المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

قوله: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَدَا إلى المسْجِد ورَاح أعَدَّ الله لَهُ نزُلًا مَن الجَنَّة كلَّمَا غَدَا أو رَاح).

مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضاً عن أبي بكر بن أبي شيبة.

قوله: (أعَدَّ) بفتح الهمزة والعين المهملة وتشديد الدال، من الإعداد وهي التهيئة.

قوله: (نُزُلاً)، بضم النون وسكون الزاي وضمها وبالتنوين رواية الكُشْميْهَنِي، وفي رواية غيره: نزله، بالإضافة إلى الضمير، وفي رواية مسلم وابن خزيمة وأحمد مثل رواية الكُشْمِيهَنِي. وهو: ما يهيأ من الأشياء للقادم من الضيافة ونحوها هذا إذا كان بسكون الزاي، وأما إذا كان بضم الزاي فهو المكان الذي يهيئ للنزول فيه، فعلى الأول تكون من في قوله:(مِنَ الجِنَّة) للتبين، وعلى الثاني للتبعيض، ورواية مسلم وابن خزيمة وأحمد:(في الجنة) وهو محتمل للمعنيين.

قوله: (كُلَّمَا غدَا أو رَاح) أي: بكل غدوة وروحة، وقال الكرماني: في بعض الروايات: وراح، بواو العطف، والفرق بين الروايتين أنه على: الواو، لا بد له من الأمرين حتى يعد له نزل، وعلى كلمة: أو، يكفي أحدهما في الإعداد.

وقال بعضهم: الغدو والرواح في الحديث كالبكرة والعشي. في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62]. يراد بها: الديمومة، لا الوقتان المعينان.

قال شيخنا: وظاهر الحديث حصول الفضل لمن أتى المسجد مطلقاً، لكن المقصود منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة والصلاة رأسها. والله أعلم. انتهى.

(38)

‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

أي: هذا باب ترجمته: إذا أقيمت إلى آخره، وهذه الترجمة بعينها لفظ حديث أخرجه مسلم في: كتاب الصلاة، من طرق كثيرة عن عمرو بن دينار المكي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة.

وأخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل، وأخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع. وأخرجه النسائي عن أحمد بن عبد الله بن الحكم. وأخرجه ابن ماجه عن أبي بشر بن خلف.

وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان من رواية عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، فإن قلت: لأي شيء جعله البخاري جعل ترجمة ولم يخرجه؟ قيل: اختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، ولما كان الحكم صحيحاً ذكره في الترجمة، وأخرج في الباب ما يغني عنه، لكن حديث الترجمة أعم من حديث الباب لأنَّه يشمل الصلوات كلها وحديث الباب يختص بالصبح كما سنوضحه.

ويحتمل أن يقال اللام في حديث الترجمة عهدية فيتفقان، هذا من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى فالحكم في جميع الصلوات واحد وقد أخرجه أحمد من وجه آخر بلفظ:((فلا صلاة إلا التي أقيمت)).

قال العيني: الحكمة في الإنكار فيه أن يتفرغ المصلي للفريضة من أولها حتى لا تفوته فضيلة الإحرام مع الإمام فهذا يعم الكل في الحقيقة انتهى.

وقال شيخنا: قوله إذا أقيمت أي: إذا شرع في الإقامة، وصرح بذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار فيما

ص: 208

أخرجه ابن حبان بلفظ: ((إذا أخذ المؤذن في الإقامة)).

وقوله: (فَلا صَلَاة) أي: صحيحة أو كاملة والتقدير الأول أقوى؛ لأنه أقرب إلى يقين

(1)

الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفي الكمال، ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهي أي فلا تصلوا حينئذٍ.

ويؤيده ما رواه البخاري في «التاريخ» والبزار وغيرهما من رواية محمد بن عمار عن شريك بن أبي نمر عن أنس مرفوعاً في نحو حديث الباب وفيه: ((ونهى أن يصلوا إذا أقيمت الصلاة)) وورد بصيغة النهي أيضاً فيما رواه أحمد من وجه آخر عن بن بحينة في قصته هذه فقال: ((لا تجعلوا هذه الصلاة مثل الظهر واجعلوا بينهما فصلاً)) والنهي المذكور للتنزيه كما تقدم من كونه لم يقطع صلاته.

