المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب فضل الصلاة لوقتها) - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب فضل الصلاة لوقتها)

إنَّه أبو مُقْبِل عامر بن قيس الأنصاري، ذكره مقاتل في «بوادر التفسير» ، وقال: هو الذي نزل فيه {وأَقِمِ الصَّلَاةَ} [هود: 114].

الخامس: هو نبهان التَّمَّار، وذكر الثَّعْلَبي: أنَّ نبهان لم ينزل فيه إلَّا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 135] الآية.

السادس: إنَّه عبَّاد، ذكره القُرْطُبي في تفسيره. انتهى.

قوله: (أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ) قال شيخنا: لم أقف على اسم المرأة المذكورة، ولكن جاء في بعض الروايات إنَّها من الأنصار.

قوله: (فَأَتَى النَّبِيَّ) أي أتى الرجل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بما أصابه.

قوله: (فَأَنزَلَ اللهُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [هود: 114]) يشير بهذا إلى أنَّ سبب نزول هذه الآية في أبي اليسر المذكور.

وفي «تفسير ابن مردويه» عن أبي أمامة: ((أنَّ رجلًا جاءَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أقمْ فيَّ حدَّ اللهِ، مرَّةً أو مرَّتين، فأعرضَ عنهُ، ثمَّ أُقيمتِ الصلاةُ، فأنزلَ اللهُ تعالى الآيةَ)).

وروى أبو علي الطوسي في «كتاب الأحكام» من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ رضي الله عنه قال ولم يسمع منه: ((أتى النَّبِيَّ عليه السلام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلًا لقي امرأة وليس بينهما معرفة، فليس يأتي الرجل شيئًا إلى امرأته إلَّا قد أتاه إليها إلَّا أنَّه لم يجامعها، فأنزل الله الآية، فأمره أن يتوضَّأ ويصلِّي، قال معاذ: فقلت: يا رسول الله، أهي له خاصَّة أم للمؤمنين عامَّة؟ قال: بل للمؤمنين عامَّة)).

وروى مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ((يا رسول الله، إنِّي عالجتُ امرأةً في أقصى المدينةِ، وإنِّي أصبت منها ما دون أن أمسّها، فأنا هذا فاقض فيَّ بما شئتَ، فقالَ عُمَر رضي الله عنه: لقدْ ستركَ اللهُ لو سترتَ على نفسِك، ولمْ يردَّ عليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شيئًا، فانطلقَ الرجلُ فأتبعه رجلًا فتلا عليه هذه الآية)).

قوله: ({طَرَفَي النَّهَارِ} [هود: 114]) قال القُرْطُبي: طرفا النَّهار: الغداة والعَشي، وقال ابن عبَّاس: يعني صلاة الصُّبح وصلاة المغرب، وقال مجاهد: صلاة الفجر وصلاة العشي، وقال الضَّحَّاك: الفجر والعصر، وقال مقاتل: صلاة الفجر والظُّهر طرف، وصلاة المغرب والعصر طرف. وانتصاب (طرفي النَّهار) على الظَّرف؛ لأنَّهما مضافان إلى الوقت كقولك: أقمت عنده جميع النَّهار، وهذا على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه.

قوله: ({وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]) صلاة العتمة، وقال الحسن: هما المغرب والعشاء، وقال الأَخْفَش: يعني صلاة اللَّيل، وقال الزَّجَّاج: معناه الصَّلاة القريبة من أوَّل اللَّيل.

والزُلَف: جمع زُلفة، وقراءة الجمهور: بضمِّ الزاي وفتح اللَّام، وقرأ أبو جعفر: بضمِّها، وقرأ ابن مُحَيصِن: بضمِّ الزَّاي وجزم اللَّام، وقرأ مجاهد:{زُلْفَى} مثل قُرْبى، وفي «المحكم» : زلف اللَّيل: ساعات من أوَّله، وقيل: هي ساعات اللَّيل الأخيرة من النَّهار، وساعات النَّهار الأخيرة من اللَّيل. وفي «جامع القزَّاز» : الزلفة القربة من الخير والشَّرِّ.

