المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما يقول إذا سمع المنادي) - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌(باب ما يقول إذا سمع المنادي)

بن سهيل، وهو زوج أم أنس، وقال عليه السلام:((لَصوت أبي طلحة في الجيش خير من مئة)) وروي: ((مِن مئة رجل)).

قوله: (مَكاتِلُهُم) هو المكتل بكسر الميم وهو القُفَّة، أي: الزنبيل و (المساحي) جمع مسحاة وهي المجرفة إلا أنها من الحديد.

قوله: (وَالجَيشُ) أي: جاء محمد والجيش، وروي بالنصب على أنه مفعول معه، ويروى:((الخميس)) بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم، هو بمعنى الجيش لكن سُمي به لأنه خمسة أقسام: قلب وميمنة وميسرة ومقدمة وساقة.

قوله: (خَرِبَت خَيبَرُ) إنما قال بخرابها لما رأى في أيديهم من آلات الخراب من المساحي وغيرها، وقيل: أخذه من اسمها، والأصح: أنه أعلمه الله بذلك.

قوله: (بِسَاحَةٍ) الساحة: الفِناء، وأصلها: الفضاء بين المنازل.

قوله: (فَسَاءَ) كلمة ساء مثل بئس، من أفعال الذم. و (صَباحُ) مرفوع لأنه فاعل ساء.

قوله: (المنذَرِينَ) بفتح الذال المعجمة.

قال الخطابي: فيه بيان أن الأذان شعار الإسلام، وأنه أمر واجب لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه. قال شيخنا: وهذا أحد أقوال العلماء، وهو أحد الأوجه في مذهب الشافعي، وأغرب ابن عبد البر فقال: لا أعلم فيه خلافاً، وأما قول أصحابنا: مَن نطق بالتشهد في الأذان حكم بإسلامه إلا إن كان عيسوياً لا يرد عليه مطلق حديث الباب؛ لأن العيسوية طائفة من اليهود حدثت في آخر دولة بني أمية، فاعترفوا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله لكن إلى العرب فقط، وهم منسوبون إلى رجل يقال له: أبو عيسى، أحدث لهم ذلك. انتهى، وقال التيمي: وإنما يحقن الدم بالأذان؛ لأن فيه الشهادة بالتوحيد والإقرار بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: وهذا لمن قد بلغته الدعوة وكان يمسك عن هؤلاء حتى يسمع الأذان ليعلم أكان الناس مجيبين للدعوة أم لا؛ لأن الله وعده إظهار دينه على الدين كله، وكان يطمع في إسلامهم، ولا يلزم اليوم الأئمة أن يكفوا عمن بلغته الدعوة لكي يسمعوا أذاناً، لأنه قد علم غائلتهم للمسلمين، فينبغي أن ينتهز الفرصة فيهم. وفيه: جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة. وفيه: استحباب التكبير عند لقاء العدو. وفيه: جواز الاستشهاد بالقرآن في الأمور المحققة، ويكره ما كان على ضرب الأمثال في المحاورات ولغو الحديث؛ تعظيماً لكتاب الله تعالى. وفيه: أن الإغارة على العدو يستحب كونها في أول النهار؛ لأنه وقت غفلتهم، بخلاف ملاقاة الجيوش. وفيه: أن النطق بالشهادتين يكون إسلاماً، قال العيني: وفيه خلاف مشهور.

(7)

(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

(1)

هذا لفظ أبي داود الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في حديث الباب، أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل إذا سمع المؤذن يؤذن، إنما لم يوضح ما يقوله السامع لأجل الخلاف فيه، ولكنه ذكر حديثين: أحدهما عن أبي سعيد الخدري، والآخر عن معاوية، فالأول عام، والثاني يخصصه، فكأنه أشار بهذا إلى أن المرجح عنده ما ذهب

(1)

هذا الباب ليس هنا مكانه

ص: 140

إليه الجمهور، وهو أن يقول مثل ما يقوله المؤذن إلا في الحيعلتين على ما نبينه عن قريب إن شاء الله تعالى.

611 -

قوله: (حَدَّثَنا عَبدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ) أي: التنيسي.

قوله: (قالَ مَالِكٌ) أي: الإمام، ترجمتهما في بدء الوحي.

