم منها: إنَّه قارب القيام ولم يقم، والراجح في كاد أن لا يقرن بأن عكس عسى، فإنَّ الراجح فيها أن تقرن، وقد وَقَعَ في رواية مسلم:((حتَّى كادَتِ الشَّمْسُ أنْ تغربَ))؛ قال شيخنا: وفي البخاري في باب غزوة الخندق أيضًا، وهو

ص: 114

من تصريف الرواة. وهل يسيغ الرُّواة بالمعنى مثل هذا أو لا؟، الظَّاهر الجواز لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر كيف وقعت، لا الإخبار عن عُمَر هل تكلَّم بالراجحة أو المرجوحة. انتهى. قال اليعمري: وإذا تقرر أنَّ معنى كاد المقاربة، فقول عُمَر: مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ حتَّى كَادَتِ الشَّمس تَغْرُبُ، معناه: أنَّه صلَّى العصر قرب غروب الشَّمس، لأنَّ نفي الصَّلاة تقتضي إثباتها وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فيحصل من ذلك لعمر ثبوت الصَّلاة ولم يثبت الغروب. انتهى.

وقال الكِرْماني: لا يلزم من هذا السِّياق وقوع الصَّلاة في وقت العصر، بل يلزم منه أنَّ لا تقع الصَّلاة لأنَّه يقتضي أن كيدودته كانت عند كيدودتها؛ قال: وحاصله عرفًا ما صلِّيت حتَّى غربت الشمس. انتهى.

قال شيخنا: ولا يخفى ما بين التقريرين من الفرق، وما ادَّعاه من الفرق ممنوع وكذلك العنديَّة، للفرق الذي أوضحه اليَعْمري من الإثبات والنَّفي، لأنَّ كاد إذا أثبتت نفت، وإذا نفت أثبتت، كما قال فيها اليَعْمري ملغزًا: وإذا نفيت والله أعلم أثبتت، وإن أثبتت قامت مقام جحود؛ هذا إلى ما في تعبيره بلفظ كيدودة من الثقل والله الهادي إلى الصواب. انتهى.

قال العَيني: كلُّ ذلك لا يشفي العليل، ولا يروي الغليل، والتحقيق في هذا المقام أنَّ كاد إذا دخل عليه النَّفي فيه ثلاثة مذاهب:

الأوَّل: إنَّها كالأفعال إذا تجرَّدت من النَّفي كان معناه إثباتًا، وإن دخل عليها نفي كان معناها نفيًا، لأن قولك كاد زيد يقوم معناه إثبات قرب القيام لا إثبات نفس القيام، فإذا قلت: ما كاد زيد يفعل فمعناه نفي قرب الفعل.

الثاني: إنَّه إذا دخل عليها النَّفي كانت للإثبات.

الثالث: إذا دخل عليها حرف النَّفي نُظِرَ هل دخل على الماضي أو على المستقبل؟ فإن كان ماضيًا فهي للإثبات، وإن كان مستقبلًا فهي كالأفعال؛ والأصحُّ هو المذهب الأوَّل، نصَّ عليه ابن الحاجب، وإذا تقرر هذا فكاد ههنا دخل عليه النَّفي فصار معناه نفيًا يعني نفي قرب الصَّلاة، كما في قولك ما كاد زيد يفعل نفى قرب الفعل.

وقوله: (حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ) حال من النَّفي، فهي كسائر الأفعال؛ وقول اليَعْمري يشير إلى المذهب الثالث وهو غير صحيح، ولا يمشي هنا أيضًا؛ فإن قلت: قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] يساعد المذهب الثالث، لأنَّ كاد ههنا دخل عليها النَّفي وهو ماض فاقتضى الإثبات، لأنَّ فعل الذَّبح واقع بلا شكٍّ، قال العَيني: ليس فعل الذَّبح مستفادًا من كاد بل من قوله: {فَذَبَحُوْهَا} والمعنى فذبحوها مجبرين، وما قاربوا فعل الذَّبح مختارين، أو تقول: فذبحوها بعد التراخي وما كادوا يفعلون على الفور، بدليل أنَّهم سألوا سؤالًا بعد سؤال، ولم يبادروا إلى الذَّبح من حين أُمروا به. انتهى.