وانتصاب (زُلَفًا) على أنَّه عطف على الصَّلاة، أي أقم الصَّلاة طرفي النَّهار، وأقم زلفًا من اللَّيل.

قوله: ({إِنَّ الحَسَنَاتِ} [هود: 114]) قال القُرْطُبي: لم يختلف أحد من أهل التأويل أنَّ الصَّلاة في هذه الآية يراد بها الفرائض.

قوله:

ص: 41

(أَلي هَذَا؟) الهمزة للاستفهام، وقوله:(هذا) مبتدأ، وقوله:(لي) مقدِّمًا خبره، وفائدة التقديم التخصيصُ.

قوله: (لِجَمِيْعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ) فيه مبالغة في التأكيد، وسقط (كُلِّهِمْ) من رواية المُسْتَمْلي.

فيه عدم وجوب الحدِّ في القُبلة وشبهها من اللَّمس ونحوه من الصَّغائر، وهو من اللَّمم المعفوِّ عنه باجتناب الكبائر بنصِّ القرآن، وقال صاحب «التَّوضيح» : وقد يستدلَّ به على أنَّه لا حدَّ ولا أدب على الرجل والمرأة وإن وجدا في ثوب واحد، وهو اختيار ابن المنذر. انتهى.

قال العَيني: سلَّمنا في نفي الحدِّ ولا نسلِّم في نفي الأدب سيَّما في هذا الزمان. انتهى.

قال شيخنا: واحتجَّ المرجئة بظاهره وظاهر الذي قبله على أنَّ أفعال الخير مكفِّرة للكبائر والصغائر، وجملة جمهور أهل السنَّة على الصغائر عملًا بحمل المطلق على المقيَّد كما سيأتي بسطه في أواخر تفسير هود إن شاء الله تعالى. انتهى.

وفيه: أنَّ إقامة الصَّلوات الخمس تجري مجرى التَّوبة في ارتكاب الصَّغائر، وفيه: أنَّ باب التَّوبة مفتوح والتَّوبة مقبولة.

قال العَيني: وفي الآية المذكورة دليل على قول أبي حنيفة في أنَّ التَّنوير بصلاة الفجر أفضل، وأنَّ تأخير العصر أفضل؛ وذلك لأنَّ ظاهر الآية يدل على وجوب إقامة الصَّلاة في طرفي النَّهار، وبيَّنا أنَّ طرفي النَّهار الزَّمان الأوَّل بطلوع الشَّمس، والزمانَ الأوَّل بغروبها، وأجمعت الأمَّة على أنَّ إقامة الصَّلاة في ذلك الوقت من غير ضرورة غير مشروع، فقد تعذَّر العمل بظاهر هذه الآية ووجب حملها على المجاز، وهو أن يكون المراد إقامة الصَّلاة في الوقت الذي يقرب من طرفي النَّهار؛ لأنَّ ما يقرب من الشيء يجوز أن يطلق عليه اسمه، فإذا كان كذلك فكلُّ وقت كان أقرب إلى طلوع الشَّمس وإلى غروبها كان أقرب إلى ظاهر اللفظ، وإقامة صلاة الفجر عند التَّنوير أقرب إلى وقت الطُّلوع من إقامتها عند الغَلَس، وكذلك إقامة صلاة العصر عندما يصير ظل ُّكلِّ شيء مثليه أقرب إلى وقت الغروب من إقامتها عندما صار ظلُّ كلِّ شيء مثليه، والمجاز كلَّما كان أقرب إلى الحقيقة كان حمل اللَّفظ عليه أولى. انتهى.

قلت: هذا كلُّه مسلَّم من حيث لم يرد النصُّ بخلافه، فإذا ورد النصُّ بالتَّفسير كان هو المراد. انتهى.