قوله: (عَن عَطاءِ بنِ يزيدٍ اللَّيثي) ترجمته في باب لا يستقبل القبلة بغائط.

قال شيخنا: قوله: (عن عطاء بن يزيد) في رواية: ابن وهب عن مالك يونس عن الزهري، أن عطاء بن يزيد أخبره. أخرجه أبو عوانة.

فائدة: اختُلف على الزهري في إسناد هذا الحديث وعلى مالك أيضاً، لكنه اختلاف لا يقدح في صحته، فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، أخرجه النسائي وابن ماجة، وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي: حديث مالك ومَن تابعه أصحُّ. ورواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد، أخرجه مسدد في «مسنده» ، وقال الدارقطني: إنه خطأ، والصواب الرواية الأولى. وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به، انتهى.

قوله: (عَن أَبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ) أي: سعد بن مالك، ترجمته في باب من الدين الفرار من الفتن.

في هذ الإسناد التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك، وفيه العنعنة في ثلاث مواضع.

قوله: (أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: إِذا سَمِعتُمُ النِّداءَ فَقولوا مِثلَ ما يَقولُ المؤَذِّنُ).

مطابقته للترجمة في قوله: (مِثلَ ما يقولُ المؤذنُ) فهذا يوضح الإبهام الذي قوله ما يقول إذا سمع المنادي

هذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة أيضاً عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والترمذي عن قتيبة وعن إسحاق بن موسى عن معن، والنسائي عن قتيبة وفي «اليوم والليلة» عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد، وابن ماجة عن أبي بكر وأبي كريب كلاهما عن زيد بن الحباب، كلهم عن مالك عن الزهري، وقال الترمذي: حسن صحيح.

قوله: (إِذا سَمِعتُم) ظاهره اختصاص الإجابة بمن سمع، حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلاً في الوقت، وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لم تشرع له المتابعة، قاله النووي في «شرح مسلم» .

قوله: (النِّداءَ) أي: الأذان.

قوله: (فَقُولوا مِثلَ ما يَقولُ المؤَذِّنُ) مِثلَ منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: قولوا قولاً مثل ما يقول المؤذن، وكلمة ما مصدرية، أي: مثل قول المؤذن، والمثل هو النظير، يقال: مِثل ومَثَل ومَثيل، مِثل شِبَه وشَبَه وشَبيه، والمماثلة بين الشيئين: اتحادهما في النوع كزيد وعمرو في الإنسانية. وادعى ابن وضاح أن (قول المؤذن) مدرَج، وأن الحديث انتهى عند قوله:(مِثل ما يقول) وتُعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، وقد اتفقت الروايات في «الصحيحين» و «الموطأ» على إثباتها، ولم يُصِب صاحب «العمدة» في حذفها، قال الكرماني: قوله: (يقول) أي: بلفظ المضارع، ولم

ص: 140

يقل: مثل ما قال؛ ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلماتها، والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة:((أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان عندنا فسمع المؤذن قال كما يقول حين يسكت)) وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. قال العيني: قوله: على شرط الشيخين، غير جيد؛ لأن في سنده من ليس عندهما ولا عند أحدهما، وهو عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان. ورواه أبو عمر بن عبد البر من حديث أبي عوانة عن أبي بشير عنه هكذا أبو الشيخ الأصبهاني.

قال شيخنا: وأما أبو الفتح اليعمري فقال: ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن، لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة يشير إلى حديث عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره، فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل. قاله النووي في «شرح المهذب» بحثاً، وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة.

وظاهر قوله: (مثل) أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات، لكن حديث عمر أيضاً وحديث معاوية الآتي يدل على أنه يستثنى من ذلك حي على الصلاة وحي الفلاح، فيقول بدلهما: لا حول ولا قوة إلا بالله، لذلك استدل به ابن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور، وقال ابن المنذر: يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح، فيقول تارة كذا وتارة كذا، وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول: أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال: فلم لا يقال: يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة؟ وأجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة وذلك يحصل من المؤذن، فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة. ولقائل أن يقول: يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر، ويمكن أن يزداد استيقاظاً وإسراعاً إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن نفسه ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم: سمع الله لمن حمده كما سيأتي في موضعه.

