الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أدرك من العصر اختلاف الألفاظ والرُّواة في هذا الحديث، وذكرنا ما يتعلَّق به هناك من جميع التعلُّقات. انتهى.
قال شيخنا: سياق الحديث بلفظ (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاة فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ)، وقد رواه مسلم من رواية عُبَيْد الله العُمَري عن الزُّهْري، وأحال به على حديث مالك، وأخرجه البَيْهَقي وغيره من الوجه الذي أخرجه مسلم، ولفظه كلفظِ ترجمة هذا الباب، قدَّم قوله:(مِنَ الصَّلَاةِ) على قوله: (رَكْعَةً)، وقد وضح لنا بالاستقراء أن جميع ما يقع في تراجم البخاري مما يترجم بلفظ الحديث لا يقع فيه شيء مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلَّا وقد وردَ من وجه آخر بذلك اللَّفظ المغاير فلِلَّهِ درُّه ما أكثر اطلاعه. والظاهر أنَّ هذا أعمّ من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب، ويحتمل أن تكون اللَّام عهديَّة فَيَتَّحِدَا، ويؤيِّده أنَّ كلًّا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا مطلق وذاك مقيَّد، فيحمل المطلق على المقيَّد؛ وقد تقدَّم كلام الكِرْماني في الفرق بين الحديثين، وقال بعد ذلك وفي الحديث: أنَّ من دخل الصَّلاة فصلَّى ركعة، وخرج الوقت كان مدركًا لجميعها، وتكون كلُّها أداء، وهو الصحيح. انتهى. وهذا يدلُّ على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلِّقين بالوقت، بخلاف ما قال أوَّلًا. وقال التيمي: معناه أنَّ من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة. وقيل: المراد بالصلاة الجمعة، وقيل: غير ذلك.
وقوله: (فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) ليس على ظاهره بالإجماع لما قدَّمناه، من إنَّه لا يكون بالركعة الواحدة مدركًا لجميع الصَّلاة، بحيث يحصل براءة ذمَّته من الصَّلاة، فإذًا فيه إضمار تقديره: فقد أدركا وقت الصَّلاة، أو حكم الصَّلاة، أو نحو ذلك، ويلزمه إتمام بقيَّتها.
وقد تقدَّم بقيَّة مباحثه في الباب الذي قبله، ومفهوم التقييد بالركعة: أنَّ من أدرك دون الركعة لا يكون مدركًا لها، وهو الذي استقرَّ عليه الاتفاق، وكان فيه شذوذ قديم منها: إدراك الإمام راكعًا يُجزئ ولو [لم]
(1)
يدرك معه الركوع، ولو رفع الإمام رأسه ما لم يرفع بقيَّة من ائتمَّ به رؤوسهم ولو بقي واحد، وعن الثَّوْري وزفر: إذا كبَّر قبل أن يرفع الإمام رأسه أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام، وقيل: من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة، وعن أبي العالية: اذا أدرك السُّجود وأكمل بقيَّة الركعة معهم، ثمَّ يقوم فيركع فقط وتُجزئه، والله أعلم.
(30)
(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)
أي هذا باب في بيان حكم الصَّلاة بعد صلاة الصُّبح إلى أن ترتفع الشمس، قال الزَّين بن المنيِّر: لم يثبت حكم النَّهي لأنَّ تعيين المنهي عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف، وخصَّ الترجمة بالفجر مع اشتمال الأحاديث على الفجر والعصر، لأنَّ الصُّبح هي المذكورة أوَّلًا في سائر أحاديث الباب؛ قال شيخنا: أو لأنَّ العصر ورد فيها كونه عليه السلام صلَّى بعدها بخلاف الفجر. انتهى.
581 -
قوله: (حَدَّثَنَا حَفْص بنُ عُمَرَ) أي الحَوْضي، ترجمته في باب التيمُّن في الوضوء.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ) أي الدَّسْتُوائي،
(1)
لم: ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من فتح الباري.
ترجمته في باب زيادة الإيمان ونقصانه.
قوله: (عَنْ قَتَادَةَ) أي ابن دِعامة؛ ترجمته في باب من الإيمان أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه.