قال العَيني: وفيها دليل أيضًا على وجوب الوتر؛ لأنَّ قوله: {وَزُلَفًا} [هود: 114] يقتضي الأمر بإقامة الصَّلاة في زلف من اللَّيل؛ وذلك لأنَّه عطف على الصَّلاة في قوله: {أَقِمِ الصَّلاة طَرَفَيِ النَّهَار} [هود: 114] فيكون التقدير: وأقم الصَّلاة في زلف من اللَّيل، والزلف جمع وأقلُّ الجمع ثلاثة، فالواجب إقامة الصَّلاة في الأوقات الثلاثة، فالوقتان للمغرب والعشاء، والوقت الثالث للوتر، فيجب الحكم بوجوبه. وقال صاحب «التَّوضيح» : ذكر هذا شيخنا قطب الدِّين، وتبعه شيخنا علاء الدِّين، وهي نزغة ولا نسلِّم لهما. قال العَيني: لا نسلِّم له؛ لأنَّ عدم التسليم بعد إقامة الدَّليل مكابرة. انتهى.

قلت: هو كما قال صاحب «التَّوضيح» ؛ لأنَّه مخالف للنَّصِّ من قوله: صلى الله عليه وسلم للسائل لما قال: هل عليَّ غيرها؟ يعني الصَّلوات الخمس ((لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ)). انتهى.

(5)

(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

أي هذا باب في بيان فضل الصَّلاة لوقتها، وكأنَّ الأصل

ص: 41

أن يقال: فضل الصَّلاة في وقتها؛ لأنَّ الوقت ظرف لها، ولذكره هكذا وجهان، الأوَّل: أنَّ عند الكوفيين حروف الجر يقام بعضها مقام البعض، والثاني: اللام هنا مثل اللَّام في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ} [الطلاق: 1] أي مستقبلات لعدِّتهنَّ، ومثل قوله: لقيته لثلاثٍ بقين من الشَّهر، وتسمَّى بلام التأقيت والتأريخ، وأمَّا قيام اللَّام مقامَ في ففي قوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]، وقوله:{لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلَّا هُو} [الأعراف: 187]، وقولهم: مضى لسبيله، فإن قلت: ففي حديث الباب على وقتها، فالترجمة لا تطابقه؟ أجيب: بأن اللَّام تأتي بمعنى على أيضًا نحو قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَان} [الإسراء: 109]، وقوله:{دَعَانَا لِجَنْبِه} [يونس: 12]{وَتَلَّهُ لِلْجَبِين} [الصافات: 103].

وعلى الأصل جاء أيضًا في الحديث أخرجه ابن خُزَيمَة في «صحيحه» عن بُنْدار قال: حدَّثنا عُثْمان بن عُمَر حدَّثنا مالك بن مِغْوَل عن الوليد بن العَيزار عن أبي عَمْرو عن عبد الله قال: ((سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ العملِ أفضل؟ قالَ: الصَّلاةُ في أوَّل وقتِها))، وأخرجه ابن حبَّان أيضًا في «صحيحه» ، وكذا أخرجه البخاري في التوحيد بلفظ الترجمة، وأخرجه مسلم باللَّفظين، أي باللَّام وعلى.

527 -

قوله: (حَدَّثَنا أَبُو الوَلَيْدِ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ) أي الطَّيالِسي البصري.

قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج.

قوله: (قَالَ: قَالَ الوَلِيْدُ بنُ العَيْزَارِ) أي -بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالزَّاي قبل الألف وبالرَّاء بعدها- ابن حُرِيْث -بضمِّ الحاء المهملة- الكوفيُّ.

قوله: (أَخْبَرَنِي) فيه تقديم وتأخير تقديره: حدَّثنا شُعْبَة أخبرني الوليد بن العَيزار.

