المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب صلاة الليل - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌ باب صلاة الليل

بشير عن يحيى به مختصراً.

قوله: (في حُجْرَتِه) أي: في حجرة بيته، يدل عليه ذكر جدار الحجرة، وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم، بلفظ:((كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه))، ويحتمل أن المراد بالحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير، كباقي الرواية التي بعدها وكذا حديث زيد بن ثابت الذي بعده، ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها، فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبة الحجرة إليها، والحجرة الموضع المنفرد من الدار.

قوله: (شَخَصَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشخص سواد الإنسان وغيره يراه من بعيد، وإنما قال بلفظ الشخص، لأنه كان ذلك بالليل ولم يكونوا يبصرون منه إلا سواده.

قوله: (فَقَامَ نَاسٌ)، وفي رواية الكُشْمِيهَنِي:((فقام أناس)) بزيادة همزة في أوله.

قوله (بِصَلاتِه) أي: متلبسين بصلاته أو مقتدين بها.

قوله: (فَأَصْبَحُوا) أي: دخلوا في الصباح، وهي تامة.

قوله: (فَقَامَ لَيْلَة الثَّانيَة) هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي:((فقام الليلة الثانية))، وجه الرواية الأولى أن فيه حذفاً تقديره: ليلة الغداة الثانية، وقال الكَرْمَانِي: الليلة مضافة إلى الثانية من باب إضافة الموصوف إلى صفته.

قوله: (ذَلِكَ) أي: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (إذَا كَانَ) أي: الوقت أو الزمان.

قوله: (فَلَمْ يَخْرُج)، أي: إلى الموضع المعهود الذي كان صلى فيه تلك الليالي، فلم يروا شخصه.

قوله: (فَلَمَّا أصْبَح ذَكَر ذَلكَ النَّاس) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر، رضي الله عنه، أخرجه عن معمر عن الزهري عن عروة عنها.

قوله: (أنْ تُكْتَب)، أي: تفرض، وقال الخطابي: قد يقال عليه: كيف يجوز أن تكتب علينا صلاة وقد أكمل الله الفرائض، ورد عدد الخمسين منها إلى الخمس؟ فقيل: إن صلاة الليل كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله التي تفضل بالشريعة واجب على الأمة الائتساء به فيها، وكان أصحابه إذا رأوه يواظب على فعل يقتدون به، ويرونه واجباً، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إليهم في الليلة الرابعة، وترك الصلاة فيها لئلا يدخل ذلك الفعل في الواجبات المكتوبة عليهم من طريق الأمر بالاقتداء به، فالزيادة إنما تجب عليهم من جهة وجوب الاقتداء بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا من جهة إنشاء فرض يستأنف زائداً على الخمس، وهذا كما يوجب الرجل على نفسه صلاة نذر.

ولا يدل ذلك على زيادة في الشرع المفروض في الأصل، وفيه وجه آخر، وهو أن الله تعالى فرض الصلاة أولاً خمسين، ثم حط بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم معظمها تخفيفاً عن أمته، فإذا عادت الأمة فيما استوهبت وتبرعت بالعمل به لم يستنكر أن يكتب فرضاً عليهم،

وقد ذكر الله تعالى عن النصارى أنهم ابتدعوا رهبانية ما كتبها الله عليهم، ثم لما قصروا فيها لحقتهم الملامة في قول الله تعالى:{فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]. فأشفق صلى الله عليه وسلم أن يكون سبيلهم سبيل أولئك، فقطع العمل به تخفيفا عن أمته.

فيه: ما قاله المهلب جواز الائتمام بمن لم ينو أن يكون إماماً في تلك الصلاة، لأنَّ الناس ائتموا به صلى الله عليه وسلم من وراء الحائط، ولم يعقد النية معهم على الإمامة، وهو قول مالك والشافعي قال العيني: هو مذهب أبي حنيفة أيضاً إلا أنَّ أصحابنا قالوا:

ص: 280

لا بد من نية الإمامة في حق النساء، خلافاً لزفر.

وفيه: أنَّ فعل النوافل في البيت أفضل. وقال ابن القاسم عن مالك: إنَّ التنفل في البيوت أفضل منه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا للغرباء.