قوله: (إلا المكْتُوبَة) فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة سواء كانت راتبة أم لا؛ لأن المراد بالمكتوبة المفروضة،

وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث قيل: ((يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال: ولا ركعتي الفجر)) أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن حاجب وإسناده حسن، والمفروضة تشمل الحاضرة والفائتة لكن المراد الحاضرة، وصرح بذاك أحمد والطحاوي من طريق آخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ:((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت)).

663 -

قوله: (حَدَّثَنا عبد العَزِيز بن عبد الله) أي-ابن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأوَيْسِي المدني-ترجمته في باب الحرص على الحديث في كتاب العلم.

قوله: قال: (حَدَّثنا إبْراهيْم بن سَعْد) أي -ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري المدني-ترجمته في باب تفاضل أهل الإيمان.

قوله: (عَنْ أبيْه) أي-سعد بن إبراهيم-ترجمته في باب الرجل يوصي صاحبه.

قوله: (عن حَفْص بن عَاصِم) أي-ابن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه ترجمته في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة.

قوله: (عَنْ عَبْد الله بن مَالِك بن بُحَيْنَة) أي-بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وفي آخره هاء-وهي بنت الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وهي اسم أم عبد الله. وقال أبو نعيم الأصفهاني: بحينة أم أبيه، مالك ابن القشب بكسر القاف وسكون الشين المعجمة وفي آخره باء موحدة، وهو لقب، واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله بن رافع الأزدي.

وقال ابن سعد بحينة عبدة بنت الحارث، لها صحبة، وقال: قدم مالك بن القِشْب مكة في الجاهلية فحالف بني عبد المطلب بن عبد المطلب بن عبد مناف، وتزوج بحينة بنت الحارث بن المطلب، وأدركت بحينة الإسلام فأسلمت وصحبت، وأسلم ابنها عبد الله قديماً، وحكى ابن عبد البر خلافاً لبحينة هل هي أم عبد الله أو أم مالك؟

والصواب أنَّها أم عبد الله وينبغي أن تكتب ابن بحينة بزيادة ألف

(1)

الأقرب للمعنى أنها (نفي).

ص: 208

ويعرب إعراب عبد الله كما في ابن سلول كما قلنا، ترجمة عبد الله بن مالك في باب يبدي ضبعيه.

قوله: ح، قال:(وَحَدَّثَنِي عبْدُ الرَّحْمن) أي-ابن بشر بن الحكم أبو محمد النيسابوري-مات في سنة ستين ومائتين.

قوله: قال: (حَدَّثَنا بَهْز بن أسَد) أي-بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وفي آخره زاي-العمي أبو الأسود البصري، ترجمته في باب الغسل بالصاع ونحوه.

قوله: قال (حَدَّثَنَا شُعْبَة) أي-ابن الحجاج-ترجمته في باب يتلو باب أمور الإيمان.

قوله: قال (حَدَّثَنِي إبْراهيْم بن سَعْد) أي -المذكور آنفاً-.

قوله: (عنْ أبِيْه) أي-سعد المذكور أيضاً-.

قوله: قال (سمِعْتُ حَفْصَ بن عَاصِم) أي -المذكور آنفاً أيضاً-.

قوله: قال (سَمِعْت رجُلاً مِنَ الأَزْد يقال له مَالِك ابن بُحَيْنَة) أي-المذكور أيضاً-.

في هذا الحديث إسنادان: الأول: عن عبد العزيز عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن حفص بن عاصم عن عبد الله بن مالك.

الإسناد الثاني: عن عبد الرحمن عن بهز عن سعيد

(1)

عن سعد عن حفص عن مالك بن بحينة هكذا يقول شعبة في هذا الصحابي، وتابعه على ذلك أبو عوانة وحماد بن سلمة.