قوله: (سَمِعْتُ أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانيَّ يَقُوْلُ) أي سعيد بن إِياس -بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف- المخضرمَ، أدرك الجاهليَّة والإسلام، عاش مائة وعشرين سنة، قال: أذكر أنِّي سمعتُ بالنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأنا أرعى إبلًا لأهلي بكاظمة -بالظاء المعجمة- وتكامل شبابي يوم القادسيَّة فكنت ابن أربعين سنة يومئذ. وكان من أصحاب عبد الله بن مسعود، قلت: قد تقدَّم الكلام على الخضرمة في باب: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]. انتهى.

قوله: (يَقُوْلُ: حَدَّثنا صاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَشارَ إِلى دَارِ عَبدِ اللهِ) أي ابن مسعود.

في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه الإخبار بلفظ الإفراد من الماضي، وفيه القول والسَّماع والسُّؤال، وفيه أنَّ رواته ما بين بصري وكوفي وفيه تقديم وتأخير في قوله:(أخبرني) كما تقدَّم.

قوله: (قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ: الصَّلاة عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثمَّ أَيُّ؟ قَالَ: بِرُّ الوَالِدَينِ. قَالَ: ثمَّ أَيُّ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبِيْلِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ استَزَدتُهُ لَزَادَنِي).

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأدب عن أبي الوليد، وفي التوحيد عن سُلَيمان بن حرب، وفي الجهاد عن الحسن بن الصبَّاغ، وفي التوحيد أيضًا عن عبَّاد بن العوَّام، وأخرجه مسلم في الإيمان عن عُبَيْد الله بن معاذ وعن محمَّد بن يحيى وعن أبي بكر بن أبي شَيْبَة وعن عُثْمان بن أبي شَيْبَة، وأخرجه التِّرْمِذي في الصَّلاة عن قُتَيْبَة، وفي البرِّ والصِّلة عن أحمد بن محمَّد المروزي،

ص: 42

وأخرجه النَّسائي في الصَّلاة عن عَمْرو بن علي وعن عبد الله بن محمد.

قوله: (حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ) لم يصرِّح فيه شُعْبَة باسم عبد الله، بل رواه مبهمًا، ورواه مالك بن مِغْوَل عند البخاري في الجهاد، وأبو إِسْحاق الشَّيباني في التوحيد عن الوليد مصرِّحًا باسم عبد الله، وكذا رواه النَّسائي من طريق أبي معاوية عن أبي عَمْرو الشَّيباني، وأحمد من طريق أبي عُبَيْدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ومع هذا في قوله:(وَأَشارَ بَيَدِهِ إِلى دارِ عَبدِ اللهِ) اكتفاء عن التَّصريح؛ لأنَّ المراد من عبد الله هو ابن مسعود.

قوله: (أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللهِ؟) وفي رواية مالك بن مِغْوَل: ((أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟))، وكذا لأكثر الرُّواة.

قوله: (عَلَى وَقْتِهَا) استعمال لفظة على ههنا بالنظر إلى إرادة الاستعلاء على الوقت والتمكن على أدائها في أيِّ جزء من أجزائها، واتفق أصحاب شُعْبَة على اللَّفظ المذكور، وخالفهم علي بن حَفْص فقال:((الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا))، وقال الحاكم: روى هذا الحديث جماعة عن شُعْبَة ولم يذكر هذه اللفظة غير حجَّاج عن علي بن حفص، وحجَّاج حافظ ثقة، وقد احتجَّ مسلم بعلي بن حفص، قال شيخنا: وعلي بن حَفْص شيخ صدوق من رجال مسلم، أخرجه الحاكم والدَّارَقُطْني والبَيْهَقي من طريقه، قال الدَّارَقُطْني: ما أحسبه حفظه؛ لأنَّه كبر وتغير حفظه. ورواه الحسن بن علي المعمري في «اليوم والليلة» عن أبي موسى محمَّد بن المثنَّى عن غُندر عن شُعْبَة كذلك، قال الدَّارَقُطْني: تفرَّد به المَعْمري، فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ:((عَلَى وَقْتِهَا))، ثمَّ أخرجه الدَّارَقُطْني عن المُحاملي عن أبي موسى كرواية الجماعة، وهكذا رواه أصحاب غُندر عنه، والظَّاهر أنَّ المَعْمري وهم فيه؛ لأنَّه كان يُحدِّث من حفظه، وقد أطلق النَّوَوي في «شرح المهذب» : أنَّ رواية ((فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا)) ضعيفة. انتهى. لكن لها طريق أخرى أخرجها ابن خُزَيمَة في «صحيحه» والحاكم وغيرهما من طريق عُثْمان بن عُمَر عن مالك بن مِغْوَل عن الوليد وتفرَّد عُثْمان بذلك، والمعروف عن مالك بن مِغْوَل كرواية الجماعة، كذا أخرجه المصنِّف وغيره، وكان من رواها كذلك ظنَّ أنَّ المعنى واحد، ويمكن أن يكون أخذه من لفظةِ على؛ فإنها تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت فيتعيَّن أوَّله. انتهى.