وفيه: جواز النافلة في جماعة.

وفيه: أيضاً شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته خشية أن تكتب عليهم صلاة الليل فيعجزوا عنها، فترك الخروج لئلا يخرج ذلك الفعل منه.

وفيه: أنَّ الجدار ونحوه لا يمنع الاقتداء بالإمام، وعليه ترجمة الباب. قال العيني: إنَّما يجوز ذلك إذا لم يلتبس عليه حال الإمام. انتهى.

قلت: وفيه جواز احتجار قطعة من المسجد بحصير ونحوها ليصلي فيها وحده، وفيه جواز ترك فضيلة خوفاً من الوقع في الملامة والذم. انتهى.

(81)

‌ باب صلاة الليل

أي: هذا باب في بيان صلاة الليل، كذا وقع في رواية المستملي وحده ولم يشرح عليه أكثر الشراح ولا ذكره الإسماعيلي وهو وجه السياق لأنَّ التراجم متعلقة بأبواب الصفوف وإقامتها، ولما كانت الصلاة بالحائل قد يتخيل أنها مانعة من إقامة الصف ترجم لها وأورد ما عنده فيها.

فأمَّا صلاة الليل بخصوصها فلها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة وكأنَّ النسخة وقع فيها تكرير لفظ صلاة الليل وهي الجملة التي في آخر الحديث الذي قبله فظن الراوي أنها ترجمة مستقلة فصدرها بلفظ باب، وقد تكلف بن رشيد توجيهها بما حاصله أن من صلى بالليل مأموماً كانت فيه مشابهة بمن صلى وراء حائل.

وأبعد منه من قال: يريد أنَّ من صلى بالليل مأموماً في الظلمة كان كمن صلى وراء حائط، ثم ظهر لي احتمال أن يكون المراد صلاة الليل جماعة فحذف لفظ جماعة والذي يأتي في أبواب التهجد إنما هو حكم صلاة الليل وكيفيتها من عدد الركعات وفي المسجد والبيت ونحو ذلك. انتهى.

قلت: الاحتمال الذي ظهر لشيخنا حسن، لكن يحتاج إلى تتمة وهو صلاة الليل جماعة حكم صلاة النهار جماعة في موقف المأموم إن كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام.

وإنْ كانوا أكثر صفوا خلفه، وترك البخاري هذه الجمل لطول الترجمة بها واكتفى بدلالة حديث ابن عباس وحديث عائشة الذي في الباب عن ذكر ذلك. انتهى.

730 -

قوله: (حدثنا إبراهيم بن المنذر) أي-أبو إسحاق المدني-ترجمته في باب من سأل علماً وهو مشتغل.

قوله: قال: (حدثنا ابن أبي الفُدَيْك) بضم الفاء وفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره كاف، وقد استعمل بالألف واللام وبدونها، من فدكت القطن إذا نبشته، وهو محمد بن إسماعيل ابن سليم ابن أبي فديك، واسم أبي فديك: دينار الديلي أو إسماعيل المدني ترجمة محمد في باب حفظ العلم.

قوله: قال (حَدَّثَنا ابنُ أبِي ذِئْب) أي -بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة-وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب هشام بن شعبة أبو الحارث المدني ترجمته في الباب أيضاً.

قوله: (عن المَقْبُرِي) أي -بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء الموحدة وفتحها وقيل بكسرها أيضاً-وهو نسبة إلى المقبرة، والمراد به ههنا، سعيد بن أبي سعيد كيسان أبو سعيد المدني، وسمي بالمقبري

ص: 280

لأن سكناه كان بجوار المقبرة ترجمته في باب الدين يسر.

قوله: (عن أبي سَلَمَة بن عبْدِ الرَّحمَن بن عَوْف) ترجمته في بدء الوحي.

قوله (عن عاَئِشَة) أي -أم المؤمنين رضي الله عنها ترجمتها في البدء أيضاً.

في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه: العنعنة في ثلاث مواضع، وفيه: القول في موضعين، وفيه: أن رواته كلهم مدنيون، وفيه: أن شيخ البخاري من أفراده، وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية، وفيه: أربعة من الرواة لم يسموا: أحدهم مذكور بالنسبة، والآخر مذكور بالكنية.