قال العيني: وحكم الحفاظ يحيى بن معين وأحمد ومسلم والنسائي والإسماعيلي والدَّارَقُطْني وأبو مسعود وآخرون عليهم بالوهم في موضعين: أحدهما: أنَّ بحينة والدة عبد الله لا والدة مالك. والآخر: أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك. وجنح الداودي إلى أن مالكاً له صحبة حيث قال: وهذا الاختلاف لا يضر بأي الرجلين كان فهو صاحب.

فإن قلت لمَ لمْ يسق البخاري لفظ رواية إبراهيم بن سعد وتحول إلى رواية شعبة؟

قال العيني: كأنه أوهم أنهما متوافقتان وليس كذلك وقد ساق

(2)

مسلم رواية إبراهيم بن سعد بالسند المذكور ولفظه: ((مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمة بشيء لا ندري ما هو فلما انصرفنا أحطنا نقول ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال لي يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعاً)) ففي هذا السياق مخالفة لسياق شعبة في كونه عليه السلام كلم الرجل وهو يصلي، ورواية شعبة تقتضي أنَّه كلمه بعد أن فرغ.

قال العيني: يمكن الجمع بينهما أنه كلمه أولاً سراً، ولهذا احتاجوا أن يسألوه، ثم كلمه ثانياً جهراً فسمعوه، وفائدة التكرار تقرير الإنكار. انتهى.

وفي السَّند: التحديث بصيغة الجمع في أربع مواضع، وبصيغة الإفراد في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاث مواضع، وفيه السماع في موضعين، وفيه القول في سبع مواضع، وفيه أن رواته ما بين نيسابوري وبصري ومدني وواسطي، وفيه أن شيخه عبد العزيز من أفراد [

(3)

]، وفيه اثنان من الصحابة على قول من يقول مالك بن بحينة من الصحابة، وفيه اثنان من التابعين أحدهما: سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف

(1)

الأقرب للمعنى أنها (شعبة).

(2)

مكان هذه الكلمة بياض في الأصل بمقدار كلمة وما أثبته من فتح الباري وعمدة القاري.

(3)

بياض في الأصل بمقدار كلمة.

ص: 209

كان من جلة التابعين، والآخر حفص بن عاصم.

قوله: (أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َرأى رجلا وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َلاث بِهِ النَّاس، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم آلصبح أَرْبعاً)

مطابقته للترجمة في قوله: آلصبح أربعاً، حيث أنكر عليه السلام على الرجل الذي كان يصلي ركعتين بعد أن أقيمت الصلاة ثم يصلي مع الإمام ركعتين صلاة الصبح فيكون في معنى من صلى الصبح أربعاً فدل هذا على أن لا صلاة بعد الإقامة للصلاة المكتوبة.

هذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن القَعْنَبِي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه، وعن قتيبة عن أبي عوانة عن سعد بن إبراهيم عن حفص بن عاصم عن ابن بحينة به قال، وقوله عن أبيه خطأ، بحينة هي أم عبد الله، قال أبو مسعود: وهذا يخطئ فيه القعنبي بقوله عن أبيه، وأسقط مسلم من أوله عن أبيه، ثم قال في عَقِبه وقال القعنبي: عن أبيه، وأهل العراق منهم شعبة وحماد بن سلمة وأبو عوانة يقولون: عن سعد عن حفص عن مالك بن بحينة، وأهل الحجاز قالوا: في نسبة عبد الله بن مالك بن بحينة وهو الأصح، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به عن محمود بن غيلان عن وهب بن جرير عن شعبة بإسناده نحوه، وقال: هذا خطأ، والصواب عبد الله بن مالك ابن بحينة، وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي مروان محمد بن عثمان العثماني عن إبراهيم بن سعد به.

قوله: (مِنَ الأَزْدِ) بسكون الزاي، ويقال له الأسد أيضاً، وهم أزد شنوءة وبالسين رواية الأصيلي.