وقال الطيبي: معنى الحيعلتين هَلُّم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلاً والفوز بالنعيم آجلاً، فناسب أن يقول: هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته، ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرزاق عن بن جريج قال: حُدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتَهم للقراءة، فلا يقول شيئاً إلا قالوا مثله، حتى إذا قال: حي على الصلاة قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح قالوا ما شاء الله. وإلى هذا صار بعض الحنفية، وروى بن أبي شيبة مثله عن عثمان، وروي عن سعيد بن جبير قال: يقول في جواب الحيعلة: سمعنا وأطعنا. ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى، قيل: لا يجيبه إلا في التشهدين

ص: 141

فقط، وقيل: هما والتكبير، وقيل: يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره، وقيل: مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه، وهو اختيار الطحاوي.

وحكوا أيضاً خلافاً: هل يجيب في الترجيع أو لا؟ وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا؟ قال النووي: لم أر فيه شيئاً لأصحابنا. وقال ابن عبد السلام: يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء؛ لأنهما مشروعان.

وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل جهة؛ لأن قوله مثلَ ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن، كذا قيل وفيه بحث؛ لأن المماثلة وقعت من القول لا من صفته، والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك: أن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت، والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفي بالسر أو الجهر لا مع الرفع، نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول، وأغرب بن المنير فقال: حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة. وتُعقب بأن الأذان معناه الإعلام لغة، وخصَّه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة، فإذا وجدت وجد الأذان وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته ويوجد الأذان من دونها، ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان، وليس كذلك لا لغة ولا شرعاً، واستدل به على جواز إجابة المؤذن من الصلاة عملاً بظاهر الأمر، ولأن المجيب لا يقصد المخاطبة، وقيل: يؤخر الإجابة حتى يفرغ؛ لأن في الصلاة شغلاً، وقيل: يجيب إلا في الحيعلتين؛ لأنهما كالخطاب للآدميين، والباقي من ذكر الله تعالى فلا يُمنع، لكن قد يقال: من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع؛ لأنها من ذكر الله تعالى. قاله بن دقيق العيد، وفرق ابن عبد السلام في «فتاويه» بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها، وإلا فيجيب، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف، وهذا قاله بحثاً، والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة، بل يؤخرها حتى يفرغ، وكذا في حال الجماع والخلاء، لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت، كذا أطلقه كثير منهم، ونص الشافعي في «الأم» على عدم فساد الصلاة بذلك، واستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة، قالوا: إلا في كلمتي الإقامة فيقول: أقامها الله وأدامها، وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجيء هنا، لكن قد يفرق بأن الأذان إعلام عام، فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصلاة، والإقامة إعلام خاص وعدد مَن يسمعها محصور، فلا يعسر أن يدعو بعضُهم بعضاً، واستدل به على وجوب إجابة المؤذن، حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب، واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره:«أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذناً، فلما كبر قال: على الفطرة، فلما تشهد قال: خرج من النار» ، قال: فلما قال عليه السلام غيرَ ما قال المؤذن علمنا أن الأمر به للاستحباب، وتُعقب

ص: 141

بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل أن يكون لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم مَن خوطب بذلك، قيل: ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان، لكن يَردُّ هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة.

قال العيني: احتج أصحابنا - أي الحنفية - بقوله: حكوا أن إجابة المؤذن واجبة على السامعين لدلالة الأمر على الوجوب، ألا ترى أنه يجب عليهم قطع القراءة وترك الكلام السلام ورده وكل عمل غير الإجابة؟ فهذا كله أمارة الوجوب. وقال مالك والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء: الأمر في هذا الباب على الاستحباب دون الوجوب، وهو اختيار الطحاوي أيضاً. وقال النووي: تستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة.