قال شيخنا: فإن قيل الظَّاهر أن عُمَر كان مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فكيف اختُصَّ بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشَّمس بخلاف بقيَّة الصحابة، والنَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم

ص: 115

معهم، فالجواب: أنَّه يحتمل أن يكون الشغل وَقَعَ بالمشركين إلى غروب الشمس، وكان عُمَر حينئذ متوضِّأً فبادر، فأوقع الصَّلاة، ثمَّ جاء النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فأعلمه بذلك، في الحال الذي كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيَّأ للصلاة، ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء.

وقد اختلف في سبب تأخير النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاة ذلك اليوم، فقيل: كان ذلك نسيانًا، واستبعد أن يقع ذلك من الجميع، ويمكن أن يستدلَّ له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة:((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى المغرب يوم الأحزاب فلما سَلَّمَ قال: هَلْ عَلِمَ رَجُلٌ مُسلِمٌ أَنِّي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، فصلَّى الْعَصْرَ ثمَّ صلَّى المَغْرِبَ)) وفي صحَّة هذا الحديث نظر، لأنَّه مخالف لما في الصحيحين من قوله:(صلى الله عليه وسلم لعُمَرَ: وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا))، ويمكن الجمع بينهما بتكلُّف. انتهى. قلت: هو أن يقال أن قوله هذا كان بعد أن سأل، وقالوا له: لا يا رسول الله. انتهى.

وقيل كان عمدًا، لأنَّهم شغلوه فلم يمكنوه من ذلك وهو أقرب؛ لا سيَّما وقد وَقَعَ عند أحمد والنَّسائي من حديث أبي سعيد: أنَّ ذلك كان قبل أن يُنزل الله في صلاة الخوف {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]؛ وقد اختُلِفَ في هذا الحكم هل نسخ أو لا؛ كما سيأتي في صلاة الخوف إن شاء الله تعالى. قال العَيني: اليوم لا يجوز تأخيرها عن وقتها بل نصلِّي صلاة الخوف وكان ذاك الاشتغال عذرًا في التأخير لأنَّه كان قبل نزول صلاة الخوف. انتهى.

قوله: (بُطْحَانَ) بضمِّ الباء الموحدة وسكون الطاء، وقيل بفتح أوَّله وكسر ثانيه، حكاه أبو عُبَيْد اليَشْكُري وهو وادٍ بالمدينة.

قوله: (فَصَلَّى العَصْرَ) : أي صلاة العصر، ووَقَعَ في «الموطأ» من طريق أخرى أنَّ الذي فاتهم الظهر والعصر، وفي حديث أبي سعيد الخُدْري الذي ذكرناه عن قريب: الظهر والعصر والمغرب؛ وفي لفظ للنَّسائي: حُبسنا في صلاة الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء، وعند التِّرْمِذي من حديث أبي عُبَيْدَة عن أبيه ((أنَّ المشركين شغلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عنْ أربعِ صلواتٍ يومَ الخندقِ)) الحديث.

قال شيخنا: وفي قوله: (أربع) يجوز لأنَّ العشاء لم تكن فاتت. انتهى. قال العَيني: معناه أنَّ العشاء فاتته عن وقتها الذي كان يصلِّيها فيه غالبًا، وليس معناه إنَّها فاتته عن وقتها المعهود؛ وقال ابن العَرَبي: الصحيح أنَّ الصَّلاة الَّتي شغل عنها واحدة وهي العصر، ويؤيِّد ذلك ما رواه مسلم من حديث علي رضي الله عنه:((شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاة الوُسْطَى صَلَاةِ العَصْرِ))؛ قال ابن العَرَبي: ومنهم من جمع بأنَّ الخندق كانت وقعته أيَّامًا، فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيَّام، قال وهذا أولى.

فيه جواز سبِّ المشركين، ولكن المراد ما ليس بفاحش، إذ هو اللائق بمنصب عُمَر رضي الله عنه.

وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، اذا ثبت على ذلك مصلحة دينيَّة؛ وقال النَّوَوي: هو مستحبٌّ إذا كان فيها مصلحة من توكيد الأمر، أو زيادة طمأنينة، أو نفي توهُّم نسيان، أو غير ذلك من المقاصد الصالحة؛ وإنَّما حلف النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تطييبًا لقلب عُمَر لما شقَّ عليه تأخيرها، وقيل: يحتمل أنَّه تركها نسيانًا لاشتغاله بالقتال، فلمَّا قال عُمَر ذلك تذكَّر، وقال:(واللهِ مَا صَلِّيْتُهَا)، وفي رواية مسلم:((والله إن صلِّيتها))، وإن بمعنى (ما)، وفيه أنَّ الظَّاهر إنَّه صلَّاها بجماعة، فيكون فيه دلالة على مشروعيَّة الجماعة في الفائتة،

ص: 115

قال العَيني: وهذا بالإجماع، وشذَّ اللَّيث فمنع من ذلك، ويردُّ عليه هذا الحديث وحديث الوادي. انتهى.

قال شيخنا: مع أنَّ اللَّيث أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت، والإقامة للصلاة الفائتة. انتهى. وفيه ما كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عليه من مكارم الأخلاق، وحسن التأنِّي مع أصحابه وبالفهم، وما ينبغي الاقتداء به في ذلك؛ قلت: جواز النسيان عليه في الفرائض إذا قلنا: إنَّه ترك الصَّلاة نسيانًا، وقد صرَّح بذلك كما سيأتي في قوله:(إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ). انتهى. وفيه دليل على عدم كراهة من يقول ما صلِّيت، وروى البخاري عن ابن سيرين: إنَّه كره أن يقال: فاتتنا وليقل لم يدرك، وقال البخاري: وقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أصحُّ.

وفيه احتجاج من يرى امتداد وقت المغرب إلى مغيب الشَّفق، لأنَّه قدَّم العصر عليها، ولو كان ضيِّقًا لبدأ بالمغرب لئلَّا يفوت وقتها أيضًا، قال العَيني: وهو حجَّة على الشَّافعي في قوله الجديد في وقت المغرب إنَّه مضيَّق. انتهى.

قلت: ليس فيه حجَّة عليه رضي الله عنه، فإنَّه يمكن أن يصلِّي بعد غروب الشَّمس العصر والمغرب وتكون المغرب أداءً، يعلم ذلك من يعرف من مذهبه ما يضيع وقت المغرب على الجديد من الأفعال. انتهى.

وفيه وجوب الترتيب بين الصَّلاة الوقتية والفائتة، وهو قول النَّخَعي والزُّهْرِي وربيعة ويحيى الأنصاري واللَّيث، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد وإسحاق، وهو قول عبد الله بن عُمَر.

وقال طاوس: الترتيب غير واجب، وبه قال الشَّافعي وأبو ثور وابن القاسم وسَحْنُون، وهو مذهب الظاهريَّة.

ومذهب مالك: وجوب الترتيب كما قلنا، ولكن لا يسقط بالنسيان، ولا بضيق الوقت، ولا بكثرة الفوائت، كذا في شرح «الإرشاد» ؛ وفي شرح «المجمع» ، والصحيح المعتمد عليه من مذهب مالك سقوط الترتيب بالنسيان، كما نطقت به كتب مذهبه.

وعند أحمد: لو تذكَّر الفائتة في الوقتيَّة يتمُّها، ثمَّ يصلِّي الفائتة، ثمَّ يعيد الوقتيَّة، وذكر بعض أصحابه إنَّها تكون نافلة، وهذا يفيد وجوب الترتيب. وعند زُفَر: من ترك صلاة شهر بعد المتروكة لا تجوز الحاضرة. وقال ابن أبي ليلى: من ترك صلاة لا يجوز صلاة سنة بعدها.

واستدلَّ «صاحب الهداية» وغيره في مذهب الحنفيَّة بما رواه الدَّارَقُطْني ثمَّ البَيْهَقي في سننهما عن ابن عُمَر رضي الله عنهما قال: ((قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذكرهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ فليتمَ صلَاتَهُ، فَإِذا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فليُعِدِ الَّتي نَسِيَ، ثمَّ ليعدِ الَّتي صلَّاها مَعَ الإِمَام))، وقال الدَّارَقُطْني: الصحيح إنَّه من قول ابن عُمَر، لذا رواه مالك عن ابن عُمَر من قوله، وقال عبد الحقِّ وقد وقفه سعيد بن عبد الرحمن، ووثَّقه يحيى بن معين، قال العَيني: وأخرجه أبو حَفْص بن شاهين مرفوعًا، واستدلَّ أيضًا من يرى بوجوب الترتيب بقوله عليه السلام:((لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ))، قال أبو بكر هو باطل، وتأوَّله جماعة على معنى لا نافلة لمن عليه فريضة، وقال ابن الجَوْزي: هذا نسمعه على ألسنة النَّاس وما

ص: 116

عرفنا له أصلًا، وقال إبراهيم الحَرْبي: قيل لابن حنبل: ما معنى قوله: عليه السلام لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلِيْهِ صَلَاةٌ؟ قال لا أعرف هذا البتَّة. انتهى.

