الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن ابن عمر نحوُه، وأَمَرَه بالإعادة. وقال القرطبي: من خالف الإمام فقد خالف سُنَّة المأموم وأجزأته صلاته عند جمهور العلماء. وفي «المغني» لابن قدامة الحنبلي: فإن سبق إمامَه فعليه أن يرفع ليأتي بذلك مؤتَمَّاً بالإمام، فإن لم يفعل حتى لحقه الإمام سهواً أو جهلاً فلا شيء عليه، فإن سبقه عالماً بتحريمه فقال أحمد في «رسالته» : ليس لمن سبق الإمام صلاةٌ، لقوله: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام
…
؟)) الحديث، ولو كانت له صلاة لرُجِي له الثوابُ، ولم يُخش عليه العقاب، وقال ابن بَزيزَة: استدل بظاهره قومٌ لا يعقلون على جواز التناسخ. قال شيخنا: وهو مذهب رديء مبني على دعاوى بغير برهان، والذي استدل بذلك منهم إنما استدل بأصل المسخ لا بخصوص الحديث.
لطيفة: قال صاحب القبس: ليس التقدم قبل الإمام إلا طلبُ الاستعجال ودواؤه أن يستحضرَ أنه لا يُسلِّمُ قبل الإمام ولا يستعجل في هذه الأفعال والله المستعان. انتهى.
وفي الحديث أيضاً: كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، وبيانُه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب. قلتُ: وفيه جوازُ قلبِ الأعيان، والله أعلم. انتهى.
(54)
(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)
أي هذا بابٌ في بيان حكم إمامة العبد والمولى، أراد به المولى الأسفل وهو المعتوق، ولِلَفظ المولى معانٍ متعددة، والمراد به ههنا المعتوق. قال الزين بن المنير: لم يُفصح بالجواز، لكن لوَّحَ به لإيراده أدلتَه.
قوله: (وَكَانَتْ عَائِشَةُ) أي أم المؤمنين.
قوله: (يَؤُمُّهَا) أي يصلي إماماً لها.
قوله: (عَبْدُهَا ذَكْوَانُ) أي بالذال المعجمة، وكنيته أبو عمرو ومات في أيام الحرة أو قُتِل بها.
قوله: (مِنَ المُصْحَفِ) أي يقرأُ في صلاته بها في المصحف.
إيراده هذا الأثر يدل على أن مراده من الترجمة الجوازُ وإن كانت الترجمة مطلَقَةً، ووصل هذا ابن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة: أن عائشة رضي الله عنها أعتقت غلاماً عن دُبُرٍ، فكان يؤمُّها في رمضان في المصحف. وروى أيضاً عن ابن عُليَّة عن أيوب سمعت القاسم يقول: كان يؤم عائشةَ عبدٌ يقرأ في المصحف. ورواه الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: أنهم كانوا يأتون عائشة بأعلى الوادي هو وأبوه وعبيدُ بن عمير والْمِسور بن مَخرَمة وناسٌ كثير، فيؤمُّهم أبو عمروٍ مولى عائشة، وهو يومئذ غلامٌ لم يُعتَق. وكان إمامَ بني محمد بن أبي بكر وعروةَ. وعند البيهقي من حديث أبي عتبة أحمد بن الفرج الحمصي حدثنا محمد بن حمير حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن هشامٍ عن أبيه: أن أبا عمرو ذكوانَ كان عبداً لِعائشة فأعتقته، وكان يقومُ بها شهر رمضانَ يؤمُّها وهو عبدٌ. وروى ابن أبي داود في «كتاب المصاحف» من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة: أن عائشة كان يؤمُّها غلامُها ذكوان في المصحف.
قوله: (مِنَ المُصْحَفِ) ظاهرُه يدل على جواز القراءة في المصحف في الصلاة، وبه قال ابن سيرين والحكم وعطاء والحسن، وكان أنس يصلي وغلامه خلفه يمسك له المصحف، وإذا تعايا في آيةٍ فَتَح عليه. وأجازَه مالك في قيام رمضان،
وكرهه النخَعي وسعيد بن المسيب والشعبي، وهو رواية عن الحسن، وقال: هكذا يَفعلُ النصارى. وفي مصنف ابن أبي شيبة: وسليمانُ بن حنظلة ومجاهد بن جبير وحماد وقتادة.