قوله: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ حَصِيرٌ، يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ، فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ، فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ)

مطابقته للترجمة في قوله: ((فصفُّوا ورائه)) لأن صفهم وراء النبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاة الليل، وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضاً في اللباس عن محمد بن أبي بكر عن المعتمر بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن المقبري به،

وأخرجه مسلم في الصلاة عن محمد بن مثنى عن عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر به،

وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة بتمامه.

وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر مختصراً.

قوله: (حَصِيْر)، قال الجوهري: الحصير البارية. قال العيني: هو المتخذ من البُرْدَى وغيره، يبسط في البيوت.

قوله: (يبْسُطُه بالنَّهَار) جملة في محل الرفع على أنه صفة لحصير.

قوله: (ويَحتَجِرَه) بالراء المهملة في رواية الأكثرين، ومعناه: يتخذه مثل الحجرة فيصلي فيها، وفي رواية الكُشْميْهَنِي:(يحتجزه) بالزاي أي: يجعله حاجزاً بينه وبين غيره.

قوله: (فَثَابَ إليه نَاسٌ)، بالثاء المثلثة وبعد الألف باء موحدة من ثاب الناس إذا اجتمعوا وجاءوا.

وقال الجوهري: ثاب الرجل يثوب ثوباً وثوباناً: رجع بعد ذهابه، وثاب الناس اجتمعوا وجاءوا، وكذلك الماء إذا اجتمع في الحوض، ومنه: المثابة وهو الموضع الذي يثاب إليه أي: يرجع مرة بعد أخرى، ومنه قوله تعالى:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 125]

لأن أهله يثوبون إليه أي: ينصرفون في أمورهم ثم يرجعون هذا، هكذا وقع في رواية الأكثرين، وفي رواية الكُشْمِيهَنِي والسرخسي:((فثار إليه ناس)) بالثاء المثلثة والراء من: ثار يثور ثوراً وثوراناً إذا انتشر وارتفع، قاله ابن الأثير. وقال الجوهري: إذا سطع، وقال غيره: الثوران الهيجان، فالمعنى ههنا ارتفع الناس إليه، ويقال: ثاب به الناس إذا وثبوا عليه، ووقع عند الخطابي: آبوا، أي: رجعوا يقال: آب يؤب أوباً وأوبة وإياباً، والأواب التائب، والمآب المرجع.

قوله: (فَصَفُّوا وَراءَه) أي: وراء النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرج البخاري هذا الحديث مختصراً، ولعل مراده منه: بيان أنَّ الحجرة المذكورة في الحديث الذي رواه عن عمرة عن عائشة المذكور قبل هذا الباب كانت حصيراً، والأحاديث يفسر بعضها، وكل موضع حجر عليه فهو حجرة، وفي حديث زيد بن ثابت الآتي ذكره الآن:((اتخذ حجرة، قال: حسبت أنه قال: من حصير))، وجاء في رواية:((احتجر بخصفة أو حصير في المسجد)) وفي رواية: ((أنه صلى في حجرتي)) رواه عمرة عن عائشة، وفي رواية: ((فأمرني فضربت له حصيراً

ص: 281

يصلي عليه)).

قال العيني: ولعل هذه كانت في أحوال. انتهى.

قلت: لا حاجة إلى التعداد لاحتمال أنها ضربت له حصيراً يصلي عليها في الحجرة التي هي حصير أيضاً، وأما قولها:(في حُجْرَتِي) أحالتها إلى نفسها لأنها كانت على باب حجرتها، لأنه لو كان في حجرتها مار أشخصه من في المسجد. انتهى.

731 -

قوله: (حَدَّثَنَا عبد الأَعْلَى بن حمَّاد) أي: بتشديد الميم: ابن نصر أبو يحيى، مر في: باب الجنب يخرج. قوله: قال (حَدَّثَنَا وَهِيْب) أي: ابن خالد مرَّ في: باب من أجاب الفتيا.