قوله: (عَنْ أَبِي العَالِيَةِ) أي الرِّياحي، بالياء آخر الحروف، واسمه رُفَيع -بالتصغير-، ووَقَعَ مصرَّحًا به عند الإسماعيلي من رواية غُنْدَر عن شُعْبَة، ترجمته في أوَّل كتاب العلم.
قوله: (عَنِ ابنِ عبَّاسٍ) أي عبد الله، ترجمته في بدء الوحي.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في موضعين؛ وفيه أن شيخ البخاري من أفراده، وفيه رواية التَّابعي عن التَّابعي عن الصحابي.
قوله: (قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مرضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَر أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلاة بَعْدَ الصُّبح حتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغْرُبَ). مطابقته للترجمة ظاهرة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأخرجه أبو داود: ((حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حدَّثنا أَبَانُ حدَّثنا قَتَادَة عَنْ أَبِي العَالِيَةِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مرضِيُّونَ وفِيهِمْ عُمَر بن الخطَّاب وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَر أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبح حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ))، وأخرجه التِّرْمِذي:((حَدَّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ قَالَ: حدَّثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصور وَهُوَ ابنُ زَاذَانَ عَنْ قَتَادَة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العَالِيَةِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَال: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عُمَر بنُ الخَطَّابِ، وكَانَ مِنْ أَحَبِّهِمْ إِلَيَّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلاة بَعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ))، وأخرجه النَّسائي:((أَنبأنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَنبأنا مَنْصُورٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثنا أَبُو العَالِيَةِ وَاسْمُهُ رُفَيْعٌ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ)) نحو حديث التِّرْمِذِي، وأخرجه ابن ماجه:((حَدَّثَنَا محمَّد بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا محمَّد بنُ جَعْفَرٍ حدَّثنا شُعْبَة عَنْ قَتَادَةَ؛ ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَة حدَّثنا عَفَّانُ حدَّثنا هَمَّامٌ حدَّثنا قَتَادَة عَنْ أَبِي العَالِيَةِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ)) نحو حديث أبي داود، ورواه مُسَدَّد في «مسنده» ، ومن طريقه رواه البَيْهَقي ولفظه:((حَدَّثني ناسٌ أعجبُهم إليَّ عُمَر رضي الله عنه)، ولما رواه التِّرْمِذي قال: وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعُقْبَة بن عامر وأبي هريرة وابن عُمَر وسَمُرَة بن جُندُب وسَلَمَة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعبد الله بن عُمَر ومعاذ بن عَفْراء و الصُّنابِحي ولم يسمع من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وعائشة وكعب بن مرَّة وأبي أمامة وعَمْرو بن عَبَسَة ويَعْلى بن أميَّة ومعاوية رضي الله عنهم؛ قال العَيني: وفي الباب أيضًا عن سعد بن أبي وقَّاص وأبي ذرِّ الغفاري وأبي الدرداء وحفصة، فحديث علي رضي الله عنه أخرجه إِسْحاق بن راهويه في «مسنده» ، ثمَّ البَيْهَقي من جهته عنه:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ إلَّا الفَجْرَ وَالعَصْرَ))، وحديث ابن مسعود أخرجه إِسْحاق بن
راهويه أيضًا بإسناده عن ابن مسعود قال: ((بينما نحنُ عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) الحديث، وفيه:((إِذَا صَلَّيْتَ المَغْرِبَ فَالصَّلَاةُ مَقْبُولَةٌ مَشْهُودَةٌ حتَّى تُصَلِّيَ الفَجْرَ، ثمَّ اجْتَنِبِ الصَّلاة حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمس وَتَبْيَضَّ؛ فَإِنَّ الشَّمس تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ))، وفيه:((إِذَا مَالَتِ الشَّمس فَالصَّلَاةُ مَقْبُولَةٌ مَشْهُودَةٌ حتَّى تَصْفَرَّ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّ الشَّمس تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ))، وحديث أبي مسعود
(1)