وقال ابن حزم: لا تجوز القراءة من المصحف ولا من غيره لمصلٍّ إماماً كان أو غيره، فإنْ تعمدَ ذلك بطلت صلاتُه، وبه قال ابن المسيب والحسن والشعبي وأبو عبد الرحمن السُّلَمي. قال العيني: وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقال صاحب «التوضيح» : وهو غريب لم أره عنه. قال العيني أيضاً: القراءة من مصحف في الصلاة مُفسِدةٌ عند أبي حنيفة لأنه عمل كثير، وعند أبي يوسف ومحمد: يجوز، لأن النظر في المصحف عبادة، ولكنه يُكرَه لما فيه من التشبُّهِ بأهل الكتاب في هذه الحالة، وبه قال الشافعي وأحمد. وعند مالك وأحمد في رواية: لا تُفسِد في النفل فقط.
قال شيخنا: وإلى صحة إمامة العبد ذهب الجمهور، وخالف مالك فقال: لا يؤم الأحرارَ إلا إن كان قارئاً وهم لا يقرؤون، فيؤمُّهم إلا في الجمعة لأنها لا تجب عليه، وخالفه أشهب واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها. وقال العيني: قال أصحابنا - أي الحنفية -: يكره إمامة العبد لاشتغاله بخدمة مولاه، وأجازها أبو ذر وحذيفة وابن مسعود، ذكره ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وعن أبي سفيان أنه كان يؤمُّ بني عبد الأشهل وهو مكاتَب وخلْفَه صحابةٌ: محمد بن مَسلمة وسلمة بن سلامة
(1)
. وصلى سالم خلف زياد مولى أم الحسن وهو عبدٌ، ومن التابعين ابنُ سيرين والحسن وشريح والنخعي والشعبي والحَكَم، ومن الفقهاء الثوري وأبو حنيفة وأحمد والشافعي وإسحاق. وقال مالك: لا يؤم في جمعة ولا عيد، وعن الأوزاعي: لا يؤم إلا أهلَه. وممن كره الصلاة خلفَه: أبو مِجْلَز، فيما ذكره ابن أبي شيبة، والضحاك بزيادة: ولا يؤم من لم يحجَّ قوماً فيهم من قد حج. وفي «المبسوط» : إن إمامته جائزة وغيرُه أحبُّ.
قال العيني: ولا شك أن الحُرَّ أولى منه لأنه مَنصِبٌ جليل، فالحُّر أليق بها، وقال ابن خيران من أصحاب الشافعية: تُكره إمامتُه بالحُرِّ، وخالف سليم الرازي. ولو اجتمع عبدٌ فقيه وحُرٌّ غير فقيه فثلاثة أوجه: أصحها أنهما سواء، ويترجح مَن قال: العبد الفقيه أولى لِمَا أَنَّ سالماً مولى أبي حذيفة كان يؤمُّ المهاجرين الأولين في مسجد قُباء فيهم عمرُ وغيرُه، لأنه كان أكثرَهم قرآنا.
قوله: (وَوَلَدِ البَغِيِّ) عطفٌ على قولِه: (وَالمَوْلَى)، ولكن فَصَل بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه بأثر عائشة رضي الله عنها. والبغِيُّ بفتح الباء الموحدة وكسر الغين المعجمة والتشديد، وهي: الزانية، ونقل ابن التِّين أنه رواه بفتح الباء وسكون الغين والتخفيف، والأولُ أولى، وغفل القرطبيُّ في مختصر البخاري فجعله من بقية الأثر المذكور.
وإلى صحة إمامة ولد الزنا ذهب الجمهور، وكان مالك يكره أن يُتَّخذ إماماً زانياً
(2)
، وعلته عنده أنه يصير مُعرَّضاً لكلام الناس فيأَثمون بسببه، وقيل لأنه ليس له في الغالب من يُفَقِّهُه
(3)
فيغلِب عليه الجهل، وأجاز النخَعي إمامتَه وقال: رُبَّ عبدٍ خيرٌ من مولاه، والشعبي وعطاء والحسن. وقالت عائشة: ليس عليه من وزر أبويه شيءٌ. ذكره ابن أبي شيبة،
(1)
في (الأصل) : ((سلام))، والصواب:((سلامة)).
(2)
كذا في (الأصل) : ((زانياً))، ولعل الصواب:((راتباً)).
(3)
في (الأصل) : ((يفقه))، والصواب:((يفقهه)).