قوله: قال (حَدَّثَنَا مُوسَى بن عقْبَة) أي-ابن أبي عياش الأسدي-ترجمته في باب إسباغ الوضوء.

قوله: (عن سَالم أبي النَّضْر) أي-بسكون الضاد المعجمة-وهو ابن أبي أمية، مرَّ في: باب المسح على الخفين.

قوله: (عن بُسْر بن سَعِيْد) أي -بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة-مرَّ في باب الخوخة والممر في المسجد.

قوله: (عن زَيْد بن ثَابِت) أي-الأنصاري كاتب الوحي-مرَّ في باب إقبال المحيض.

في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه: ثلاثة مدنيون على نسق واحد من التابعين، أولهم: موسى بن عقبة، ووهيب بصري، وعبد الأعلى أصله من البصرة، سكن بغداد، وفيه: عن سالم أبي النضر، وروى ابن جريج عن موسى فلم يذكر سالماً أبا النضر في هذا الإسناد،

أخرجه النسائي وقال: ذكر اختلاف ابن جريج ووهيب على موسى بن عقبة في خبر زيد بن ثابت أخبرني عبد الله بن محمد بن تميم المِصِّيْصِي، قال: سمعت حجاج قال: قال ابن جريج: أخبرني موسى بن عقبة عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)).

أخبرنا أحمد بن سليمان، قال حدثنا عثمان بن مسلم، قال: حدثنا وهيب، قال: سمعت موسى بن عقبة قال: سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)).

ثم قال: وقفه مالك. أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن

(1)

أبي النضر عن بُسْر بن سعيد أن زيد بن ثابت، قال:((أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم)). يعني إلا صلاة الجماعة. وروى عن مالك خارج «الموطأ» مرفوعاً.

قال شيخنا: ورواية الجماعة أولى، أي بإثبات أبي النضر.

قوله: (أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اتخَذَ حُجْرَةً قَالَ حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ منْ حصِيرٍ فِي رمَضَانَ فَصلَّى فيهَا ليالِيَ فَصَلَّى بِصَلاتِه ناسٌ مِنْ أصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ. فَقَالَ قَدْ عرَفْتُ الَّذِي رَأيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فإنَّ أفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَاّ المَكْتُوبَةَ).

مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الحديث في صلاة الليل.

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضاً في الاعتصام عن إسحاق عن عفان، وفي الأدب.

وقال المكي: حدثنا عبد الله بن سعيد وعن محمد بن زياد عن محمد بن جعفر.

وأخرجه مسلم في الصلاة أيضاً عن محمد ابن المثنى عن محمد بن جعفر به، وعن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد عن وهيب به.

وأخرجه أبو داود فيه عن هارون

(1)

قوله: ((عن)) ليس في الأصل.

ص: 281

بن عبد الله عن مكي بن إبراهيم به، وعن أحمد بن صالح عن ابن وهيب بالفصل الأخير.

وأخرجه الترمذي فيه عن بندار عن محمد بن جعفر، بالفصل الأخير منه.

وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن سليمان عن عفان به، وعن عبد الله بن محمد بن تميم عن حجاج عن ابن جريج، بالفصل الأخير منه.

ولما أخرج الترمذي الفصل الأخير قال: وفي الباب عن عمر بن الخطاب وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر وعائشة وعبد الله بن سعد وزيد بن خالد.

قال العيني: حديث عمر بن الخطاب عند ابن ماجه ولفظه: قال عمر: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما صلاة الرجل في بيته فنور، فنوروا بيوتكم))، وفيه انقطاع.

وحديث جابر عند مسلم في أفراده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل في بيته نصيباً من صلاته)). وحديث أبي سعيد عند ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا قضى أحدكم صلاته فليجعل لبيته منها نصيباً، فإن الله عز وجل جاعل في بيته من صلاته خيراً)).

وحديث أبي هريرة عند مسلم والنسائي في «الكبرى» و «في اليوم والليلة» : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إنَّ الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة)).

وحديث ابن عمر أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه. وحديث عائشة أخرجه أحمد: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها عليكم قبوراً)).