الخُدْري أخرجه البخاري ومسلم عنه قال: ((سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: لا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبح حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ))، وحديث عُقْبَة بن عامر أخرجه مسلم عنه يقول:((ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمس بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمس لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ))، وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى، وحديث ابن عُمَر أخرجه البخاري عنه قال:((قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمس وَلَا غُرُوبَهَا)) الحديث، وحديث سَمُرَة بن جُندُب أخرجه عنه أحمد في «مسنده» عنه:((عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا تُصَلُّوا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَلَا حين تغرُبُ؛ فَإِنَّهَا تَغْيبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ))، وحديث سلمة بن الأكوعٍ أخرجه عنه إِسْحاق بن راهويه في «مسنده» قال:((كُنْتُ أُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأيتُهُ صلَّى بَعْدَ العَصْرِ وَلَا بَعْدَ الصُّبْحِ))، وحديث زيد بن ثابت أخرجه عنه أبو يعلى المَوْصلي:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عَنِ الصَّلاة إِذا طَلَعَ قَرْنُ الشَّمس أَو غَابَ قرنُهَا فَإِنَّهَا تَطلُعُ بَين قَرْني شَيْطَانٍ))، وحديث عبد الله بن عُمَر أخرجه عنه ابن أبي شَيْبَة قال:((قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا صَلَاة بعدَ الفَجْر إلَّا رَكْعَتَيْنِ))، وحديث معاذ بن عَفْراء أخرجه عنه [البخاري على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى]
(2)
، وحديث الصُّنابِحي، ولم يسمع من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
…
(3)
، وحديث عائشة رضي الله عنها أخرجه عنها أبو يعلي الموصلي، قالت:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ينْهَى عَن الصَّلاة حِين تطلع الشَّمس حتَّى ترْتَفع فَإِنَّهَا تطلع بقرن الشَّيْطَان، وَينْهى عَن الصَّلاة حِين تقَارب الغُرُوب حتَّى تغيبَ))، وحديث كعب بن مرَّة أخرجه عنه
…
(4)
؛ وحديث أبي أمامة أخرجه عنه الحارث بن محمَّد بن أبي أسامة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا تصلُّوا عِنْد طُلُوع الشَّمس فَإِنَّهَا تطلعُ بينَ قَرْني شَّيْطَان فَيسْجُدُ لَهَا كل ُّكَافِر)) الحديث؛ وَحَدِيث عَمْرو بن عبسة أخرجه عَنهُ عبد بن حُمَيْد فِي حَدِيث طَوِيل، وَفِيه:((إِذا صلَّيتَ الفَجْرَ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلاة حتَّى تطلعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تطلعُ فِي قَرْني الشَّيْطَان، فَإِنَّ الكفَّارَ يُصَلُّونَ لَهَا)) الحَدِيث؛ وَحَدِيث أَبُو يعلى بن أميَّة أخرجه عَنهُ [(ذكر معناه)]
(5)
.
قوله: (شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ) يعني بيَّنوا لي وأعلموني به، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللهُ إنَّه لَا إِلَهَ
(1)
كذا في الأصل، ولعل الصواب: سعيد.
(2)
في الأصل بياض بمقدار كلمتين، والزيادة بين معقوفتين من عمدة القاري.
(3)
في الأصل بياض بمقدار أربع كلمات.
(4)
في الأصل بياض بمقدار أربع كلمات.
(5)
في الأصل بياض بمقدار أربع كلمات، والزيادة بين معقوفتين من عمدة القاري.
إلَّا هُوَ} [آل عمران: 18] قال الزَّجَّاج: معناه بيَّن، وقال شيخنا: أي أعلمني أو أخبرني، ولم يُرد شهادة الحكم، وقال الكِرْماني: المراد من الشَّهادة لازمها وهو الإعلام، أي أعلمني رجال عدول، قلت: والرجال جمع رجل، وقد مرَّ الكلام عليه في بدء الوحي عند قوله:(فيَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا). انتهى.
قوله: (مَرْضِيُّوْنَ) أي لا شكَّ في صدقهم ودينهم.
قوله: (وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ) أفعَل التفضيل للمفعول، قال شيخنا: لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيون الذين حدَّثوا ابن عبَّاس بهذا الحديث، وبلغني أنَّ بعض من تكلَّم على العمدة تجاسر، وزَعَمَ أنَّهم المذكورون فيها عند قول مصنِّفها، وفي الباب عن فلان وفلان، ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأً بينًا فلا حول ولا قوَّة إلَّا بالله. انتهى.
