الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخره؛ قلت: الأحاديث الواردة في النَّهي عامَّة فلا يترك العمل بعمومها للأحاديث الواردة الَّتي لها سبب الَّتي لا تقاومها، على أنَّا نقول: إنَّ أحاديث النَّهي متأخِّرة، فالعمل للمتأخِّر دون المتقدِّم. انتهى.
قال شيخنا: ولا يخفى أن حمل إنكار معاوية على هذا بعيد جدًّا، أي على سبيل التطوُّع الراتب لها، كما كانوا يصلُّون بعد الظهر. انتهى.
588 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَّامٍ) أي بتشديد اللَّام، السَّكَندَري، ترجمته في باب قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا أَعلَمُكُمْ بِاللهِ.
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْص بنِ عاصمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاَتَيْنِ بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمس وبعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) هذا الحديث قد تقدَّم بأتمِّ سياق في الباب الذي قبله، أخرجه عن عبد بن سُلَيمان عن عُبَيْد الله بن عُمَر بن حَفْص عن خُبيب بضمِّ الخاء المعجمة
…
إلى آخره.
(32)
(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)
أي هذا باب في بيان رواية من لم يكره الصَّلاة إلَّا بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح، ثمَّ بيَّن هؤلاء الذين لم يكرهوا الصَّلاة إلَّا في الوقتين المذكورين بقوله:(رَوَاهُ عُمَر وابنُ عُمَر وأَبُو سَعِيْدٍ وأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعِيْنَ)
قال شيخنا: قيل: آثر البخاري الترجمة بذكر المذاهب على ذكر الحكم، للبراءة من عهدة بتِّ القول في موضع كَثُرَ فيه الاختلاف، ومحصَّل ما ورد من الأخبار في تعيين الأوقات الَّتي يكره فيها الصَّلاة إنَّها خمسة: عند طلوع الشَّمس وعند غروبها، وبعد صلاة الصُّبح وبعد صلاة العصر، وعند الاستواء، ويرجع بالتحقيق إلى ثلاثة من بعد صلاة الصُّبح إلى أن ترتفع الشَّمس فيدخل فيه الصَّلاة عند طلوع الشَّمس، وكذا من بعد صلاة العصر إلى أن تغرب، ولا يُعكِّر على ذلك أنَّ من لم يُصلِّ الصُّبح مثلًا حين بزغت الشَّمس يكره له التنفُّل حينئذٍ، لأنَّ الكلام إنَّما هو جار على الغالب المعتاد، وأمَّا هذه الصور النادرة فليست مقصودة، وفي الجملة عدّها أربعة أجود وبقي خامس وهو الصَّلاة وقت استواء الشَّمس، وعلَّه لم يصحَّ عند المؤلِّف على شرطه فترجم لنفيه، وفيه أربعة أحاديث: حديث عُقْبَة بن عامر وهو عند مسلم ولفظه: ((وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَرْتَفِعَ))، وحديث عَمْرو بن عَبَسَة وهو عند مسلم أيضًا ولفظه:((حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، فَإِذَا أَقْبَلَ الفَيْءُ فَصَلِّ)) وفي لفظ لأبي داوود: ((حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحَ ظِلُّهُ))، وحديث أبي هريرة وهو عند ابن ماجَهْ والبَيْهَقي ولفظه:((حَتَّى تَسْتَوِيَ الشَّمس عَلَى رَأْسِكَ كَالرُّمْحِ فَإِذَا زَالَتْ فَصَلِّ))، وحديث الصُّنابِحي وهو في «الموطأ» ولفظه:((ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ فارَقهَا فَإِذَا زَالَتْ قارَنهَا))، وَفِي آخِرِهِ:((وَنَهَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاة فِي تِلْكَ السَّاعَة))، وهو حديث مرسل مع قوَّة رجاله، وفي الباب أحاديث أُخر ضعيفة، وبقضية هذه الزيادة قال عُمَر بن الخطَّاب: منهي عن الصَّلاة