قوله: (رَأى رَجُلاً) هو عبد الله الراوي، كما رواه أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه:((أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ به وهو يصلي))، وفي رواية:((خرج وابن القشب يصلي)).

وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كنت أصلي وأخذ المؤذن بالإقامة فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتصلي الصبح أربعاً))، فإن قلت: يحتمل أن يكون الرجل هو ابن عباس، قال العيني: لا، بل هي قصتان.

قوله: (وَقَدْ أُقِيْمَت الصَّلَاة) هي ملتقى الإسنادين، والقدر المشترك بين الطريقتين،

إذ تقديره مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم برجل وقد أقيمت ومعناه وقد نودي للصلاة بالألفاظ المخصوصة.

قوله: (فلَمَّا انْصَرَفَ) أي: من الصلاة. قوله: (لاثَ بهِ النَّاس) بالثاء المثلثة الخفيفة، أي: دار وأحاط، وقال ابن قتيبة: أصل اللوث الطي. ويقال: لاث عمامته إذا أدارها، ويقال: فلان يلوث بي أي يلوذ بي، والمقصود أن الناس أحاطوا به والتفوا حوله، والضمير في به يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن طريق إبراهيم بن سعد المتقدمة يقتضي أنه يرجع إلى الرجل.

ص: 209

قوله: (الصُّبْحَ أَرْبَعًا) بهمزة ممدودة في أوله، ويجوز قصرها، وهو استفهام للإنكار التوبيخي، و (الصُّبْحَ) منصوب بإضمار فعل مقدر تقديره: أتصلي الصبح، وقال الكِرماني: ويجوز الصبحُ بالرفع، أي الصبحُ تصلي أربعاً، قال العَيْنِي: يكون الصبح على هذا مبتدأً.

وقوله: (تُصَلِّي

(1)

أَرْبَعَاً) جملةٌ وقعت خبراً والضمير محذوف لأن تقديره تصليه أربعاً، والضمير الذي يقع مفعولاً حذفه شائع ذائع، وانتصاب (أَرْبَعَاً) على الحال، قاله ابن مالك، وقال الكِرماني: على البدلية، قال العَيْنِي: يكون بدل الكل من الكل لأن الصبح صار في معنى الأربع، ويجوز أن يكون بدل الكل من البعض لأن الأربع ضِعف صلاة الصبح، ويجوز أن يكون بدل الاشتمال لأن الذي صلاها الرجل أربع ركعات في المعنى.

ذِكرُ ما يستفاد من هذا الحديث، وهو على وجوه:

الأول: اختُلف فيمن دخل المسجد لصلاة الصبح فأقيمت الصلاة هل يصلي ركعتي الفجر أم لا؟ فكرهت طائفة أن يركع ركعتي الفجر في المسجد والإمامُ في صلاة الفجر محتجين بهذا الحديث، وروي ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة وسعيد بن جبير وعروة وابن سيرين وإبراهيم وعطاء والشافعي وأحمد واسحاق وأبي ثور، وقالت طائفة: لا بأس أن يصليها خارج المسجد إذا تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة مع الإمام، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي إلا أن الأوزاعي أجاز أن يركعهما في المسجد، وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل معه ولم يصليهما وإلا صلاهما في المسجد، وقال صاحب «الهداية» : ومن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر إن خشي أن يفوته ركعة -يعني من صلاة الفجر- لاشتغاله بالسنة ويدرك الركعة الأخرى -وهي الثانية- يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم

(2)

يدخل المسجد، لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين، يعني فضيلة السنة وفضل الجماعة. قال العَيْنِي: وإنما قيد بقوله: عند باب المسجد، لأنه لو صلاهما في المسجد كان متنفلاً فيه مع اشتغال الإمام بالفرض وإنه مكروه، لقوله عليه السلام:((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة))، وخصت سنة الفجر بقوله عليه السلام:((لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل)) رواه أبو داود عن أبي هريرة، هذا إذا كان عند باب المسجد موضعٌ لذلك فإن لم يكن يصليهما في المسجد خلف سارية من سواريه خلف الصفوف، وذكر فخرُ الإسلام وأشدُّها كراهةً أن يصلي مخالطاً للصف مخالفاً للجماعة، والذي يلي ذلك خلفَ الصف من غير حائلٍ بينه وبين الصف، وفي «الذخيرة» : السنةُ في سنة الفجر يعني ركعتي الفجر أن