وإليه ذهب الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن عبد الحكم، وكرهها عمر بن عبد العزيز ومجاهد ومالك إذا كان زانياً.
وقال صاحب «التوضيح» أي ابنُ الملقِّن: ولا يُكره إمامتُه عندنا خلافاً للشيخ أبي حامد والعَبدَوي، وقال الشافعي: وأكره أن يُنصَّب من لا يُعرف أبوهُ إماماً، وتابعَه
(1)
البَندَنيجي، وغيرُه صرَّح بعدمها، وقال ابن حزم: الأعمى والخَصِيُّ والعبدُ وولد الزنا وأضدادُهم والقُرَشِيُّ سواء، لا تفاضل بينهم إلا بالقراءة. قال العيني: وقال الحنفية: تكره إمامة العبد وولدِ الزنا لأنه يُستخَفُّ به، فإن تقدَّمَا جازت الصلاة.
قوله: (وَالأَعْرَابِيِّ) بالجر عطفٌ على ولد البَغِيِّ، وهو بفتح الهمزة، نُسِبَ إلى الجمع لأنه صار عَلَماً لهم، فهو في حكم المفرَد، والأعراب سكان البادية من العرب. وقال صاحب «المنتهى» : خاصةً والجمع أعاريب، وليس الأعراب جمعاً للعرب، كما أن الأنباط جمعٌ للنبط، وذكر بعضُهم أن الأعراب جمع عربٍ مثلَ: غَنَمٍ وأغنامٍ، وإنما سُموا أعراباً لأنهم عَرَب تجمعت من ههنا وههنا.
قال شيخنا: وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور أيضاً، وخالف في ذلك مالكٌ، وعلته عندَه غلبةُ الجهل على سكان البوادي، وقيل لأنهم يُديمون نقصَ السنن وترك حضورِ الجماعة غالباً. انتهى. وقال العيني: وأجاز أبو حنيفة إمامته مع الكراهة لغَلَبةِ الجهل عليه، وبه قال الثوري وإسحاق وغيرُهما، وصلى ابن مسعود خلف أعرابي. ولم ير بها بأساً إبراهيمُ والحسن وسالم. وفي الدارقطني من حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً:((لا يتقدم الصفَّ الأولَ أعرابيٌّ ولا عَجَميٌّ ولا غلامٌ لم يحتلم)).
قوله: (وَلَا غُلَامٍ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ) بالجر أيضاً عطفٌ على ما قبله، وظاهره مطلَقٌ يتناول المراهِقَ وغيرَه، ولكن يخرج منه مَن كان دون سن التمييز بدليل آخر. ولعل المصنفَ راعَى اللفظ الوارد في النهي عن ذلك وهو فيما رواه عبد الرزاق من حديث بن عباس مرفوعاً:((لا يؤُمُّ الغلامُ حتى يَحتلم)). قال شيخنا: وإسناده ضعيف، وقد أخرج
(2)
المصنفُ في غزوة الفتح حديث عمرو بن سلِمة - بكسر اللام -: أنه كان يؤم قومه وهو ابنُ سبع سنين. وقيل: إنما لم يَستدلَّ به هنا لأنَّ أحمد بن حنبل توقف فيه، فقيل: لأنه ليس فيه اطلاعُ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقيل: لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمُّهم في النافلة دون الفريضة.
وأجيب عن الأول: بأنَّ زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحدٍ من الصحابة التقريرُ على ما لا يجوز فعله، ولهذا استدل أبو سعيدٍ وجابر على جواز العزل: بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل. كما سيأتي في موضعه. وأيضاً: فالوفد الذين قَدَّموا عمرو بن سلمة كانوا جماعةً من الصحابة، وقد نقل ابن حزم أنه لا يُعلم لهم في ذلك مخالفٌ منهم.
وعن الثاني: بأن سِياق رواية المصنف تدل على أنه كان يؤمُّهم في الفرائض لقوله فيه (صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا، فِي حِينِ كَذَا صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا، فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ
…
) الحديثُ. وفي روايةٍ أبي داود قال عمرو: فما شهدت مشهداً في جِرْمَ إلا كنت إمامَهم، وهذا يعُمُّ الفرائض والنوافل، واحتج ابن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمَّهم أقرؤهم، قال: فعلى هذا إنما يَؤُمُّ
(1)
في (الأصل) : ((وتاتبعه))، والصواب:((وتابعه)).