نصف النَّهار، وعن ابن مسعود قال: كنا نُنهى عن ذلك، وعن أبي سعيد المَقْبُرِيّ قال: أدركت النَّاس وهم يتَّقون ذلك، وهو مذهب الأئمَّة الثلاثة والجمهور، وخالف مالك فقال: ما أدركت أهل الفضل إلَّا وهم يجتهدون ويصلُّون نصف النَّهار، قال ابن عبد البرِّ: وقد روى مالك حديث الصُّنابِحي، فإما إنَّه لم يصحَّ عنده، وإمَّا أنَّه ردَّه بالعمل الذي ذكره. انتهى. وقد استثنى الشَّافعي رضي الله عنه ومن وافقه كأبي يوسف من ذلك يوم الجمعة، أي خاصَّة، لأنَّ جهنَّم لا تسجر فيه، وفيه حديث لأبي داود أن جهنَّم تسجر فيه إلَّا يوم الجمعة، وفيه انقطاع واستثنى مكحول المسافر، قال شيخنا: وحجَّة الشَّافعي ومن وافقه أنَّه صلى الله عليه وسلم ندب النَّاس إلى التبكير يوم الجمعة ورغَّب في الصَّلاة إلى خروج الإمام كما سيأتي في بابه، وجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلَّا بعد الزوال، فدلَّ على عدم الكراهة، وجاء فيه حديث عن أبي قَتَادَة مرفوعًا أنَّه عليه السلام كره الصَّلاة نصف النَّهار إلَّا يوم الجمعة، في إسناده انقطاع، وقد ذكر له البَيْهَقي شواهد ضعيفة، إذا ضُمَتْ قَوِيَ الخَبَرُ، والله أعلم. انتهى.
قال العَيني: وكانت الصحابة يتنفلون يوم الجمعة في المسجد حتَّى يخرج عُمَر رضي الله عنه، وكان لا يخرج حتَّى تزول الشمس، وروى ابن أبي شَيْبَة عن مَسْروق إنَّه كان يصلِّي نصف النَّهار، فقيل له: إن الصَّلاة في هذه السَّاعة تُكره، فقال: ولمَ؟ قال: قالوا: إنَّ أبواب جهنَّم تُفتح نصف النَّهار، فقال: الصَّلاة أحقُّ ما أستعيذ به من جهنَّم حين تفتح أبوابها. انتهى.
قال شيخنا: فرَّق بعضهم بين حكمة النَّهي عن الصَّلاة بعد الصُّبح والعصر، وعن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس وعند غروبها فقال: يكره في الحالتين الأوليتين، ويحرم في الحالتين الأخيرتين، وممن قال بذلك: محمَّد بن سيرين ومحمَّد بن حريث الطبري، واحتجَّ بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إنَّه صلَّى بعد العصر، فدلَّ على أنَّه لا يحرم، وكأنَّه حمل فعله على بيان الجواز، وسيأتي ما فيه في الباب الذي بعده، وروي عن ابن عُمَر تحريم الصَّلاة بعد الصبح، حتَّى تطلع الشَّمس، وأباحها بعد العصر حتَّى تصفرَّ، وبه قال ابن حزم واحتجَّ بحديث علي إنَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصَّلاة بعد العصر إلَّا والشَّمس مرتفعة، رواه أبو داود بإسناد صحيح قوي، والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع، فقيل: هي كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه، وقوله:(رواه عُمَر)
…
إلى آخره، يريد أنَّ أحاديث هؤلاء الأربعة وهي الَّتي قُدِّمَ إيرادها في البابين السابقين، ليس فيها تعرُّض للاستواء، لكن لمن قال به أن يقول إنَّه زيادة من حافظ ثقة، فيجب قبولها. انتهى.
589 -
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) أي محمَّد بن الفضل السَّدُوسي، ترجمته في باب قول النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
الدين النصيحة.
قوله: (حَدَّثَنَا حمَّاد بنُ زَيْدٍ) وفي بعض النُّسخ: ((حمَّاد)) غير منسوب، ترجمته في باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9].
قوله: (عَنْ أَيُّوْبَ) أي كَيْسان السِّخْتِياني، ترجمته في باب حلاوة الإيمان.
قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي مولى ابن عُمَر، ترجمته في باب العلم والفتيا في المسجد.
قوله: (عَنِ ابنِ عُمَرَ) أي عبد الله، ترجمته في كتاب الإيمان.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في موضعين، وفيه أنَّ رواته الثلاثة بصريون ونافع مدني، وفيه رواية المولى عن سيِّده.