(3)

يأتي بهما في بيته، فإن لم يفعل فعند باب المسجد إذا كان الإمام يصلي فيه، فإن لم يمكِنه ففي المسجد الجامع إذا كان الإمام في المسجد الداخل، وفي الداخل إذا كان الإمام في الجامع وفي المحيط، وقيل: يكره ذلك كله لأن ذلك بمنزلة مسجد واحد.

وعند الظاهرية أنه قطع

(4)

الصلاة إذا أقيمت الصلاة، وفي [الخلاف]

(5)

يصليهما وإن فاتته

(1)

في (الأصل) : ((يصلي)) والصواب ((تصلي)).

(2)

طمس في (الأصل) : ولعلها ((ثم)).

(3)

طمس في (الأصل) : ولعلها ((أن)).

(4)

كذا في (الأصل) : ((قطع)) ولعلها ((يقطع)).

(5)

كلمة غير مفهومة.

ص: 210

الصلاة مع الإمام إذا كان الوقت واسعاً، واستدل من كره بحديث الباب وبما في مسلم من حديث عبد الله بن جرجس: جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فصلى الركعتين ثم دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فلما انصرف قال له:((يا فلان أيتُهما صلاتُك التي صليتَ وحدَك أو التي صليتَ معنا))، وبما ذكره ابن خزيمة في «صحيحه» من حديث ابن عباس قال: كنت أصلي

الحديث، وقد ذكرناه عن قريب، وعند ابن خزيمة عن أنس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حين أقيمت الصلاة فرأى ناساً يصلون ركعتين بالعجلة فقال: ((أصلاتان معاً)) فنهى أن يُصَلَّيا في المسجد إذا أقيمت الصلاة.

فإن قلتَ: قد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند الإقامة في بيت ميمونة، قال العَيْنِي: هذا الحديث وهّاهُ ابن القطان وغيرُه، وفي كتاب الصلاة للدُّكَيني

(1)

عن سُوَيْد بن غَفَلة: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب على الصلاة قبل الإقامة، ورأى ابن جبير رجلاً يصلي حين أقيمت الصلاة فقال: ليست هذه ساعة صلاة، وعن صفوان بن موهب أنه سمع مسلم بن عقيل يقول للناس وهم يصلون وقد أقيمت الصلاة: ويلكم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، وعند البيهقي: رأى ابن عمر رجلاً يصلي الركعتين والمؤذن يقيم فحصَبَه وقال: أتصلي الصبح أربعاً؟ وذكر أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي في كتاب «مسند ابن عمر» يرفعه من حديث قدامة بن موسى عن رجلٍ من بني حنظلة عن أبي علقمة عن يسار بن نمير مولى ابن عمر قال: رآني وأنا أصلي الفجر فقال: يا يسار إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فتغيظ علينا وقال: ((ليبلغ شاهدكم غائبكم لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتين))، وذكر ابن حزم نحوَه عن ابن سيرين وإبراهيم وعند أبي نعيم الفضل عن طاوُس: إذا أقيمت الصلاة وأنت في الصلاة فدعها، وعند عبد الرزاق قال سعيد بن جبير: اقطع صلاتك عند الإقامة، وعند ابن أبي شيبة قال بَيَان: كان قيسُ بن أبي حازم يؤمُّنا فأقام المؤذن الصلاة وقد صلى ركعةً فتركها ثم تقدم فصلى بنا، و [كذا]

(2)

قال الشعبي، قلت: هذه أدلة الظاهرية. انتهى.