فمن أسباب المنع: أن يكون في الخلاء، أو جماع أهله أو نحوها. ومنها: أن يكون في صلاة، فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة وسمع المؤذن لم يوافقه في الصلاة، فإذا سلم أتى بمثله، فلو فعله في الصلاة هل يكره؟ فيه قولان للشافعي، أظهرهما يكره، لكن لا تبطل صلاته، فلو قال: حي على الصلاة، والصلاة خير من النوم، بطلت صلاته إن كان عالماً بتحريمه؛ لأنه كلام آدمي، ولو سمع الأذان وهو في قراءة وتسبيح ونحوهما قطع ما هو فيه وأتى بمتابعة المؤذن، ويتابعه في الإقامة كالأذان إلا أنه يقول في لفظ الإقامة: أقامها الله وأدامها، وإذا ثوب المؤذن في صلاة الصبح فقال: الصلاة خير من النوم، قال سامعه: صدقت وبررت. انتهى

وقال أصحابنا: يجب على السامع أن يقول مثل ما قال المؤذن، إلا قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يقول مكان قوله: حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان قوله: حي على الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأن إعادة ذلك تشبه المحاكاة والاستهزاء، وكذلك إذا قال المؤذن: الصلاة خير من النوم، لا يقول السامع مثله، لكن يقول: صدقت وبررت، وينبغي ألا يتكلم السامع في حال الأذان والإقامة، ولا يقرأ القرأن، ولا يسلم ولا يرد السلام، ولا يشتغل بشيء من الأعمال سوى الإجابة، ولو كان في قراءة القرآن يقطع ويسمع الأذان ويجيب.

وفي «فوائد الرستغفني» : لو سمع وهو في المسجد يمضي في قراءته، وإن كان في بيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده. وعن الحلواني: لو أجاب باللسان ولم يمشِ إلى المسجد لا يكون مجيباً. ولو كان في المسجد ولم يجب لا يكون آثماً، ولا تجب الإجابة على مَن لا تجب عليه الصلاة، ولا يجيب إيضاً وهو في الصلاة، وسواء كانت فرضاً أو نفلاً.

وقال عياض: اختلف أصحابنا، أي المالكية: هل يحكي المصلي لفظ المؤذن في حالة الفريضة أو النافلة أم لا يحكيه فيهما، أم يحكي في النافلة دون الفريضة؟ على ثلاثة أقوال، انتهى.

قال العيني: ثم اختلف أصحابنا، أي الحنفية: هل يقوله عند سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط؟ وسئل ظهير

ص: 142

الدين عن هذه المسألة فقال: يجب عليه إجابة مؤذن مسجده بالفعل. فإن قلت: روى مسلم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه، قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، قال: فسمع منادياً وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرجت من النار، فنظروا فإذا هو راعي مِعزَى)).

وأخرج الطحاوي من حديث عبد الله قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فسمع منادياً وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجَ من النار، قال: فابتدرنا وإذا صاحب ماشية أدركته الصلاة فأذَّن لها)) قال الطحاوي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع المنادي نادى فقال غير ما قال، فدل ذلك على أن قوله:(إذا سمعتم منادي فقولوا مثل الذي يقول) أن ذلك ليس على الإيجاب، وأنه على الاستحباب والنَدبة إلى الخير وإجابة الفضل، كما قد علم الناس من الدعاء الذي أمرهم أن يقولوا في دبر الصلوات وما أشبه ذلك.

قال العيني: الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدل على الوجوب، لا سيما قد تأيد ذلك بما روي من الأخبار والآثار في الحث على الإجابة، وقد روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن وكيع عن سفيان عن عاصم عن المسيب بن رافع عن عبد الله قال: من الجفاء أن تسمع المؤذن ثم لا تقول مثل ما يقول، انتهى. ولا يكون من الجفاء إلا ترك الواجب، وترك المستحب ليس من الجفاء، ولا تاركه جافٍ، والجواب عن الحديثين: أنهما لا ينافي إجابة الرسول لذلك المنادي بمثل ما قال، ويكون الراوي ترك ذكره، أو يكون الأمر بالإجابة بعد هذه القضية.

قوله في هذا الحديث: (عَلى الفِطرَة) أي: على الإسلام، إذ كان الأذان شعارهم، ولهذا كان عليه السلام إذا سمع أذاناً أمسك، وإن لم يسمع أغار؛ لأنه كان فرق ما بين بلد الكفر وبلد الإسلام. فإن قلت: كيف يكون مجرد القول بلا إله إلا الله إيماناً؟ قال العيني: هو إيمان بالله في حق المشرك، وحق من لم يكن بين المسلمين، أما الكتابي أو الذي يخالط المسلمين لا يصير مؤمناً إلا بالتلفظ بكلمتي الشهادة، بل شرط بعضهم التبري مما كان عليه من الدين الذي يعتقده. وأما الدليل على ما ذهب إليه أصحابنا -أي في الحيعلتين والصلاة خير من النوم - فسنذكره في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى.