قوله: (قَالَ: أُصَلِّي كَما رَأيتُ أصْحَابي يُصَلُّونَ لَا أَنْهَى أحَدًا يصلِّي بِلَيْلٍ أو نَهَارٍ مَا شاءَ غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوا طُلُوعَ الشَّمس ولَا غُرُوبَهَا).
مطابقته للترجمة في قوله: (غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوا
…
) إلى آخره، قال في «التوضيح» : غرض البخاري بهذا الباب ردُّ قول من منع الصَّلاة عند الاستواء، وهو ظاهر.
قوله: (لَا أَمْنَعُ أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) وقال العَيني: عدم منع ابن عُمَر عن الصَّلاة عام في جميع اللَّيل والنَّهار، غير إنَّه منع التحرِّي في هذين الوقتين. انتهى.
قوله: (أُصَلِّي) زاد الإسماعيلي في أوَّله من وجهين عن حمَّاد بن زيد: (كانَ لا يصلِّي من أوَّل النَّهارِ حتَّى تزولَ الشَّمسُ، ويقول: أصلِّي
…
) إلى آخره.
قوله: (أَصْحَابِي) قال الكِرْماني: فإن قلت: ما وجه الدلالة فيه؟ قلت: إمَّا تقرير رسول الله عليه السلام أصحابه عليه إن أراد الرؤية في حياته عليه السلام، وإمَّا إجماعهم إن أراد بعد وفاته، إذ الإجماع لا يتصوَّر حجِّيته إلَّا بعد وفاته، وإلَّا فقوله وحده حجَّة قاطعة.
قوله: (بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) ويُروى: ((بليل ولا نهارٍ))، ويُروى:((بليلٍ ونهارٍ)) بالواو فقط.
قوله: (غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوا) أصله: أن لا تتحرَّوا، فحذفت إحدى التاءين، أي غير أن لا تقصدوا، وزاد عبد الرزَّاق في آخر هذا الحديث عن ابن جُرَيج عن نافع:((فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَلكَ، وقال: إنَّه يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطان مَعَ طُلُوعِ الشَّمسِ))، وقال الكِرْماني: فيه دليل لمالك حيث قال: لا بأس بالصلاة عند استواء الشَّمس؛ وقال الشَّافعي رضي الله عنه: الصَّلاة عند الاستواء مكروهة إلَّا يوم الجمعة، لما ثبت أنَّه عليه السلام كره الصَّلاة نصف النَّهار، وعن الحسن وطاوس: مثله؛ والذين منعوا الصَّلاة عند الاستواء: عُمَر وابن مسعود والحكم؛ وقال الكوفيون: لا يصلَّى فيه فرض ولا نفل، واستثنى الشَّافعي وأبو يوسف يوم الجمعة خاصَّة لأنَّ جهنَّم لا تسجر فيه، وقد تقدَّم هذا اتفاقًا، قال شيخنا: قال بعض العلماء: المراد بحصر الكراهة في الأوقات الخمسة، إنَّما هو بالنسبة إلى الأوقات الأصلية، وإلا فقد ذكروا أنَّه يكره التنفُّل وقت إقامة الصَّلاة، ووقت صعود الإمام لخطبة الجمعة، في حالة الصَّلاة المكتوبة جماعة لمن يصلِّيها، وعند المالكيَّة كراهة التنفُّل بعد الجمعة حتَّى ينصرف النَّاس، وعند الحنفيَّة كراهة التنفُّل قبل صلاة المغرب، وسيأتي ثبوت الأمر به في هذا
الجامع الصحيح. انتهى.
(33)(بَابُ مَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ مِنَ الفَوَائِتِ وَغَيْرِهَا) أي هذا باب في بيان الذي يُصَلَّى بعد العصر، و (يُصَلَّى) على صيغة المجهول، و (بَعْدَ العَصْرِ)، أي من بعد صلاة العصر، وكلمة (مِنَ) بيانيَّة.
قوله: (وغيرها) في بعض النُّسخ: ((ونحوها))، وقال الزَّين بن المنيِّر: السرُّ في قوله: ((ونحوها)) ليدخل فيه رواتب النوافل وغيرها؛ وقال أيضًا: ظاهر الترجمة إخراج النافلة المحضة الَّتي لا سبب لها. انتهى.