وحديث عبد الله بن سعيد أخرجه الترمذي في «الشمائل» ، وابن ماجه قال:((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد؟ فلأن أصلي في بيتي أحب إليَّ من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة)). وحديث زيد بن خالد أخرجه أحمد والبزار والطبراني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً)).

قال العيني: ممَّا لم يذكره عن الحسن بن علي بن أبي طالب وصهيب بن النعمان. أما حديث الحسن فأخرجه أبو يعلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً

)) الحديث. وأما حديث صهيب بن النعمان فأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة)).

قوله: (اتَّخَذَ حُجْرَة) بالراء عند الأكثرين، وفي رواية الكُشْميْهَنِي: بالزاي، أيضاً، ومعناه: شيئاً حاجزاً أي: مانعاً بينه وبين الناس.

قوله: (قَدْ عَرَفْتُ)، ويروى:((قد علمت)).

قوله: (مِنْ صَنِيْعِكُم)، بفتح الصاد وكسر النون، وفي رواية الكُشْميهَنِي:((من صنعكم))، بضم الصاد وسكون النون أي: حرصكم على إقامة صلاة التراويح، وهذا الكلام ليس لأجل صلاتهم فقط، بل لكونهم رفعوا أصواتهم وسبحوا به ليخرج إليهم، وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نائم، وسيأتي ذلك في الأدب، وزاد في «الاعتصام» ((حتى خشيت أن تكتب عليكم، ولو كتبت عليكم ما قمتم به))

قوله: (فَإنَّ أفْضَل الصَّلَاة

) إلى آخره، ظاهره يشمل جميع النوافل.

قوله: (إلا المكْتُوبَة) أي: الفريضة.

فيه: أنَّ صلاة التطوع فعلها في البيوت أفضل من فعلها في المساجد، ولو كانت في المساجد الفاضلة التي تضعف فيها الصلاة على غيرها.

وقد ورد التصريح بذلك في إحدى روايتي أبي داود لحديث زيد بن

ص: 282

ثابت، فقال فيها:((صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة))، وإسنادها صحيح، فعلى هذا: لو صلى نافلة في مسجد المدينة كانت بألف صلاة على القول بدخول النوافل في عموم الحديث، وإذا صلاها في بيته كانت أفضل من ألف صلاة، وهكذا حكم مسجد مكة وبيت المقدس إلا أن التضعيف بمكة يحصل في جميع مكة، بل صحح النووي: أن التضعيف يحصل في جميع الحرم، واستثنى من عموم الحديث عدة من النوافل، ففعلها في غير البيت أفضل، وهي: ما تشرع فيها الجماعة: كالعيدين والاستسقاء والكسوف.

وقالت الشافعية: وكذلك تحية المسجد وركعتا الطواف وركعتا الإحرام إن كان عند الميقات مسجد كذي الحليفة، وكذلك التنفل في يوم الجمعة قبل الزوال وبعده. وفيه: حجة على من استحب النوافل في المسجد ليلية كانت أو نهارية حكاه القاضي عياض والنووي عن جماعة من السلف، وعلى من استحب نوافل النهار في المسجد دون نوافل الليل، وحكى ذلك عن سفيان الثوري ومالك.

وفيه: ما يدل على أصل التراويح، لأنه صلى الله عليه وسلم، صلاها في رمضان بعض الليالي ثم تركها خشية أن تكتب علينا، ثم اختلف العلماء في كونها سنة أو تطوعا مبتدأ، وقال الإمام حميد الدين الضرير: نفس التراويح سنة، أما أداؤها بالجماعة فمستحب، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أن التراويح سنة لا يجوز تركها. وقال الشهيد: هو الصحيح.

وفي «جوامع الفقه» : التراويح سنة مؤكدة، والجماعة فيها واجبة، وفي «الروضة» للحنفية: أن الجماعة فضيلة. وفي «الذخيرة» للحنفية أيضاً عن أكثر المشايخ: إن إقامتها بالجماعة سنة على الكفاية، ومن صلى في البيت فقد ترك فضيلة المسجد.