612 -

613 - قوله: (حَدَّثَنا مُعاذُ بنُ فَضَالَةَ) أي: بضم الميم وفتح الفاء، ترجمته في باب النهي عن الاستنجاء باليمين.

قوله: (حَدَّثَنا هِشَامٌ) أي: الدستوائي، ترجمته في باب زيادة الإيمان ونقصانه.

قوله: (عَن يَحيَى بنِ أَبي كَثيرٍ) ترجمته في باب الصلوات الخمس كفارة.

قوله: (قالَ: حَدَّثَني عِيسَى بنُ طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ) التيمي القرشي، من أفاضل أهل المدينة، مات في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ترجمته في باب الفتيا وهو

ص: 142

واقف على ظهر الدابة.

قوله: (أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوماً) أي: ابن أبي سفيان، ترجمته في باب من يرد الله به خيراً يفقه في الدين.

هذا الإسناد التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه السماع، وفيه القول في القول في موضعين، وفيه أن رواته ما بين بصري وأهوازي ويماني ومدني.

قوله: (فَقالَ مِثلَهُ

إلى قوله: وأشهد أن محمداً رسول الله) مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام في قوله: (ما يقول إذا سمع المؤذن) وقد قلنا: إنه أبهم الترجمة لاحتمالها الوجهين، فحديث أبي سعيد أوضح الوجه الثاني. هذا الحديث أخرجه النسائي في «اليوم والليلة» عن محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير به، ولم يذكر الزيادة.

قال شيخنا: هكذا أورد المتن هنا مختصراً، وقد رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» عن هشام، ولفظه: كنا عند معاوية، فنادى المنادي بالصلاة، فقال مثل ما قال ثم قال: هكذا سمعت نبيَّكم. انتهى

قوله: (فَقالَ مِثلَهُ) أي: مثل ما يقول المؤذن، ويروى:((بمثله)) وههنا سأل الكرماني سؤالين:

الأول: أن السماع لا يقع على الذوات إلا إذا وصف بالقول ونحوه كقوله تعالى: {سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي} [آل عمران: 193] وأجاب بأن القول مقدَّر، أي سمع معاوية قال يوماً، ولفظ (فقال) مفسر لقال المقدرة، ومثل هذه الفاء تسمى بالفاء التفسيرية.

والثاني: كلمة إلى للغاية، وحكم ما بعدها خلاف ما قبلها، فلا يلزم أن يقول في أشهد أن محمداً رسول الله مثلَه، وأجاب: بأن إلى ههنا بمعنى المعية كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] سلمنا أنها بمعنى الانتهاء، لكن حكمها متفاوت، فقد لا تدخل الغاية تحت المغيا. قال صاحب «الحاوي» : الإقرار بقوله مِن واحد إلى عشرة إقرار بتسعة وقد تدخل. قال الرافعي: هو إقرار بالعشرة وعليه الجمهور. وسلمنا وجوب المخالفة بين ما بعدها وما قبلها، لكن لا نسلم وجوبها بين نفس الغاية وما قبلها كما يقال: ما بعد المرفق حكمُه مخالف لحكم ما قبله لا نفس المرفق، ففي مسألتنا يجب مخالفة حكم الحيعلة لما قبلها، لا حكم الشهادة بالرسالة.

قال العيني: الأصل في المسألة المذكورة عند أبي حنيفة أنه يدخل الابتداء ولا يدخل الانتهاء، وعند أبي يوسف ومحمد: يدخلان جميعاً. وعند زفر: لا يدخلان جميعاً، فالذي يلزمه عند أبي حنيفة تسعة، وعندهما عشرة، وعند زفر ثمانية.