(2)
في (الأصل) : بياض بمقدار كلمة بعد قوله: ((وقد)) والاستدراك من فتح الباري.
مَن يتوجه إليه الأمر والصبي ليس بمأمور، لأن القلم رُفِع عنه فلا يؤم. كذا قال. ولا يخفَى فسادُه لأنَّا نقول: المأمورُ من يَتوجهُ إليه الأمرُ من البالغين بأنهم يُقدِّمون من اتَّصَف
(1)
بكونه أكثرَ قرآناً، فبطل ما احتج به.
وإلى صحة إمامة الصبي ذهب أيضاً الحسنُ والشافعي وإسحاق، وكرهها مالكٌ والثوريُّ، وعن أبي حنيفة وأحمد روايتان والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض. قال العيني: وأمَّا ما نقله ابن المنذر عن أبي حنيفة وصاحبيه أنها مكروهة فلا يصح هذا النقل، وعند الشافعي في الجمعة قولان. انتهى.
قوله: (لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ))). قال العيني: هذا تعليلٌ لجميع ما ذَكَرَ قبْلَه مِنَ: العبدِ وَوَلد البغي والأعرابيِّ والغلام الذي لم يحتلم، يعني الحديثُ لم يفرق بين المذكورين وغيرهم. قال العيني: ولكنَّ الذي يظهرُ مِن هذا أن إمامةَ أحدِ من هؤلاء إنما تجوز إذا كان أقرأ
(2)
القوم، ألا ترى أن الأشعث بن قيس قدَّم غلاماً فعابوا ذلك عليه، فقال: ما قدَّمتُه ولكن قدَّمتُ القرآنَ العظيم، وقوله عليه السلام: (يَؤُمُّهُمْ
(3)
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) تعليقٌ، وهو طرف من حديث أبي مسعود، أخرجه مسلم وأصحاب السنن بلفظ:((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله))، وروى أبو سعيد عنده أيضاً مرفوعاً:((أحقُّهم بالإمامة أقرؤُهم))، وعند أبي داود من حديث ابن عباس: ((وليؤمكم قراؤكم
(4)
)). قال شيخنا: واستُدِل بقوله: (أَقْرَؤُهُمْ) على أن إمامة الكافر لا تصح لأنه لا قراءة له.
قوله: (وَلَا يُمْنَعُ الْعَبْدُ مِنَ الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ عِلَّةٍ) هذه الجملة معطوفة على الترجمة، وهي من كلام البخاري وليست من الحديث المعلق، ووجهُ عدمِ منعه من حضور الجماعة لأنَّ حَقَّ الله مقدَّمٌ على حق المولى في باب العبادة، وقد وَرَد وعيدٌ شديد في ترك حضور الجماعة بغير ضرورة، أشار إليها بقوله:(بِغَيْرِ عِلَّةٍ) أي بغير ضرورة. وقال شيخنا: بغير ضرورةٍ لسيدِه، فلو قَصَدَ تفويتَ الفضيلة عليه بغير ضرورة لم يكن له ذلك، وسنذكر مستنده في الكلام على قصة سالمٍ في أول حديثَي الباب. انتهى. قال العيني: قَيْدُ السيد لا طائل تحته، لأنَّ عند الضرورة الشرعية ليس عليه الحضورُ مطلقاً، كما في حقِّ الحرِّ. انتهى.
692 -
قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) أي أبو إسحاق الحِزامي المدني، ترجمته في باب من سُئل علماً وهو مشتغلٌ.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ) أي بكسر العين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف، مرَّ في باب التبرز في البيوت.
قوله: (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) أي بتصغير العبدِ العمريُّ، ترجمته في الباب أيضاً.
قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي مولى ابن عمر، ترجمته في باب العلم والفتيا في المسجد.
قوله: (عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ) أي عبد الله، ترجمته في كتاب الإيمان.
في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاث مواضع. وفيه: القول في موضعين. وفيه: أن شيخ البخاري من أفراده. وفيه: أن رواته كلُّهم مدنيون.
قوله: (لَمَّا قَدِمَ المهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصْبَةَ - مَوْضِعاً بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبَيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا)
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه دلالة على جواز إمامة المولى.
هذا الحديث أخرجه أبو داود في الصلاة أيضاً عن القَعْنَبي عن
(1)
في (الأصل) : ((الصف))، والصواب:((اتصف)).