قال العَيني: لا نسلِّم أنَّ قوله: (ونحوها) لدخول رواتب النَّفل، بل المراد من ذلك دخول مثل صلاة الجنازة إذا حضرت في ذلك الوقت، وسجدة التلاوة، والنَّهي الوارد في هذا الباب عام يتناول النَّوافل الَّتي لها سبب، والتي ليس لها سبب، وقد ذكرنا أن حديث عُقْبَة بن عامر يمنع الكلَّ.
قوله: (وَقَال: كُرَيْبٌ) أي -بضمِّ الكاف- مولى ابن عبَّاس؛ ترجمته في باب التخفيف في الوضوء.
قوله: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أي هند بنت أبي أميَّة بن المغيرة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخزُوم القُرَشيَّة المَخزُوميَّة، زوج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ترجمتها في باب العلم والعظة باللَّيل؛ وقد أعاد العَيني ترجمتها ههنا.
قوله: (صلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ العَصْرِ رَكْعَتَيُنِ، وقال: شَغَلَنِي ناسٌ مِنْ عَبْد القَيْسِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بعْدَ الظُّهْرِ)، هذا التعليق أخرجه مسندًا في السَّهو في باب إذا تكلَّم وهو يصلِّي فأشار بيده، قبيل كتاب الجنائز؛ وفي وفد عبد القيس عن يحيى بن سُلَيمان عن ابن وَهْب عن عَمْرو بن الحارث عن بكير عن كُرَيب أنَّ ابن عبَّاس والمِسْوَر وعبد الرحمن بن أَزْهَر أرسلوه إلى عائشة؛ الحديث بطوله وفيه قال:(يَا بنتَ أبي أُميَّةَ، سَأَلتِ عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعدَ العَصْرِ، وإنَّه أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ فَشَغَلُونِيْ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعدَ الظّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ)، وعند مسلم:((نَاسٌ مِنْ عبدِ القَيْسِ بِالإِسْلَامِ من قَومِهِمْ))، وعند البَيْهَقي:((قَدِمَ عَليَّ وَفدُ بَنِي تَمِيمٍ أَو صَدَقَةٍ شَغَلُونِيْ عَنْهُمَا، هما هَاتَانِ الرَّكعَتَانِ)).
قوله: (بَعْدَ الظّهْرِ) صفة رَكْعَتَيْنِ أي المندوبتين بعد الظّهْر؛ قَالَ الكِرْماني: وَهَذَا دليل الشَّافعي فِي جَوَاز صَلَاة لَهَا سَبَب بعد العَصْر بِلَا كَرَاهَة؛ قال العَيني: هَذَا لَا يصلح أَن يكون دليلًا، لِأَنَّ صلَاته عليه السلام هَذِه كَانَت من خَصَائِصه كَمَا ذكرنَا، فَلَا يكون حجَّة لذلك. انتهى.
قلت: قال البَيْهَقي: الذي اختصَّ به المداومة على ذلك لا أصل القضاء، وأمَّا [ما]
(1)
روي عن ذكوان عن أمِّ سلمة في هذه القصَّة إنَّها قالت: ((فقلتُ يا رسولَ اللهِ أنقضيهما إذا فاتتنا؟ قالَ: لا)) فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها حجَّة. انتهى.
590 -
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) أي الفضل بن دُكَيْن، ترجمته في باب فضل من استبرأ لدينه في كتاب الإيمان.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ) أي بفتح الهمزة، تقدَّم أي في باب الاستعانة بالنجَّار والصنَّاع في أعواد المنبر.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي) أي أيمن الحبشي مولى ابن أبي عَمْرو المخزومي القُرَشي المكِّي، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ) أي أم
(1)
لم: ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من فتح الباري.
المؤمنين رضي الله عنها، ترجمتها في بدء الوحي.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه السماع، وفيه القول في ثلاثة مواضع؛ وفيه أن أيمن من أفراد البخاري، وفيه أن رُواته ما بين كوفي ومكِّي.