قوله: (بَعْدَ الصُّبْحِ) أي بعد صلاة الصبح، لأنَّه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلَّقًا بالوقت، إذ لا بدَّ من أداء الصبح.
قوله: (حَتَّى تُشْرِقَ) -بضمِّ التاء- من الإشراق، يقال: أشرقت الشَّمس ارتفعت وأضاءت؛ ويؤيِّده حديث أبي سعيد الآتي في الباب بعده بلفظ: (حَتَّى تَرتَفِعَ الشَّمسُ)، ويرُوى بفتح أوَّله وضمِّ ثانيه بوزن تغرب؛ يقال: شَرقت الشَّمس أي طلعت؛ ويؤيِّده رواية البَيْهَقي من طريق أخرى عن ابن عُمَر شيخ البخاري منه بلفظ: ((حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمس أَوْ تَطْلُعُ)) على الشكِّ، وقد ذكرنا أن في رواية مُسَدَّد:((حَتَّى تَطْلُعَ)) بغير شكَّ، وكذا هو في حديث أبي هريرة الآتي آخر الباب بلفظ:(حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) بالجزم، ويُجمع بين الحديثين بأنَّ المراد بالطلوع طلوع مخصوص، أي حتَّى تطلع مرتفعة، وفي «المحكم» : أشرقت الشَّمس أضاءت وانبسطت، وقيل: شرقت وأشرِقت أضاءت، وشرقت بالكسر دنت للغروب، وكذا حكاه ابن القطَّاع في أفعاله، وزَعَمَ إنَّه قول الأصمعي، وابن خالويه في كتاب «ليس» ، وقطرب في كتاب «الأزمنة» ، وقال عياض: المراد من الطلوع ارتفاعها وإشراقها وإضاءتها، لا مجرَّد طلوع قرصها، قال العَيني: احتجَّ به أبو حنيفة على أنَّه يكره أن يتنفَّل بعد صلاة الفجر حتَّى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتَّى تغرب الشمس، وبه قال الحسن البصري وسعيد بن المُسَيَّب والعلاء بن زياد وحُمَيْد بن عبد الرحمن، وقال النخعي: كانوا يكرهون ذلك، وهو قول جماعة من الصحابة، وقال ابن بطَّال: تواترت الأحاديث عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلاة بَعْدَ الصُّبح وَبَعْدَ العَصْر))، وكان عُمَر رضي الله عنه يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير، فدلَّ أنَّ صلاته عليه السلام مخصوصة به دون أمَّته، وكره ذلك علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وسَمُرَة بن جُندُب وزيد بن ثابت وسَلَمَة بن عُمَر وكعب بن مرَّة وأبو أمامة وعَمْرو بن عبسة وعائشة و الصُّنابِحي واسمه عبد الرحمن بن عقيلة وعبد الرحمن بن عُمَر وعبد الله بن عمرو،
وفي «مصنَّف» ابن أبي شَيْبَة عن أبي العالية قال: ((لَا تَصلحُ الصَّلاة بعد العَصْرِ حتَّى تغيبَ الشَّمس وَبَعْدَ الصُّبح حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ))، قال: وكان عُمَر يضرب على ذلك، وعن الأَشْتَر قال: كان خالد بن الوليد يضرب النَّاس على الصَّلاة بعد العصر، وكرهها سالم ومحمَّد بن سيرين، وعن ابن عُمَر قال: صلِّيت مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان، فلا صلاة بعد الغداة حتَّى تطلع الشمس، وقال أبو سعيد: تمر يأتي بزبد أحبُّ إليَّ من صلاة بعد العصر، وعن ابن مسعود: كنا نُنهى عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس وعند غروبها، وقال بلال: لم ينه عن الصَّلاة إلَّا عند غروب الشمس، لأنَّها تغرب في قرن شيطان؛ ورأى أبو مسعود رجلًا يصلِّي عند طلوع الشَّمس فنهاه، وكذا شُرَيح، وقال الحسن: كانوا يكرهون الصَّلاة عند طلوع الشَّمس حتَّى ترتفع، وعند غروبها حتَّى تغيب، وحكاه ابن حزم عن أبي بكرة، وفي «فوائد أبي الشيخ» رأى حُذَيفة رجلًا يصلِّي بعد العصر فنهاه، فقال: أَوَ يعذِّبني الله عليها، قال: يعذِّبك على مخالفة السنَّة، فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن الأسود عن عائشة قالت: ((لم يكنْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يدعهما