(2)
في (الأصل) : ((في))، والصواب:((أقرأ)) كما في عمدة القاري.
(3)
في (الأصل) : ((يؤم القوم))، والصواب:((يؤمهم)).
(4)
في (الأصل) : ((اقرؤهم))، والصواب:((قراؤكم)) كما في سنن أبي داود.
أنس بن عياض، ورواه البيهقي وزاد: وفيهم أبو بكر وعُمَر وأبو سلمة وزيدُ بن حارثة وعامر بن ربيعة، وقال الداودي: وإمامتُه لأبي بكر يُحتمل أن يكون بعد قدومه مع النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (لَمَّا قَدِمَ المهَاجِرُونَ) أي من مكة إلى المدينة، وصرح به في رواية الطبراني.
قوله: (الأَوَّلُونَ) أي الذين قدِموا أولاً قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ.
قوله: (العُصْبَةَ) بالنصب على الظرفية لقوله: (قَدِمَ)، كذا في جميع الروايات وفي رواية أبي داود: نزلوا العُصْبَة. أي المكان المسمى بذلك، وهو بإسكان الصاد المهملة بعدها موحَّدة، قال الزمخشري في كتاب «أسماء البلدان» : العُصْبَة موضع بقباء، قال الشاعر:
بنيتُه بعُصْبَةٍ مِن مَاليَا
…
أخشى رُكَيْبَاً أَو رُجَيْلاً عَادِيا
واختُلِف في أوله ففي «التوضيح» ضبطه شيخنا علاء الدين في شرحه: بفتح العين وسكون الصاد المهملة بعدها باء موحدةً، وضبطه الحافظ شرف الدين الدِّمياطِيُّ: بضم العين، وكذا ضبطه الشيخ قطب الدين الحلبي في «شرحه» ، وقال أبو عبيد البكري: موضعٌ بقباء. روى البخاري عن ابن عمر: (لَمَّا قَدِمَ المهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ المعَصَّبَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) كذا ثبت في متن الكتاب، وكتب عبد الله بن إبراهيم الأصيلي عليه: العصبة مُهمَلاً غيرُ مضبوط. وقال شيخنا: قال: أبو عبيد البكريُّ لم يضبطه الأصيلي في روايته، والمعروف الْمُعَصَّبُ بالتشديد بوزن مُحَمَّد وهو موضع بقُباء. انتهى.
قوله: (بِقُبَاءٍ) في محل النصب على الوصفية، أي موضعاً كائناً بقُباءٍ، وقُباءٌ يمدُّ ويقصَرُ، ويُصرَف ويُمنَع، ويُذَكَّر ويؤنَّث.
قوله: (كَانَ
(1)
يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ) قال شيخنا: وكأن إمامته بهم كان قبل أن يُعتَق، وكان سالمٌ مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وإنما قيل له: مولى أبي حذيفة لأنه لازَمَ أبا حذيفة بنِ عتبة بن ربيعة بعد أن عَتَقَ فتبناه، فلما نُهوا عن ذلك قيل
(2)
له مولاهُ كما سيأتي في موضعِه، واستُشهِد سالمٌ باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. وقال العيني: ويقال: قُتِل شهيداً هو وأبو حذيفة فَوُجد رأس سالمٍ عند رِجْل أبي حذيفة ورأسُ أبي حذيفة عند رِجْل
(3)
سالم. وقال الذهبي: سالمٌ مولى أبي حذيفة من كبار البدريين، مشهورٌ كبيرُ القَدْر، يقال له: سالمُ بن مَعقِل، وكان من أهل فارس من اِصْطَخْر، وقيل: إنه من العجم من سبي كِرمان، وكان يُعَدُّ من العجَم لأصله، ويُعَدُّ من
(4)
المهاجرين لهجرته، ويُعَدُّ من الأنصار لأن معتقته أنصارية، ويُعَدُّ من القراء لأنه كان أقرأهم أي: أكثرهم قرآناً. وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمي أحدُ السابقين.
قوله: (وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) إشارةٌ إلى سبب تقديمِهم له مع كونهم أشرف منه، وفي رواية الطبراني: لأنه كان أكثرهم قرآنا.
693 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) أي بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة، ترجمته في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولُهُم بالموعظة في كتاب العلم.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى) أي ابن سعيد القطان، ترجمته في باب من الإيمان أن يحب.