وقال شيخنا: الأكثر على وجوب الترتيب مع الذكر لا مع النسيان، وقال الشافعي: لا يجب الترتيب فيها، واختلفوا فيما إذا تذكَّر فائتة في وقت حاضرة ضيِّق هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة؟ أو يبدأ بالحاضرة؟ أو يتخيَّر؟ فقال بالأوَّل مالك، وقال بالثاني الشَّافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث، وقال بالثالث أَشْهَب. وقال عياض: محلُّ الخلاف إذا لم تكثر الصَّلوات الفوائت، فأمَّا إذا كثرت فلا خلاف إنَّه يبدأ بالحاضرة. واختلفوا في حدِّ القليل فقيل: صلاة يوم، وقيل أربع صلوات. انتهى.

واستُدِلَّ به على عدم مشروعية الأذان للفائتة، وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت حاضرة، ولم يذكر الرَّاوي الأذان لها، وقد عُرِفَ من عادته عليه السلام الأذان للحاضرة، فدلَّ على أنَّ الرَّاوي ترك ذكر ذلك، لا إنَّه لم يقع في نفس الأمر؛ وتعقِّب باحتمال أن يكون المغرب لم يتهيَّأ إيقاعها إلَّا بعد خروج وقتها على رأي من يذهب إلى القول بتضييقه، وعكس ذلك بعضهم، فاستدلَّ بالحديث على أن وقت المغرب مُتَّسِع لأنَّه قدَّم العصر عليها، ولو كان ضيِّقًا لبدأ بالمغرب، ولا سيَّما قول الشَّافعي في قوله بتقديم الحاضرة، وهو الذي قال بأن وقت المغرب ضيِّق، فيحتاج إلى الجواب عن هذا الحديث، وهذا في حديث جابر، وأمَّا حديث أبي سعيد فلا يأتي فيه هذا لما تقدَّم أن فيه:(أنَّه صلَّى بعدَ مُضي بِهَوِيٍّ مِنَ الليلِ) والله أعلم. انتهى. قلت: وفيه ذكر القصص الَّتي فيها معرفة الأحكام الشرعيَّة.

وفيه ذكر ما يقع للمرء في أمر دينه لمن يُقتدَى به، ليعلم ما عليه في ذلك مع إظهار المشقَّة عليه من ذلك. انتهى.

(37)(بَابُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذّا ذَكَرَ) ولا يعيد إلَّا تلك الصلاة: أي هذا باب يذكر فيه أنَّ من نسي صلاة حتَّى خرج وقتها فليصلِّها إذا ذكرها، ولا يعيد إلَّا تلك الصلاة: أي يقضيها، وفي بعض النسخ ولا يعد، والفرق بينهما أن الأوَّل نفي، والثاني نهي.

قال شيخنا: قال علي بن المنيِّر: صرَّح البخاري بإثبات هذا الحكم مع كونه مما اختلف فيه لقوَّة دليله، ولكونه على وفق القياس، إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر، فمن قضى الفائتة كَمُلَ عدد المأمور به، ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب، لقول الشارع: فليصلِّها، ولم يذكر زيادة، وقال أيضًا: لا كفارة لها إلَّا ذلك، فاستُفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها.

قوله: (وَقَاَل إِبْرَاهِيْمُ) أي النَّخَعي، ترجمته في باب ظلم دون ظلم.

