الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال الكِرْماني: أي هذا الكلام الأخير، وهو قوله أنَّه لا يسمع، إلى آخره. قال شيخنا: وقد أورد الرَّافعي هذا الحديث في الشرح بلفظ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد: إنك رجل تحبُّ الغنم، وساقه إلى آخره، وسبقه إلى ذلك الغزالي وإمامه والقاضي حسين وابن داود شارح المختصر وغيرهم، وتعقَّبه النَّوَويُّ، وأجاب ابن الرِّفْعَة عنهم بأنَّهم فهموا أن قول أبي سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، عائد على إلى ما ذكر. انتهى. ولا يخفى بُعْدَه، وقد رواه ابن خُزَيمَة من رواية ابن عُيَيْنَة ولفظه:((قال أبو سعيد: إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالنِّداء، فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لَا يَسْمَعُ بذكره))، ورواه يحيى القطَّان أيضًا عن مالك بلفظ:((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا أذَّنتَ فَارْفَعْ صَوْتَكَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ بذكره)). فالظَّاهر أنَّ ذكر الغنم والبادية موقوف، والله أعلم. انتهى. قال العَيني: والصَّواب مع النَّوَوي، لما رواه ابن خُزَيمَة ويحيى القطَّان كما ذكرناه. انتهى.
فيه: استحباب رفع الصَّوت بالأذان ليكثر من يشهد له، ما لم يجهده أو يتأذَّى به، ولو أذَّن على مكان مرتفع ليكون أبعد لذهاب الصَّوت، وكان بلال رضي الله عنه يؤذِّن على بيت امرأة من بني النَّجَّار، بيتها أطول بيت حول المسجد، وفيه: أن حبَّ الغنم والبادية لا سيَّما عند نزول الفتن من عمل السلف الصالح، وفيه: جواز التبدِّي ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في الأسباب، بشرط حظٍّ من العلم وأمن من غلبة الجفاء، وفيه: أن أذان الفذِّ مندوب إليه ولو كان في قفر، ولو لم يرتج حضور من يصلِّي معه، لأنَّه إن فاته دعاء المصلِّين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم.
وللشافعي في أذان المنفرد، ثلاثة أقوال: أصحُّها نعم، لحديث أبي سعيد هذا، والثاني وهو القديم: لا يُندب، لأنَّ المقصود من الأذان الإبلاغ والإعلام، وهذا لا ينتظم في المنفرد. والثالث: إن رجى حضور جماعة أذَّن لإعلامهم، وإلَّا فلا، وحمل حديث أبي سعيد على أنَّه كان يرجو حضور غلمانه، وفيه: أن الجنَّ يسمعون أصوات بني آدم. وفيه: أنَّ بعض الخلق يشهد لبعض.
قلت: وفيه: أنّ الكافر يشهد للمؤمن يوم القيامة، وفيه: جواز حبِّ المال، وفيه: أنَّ الله تبارك وتعالى يشهد للمؤذِّنين
…
(1)
يوم القيامة، {وَكَفَى بِالله شَهِيْدًا} [الفتح: 28]. انتهى.
(6)
(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)
أي هذا باب في بيان ما يمنع من الدِّماء بسبب الأذان، يقال: حقنت له دمه، إذا منعت من قتله وإراقته، أي جمعته له وحبسته عليه، وأصل الحقن الحبس، ومنه الحاقن لأنَّه يحبس بوله أو غائطه في بطنه، ومنه: حقن اللبن، إذا حبسه في السقاء، والدِّماء جمع: دم.
قال الزَّين بن المنيِّر: قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها، استيفاء ثمرات الأذان، فالأولى: فيها فضل التأذين لقصد الاجتماع للصلاة، والثانية: فيها فضل
(1)
في الأصل كلمة غير مقروءة طمست بالحبر.
أذان المنفرد لإيداع الشَّهادة له بذلك، والثالثة: فيها حقن الدِّماء عند وجود الأذان.
قال: وإذا انتفت عن الأذان فائدة من هذه الفوائد لم يشرع إلَّا في حكايته عند سماعه، ولهذا عقَّبه بترجمة ما يقول إذا سمع المنادي. انتهى كلامه ملخصًا.
610 -
قوله: (حَدَّثَنِي قُتَيْبَة قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أنَسٍ) هذا الإسناد بعينه قد سبق في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله.
قوله: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كانَ إِذا غَزَا بِنَا قوْمًا، لَمْ يَغْزُ بِنَا حتَّى يُصْبِحَ ويَنْظُرَ، فإنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وإنْ لَمْ يَسْمَعْ أذَانًا أغَارَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إلَى خَيْبَرَ فانْتَهَيْنَا إلَيْهِمْ لَيْلًا، فلَمَّا أصْبَحَ ولَمْ يَسْمَعْ أذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أبي طَلْحَةَ، وإنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَخَرَجُوا إلَيْنَا بِمَكاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فلَمَّا رَأوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالُوا مُحَمَّدٌ واللهِ مُحَمَّدٌ والجيشُ، فَلَمَّا رَآهُمُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177]) مطابقته للترجمة ظاهرة.
أخرجه البخاري أيضًا عن قُتَيْبَة في الجهاد، وروى مسلم طرفه المتعلِّق بالأذان من طريق حمَّاد بن سلمة عن ثابت عن أَنَس قال:((كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُغِيْرُ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، وكان يَسْتَمِعُ الأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ الأَذَانَ أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ)).
قوله: (إِذا غَزَا بِنَا) أي مصاحبًا للصحابة.
قوله: (لَمْ يَغْزُ بِنَا) قال الكِرْماني: فيه خمس نسخ، قلت: الأولى: <لمْ يَغْزُو>، من: غزا يغزو غزوًا، والاسم: الغزاة، وكأنَّ الأصل فيه إسقاط: الواو علامة للجزم، ولكنَّه على بعض اللغات، وهو عدم إسقاط الواو، وإخراجه على الأصل، ثمَّ قيل: هذه لغة، وقيل: ضرورة، ولا ضرورة إلَّا في الشعر كما قال الشاعر: لم تهجو ولم تدع، ووروده هكذا يدلُّ على أنَّه لغة، وهذه رواية كريمة، الثانية: <لمْ يَغْزُ>، مجزومًا على أنَّه بدل من لفظ: لم يكن. وهي رواية المُسْتَمْلي، الثالثة: <لمْ يُغِيْرَ>، من الإغارة بإثبات الياء بعد الغين، وهي رواية الأَصِيلي، وهي على غير الأصل، الرابعة: <لمْ يُغِرْ> من الإغارة أيضًا لكنَّه على الأصل، الخامسة: <لمْ يَغْدُوا> -بإسكان الغين وبالدَّال المهملة- من: الغدو، ونقيض الرواح وهي رواية الكُشْمِيهَني، ورواية مسلم تشهد لرواية من رواه من الإغارة، والله أعلم.
قوله: (ويَنْظُرَ) أي ينتظر.
قوله: (خَرَجْنَا إلَى خَيْبَرَ) وخيبر بلغة اليهود: حصن، وقد ذكرنا تحقيق هذا في: باب ما يذكر في الفخذ، فإنَّ البخاري ذكر بعض هذا الحديث هناك عن أنس:((أنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلِّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ عليه السلام، وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيْفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177])) قَالَهَا ثَلَاثًا، الحديث. وأبو طلحة وهو الصحابي المشهور، واسمه: زيد