قوله: (ثُمَّ أَيُّ؟) قال الفاكهاني: إنَّه غير منوَّن؛ لأنَّه موقوف عليه في الكلام والسائلُ ينتظر الجواب، والتنوين لا يوقف عليه، فتنوينه ووصله بما بعده خطأ، فيوقف عليه وقفة لطيفة ثمَّ يؤتى بما بعده، وقال ابن الجوزي: في هذا الحديث (أَيٌّ) مشدَّد منوَّن كذلك سمعت من ابن الخَشَّاب، وقال: لا يجوز إلَّا تنوينه؛ لأنَّه معرب غير مضاف. وقال شيخنا: وتُعُقِّب بأنَّه مضاف تقديرًا، والمضاف إليه محذوف لفظًا، والتقدير: ثمَّ أيُّ العمل أحب؟ فيوقف عليه بلا تنوين، وقد نصَّ سيبويه على إنَّها معرب ولكنَّها تُبنى إذا أُضيفت، واستشكله الزَّجَّاج، قال العَيني: قالت النحاة: إنَّ أيًّا الموصولة والشرطيَّة والاستفهاميَّة معربة دائمًا، فإذا كانت أيُّ هذه معربة عند الإفراد فكيف يقال: إنَّها مبنيَّة عند الإضافة؟! ولما نقل عن سيبويه هذا هكذا أنكر عليه الزَّجَّاج فقال: ما تبيَّن لي أنَّ سيبويه غلط إلَّا في موضعين هذا أحدهما؛ فإنه يسلِّم إنَّها تعرب إذا أفردت، فكيف يقول ببنائها إذا أُضيفت؟!

قوله: (قَالَ: بِرُّ الوَالِدَيْنِ) هكذا هو عند الأكثر من الرُّواة، وفي رواية

ص: 42

المُسْتَمْلي: ((قَالَ: ثمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ)) بزيادة كلمة (ثُمَّ)، والبرُّ بكسر الباء الموحَّدة: الإحسان، و (بِرُّ الوَالِدَيْنِ) : الإحسان إليهما والقيام بخدمتهما وترك العقوق والإساءة إليهما، من برَّ يَبرُّ فهو بارٌّ وجمعُه بَرَرَةٌ.

قوله: (الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ) وهو المحاربة مع الكفَّار لإعلاء كلمة الله وإظهار شعائر الإسلام بالنفس والمال، فإن قلت: ما الحكم في تخصيص الذكر بهذه الأشياء الثلاثة؟ قال العَيني: هذه الثلاثة أفضل الأعمال بعد الإيمان، من ضيع الصَّلاة الَّتي هي عماد الدين مع العلم بفضيلتها كان لغيرها من أمر الدين أشدَّ تضييعًا وأشدَّ تهاونًا واستخفافًا، وكذا من ترك برَّ والديه فهو لغير ذلك من حقوق الله أشدُّ تركًا، وكذا الجهاد من تركه مع قدرته عليه عند تعيُّنه فهو لغير ذلك من الأعمال الَّتي يُتقرب بها إلى الله أشدُّ تركًا، فالمحافظ على هذه الثلاثة حافظ على ما سواها، والمضيِّع لها كان لما سواها أضيع.