قوله: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ واحدةً عشرينَ سنةً لَمْ يُعِدْ إلَّا تِلكَ الصَّلاة الوَاحِدَةَ) مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة لأنَّ قوله: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ)، أعمُّ من أن يكون ذكره إيَّاها بعد النسيان بعد شهر أو سنة أو أكثر من ذلك، وقيده بعشرين سنة للمبالغة، والمقصود أنَّه لا يجب عليه إلَّا إعادة الصَّلاة

ص: 116

الَّتي نسيها خاصَّة في أي وقت ذكرها؛ وأخرج الثَّوْري هذا الأثر في «جامعه» موصلًا عن مَنْصور وغيره عن إبراهيم، وأشار البخاري بهذا إلى تقوية قوله:(وَلَا يُعِيْدُ إلَّا تَلْكَ الصَّلَاةَ)، ويحتمل أنَّه أشار إلى تضعيف ما وَقَعَ في بعض طرق حديث أبي قَتَادَة عند مسلم في قصَّة النَّوم عن الصَّلاة، حيث قال:((فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا))، فبعضهم زَعَمَ أنَّ ظاهره إعادة المقضية مرَّتين عند ذكرها، وعند حضور مثلها من الوقت الآتي، وأجيب عن هذا: بأن اللَّفظ المذكور ليس نصًّا في ذلك، لأنَّه يحتمل أن يُريد بقوله:((فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا))، أي الصَّلاة الَّتي تحضر، لا أنَّه يُريد أن يُعيد الَّتي صلَّاها بعد خروج وقتها؛ فإن قلت: روى أبو داود من حديث عِمْران بن حُصَين في هذه القصَّة: ((مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الغَدَاةِ مِنْ غَدٍ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا)) قال العَيني: قال الخطَّابيُّ: لا أعلم أحدًا قال بظاهره وجوبًا، قال: ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب ليحرز فضيلة الوقت في القضاء. انتهى.

وحكى التِّرْمِذي عن البخاري أنَّ هذا غلط من راويه، ويؤيِّد ذلك ما رواه النَّسائي من حديث عِمْران بن حُصَين أيضًا:((أَنهم قَالُوا: يَا رَسُول الله، إلَّا نقضها لوَقْتهَا من الغَد؟ فَقَالَ عليه السلام: لَا يَنْهَاكُم الله عَن الرِّبَا وَيَأْخُذهُ مِنْكُم)).

597 -

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) أي الفَضْل بن دُكَيْن، تقدَّم عن قريب.

قوله: (وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ المنْقري التَّبُوذَكِي) تقدَّم أيضًا عن قريب.

قوله: (قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) أي ابن يحيى، ترجمته في باب ترك النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي حتَّى يفرغ من بوله في المسجد.

قوله: (عَنْ قَتَادَةَ) أي ابن دِعامة، ترجمته في باب من الإيمان أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه.

قوله: (عَنْ أَنَسٍ) ابن مالك ترجمته في الباب أيضًا.

في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين؛ وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه أن البخاري روى هذا الحديث عن شيخين أحدهما كوفي وهو أبو نُعَيم، وبقيَّة الرُّواة بصريُّون، وفيه القول في موضعين؛ قال شيخنا: والإسناد كلُّه بصريُّون.

قوله: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذا ذَكَرَ لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذلِكَ أقِمِ الصَّلاة الذِكْرَى). قال موسى: قال همَّام: سمعته يقول بعد {وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي} [طه: 14]، هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصَّلاة عن هُدْبَة بن خالد، وأخرجه أبو داود فيه عن محمَّد بن كثير عن همام قوله:((مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَليصلِّ)) كذا وَقَعَ في جميع الروايات: ((فَلْيُصَلِّ)) بحذف الضَّمير الذي هو المفعول؛ ورواه مسلم عن هَدَّاب بن خالد بلفظ: ((فَلْيُصَلِّهَا)). قال شيخنا: وهو أبين للمراد؛ وزاد أيضًا من رواية سعيد عن قَتَادَة: ((أَوْ نَامَ عَنْهَا)) ولمسلم أيضًا من رواية أخرى: ((إِذَا رقدَ أحدكُم عَنِ الصَّلاة أَو غفلِ عَنْهَا فَلْيُصَلِّها إِذا ذَكَرهَا فَإِن الله يَقُول: {وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي} [طه: 14])) وعند النسائي: ((أَو يغْفل عَنْهَا، فَإِن كفارتها أَن يُصلِّيهَا إِذا ذكرهَا))، وعند ابن ماجه: ((سُئِلَ عَن الرجلِ يغْفلُ عَن الصَّلاة

ص: 117

أَو يرقدُ عَنْهَا، قَالَ: يُصليهَا إِذا ذكرهَا)) وفي معجم أبي الحسين محمَّد بن جميع الغسَّاني عن قَتَادَة عن أنس: ((إِذا ذكرهَا أَو استيقظ)).