واستدل من أجاز ذلك بقوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33]، وبما رواه البيهقي من طريق حجاج بن نصير عن عباد بن كثير عن ليث عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر))، قال البيهقي: هذه الزيادة لا أصل لها وحجَّاج وعبَّاد ضعيفان، قال العَيْنِي: قال يعقوب بن شيبة: سألتُ ابن مَعين عن حجَّاج بن نُصَيْر الفساطِيطي البصري فقال: صدوق، وذكره ابن حِبان في «الثقات» ، وعباد بن كثير كان من الصالحين. انتهى. قلت: كونُه من الصالحين لا ينفي وصفَه

(1)

هو أبو نعيم الفضل بن دكين له كتاب الصلاة.

(2)

كلمة مستدركة في حاشية (الأصل).

ص: 210

بالضعف، لأن كثيراً من علل الضعف يوجد في الصالحين، وعن ابن مسعود أنه دخل المسجد وقد أقيمت صلاة الصبح فركع ركعتي الفجر إلى أسطوانة بمحضر حذيفة وأبي موسى، قال ابن بَطَّال: ورُوي مثلُه عن عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وابن عباس، وعن ابن عمر أنه أتى المسجد لصلاة الصبح فوجد الإمام يصلي، فدخل بيت حفصة فصلى ركعتين ثم دخل في صلاة الإمام، وعند ابن أبي شيبة عن إبراهيم كان يقول: إن بقي من صلاتك شيء فأتممه، وعنه: إذا افتتحتَ الصلاة تطوعاً وأقيمت الصلاة فأتمّ.

الثاني: من الوجوه في حكمة إنكار النبي صلى الله عليه وسلم الصلاةَ عند إقامة الفرض، فقال عياض: لئلا يتطاول الزمانُ فيُظن وجوبُها، ويؤيده قوله عليه السلام فيما رواه مسلم من حديث إبراهيم بن سعد:((يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعاً))، وقد ذكرناه عن قريب، وعلى هذا إذا حصل الأمنُ لا يُكره ذلك، قال شيخنا: وهو متعقَّب بحديث الترجمة، قال العَيْنِي: قولُه تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] يخُص هذا، مع ما روي من هؤلاء الصحابة المذكورين آنفاً، وقال شيخنا أيضاً: وقيل لئلا تلتبس صلاةُ الفرض بالنفل، وإلى هذا جنح الطحاويُّ واحتج له، ومقتضاه أنه لو كان خارج المسجد أو في زاويةٍ منه لم يُكره، وهو متعقب أيضاً بما ذُكِر، قال العَيْنِي: دعواه التَعقُّب متعَقبةٌ لأن الأصل في النصوص التعليلُ، وهو وجهُ الحكمةِ، فالعلة في حديث الترجمة هي كونه جامعاً بين الفرض والنفل في مكان واحد، فإذا صلى خارج المسجد أو في زاوية منه لا يلزم ذلك، وهو كنهيه عليه السلام من صلى الجمعة أن يصلي بعدها تطوعاً في مكان واحد، كما نهى من صلى الجمعة أن يتكلم أو يتقدم.

قال شيخنا أيضاً: وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار عدم الفصل بين الفرض والنفل لئلا تلتبسان، وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك، ومقتضاه أنه لو كان في زاوية المسجد لم يكره، وهو متعقب بما ذكرنا، إذ لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل لم يحصل إنكارٌ أصلاً، لأن ابن بُحَيْنة سلَّم من صلاته قطعاً ثم دخل في الفرض، قال العَيْنِي: ذَكَر شيئا لا يجدي لرده ما قاله الطحاوي، فلو نقل ما رواه الطحاوي أيضاً لكان علم أن رده ليس بشيء، وهو أنه رَوى بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بابن بُحَيْنة وهو يصلي بين يدي نداء

(1)

الصبح فقال: ((لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة الظهر واجعلوا بينهما فصلاً))، فما بان بهذا أن الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن بُحَيْنة وصْلُه إياها بالفريضة في مكان واحد دون أن يفصِل بينهما بشيء يسير، يُعلَم بذلك أنه ما اعتبر الفصل اليسير والسلامَ منه، وكان سببَ الكراهة الوصلُ بين الفرض والنفل في مكان واحد، والاعتبارُ بالفصل بالسلام، فمقتضى ذلك أنْ لا يُكره خارجَ المسجد ولا في زاويةٍ منه وهذا هو التحقيق

(1)

في (الأصل) : ((بين نداء)) والصواب ((بين يدي نداء)).