قوله:
(1)
في (الأصل) : ((وكان))، والصواب:((كان)).
(2)
في (الأصل) : ((قتل))، والصواب:((قيل)).
(3)
في (الأصل) : ((رأس))، والصواب:((رِجل)).
(4)
كلمة: ((مِن)) ساقطة في (الأصل).
(قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجاج، ترجمته في باب يتلو باب أمور الإيمان.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ) أي بفتح التاء المثناة من فوقٍ وتشديدِ الياءِ آخر الحروف وبعد الألف حاء مهملة، واسمُه يزيد بن حميد الضبعي، مَرَّ في باب رفع العلم. قاله العيني. قلتُ: لكن ترجمته في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة قبل الباب المحال عليه. انتهى.
قوله: (عَنْ أَنَسِ) أي ابْنِ مَالِكٍ، ترجمته في باب من الإيمان أن يحب.
في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في أربع مواضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في أربع مواضع. وفيه: أن رواته ما بين بصري وواسطيٍّ وهو شعبة
(1)
.
قوله: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ))).
مطابقته للترجمة من حيث إنه عليه السلام أَمَر بالسمع والطاعة للعبد إذا استُعمل ولو كان حبشياً، فإذا أَمَر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه، أو إن المستعمِل هو فوض إليه العمل، يعني: جُعِل أميراً ووالياً، والسُّنة أن يتقدم في الصلاة الوالي.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضاً في الصلاة عن محمد بن أَبَان عن غُندَر، وفي الأحكام عن مُسَدَّد عن يحيى. وأخرجه ابن ماجه في الجهاد عن بُندار وأبي بكر بن خلف، كلاهما عن يحيى به.
قوله: (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) أي فيما فيه طاعة لله عز وجل.
قوله: (وَإِنِ اسْتُعْمِلَ) أي جُعِل عاملاً، وللمصنف في الأحكام عن مسدد عن يحيى:(وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ)، وهو أصرح في مقصود الترجمة، وذَكَره بعد باب من طريق غُندَر عن شعبة بلفظ: (قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ: اسْمَعْ وَأَطِعْ
…
) الحديثُ. وقد أخرجه مسلم من طريق غُندَر أيضاً لكن بإسنادٍ له آخر عن شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن: ((اِسْمَعْ وَأَطِعْ وإن كان عبداً حبشيَّاً مُجَدَّعَ الأطراف))، وأخرجه الحاكم والبيهقي من هذا الوجه، وفيه قصةُ: أن أبا ذرٍّ انتهى إلى الرَّبَذَة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبدٌ يؤمهم، قال: فقيل هذا أبو ذر، فذهب يتأخرُ، فقال أبو ذر: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم
…
فذَكَر الحديثَ، وأخرج مسلم أيضاً من طريق غُندَر أيضاً عن شعبة عن يحيى بن الحصين سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حِجَّة الوداع يقول:((ولو استُعمل عليكم عبدٌ يقودُكم بكتاب الله)). وفي هذه الرواية فائدتان: تعيين جهة الطاعة، وتاريخُ الحديث، وأنه كان في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ) قيل: شَبَّهَهُ بذلك لصِغَر رأسِه وذلك معروفٌ في الحبشة، وقيل: لسواده، وقيل: لقصر شعرِ رأسه وتفلُّقِه
(2)
، وقيل: يريد قصر
(3)
شعرها واجتماعَ بعضه وتفرقَه حتى يصير كالزبيب. وقال الكِرماني: كأن رأسه زبيبةٌ أي حبةٌ من العنب سوداء، وهذا تمثيلٌ في الحقارة وسَماجة الصورةِ وعَدَم الاعتداد بها.
فيه: الدَّلالة على صحة إمامة العبد، وقال ابن الجوزي: هذا في الأمراء والعمال لا الأئمة والخلفاء، فإنَّ الخلافة في قريش لا مدخل فيها لغيرهم، وقال الكِرماني: فإن قلتَ: العبدُ يكون والياً وشرطُ الولاية الحرية؟ قلتُ: بأن يوليَه بعض الأئمة أو يتغلبَ
(1)
في (الأصل) : ((سبعة))، والصواب:((شعبة)).
(2)
كلمة غير واضحة في (الأصل) : ولعلها ((تفلفله)) أو ((تفلُّقِه)).
(3)
كلمة غير واضحة في (الأصل) : ولعلها ((قصر)).