قوله: (قَالَتْ: والَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حتَّى لَقِيَ الله، وَمَا لَقِيَ الله حتَّى ثَقُلَ عنِ الصَّلاة، وكَانَ يصلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ قاعِدًا، يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا ولَا يُصَلِّيهِمَا فِي المَسْجِدِ مَخَافَةَ أنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ)؛ مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر اختلاف الألفاظ في هذا الحديث وفي لفظ للبخاري: (مَا ترك السَّجْدَتَيْنِ بعد العَصْر عِنْدِي قطّ)، وفي لفظ:(رَكْعَتَانِ لم يكن يدعهما سرًا وَلَا عَلَانيَة: رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح، وركعتان بعد الْعَصْر)، وَفِي لفظ:(مَا كَانَ يأتيني فِي يَوْم بعد العَصْر إلَّا صلَّى رَكْعَتَيْنِ)، وَعند مُسلم:((كَانَ يُصَلِّيهمَا قبل العَصْرِ ثمَّ إنَّه شغل عَنْهُمَا أَو نسيهما فصلَّاهما بعد العَصْر، ثمَّ أثبتهما؛ وكَانَ إِذا صلَّى صَلَاةً أثبتها))، وَعند الدَّارَقُطْني:((كَانَ لَا يدع رَكْعَتَيْنِ قبل الفجْر وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر))، وَفِي لفظ:((دَخَلَ عَلَيْهَا بَعدَ العَصْرِ فصلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقلت: يَا رَسُول اللهِ أحدث بِالنَّاسِ شَيْء؟ فقالَ: لَا، إلَّا أَن بِلَالًا عَجَّلَ الْإِقَامَة فَلم أصلِ الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْرِ فَأَنا أقضيهما الآن؛ قلت: يَا رَسُول الله! أفنقضيهما إِذا فاتتا؟ قَالَ: لَا))؛ وقد تقدَّم آنفًا أن هذا حديث ضعيف، قال شيخنا: أخرجه الطَّحاوي واحتجَّ بها على أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه وَفِي لفظ: ((كَانَ يصلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بعد العَصْر وَينْهى عَنْهُمَا))، وَفِي لفظ:((وَلم أره عَاد لَهما))، وَفي لَفظ محمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان: أَن مُعَاوِيَة أرسل إِلَيْهَا يسْأَلهَا عَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَت: لَيْسَ عِنْدِي صَلَّاهُمَا، وَلَكِنَّ أمَّ سَلمَةَ حَدَّثتنِي، فَذكره.
قوله: ((والَّذِي ذَهَبَ بِهِ))، وفي رواية الإسماعيلي والبَيْهَقي:((والذي ذَهَبَ بنفسِهِ))، أي برسول الله صلى الله عليه وسلم، حلفت عائشة بالله على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك الركعتين بعد العصر حتَّى مات.
قوله: (ثَقُلَ) بضمِّ القاف.
قوله: (قَاعِدًا) نصب على الحال.
قوله: (مَخَافَةَ) نصب على التعليل أي لأجل المخافة، وهو مصدر ميمي بمعنى: الخوف. وكلمة: (أَنْ) في: (أَنْ يُثقِّلَ) مصدريَّة أي مخافة التثقيل على أمَّته، و (يُثقِّلَ)، بضمِّ الياء وتشديد القاف المكسورة من التثقيل، ويروى بفتح الياء وضمِّ القاف.
قول: (مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ)، أي عن أمَّته، و (يُخفِّفُ)[بضمِّ الياء]
(1)
وكسر الفاء المشددة من التخفيف، هذه رواية المُسْتَمْلي، وغيره روى: ما خفَّف، بصيغة الماضي؛ وسيأتي الكلام على ذلك في أعلام النُّبوَّة إن شاء الله تعالى.
قالوا: احتجَّ بهذا الأحاديث من أجاز التنفُّل بعد العصر مطلقًا ما لم يقصد الصَّلاة عند غروب الشمس، وأورده البخاري في قضاء الفائتة بعد العصر، ولهذا ترجم عليه به، قال العَيني: ونحن نقول أي الحنفيَّة كما قلنا غير مرة: إن هذا كان من خصائصه عليه السلام، ومن الدليل عليه ما رواه أبو داود من حديث ذكوان مولى عائشة أنَّها حدَّثته أنَّه عليه السلام:((كَانَ يصلِّي بعد العَصْر وَينْهى عَنْهَا، ويواصل وَيُنْهِي عَن الوِصَال))، وروى التِّرْمِذي من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جُبَير عن ابن عبَّاس قال:((إِنَّمَا صلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَتَيْنِ بعد العَصْرِ لأنَّه أَتَاهُ مَالٌ فَشَغلهُ عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر فصلَّاهما بعد العَصْرِ، ثمَّ لم يَعدْ))، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيث حسن. قال شيخنا: هو من رواية جرير عن عطاء، وقد سمع منه
(1)
ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من عمدة القاري.