قال العيني: المستفاد من حديث معاوية في هذا الباب: أن يقول السامع من المؤذن مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين، واختصر البخاري حديث معاوية ههنا، وقد رُوي حديثُه بألفاظ مختلفة، ولهذا قال أبو عمر: حديث معاوية في هذا الباب مضطرب الألفاظ، بيان ذلك: أنه رُوي مثل ما يقول طائفة، وهو أن يقول مثل ما يقول المؤذن من أول الأذان إلى آخره، روى هذا الطحاوي: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثنا محمد بن عمرو الليثي عن أبيه عن جده، قال: كنا عند معاوية فأذن المؤذن، فقال معاوية رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل مقالته)) أو كما قال، وروى عنه:(مثل ما يقول) طائفةٌ أخرى،

ص: 143

وهو أن يقول مثل ما يقول المؤذن في كل شيء إلا قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يقول عنهما: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يُتم الأذان، وهو رواية الطبراني في «الكبير» : حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده، قال:((أذن المؤذن عند معاوية فقال: الله أكبر الله أكبر، قال معاوية: الله أكبر الله أكبر، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن محمدا رسول الله. قال: أشهد أن محمدا رسول الله. فقال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. قال: الله أكبر الله أكبر، فقال معاوية: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ورَوى عنه:(مثل ما يقول) طائفةٌ أخرى، وهو أن يقول مثل ما يقول المؤذن في التشهد والتكبير دون سائر الألفاظ، وهو رواية عبد الرزاق في «مصنفه» عن ابن عيينة عن مجمع الأنصاري أنه سمع أبا أمامة بن سهل بن حنيف حين سمع المؤذن كبر وتشهد بما تشهد به، ثم قال: هكذا حدثنا معاوية ((أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما يقول المؤذن، فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: وأنا أشهد. ثم سكت)). وروى عنه: (مثل ما يقول) طائفةٌ أخرى، وهو أن يقول مثل ما يقول المؤذن حتى يبلغ: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، بدل كلمة منها مرتين، على حسب ما يقول المؤذن، ثم لا يزيد على ذلك، وليس عليه أن يختم الأذان، وهو رواية البخاري عن معاذ بن فضالة المذكور في هذا الباب إلى آخره.

ثم مذاهب العلماء في ذلك: قال النخعي والشافعي وأحمد في رواية ومالك في رواية: ينبغي لمن سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن حتى يقع من أذانه، وهو مذهب أهل الظاهر أيضاً. وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد في الأصح، ومالك في رواية: يقول سامع الأذان مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين فإنه يقول فيهما: لا حول ولا قوة إلا بالله. واحتجوا بما رواه مسلم: حدثني إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن جهضم الثقفي، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية عن حبيب بن عبد الله بن أساف عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر. فقال: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)) ورواه أبو داود والنسائي والطحاوي. قوله: (من قلبه)

ص: 143

أي: قال ذلك خالصاً من قلبه؛ لأن الأصل في القول والفعل الإخلاص كما ورد في النص.

قوله: (حَدَّثَنا إِسحَاقُ بنُ راهَوَيه) قال الغساني: قال ابن السكن: كل ما روى البخاري عن إسحاق غير منسوب فهو ابن راهويه، وكذلك صرح به أبو نعيم في «مستخرجه» من طريق عبد الله بن شيرويه عنه. انتهى ترجمته في باب فضل من علم وعلم.

قوله: (حَدَّثَنا وَهبُ بنُ جَريرٍ) أي: بفتح الجيم، ترجمته في باب الخوخة والممر في المسجد.

قوله: (حَدَّثَنا هِشامٌ) أي: الدستوائي المتقدم.

قوله: (عَن يَحيَى بنِ أَبي كَثيرٍ) المتقدم أيضاً.

قوله: (نحوه) أي: نحو الحديث المذكور في الإسناد المتقدم.

قوله: (قالَ يَحيَى: وَحَدَّثَني بَعضُ إِخوَانِنا أَنَّهُ قالَ: لما قالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ قالَ: لَا حَولَ وَلا قَوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، وَقالَ: هَكَذا سَمِعنا نَبِيَّكُم يَقولُ).

في هذا الإسناد التحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه العنعنة في موضع. وفيه القول في خمس مواضع. وفيه السماع بصيغة الجمع.