سرًّا وَلَا عَلَانيَةً رَكْعَتَانِ قبل الصُّبح وركعتان بعد العَصْرِ))، وَفِي لفظ لَهما:((مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يأتيني فِي يَوْم بعد العَصْر إلَّا صلَّى رَكْعَتَيْنِ))، وروى أبو داوود من حديث قيس بن عَمْرو قال:((رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلًا يٌصلِّي بعدَ صلاةِ الصُّبح ركعتينِ، فقال عليه السلام: الصُّبح رَكْعَتَانِ، فقال الرجل: إنِّي لمْ أكنْ صلِّيتُ الركعتين اللتين قبلها فصلَّيتهما الآن، فسكتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، هكذا رواه أبو داود وقال: قيس بن عمرو، وفي رواية: قيس بن قَهْد بالقاف؛ قال العَيني: استقرَّت القاعدة أنَّ المبيح والحاظر إذا تعارضا جُعِل الحاظر متأخِّرًا، وقد وَرَد نهي كثير في أحاديث كثيرة، وأمَّا حديث الأسود عن عائشة فإن صلاته عليه السلام فيه مخصوصة به، والدليل عليه ما ذكرنا أنَّ عُمَر رضي الله عنه كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير، وذكر الماوَرْدي من الشافعيَّة وغيره أيضًا أن ذلك من خصوصياته عليه السلام، وقال الخطَّابي أيضًا: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مخصوصًا بهذا دون الخلق، وقال ابن عقيل: لا وجه له إلَّا هذا الوجه، وقال الطَّبَرِي: فعل ذلك تنبيهًا لأمَّته، أنَّ نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم، وقال الطَّحاوي: الذي يدلَّ على الخصوصيَّة أنَّ أمَّ سلمة رضي الله عنها هي الَّتي روت صلاته إيَّاهما، قيل لها: أفنقضيهما إذا فاتتنا بعد العصر، قالت: لا.
وأما حديث قَيْس بن عَمْرو فقال في «الإمام» : إسناده غير متَّصل، ومحمَّد بن إبراهيم لم يسمع من قَيْس، وقال ابن حبَّان لا يحلُّ الاحتجاج به، وقد أكَّد النَّهي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال أبو حفص: ((حدَّثنا محمَّد بن نُوح حدَّثنا شُعَيب بن أيُّوب حدَّثنا أَسْباط بن محمَّد وأبو نُعَيم عن سُفْيان عن أبي إِسْحاق عن عاصم بن ضُمرة عن علي رضي الله عنه، قال: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يصلِّي صَلَاة مَكْتُوبَة إلَّا صلَّى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ
إلَّا الفجْر وَالعصر))، وزَعَمَ ابن العَرَبي: أنَّ الصَّلاة في هذين الوقتين تؤدَّى الفريضة دون النافلة، وعند مالك وعند الشافعي: تؤدَّى فيهما الفريضة والنافلة الَّتي لها سبب، ومذهب آخر: لا يصلِّي فيهما بحال لا فريضة ولا نافلة، ومذهب آخر: يجوز بمكَّة دون غيرها، وقال الشَّافعي في كتاب «اختلاف الحديث» : وذكر الصَّلاة الَّتي لها سبب وعددها، ثمَّ قال: وهذه الصَّلوات وأشباهها تصلَّى في هذه الأوقات بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((مَنْ نَسِيَ [صَلَاةً]
(1)
فَلْيُصَلِهَا إِذا ذكرهَا، وَصلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهمَا بعد الظّهْر شُغِل عَنْهُمَا بعد العَصْر، وَأمر أَن لَا يُمْنَع أحد طَاف بِالبَيْتِ أي سَاعَة شَاءَ))، والاستثناء الوارد في حديث عُقْبَة إلَّا بمكَّة، وله في الجمعة حديث أبي سعيد:((أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنِ الصَّلاة فِي نِصْفِ النَّهار إلَّا يَومَ الجُمُعَةِ))، قال العَيني: والجواب عن الحديث من نسي أنَّه مخصوص بحديث عُقْبَة، وعن قوله:((صلَّى ركعتين كان يصلِّيهما))، أنَّه من خَواصه عليه السلام كما ذكرناه،