بعد اختلاطه، وإن صحَّ فهو شاهد لحديث أمِّ سلمة لكن ظاهر قوله:(ثمَّ لم يعد)، معارض لحديث عائشة المذكور في هذا الباب، فيحمل النَّفي على علم الرَّاوي فإنَّه لم يطلِّع على ذلك، والمثبت يقدَّم على النافي، وكذا ما رواه النَّسائي من طريق أبي سلمة عن أمِّ سلمة:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلَّى فِي بَيْتِهَا بَعْدَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ مرةً وَاحِدَةً)) الحديث، وفي رواية له عنها:((لم أره يصلِّيها قبل ولا بعد))، فيجمع بين الحديثين بأنَّه عليه السلام لم يكن يصلِّيهما إلَّا في بيته، فلذلك لم يرَه ابن عبَّاس ولا أمُّ سلمة، ويشير إلى ذلك قول عائشة في الرواية الأولى، وكان لا يصلِّيهما في المسجد مخافة أن يُثقل على أمَّته، قَالَ: وَقد روي عن غير وَاحِد: ((عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّه صلَّى بَعدَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ))، وَهَذَا خلاف مَا رُوِيَ أَنه نهى عَن الصَّلاة بعد العَصْر حتَّى تغرب الشَّمْس، وحديث ابن عبَّاس أصحُّ، حَيْثُ قَالَ: لم يعد لَهما.
قال شيخنا: وقد تقدَّم نقل المذاهب في ذلك، وأجاب عنه من أطلق الكراهة بأنَّ فعله هذا يدلُّ على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة، وأمَّا مواظبته عليه السلام على ذلك فهو من خصائصه، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أي المتقدِّمة، قال شيخنا أيضًا قوله: (أنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ
…
) إلى آخره، وللإسماعيلي من طريق أبي زُرْعَة عن أبي نُعَيم شيخ البخاري فيه: إنَّه دخل عليها فسألها عن ركعتين بعد العصر، فقالت: والذي ذهب بنفسه يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه أيضًا فقال لها أيمن: أنَّ عُمَر كان ينهى عنهما ويضرب عليهما، فقالت: صدقت، ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّيهما فذكره؛ والخبر بذلك عن عُمَر أيضًا ثابت في رواية كُرَيب عن أمِّ سلمة؛ الَّتي ذكرنا أنَّها في باب اذا كلَّم وهو يصلِّي؛ ففي أوَّل الخبر عن كُرَيب: أنَّ ابن عبَّاس والمِسْوَر بن مَخرَمَة وعبد الرحمن بن أَزْهَر أرسلوه إلى عائشة فقال: ((اقرأْ عليها السلام منَّا جميعًا، وسلْها عنِ الركعتينِ بعدَ صلاةِ العصرِ، وقلْ لها أُخبرنا أنَّكِ تصلِّيهما، وقدْ بلغَنا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنهما))، وقال ابن عبَّاس: وقدْ كنتُ أضربُ النَّاس معَ عُمَر عليها الحديث.
تنبيه: روى عبد الرزَّاق من حديث زيد بن خالد: سبب ضرب عُمَر النَّاس على ذلك، فقال عن زيد بن خالد: أنَّ عُمَر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث، وفيه فقال عمر: يا زيد لولا أنَّي أخشى أن يتخذها النَّاس سُلَّمًا إلى الصَّلاة حتَّى اللَّيل لم أضرب فيهما، فلعلَّ عُمَر كان يرى أن النَّهي عن الصَّلاة بعد العصر إنَّما هو خشية إيقاع الصَّلاة عند غروب الشَّمس، وهو موافق قول ابن عُمَر الماضي، وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره، وقد روى يحيى بن بكير عن اللَّيث عن أبي الأسود عن عُرْوَة عن تميم الدَّاري نحو رواية زيد بن خالد وجواب عُمَر له وفيه: ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلُّون ما بين العصر إلى الغروب، حتَّى يمرُّوا بالسَّاعة الَّتي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلَّى فيها، وهذا أيضًا يدلُّ لما قلناه والله أعلم.