قال شيخنا: أحال بقوله: (نحوه) على الذي قبله، وقد عرفت أنه لم يَسُق لفظه كلَّه، وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق عن هشام المذكور تامّاً، منها للإسماعيلي من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا عيسى بن طلحة، قال: دخلنا على معاوية، فنادى مناد بالصلاة فقال: الله أكبر الله أكبر، فقال معاوية: الله أكبر الله أكبر، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال معاوية: وأنا أشهد أن محمداً رسول الله. قال يحيى: فحدثني صاحبٌ لنا أنه لما قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: هكذا سمعنا نبيكم. انتهى، فاشتمل هذا السياق على فوائد:

أحدها: تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم، فأمِن ما يخشى من تدليسه.

ثانيها: بيان ما اختصر من روايتي البخاري.

ثالثها: أن قوله في الرواية الأولى: إنه سمع معاوية يوماً فقال مثله، فيه حذف تقديره: أنه سمع معاوية سمع المؤذن يوماً فقال مثله.

رابعها: أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له.

خامسها: أن قوله: قال يحيى، ليس تعليقاً من البخاري كما زعمه بعضهم، بل هو عنده بإسناد إسحاق، وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالاً أنه عنده بالإسنادين، وأما المبهم الذي حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شيء من الطرق على تعيينه، وحكى الكرماني عن غيره أن المراد به الأوزاعي، وفيه نظر؛ لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية، وأين عصر الأوزاعي من عصر معاوية؟! وقد غلب على ظني أنه علقمة بن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه، وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة، وإنما قلت ذلك لأنني جمعت طرقه عن معاوية، فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين: أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو في «الطبراني» بإسناد واهٍ، والآخر عن علقمة

ص: 144

بن وقاص عنه، وقد أخرجه النسائي واللفظ له وابن خزيمة وغيرهما من طريق ابن جريج، أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه، قال: إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن، فقال معاوية كما قال، حتى إذا قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. ورواه بن خزيمة أيضاً من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده، قال: كنت عند معاوية، فذكر مثله وأوضح سياقاً منه، وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في جواب حي على الفلاح اختصر في حديث الباب بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره، وأن (إلى) في قوله في الطريق الأولى: فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمداً رسول الله بمعنى (مع) كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] انتهى

قال العيني: أخرج الطحاوي حديث معاوية هذا من أربع طرق:

الأول: من حديث محمد بن عمرو الليثي عن أبيه عن جده، قال: كنا عند معاوية

الحديث، وجدُّه علقمة بن وقاص روى له الجماعة.

والثاني: كذلك، ولفظه: أن معاوية قال مثل ذلك، ثم قال: هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثاالث: عن عمرو بن يحيى عن عبد الله بن علقمة، قال: كنت جالساً إلى جنب معاوية، فذكر مثله، ثم قال معاوية: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.

والرابع: عن عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص، فذكر نحوه.

وأخرجه الدارمي في «سننه» : أخبرنا سعيد بن عامر، حدثنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده: أن معاوية سمع المؤذن قال: الله أكبر الله أكبر، فقال معاوية: الله أكبر الله أكبر، الحديث.

وأخرجه الطبراني في «الكبير» من حديث داود بن عبد الرحمن العطار: حدثني عمرو بن يحيى عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال: كنت جالساً مع معاوية

الحديث.

وأخرجه البيهقي في «المعرفة» من حديث ابن جريج، قال: أخبرنا عمرو بن يحيى المازني، أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص، قال: إني لعند معاوية، الحديث.

وأخرجه النسائي أيضاً من حديث عبد الله بن علقمة عن أبيه علقمة بن وقاص عن معاوية. وكذلك أخرجه ابن خزيمة، وأُخرج أيضاً من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده، قال: كنت عند معاوية

الحديث. وفي هذه الطرق كلها الراوي عن معاوية هو علقمة بن وقاص، وعن علقمة ابنه عبد الله وابنه عمرو، ويحيى بن أبي كثير إن كان أدرك علقمة فالمراد من قوله:(بعض إخواننا) هو علقمة، وإن لم يدرك فالمراد غالباً أحد ابني علقمة كما تقدم. انتهى قال شيخنا

تنبيه: أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية، إنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدارقطني، ولم يخرج مسلم

ص: 144