وقوله: (إِلَّا بِمَكَّةَ) غريب لم يرد في المشاهير، أو كان قبل النَّهي، ثمَّ قال: فإن قلت: رُوي عن أَنَس، كان المؤذِّن إذا أذَّن قام ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السَّواري، حتَّى يخرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وهم كذلك يصلُّون ركعتين قبل المغرب، ولم يكن قبل الأذان والإقامة شيء، قلت: حمل ذلك أوَّل الأمر قبل النَّهي، وقبل أن يعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو بكر بن العَرَبي: اختلفت [الصحابة]
(2)
فيهما ولم يفعله بعدهم أحد، وقال النَّخَعي: بدعة، قال شيخنا: وقال أبو حنيفة: تحرم الفرائض والنوافل سوى عصر يومه، وتحرم المنذورة أيضًا، وقال مالك: تحرم النوافل دون الفرائض ووافقه أحمد، لكن استثنى ركعتي الطَّواف. انتهى.
582 -
قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) أي ابن مُسَرْهَد.
قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) أي القطَّان.
قوله: (عَنْ شُعْبَةَ) أي ابن الحجَّاج.
قوله: (عَنْ قَتَادَةَ) أي ابن دِعامة.
قوله: (سَمِعْتُ أَبَا العَالِيَةَ) أي الرِّياحي.
قوله: (عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ) أي عبد الله.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا).
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاث مواضع، وفيه الإِخبار بصيغة الإفراد في موضع واحد، هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن مًسَدَّد عن يحيى القطَّان إلى آخره، وذكر هذه الطريقة ليبيِّن أن قَتَادَة سمع هذا الحديث من أبي العالية، ولم يصرِّح بالسَّماع في طريق الحديث الأوَّل، ولمتابعة شُعْبَة هشامًا، فإن قلت: كان ينبغي أن يبدأ بالحديث الذي فيه سماع قَتَادَة من أبي العالية، قال العَيني: إنَّما قدَّم ذلك الحديث لعلُّوه، انتهى.
قوله: (حَدَثَنَا مُسَدَّد قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أخبرَني أَبِي ـ أَي عُرْوَة بنُ الزُّبَيْر ـ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ عُمَر ـ أَي عَبْدَ اللهِ ـ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمس ولَا غُرُوبَهَا). مطابقته
(1)
ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من عمدة القاري.
(2)
ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من عمدة القاري.
للترجمة ظاهرة.
وفيه التَّحديث بِصِيغَة الجمع في موضِعين، وفيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد، وفيه الإِخبار بصيغة الإفراد في موضعين، وفيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وفيه رواية الابن عن الأب.
هذا الحديث أخرجه البُخَارِيُّ أيضًا فِي صفة إِبْلِيس عن محمَّد بن عَبدة.
وأخرجه مسلم فِي الصَّلاة مُقَطَّعًا عَن أبي بكر بن أبي شَيْبَة عن وَكِيع وعن محمَّد بن عبد الله بن نُمَير عن أَبِيه وَمحمَّد بن بشر، وأخرجه النَّسائي فيه أيضًا مُقَطَّعًا أيضًا عن عَمْرو بن عليّ عن يحيى.
قوله: (لَا تَحَرَّوا) أَصله: لَا تتحرَّوا، بالتاءين، فحُذفت إِحْدَاهمَا والمعنى لا تقصدوا؛ قَالَ الجَوْهَرِي: فلَان يتحَرَّى الأَمر، أي يتوخَّاه ويقصده، وتحرَّى فلَان بِالمَكَانِ أي مكث، قَالَ التَّيْمِيّ: قَالَ قوم: أَرَادَ بِهِ: لَا تقصدوا وَلَا تبتدروا بهَا ذَلِك الوَقْت. وَأما من انتبه من نَومه وذكر مَا نَسيَه فَلَيْسَ بقاصد إِلَيْهَا وَلَا مُتَحَرًّ، وَإِنَّمَا المتحرِّي القاصد إِلَيْهَا، وَقيل: إِنَّ قومًا كَانُوا يتحرَّون طُلُوع الشَّمس وغروبها فيسجدون لَهَا عبَادَة من دون الله تَعَالى، فَنهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنهُ كَرَاهَة أَن يتشبَّهوا بهم.