وفي «المبسوط» : لو صلى إنسان في بيته لا يأثم، فعلها ابن عمر وسالم والقاسم ونافع وإبراهيم، ثم إنها عشرون ركعة. وبه قال الشافعي وأحمد، ونقله القاضي عن جمهور العلماء، وحكي بأن الأسود بن يزيد كان يقوم بأربعين ركعة، ويوتر بسبع، وعند مالك: تسع ترويحات بست وثلاثين ركعة غير الوتر، واحتج على ذلك بعمل أهل المدينة، واحتج الحنفية والشافعية والحنابلة بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد الصحابي، قال:((كانوا يقومون على عهد عمر، رضي الله تعالى عنه، بعشرين ركعة، وعلى عهد عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما، مثله)).

فإن قلت: قال في «الموطأ» : عن يزيد بن رومان قال: كان الناس في زمن عمر، رضي الله تعالى عنه، يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة؟ قال البيهقي: والثلاث هو الوتر، ويزيد لم يدرك عمر وفيه انقطاع.

فائدة: استثناء المكتوبة مما يصلى في البيوت هو في حق الرجال دون النساء، فإن صلاتهن في البيوت أفضل، وإن أذن لهن في حضور بعض الجماعات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح:((إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وبيوتهن خير لهن)).

أخرى: قوله: (في بيوتكُم)، يحتمل أن يكون المراد بذلك إخراج بيوت الله تعالى، وهي المساجد، فيدخل فيه بيت المصلى وبيت غيره، كمن يريد أن يزور قوما في بيوتهم ونحو ذلك.

ويحتمل أن يريد بيت

ص: 282

المصلي دون بيت غيره، وهو ظاهر قوله في الرواية الأخرى:((أفضل صلاة المرء في بيته)) فيخرج بذلك أيضا بيت غير المصلى.

أخرى: اختلف في المراد بقوله: في حديث ابن عمر: ((صلوا في بيوتكم))، فقال الجمهور فيما حكاه القاضي عنهم: إن المراد في صلاة النافلة استحباب إخفائها. قال: وقيل هذا في الفريضة، ومعناه: اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض ونحوهم، قال النووي: والصواب أن المراد النافلة، قال ولا يجوز حمله على الفريضة.

أخرى: إنما حث على النوافل في البيوت لكونها أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وتنفر منه الشياطين.

قوله: وقال عفان: حدثنا وهيب حدثنا موسى سمعت أبا النضر عن بُسْر عن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال شيخنا: كذا في رواية كريمة وحدها ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم، وذكر خلف في «الأطراف» في رواية حماد بن شاكر حدثنا عفان وفيه نظر؛ لأنه أخرجه في كتاب الاعتصام بواسطة بينه وبين عفان، ثم فائدة هذه الطريق بيان سماع موسى بن عقبة له من أبي النضر، والله أعلم.

خاتمة:

اشتمل أبواب الجماعة والإمامة من الأحاديث المرفوعة على مائة واثنين وعشرين حديثاً: الموصول منها ستة وتسعون، والمعلق ستة وعشرون، المكرر منها فيها وفيما مضى تسعون حديثاً الخالص اثنان وثلاثون، ووافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة وهي حديث أبي سعيد في فضل صلاة الجماعة، وحديث أبي الدرداء ما أعرف شيئاً، وحديث أنس كان رجل من الأنصار ضخماً وحديث مالك بن الحويرث في صفة الصلاة، وحديث ابن عمر لما قدم المهاجرون، وحديث أبي هريرة يصلون فإن أصابوا، وحديث النعمان المعلق في الصفوف، وحديث أنس كان أحدنا يلزق منكبيه، وحديثه من إنكاره إقامة الصفوف.

وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة عشر أثراً كلها معلقة إلا أثر ابن عمر أنه كان يأكل قبل أن يصلي، وأثر عثمان الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإنهما موصولان والله سبحانه وتعالى أعلم.

نجز الجزء الخامس ولله الحمد على يد أفقر عبيد الله وأحوجهم إلى رحمته علي بن موسى الخطيب بالجامع العتيق بالجيزة لطف الله به في الدارين والمسلمين.

وكان الفراغ منه يوم الخميس حادي عشر شوال سنة تسعين وثمان مائة. أحسن الله عاقبتها، وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.

ص: 283