قوله: (حَدَّثَنِي بِهِنَّ) مقول عبد الله بن مسعود، أي بهذه الأشياء الثلاثة، وإنَّه تأكيد وتقرير لما تقدَّم، وإنَّه باشر السؤال وسمع الجواب؛ إذ لا ريب أنَّ اللَّفظ صريح في ذلك، وهو أرفع درجات التحمُّل.

قوله: (وَلَوِ اسْتَزَدتُهُ) أي ولو طلبت منه الزيادة في السُّؤال لزادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب، ثمَّ طلبُه الزيادة يحتمل أن يكون أرادها من هذا النَّوع وهي مراتب أفضل الأعمال، ويحتمل أن يكون أرادها من مطلق المسائل المحتاج إليها، وفي رواية التِّرْمِذي من طريق المسعودي عن الوليد:((فسكت عنِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني))، فكأنَّه فهم منه السآمة، فلذلك قال ما قاله، ويؤيِّده ما في رواية مسلم:((فما تركت أستزيده إلَّا إرعاء عليه)) أي شفقة عليه لئلَّا يسأم.

فيه: أنَّ أعمال البرِّ يفضل بعضها على بعض عند الله تعالى، فإن قلت: ورد أنَّ إطعام الطعام خير أعمال الإسلام، وورد أنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومه وغيرُ ذلك، فما وجه التوفيق فيها؟ قال العَيني: أجاب النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لكلِّ من سأل بما يوافق غرضه، أو بما يليق به، أو بحسب الوقت، فإن الجهاد كان في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال؛ لأنَّه كان الوسيلة إلى القيام بها والتمكُّن من أدائها، أو بحسب الحال؛ فإن النصوص تعاضدت على فضل الصَّلاة على الصدقة، وربَّما تجدَّد حالٌ يقتضي مواساة مضطر فتكون الصَّدقة حينئذ أفضل.

ويقال: إن أفعل في أفضل الأعمال ليس على بابه، بل المراد به الفضل المطلق، ويقال: التقدير: إنَّ من أفضل الأعمال، فحذفت كلمة مِن، وهي مرادة. قال العَيني: وفيه نظر. قلت: من جهة أنَّ السائل على هذا التقدير لم يحصل له الجواب عن جميع ما سأل عنه، وأيضًا إذا قلنا: البيان لا يتأخَّر عن وقت الحاجة، وأيضًا فقد أتى في اللَّفظ بثُمَّ الَّتي لا تقتضي مشاركة الثَّاني للأوَّل في الرتبة.

وقال ابن بطَّال: فيه أنَّ البدار إلى الصَّلاة في أوَّل وقتها أفضل من التراخي فيها؛ لأنَّه إنَّما شرط فيها أن تكون أحبَّ الأعمال إذا أُقيمت لوقتها المستحبِّ. قال العَيني: لفظ الحديث لا يدلُّ على ما ذكره على ما لا يخفى. وقال ابن دقيق العيد: ليس في هذا اللَّفظ - أي قوله عليه السلام: (على وقتها) ما يقتضي أولًا ولا آخرًا، وكأنَّ المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاء. قال شيخنا: وتُعُقِّبَ بأنَّ إخراجها عن وقتها محرَّم، ولفظ (أحبُّ) يقتضي المشاركة في الاستحباب، فيكون المراد الاحتراز

ص: 43

عن إيقاعها آخر الوقت. وأجيب: بأنَّ المشاركة إنَّما هي بالنسبة إلى الصَّلاة وغيرها من الأعمال، فإن وقعت الصَّلاة في وقتها كانت أحبَّ إلى الله تعالى من غيرها من الأعمال، فوقع الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور كالنَّائم والناسي؛ فإن إخراجه لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم، ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبًا، لكن إيقاعها في الوقت أحبُّ.