ص: 211

في استنباط

(1)

الأحكام من النصوص، وليس ذلك بالتحسيس من الخارج. انتهى.

قلت: لا شك في قوة شيخنا في استنباط الأحكام من النصوص، ومن تأمل سياق كلامه في هذا الباب وفي الباب الذي قبله علم ذلك، وغالب ما قاله العَيْني رحمه الله متعقِّباً به كلامَ شيخنا فيه نظر، غيرَ أنه أطال وبِرَدِّه يطول الأمرُ لكن نُنَبِّه بشيءٍ يدل على ذلك، قال شيخنا عقب قوله لأن ابن بُحَيْنة سلَّم من صلاتِه قطعاً ثمَّ دخل في الفرض: ويدل على ذلك حديث قيس بن عمر، والذي أخرجه أبو داود وغيره أنه صلى ركعتين الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح متصلاً بها فدل على أن الإنكار على ابن بُحَيْنة إنما كان للتنفيل حالَ صلاةِ الفرض، وهو موافق لعموم حديث الترجمة، وقال ابن عبد البرِّ وغيرُه: الحجة عند التنازع للسنة فمن أولى بها فقد أفلح، وتَركُ التنفل عند إقامة الصلاة ويداركها

(2)

بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة: حيَّ على الصلاة معناه هلموا إلى الصلاة، أي التي تقام لها، فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره.

وقال النووي: الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع عقب شروع الإمام، والمحافظةُ على مكملات الفريضةِ أولى من التشاغل بالنافلة، وهذا يليق بقول من يرى بقضاء النافلة ومن ثَم قال من لا يرى بذلك إذا علم أنه يدرك الركعة الأولى مع الإمام، وقال بعضهم: الأخيرة، لم يكره له التشاغل بالنافلة بشرط الأمن من الالتباس كما تقدَّم، والأولُ عن المالكية والثاني عن الحنفية ولهم في ذلك سلفٌ عن ابن مسعودٍ وغيرِه، وكأنهم لما تعارض عندهم الأمرُ بتحصيل النافلة والنهي عن إيقاعها في تلك الحال جمعوا بين الأمرين بذلك. انتهى.

فانظر -رحمك الله- إلى هذه العبارةِ التي جمع شيخنا فيها جُمَلاً مما قدمناه بأوجز مقالةٍ وألطف إشارةٍ وقال أيضاً واستدل بعموم قوله: ((فلا صلاة إلا المكتوبة)) لمن قال بقطع النافلة إذا أقيمت الفريضةُ، وقد قدمنا أنه قول الظاهرية، قال: وبه قال أبو حامد - أي الغزالي- وغيرُه من الشافعية، وخص آخرون النهيَ بمن ينشئ النافلةَ عملاً بقوله {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33]، وقيل: يُفَرَّقُ بين من يخشى فوْت الفريضة في الجماعة فيقطَعُ وإلا فلا، واستدل بقوله: التي أقيمت، بأن المأموم لا يصلي فرضاً ولا نفلاً خلف من يصلي فرضاً آخر كالظهر مثلاً خلف من يصلي العصر، وإن جازت إعادةُ الفرض خلف من يصلي ذلك الفرض. انتهى.

الوجه الثالث: أن قوله في الترجمة (إِلَّا المَكْتُوبَةَ) أي المفروضة، يشمل الحاضرةَ والفائتة كما تقدَّم، ولكن المراد الحاضرة، وصرح بذلك أحمد والطَّحاوي من طريقٍ أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقد تقدم عن قريب.

قوله:

(1)

كذا في (الأصل) : ((الاستنباط)) والصواب ((استنباط)).

(2)

كذا في (الأصل) : ((يداركها)) ولعلها ((تداركها)).

ص: 211