591 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) أي
ابن مُسَرْهَد، ترجمته في باب من الإيمان أن يحبَّ.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى) أي ابن سعيد القطَّان، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا هشام) أي ابن عُرْوَة بن الزُّبَيْر، ترجمته في بدء الوحي.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي) أي عُرْوَة بن الزُّبَيْر بن العوَّام، ترجمته في البدء أيضًا.
قوله: (قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ) أي أمُّ المؤمنين رضي الله عنها، ترجمتها فيه أيضًا.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وفيه القول في ثلاثة مواضع، وفيه الإِخبار بصيغة الإفراد في موضع واحد.
قوله: (ابنَ أُخْتِي: مَا تَرَكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّجْدَتَينِ بَعْدَ العَصْرِ عِنْدِي).
مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث أخرجه النَّسائي أيضًا في الصَّلاة عن أبي قدامة عبيد بن سعيد عن يحيى القطَّان.
قوله: (ابنَ أُخْتِي) حذف حرف النِّداء منه، يعني: يا ابن أختي، وأثبته الإسماعيلي في روايته؛ وهو عُرْوَة، لأنَّ أمَّ عُرْوَة أسماء بنت أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنها.
قوله: (السَّجْدَتَيْنِ) يعني: الركعتين، من باب إطلاق اسم الجزء على الكلِّ.
592 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ) أي المِنقَري؛ ترجمته في بدء الوحي.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) أي ابن زياد، ترجمته في باب الجهاد من الإيمان.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ) أي سُلَيمان بن أبي سُلَيمان؛ ترجمته في باب مباشرة الحائض.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ) أي أبو حَفْص النَّخَعي، ترجمته في باب لا يستنجى بروث.
قوله: (عَنْ أَبِيْهِ) أي الأسود بن يزيد النَّخَعي الكوفي، ترجمته في باب من ترك بعض الاختيار في كتاب العلم.
قوله: (عَنْ عَائِشَةَ) أي أمُّ المؤمنين رضي الله عنها.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع، وفيه القول في أربعة مواضع، وفيه العنعنة في موضعين.
قوله: (قالت: رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَّةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاة الصُّبح ورَكْعَتَانِ بَعْدَ العَصْرِ) هذا طريق آخر، وأخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن أبي بكر بن أبي شَيْبَة وعلي بن حجر كلاهما عن علي بن مُسْهِر كلاهما عن الشَّيباني، وأخرجه النَّسائي فيه عن علي بن حجر به.
قوله: (رَكْعَتَانِ) أي صلاتان، لأنَّه فسَّرها بأربع ركعات، وهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكلِّ؛ أو: هو من باب الإضمار، أي وكذا ركعتان بعد العصر، والوجهان جائزان بلا تفاوت، لأن المجاز والإضمار متساويان؛ أو المراد بالركعتين جنس الركعتين الشامل للقليل والكثير.
قوله: (لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا فِي بَيْتِي) قال الصرفيُّون: لم يستعمل: ليدع ماض، وكذا: ليذر، وأورد عليهم قراءة:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] بالتخفيف. قال شيخنا: فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته عليه السلام على الركعتين بعد العصر، أن نهيه عن الصَّلاة بعد العصر حتَّى تغرب الشَّمس مختصٌّ بمن قصد الصَّلاة عند غروب الشَّمس لا إطلاقه، فلهذا قالت ما تقدَّم نقله عنها، وكانت تتنفَّل بعد العصر، وقد أخرج المصنِّف في الحجِّ من طريق عبد العزيز بن رفيع قال:((رأيت ابن الزُّبَيْر يصلِّي ركعتين بعد العصر، ويخبر أن عائشة حدَّثته: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: لم يدخل بيتها إلَّا صلَّاهما، وكأنَّ ابن الزُّبَيْر فهمِ منْ ذلكَ ما فهمته خالته عائشة)) والله أعلم.