قال العَيني: قوله: (لَا تحرَّوا) نهي مُسْتَقل فِي كَرَاهَة الصَّلاة فِي الوَقْتَيْنِ المَذْكُورين، سَوَاء قصد لَهَا أم لم يقْصد، وَمِنْهُم من جعل هَذَا تَفْسِيرًا للْحَدِيث السَّابق ومبيِّنًا للمراد بِهِ، فَقَالَ: لَا تكره الصَّلاة بعد الصُّبح وَلَا بعد العَصْر، إلَّا لمن قصد بِصَلَاتِهِ طُلُوع الشَّمس وغروبها، وَإِلَيْهِ ذهب الظَّاهِرِيَّة، وَمَال إِلَيْهِ ابن المُنْذر وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق طَاوُس عَن عَائِشَة قَالَت:((وَهِمَ عُمَر رضي الله عنه، إنَّما نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يتحَرَّى طُلُوعَ الشَّمس وغروبِها))؛ ومنهم من قوَّى ذَلِك بِحَدِيث: ((منْ أدْركَ رَكْعَةً منَ الصُّبح قبلَ أَنْ تطلعَ الشَّمس فليضفْ إِلَيْهَا أُخْرَى))، فَأمر بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ، فدلَّ على أَنَّ الكَرَاهَة مُخْتَصَّةٌ بِمن قصد الصَّلاة فِي ذَلِك الوَقْت لَا بِمن وَقَعَ لَهُ اتِّفَاقًا.
وَقال البَيْهَقي: إنَّما قَالَت ذَلِك عَائِشَة لأنَّها رَأَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بعد العَصْر، فحملت نَهْيَه على من قصد ذلك لَا على الإِطْلَاق؛ وأجِيب عن هذا: بأن صلاته عليه السلام تلك كانت قضاء كما ذكرنَا، وقيل: كانت خُصُوصِيَّة لَهُ، وأما النَّهي مُطلقًا فقد ثَبت بأحادِيث كَثِيرَة عن جماعة من الصَّحَابَة رضي الله عنهم، فلا اختصاص له بالوهم، والله أعلم.
583 -
قوله: (قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابنُ عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا طَلَعَ حاجِبُ الشَّمس فأخِّرُوا الصَّلاة حتَّى تَرْتَفِعَ وَإذَا غابَ حَاجِبُ الشَّمس فأخِّرُوا الصَّلاة حتَّى تَغِيْبَ)، أي قال عُرْوَة: وحدَّثني ابن عمر، فإن قلت: قال عُرْوَة في الحديث السابق: أخبرني ابن عُمَر، وفي هذا قال: حدَّثني، قال العَيني: رعاية للفرق الَّذِي بَينهمَا عنده، ولا فرق بين: حدَّثنا وأخْبرنَا عِنْد الأَكْثَرين، وجعل الخَطِيب: سمعت أرفعهما، وابن الصَّلاح دونهَا. انتهى.
وقال شيخنا: هذا حديث آخر، وقد أفرده الإسماعيلي وذكر أنَّه وَقَعَ له الحديثان معًا من رواية عليّ بن مُسْهِر وعِيسَى بن يُونُس وَمحمَّد بن بشر ووكيع وَمَالك بن سعيد ومحاضر
كلُّهم عَن هِشَام، وأنَّه وَقَعَ له الحديث الثَّاني فقط من رواية عبد الله بن نُمَير عَن هِشَام.
قوله: (حَاجِبَ الشَّمْسِ) قيل: هُوَ طرف قرص الشَّمس الَّذِي يَبْدُو عِنْد الطُّلُوع وَلَا يغيب عِنْد الغُرُوب، وَقيل: النيازك الَّتي تبدو إِذا حَان طُلُوعها، وَقَالَ الجَوْهَرِي: حواجب الشَّمس: نَوَاحِيهَا.