قوله: (إذا ذكر) أي إذا ذكرها؛ فإن قلت: هذا يقتضي أن يلزم القضاء في الحال إذا ذكر، مع أنَّ القضاء من جملة الواجبات الموسعة اتفاقًا؟

قال العَيني: أجيب عنه بأنه لو تذكَّرها ودام ذلك التذكُّر مدَّة، وصلَّى في أثناء تلك المدَّة، صدق إنَّه صلَّى حين التذكُّر، وليس بلازم أن يكون في أوَّل حال الذكر.

وجواب آخر: أن (إذا) للشرط كأنَّه قال: فليصلِّ إذا ذكر، يعني: لو لم يذكره لا يلزم عليه القضاء، أو: جزاؤه مقدَّر يدلُّ عليه المذكور أي إذا ذكر فليصلِّها، والجزاء لا يلزم أن يترتَّب عليه الشرط في الحال، بل يلزم أن يترتَّب عليه في الجملة.

قوله: (لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ) أي لا كفَّارة لتلك الصَّلاة المنسيَّة إلَّا فعلها، وذلك إشارة إلى القضاء الذي يدلُّ عليه قوله:(فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)، لأن الصَّلاة عند الذكر هي القضاء، والكفَّارة عبارة عن الخصلة الَّتي من شأنها أن تكفِّر الخطيئة، أي تسترها، وهي على وزن: فعالة للمبالغة، وهي من الصفات الغالبة في الاسميَّة. وقال الخطَّابيُّ: هذا يحتمل وجهين: أحدهما: إنَّه لا يكفِّرها غير قضائها.

والآخر: إنَّه لا يلزمه في نسيانها غرامة، ولا صدقة ولا زيادة تضعيف لها، إنَّما يصلِّي ما ترك.

قوله: (أَقِمِ الصَّلاة الذِّكْرَى) بالألف واللام وفتح الرَّاء بعدها ألف مقصورة، ووزنها: فعلى، مصدر من ذكر يذكر، كذا ضبطه العيني؛ وقال شيخنا: للذِّكْرَى بلامين وفتح الرَّاء بعدها ألف مقصورة. انتهى.

وفي رواية مسلم من طريق يُونُس أن الزُّهْري كان يقرؤها كذلك، والقراءة المشهورة:{لِذِكْرِي} [طه: 14]، بلام واحدة وكسر الرَّاء، كما يجيء الآن، وعلى القراءتين اختلفوا في المراد بهذا فقيل: المعنى لتذكرني فيها، وقيل: لأذكرك بالمدح والثَّناء، وقيل: لأوقات الذِّكرى، وهي مواقيت الصَّلاة، وقيل: لذكري لأنَّي ذكرتها في الكتب وأمرت بها، وقيل: لذكري خاصَّة لا ترائي بها ولا تشبُّهًا بذكر غيري، وقيل: لتذكيري لك إيَّاها وهذا يقصده قراءة من قرأ: {للذِّكرى} وقيل: شكرًا لذكري. وقيل: أي ذكر أمري، وقيل: إذا ذكرت الصَّلاة فقد ذكرتني، فإن الصَّلاة عبادة الله، فهي ذكر المعبود فكأنَّه أراد لذكر الصَّلاة.

وقال التُّورِبِشْتي: هذه الآية تحتمل وجوها كثيرة من التأويل، لكن الواجب أن تصار إلى وجه يوافق الحديث، فالمعنى: أقم الصَّلاة لذكرها لأنَّه إذا ذكرها فقد ذكر الله تعالى، أو: يقدَّر المضاف أي لذكر صلاتي، أو: وَقَعَ ضمير الله تعالى في موضع ضمير الصَّلاة لشرفها وخصوصيَّتها. انتهى.

فيه الأمر بقضاء النَّاسي من غير إثم، وكذلك النَّائم سواء كَثُرَتِ الصَّلاة أو قلَّت، وهذا مذهب العلماء كافَّة، وشذَّ بعضهم فيمن زاد على خمس صلوات أنَّه

ص: 117