وقد روى النَّسائي أنَّ معاوية سأل ابن الزُّبَيْر عن ذلك،
فردَّ الحديث إلى أمِّ سلمة، فذكرت أمُّ سلمة قصَّة الركعتين، حيث شُغل عنهما، فرجع الأمر إلى ما تقدَّم.
593 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ) أي بالمهملتين، ترجمته في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله في كتاب الإيمان.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج، ترجمته في باب يتلو باب أمور الإيمان.
قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) أي عمرو، وربَّما يلبس على القارئ تمييز هذا عن أبي إِسْحاق المذكور في السند السابق، فإن هذا أبو إِسْحاق السَّبيعي وذاك أبو إِسْحاق الشَّيباني؛ وترجمته في باب الصَّلاة من الإيمان.
قوله: (قَالَ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ) أي ابن يزيد المذكور في السند السابق.
قوله: (وَمَسْرُوْقًا) أي ابن الأجدع، ترجمته في باب علامات المنافق في كتاب الإيمان، وزيد في ترجمته في باب التيمُّن في الوضوء.
قوله: (شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ العَصْرِ إلَّا صلَّى رَكْعَتَيْنِ)، هذا طريق آخر، وأخرجه أيضًا مسلم في الصَّلاة عن محمَّد بن مثنَّى ومحمَّد بن بشَّار، كلاهما عن غُنْدَر؛ وأبو داود أيضًا عن حَفْص بن عُمَر؛ والنَّسائي أيضًا عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث أربعتهم عن شُعْبَة به.
قوله: (إلَّا صَلَّى) أي بعد الإتيان، وهو الاستثناء، أي ما كان يأتيني بوجه أو حاله إلَّا بهذا الوجه أو بهذه الحالة.
وقال الكِرْماني: فإن قلت: ما وجه الجمع بين هذه الأحاديث وما تقدَّم أنَّه عليه السلام نهى عن الصَّلاة بعد صلاة العصر؟
قلت: أجيب عنه بأنَّ النَّهي كان في صلاة لا سبب لها، وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بسبب قضاء فائتة الظهر، وبأن النَّهي هو فيما يتحرَّى فيها، وفعله كان بدون التحرِّي؛ وبأنَّه كان من خصائصه، وبأنَّ النَّهي كان للكراهة فأراد عليه السلام بيان ذلك ودفع وهم التحريم، وبأنَّ العلَّة في النَّهي هو التشبيه بعبدة الشَّمس، والرسول منزَّه عن التشبيه بهم. وبأنَّه عليه السلام لما قضى فائتة ذلك اليوم وكأنَّ في فواته نوع تقصير واظب عليها مدَّة عمره جبرًا لما وَقَعَ منه؛ والكلُّ باطل.
أمَّا أوَّلًا: فلأن الفوات كان في يوم واحد، وهو يوم اشتغاله بعبد القيس، وصلاته بعد العصر كانت مستمرَّة دائمًا.
وأمَّا ثانيًا: فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليها، ويقصد أداءها كلَّ يوم، وهو معنى التحرِّي.
وأمَّا ثالثًا: فلأن الأصل عدم الاختصاص ووجوب متابعته عليه السلام لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153].
وأمَّا رابعًا: فإن بيان الجواز يحصل بمرَّة واحدة، ولا يحتاج في دفع وهم الحرمة إلى المداومة عليها.
وأمَّا خامسًا: فلأنَّ العلَّة في كراهة صلاة بعد فرض العصر ليس للتشبُّه بهم، بل هي العلَّة لكراهة الصَّلاة عند الغروب فقط.
وأمَّا سادسًا: فلأنَّا لا نسلِّم أنَّه كان تقصيرًا، لأنَّه كان مشتغلًا في ذلك الوقت بما هو أهم، وهو إرشادهم إلى الحقِّ؛ أو لأنَّ الفوات كان بالنسيان، ثمَّ إنَّ الجبر يحصل بقضائه مرَّة واحدة على ما هو حكم أبواب القضاء في جميع العبادات؛ بل الجواب الصحيح أنَّ النَّهي قول، وصلاته فعل، والقول والفعل إذا تعارضا يقدَّم القول ويعمل به. انتهى.
قال العَيني: قول الكِرْماني والكلُّ باطل لا يمشي في الكلِّ، بل فيه شيءٌ موجَّهٌ،