وقال العَيني: الذي يدلُّ ظاهر اللَّفظ أنَّ الصَّلاة مشاركة لغيرها من الأعمال في المحبَّة، فإذا وقعت الصَّلاة في وقتها كانت أحبَّ إلى الله من غيرها، فيكون الاحتراز عن وقوعها خارج الوقت.

فإن قلت: روى التِّرْمِذي من حديث ابن عُمَر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوقت الأوَّل من الصَّلاة رضوان الله، والوقت الأخير عفو الله))، والعفو لا يكون إلَّا عند التقصير. قال العَيني: قال ابن حبَّان لمَّا رواه في «كتاب الضعفاء» : تفرَّد به يعقوب بن الوليد، وكان يضع الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: هو موضوع. وقال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: لا أعرف شيئًا ثبت في أوقات الصَّلاة أوَّلها كذا وأوسطها كذا، يعني مغفرة ورضوانًا. انتهى.

قلت: لكن الحديث الذي أخرجه ابن خُزَيمَة في «صحيحه» عن بُندار يدلُّ على أنَّ الصَّلاة في أوَّل وقتها أفضل، وقال علماؤنا: ويسنُّ تعجيل الصَّلاة لأوَّل وقتها، ولا شكَّ أنَّ تارك السنَّة مقصِّر، ولم يزل الصالحون مثابرين على إقامة الصَّلاة في أوَّل الوقت، ولا يخفى أنَّ من قام بالمأمور به عند أوَّل وقتٍ من تعلَّق الخطاب به أحبُّ إلى الآمر ممن يتراخى في القيام به؛ لأنَّ الأوَّل يدلُّ على شدَّة محبَّته للآمر وحرِصه على القيام بحقِّه ونشاطِه، وإن كان التراخي لا يدلُّ على عدم هذه الأشياء غير أنَّ الأوَّل دلَّ فعلُه على هذا. انتهى.

وفيه تعظيم الوالدين وبيان فضله، ويجب الإحسان إليهما ولو كانا كافرين.

وفيه السؤال عن مسائل شتَّى في وقت واحد، وجواز تكرير السؤال.

وفيه الرِّفق بالعالم والتوقُّف عن الإكثار عليه خشية مَلاله.

وفيه ما كان هو عليه السلام من إرشاد المسترشد ولو شقَّ عليه صلى الله عليه وسلم.

وفيه أنَّ الإشارة تنزل منزلة التصريح إذا كانت معيِّنة للمشار إليه مميزةً له على غيره، ألَّا ترى أنَّ الأخرس إذا طلَّق امرأته بالإشارة المفهمة يقع طلاقه بحسب الإشارة وكذا سائر تصرفاته؟!

وقال ابن بَزيزَة: الذي يقتضيه النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن؛ لأنَّ فيه بذل النفس، إلَّا أنَّ الصبر على المحافظة على الصَّلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على برِّ الوالدين أمر لازم متكرر دائم لا يصبر على مراقبته أمر الله فيه إلَّا الصدِّيقون، والله أعلم.

قلت: وفي الحديث أنَّ طالب العلم يبدأ في تعلمه من العلم بما يدلُّ على أفضل الأعمال عند الله، فإن قلت: فعلى هذا تكون البداءة بالعلم المتعلِّق بذات الله وصفاته؟ قلت: هو كذلك، ولكن لما علم عليه السلام أنَّ السائل عنده ذلك أجابه بمراده. فإن قلت: هل لعلم التوحيد عمل؟ قلت: علمُه عملُه وعملُه علمُه إذا قلنا: إنَّ اعتقاد القلب كان في ذلك دون النطق باللسان، فإن قلنا:

ص: 43