قوله: (حَتَّى تَرْتَفِعَ) جعل ارتفاعها غاية النهي، قال شيخنا: وهو يقوِّي رواية من روى الحديث الماضي بلفظ حتَّى تشرق من الإشراق؛ وهو الارتفاع كما تقدَّم. انتهى.
قوله: (تابَعَهُ عَبْدَةُ) يعني ابن سُلَيمان، أي تَابع عَبدة يحيى بن سعيد القطَّان على رِوَايته لهَذَا الحَدِيث عَن هِشَام، وَرواية عَبدة هذه أوصلها البخاري فِي بَدْء الْخلق، وَفِيه الحديثان مَعًا وَقَالَ فِيهِ:((حَتَّى تَبْرُزَ)) بدل (ترْتَفِعَ)، وَقَالَ فِيهِ:((لَا تَحَيَّنُوا)) بِاليَاءِ آخر الحروف المُشَدّدَة وبالنُّون، وَزَاد فِيهِ:((فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنِي شَيْطَانٍ))، وَفِيه إِشَارَة إلى عِلّة النَّهي عَن الصَّلاة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ، وَزَاد مُسلم من حَدِيث عَمْرو بن عبسة وحِينَئِذٍ:((تسْجدُ لَهَا الكفَّار))، فالنهي حِينَئِذٍ لترك مشابهة الكفَّار.
قال العَيني: وَفِيه ردٌّ على أبي محمَّد البَغَوي حَيْثُ قَالَ: إِن النَّهي عَن ذَلِك لَا يدْرك مَعْنَاهُ، وَجعله من قبيل الأُمُور التعبدية الَّتي يجب الإيمان بهَا.
584 -
قوله: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ) أي بضمِّ العين، تقدَّم في باب نقض المرأة شعرها.
قوله: (عَنْ أبِي أُسَامَةَ) أي حمَّاد بن أسامة؛ ترجمته في باب فضل من عَلِمَ وعَلَّمَ.
قوله: (عَنْ عُبَيْدِ الله) أي ابن عُمَر بن حَفْص العُمَري، ترجمته في باب الصَّلاة في مواضع الإبل.
قوله: (عَنْ خُبَيْبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أي -بضمِّ الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف- أبو الحارث الأنصاري الخزرجي؛ ترجمته في
…
(1)
قوله: (عَنْ حَفْص بنِ عَاصِمٍ) أي ابن عُمَر بن الخطَّاب جدُّ عُبَيْد الله المذكور آنفًا، ترجمته في
…
(2)
.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) أي عبد الرحمن بن صخر؛ ترجمته في باب أمور الإيمان.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، وفيه العنعنة في خمسة مواضع، وفيه شيخ البخاري من أفراده، واسمه في الأصل عبد الله، يكنَّى أبا محمَّد القُرَشي، وفيه أن رواته ما بين كوفي وهو عَبدة، ومدني وهو خُبَيب، والبقيَّة مدنيُّون، وفيه: رواية الرجل عن عمِّه وهو عُبَيْد الله فإنَّه ابن أخي خُبَيب.
قوله: (أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعَتَيْنِ وعنْ لِبْسَتَيْنِ وعَنْ صَلَاتَيْنِ نَهَى عنِ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمس وبَعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمس وعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وعنِ الاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ يُفْضِي فَرْجِهِ إلى السَّماء وعَنِ المُنَابَذَةِ وَالمُلَامَسَةِ).
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي فِي قوله:(وَعَن صَلَاتَيْنِ) إلى قوله: (حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ).
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا عن محمَّد بن عَبدة بن سُلَيمان، وأخرجه في اللِّباس عن محمَّد بن بشَّار عن عبد الوهَّاب الثَّقَفي؛ وأخرجه مسلم في البيوع عن أبي بكر بن أبي شَيْبَة وعن محمَّد بن عبد الله بن
(1)
في الأصل بياض بمقدار أربع كلمات.
(2)
في الأصل بياض بمقدار أربع كلمات.