المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب قول الرجل: فاتتنا الصلاة - مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

[إبراهيم بن علي النعماني]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ)

- ‌(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا)

- ‌(بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ)

- ‌(بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ)

- ‌(بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ)

- ‌(بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ)

- ‌(بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي)

- ‌(بَابُ الصَّلاة خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بَابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ)

- ‌(بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ)

- ‌(بَابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتِهِ عِندَ السُّجود لِكَي يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المرأَةُ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيئًا مِنَ الأَذَى)

- ‌كتابُ مواقيتِ الصَّلاةِ

- ‌(بابُ {مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوْهُ وَأَقِيْمُوا الصَّلاة وَلَا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِينَ}

- ‌(بَابُ البَيْعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابٌ الصَّلاة كَفَّارَةٌ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ الصَّلاة لَوَقْتِهَا)

- ‌(بَابٌ الصَّلوات الخَمْسُ كَفَّارَةٌ

- ‌(بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(بَابُ وقت الظُّهر عِنْدَ الزَّوَالِ)

- ‌(بَابُ تَأْخِيْرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ)

- ‌(بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ: العِشَاءَ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ العِشَاءِ وَالعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا)

- ‌(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا)

- ‌(بَابُ فَضْلِ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ النَّوم قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ

- ‌(بَاب وَقْتِ الفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

- ‌(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

- ‌(بَابُ لَا يُتَحَرَّى الصَّلاة قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ)

- ‌(بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاة إلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالفَجْرِ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ مَنْ صَلَّى بالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى)

- ‌(بَابُ مَا يُكْرَهُ منَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌(بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ والخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ)

- ‌كِتَابُ الأَذَانِ

- ‌(بَابُ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى)

- ‌(بَابُ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)

- ‌(بابُ رَفْعِ الصَّوت بالنِّدَاءِ)

- ‌(بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)

- ‌(بابُ ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المنادِيَ)

- ‌(بابُ الدُّعاءِ عِندَ النّداءِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

- ‌(بَابُ أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ)

- ‌(بَابُ الأَذَانِ بَعدَ الفَجْرِ)

- ‌ بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

- ‌ بَابٌ: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

- ‌ بَابٌ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

- ‌ بَابُ مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

- ‌ بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

- ‌ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

- ‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا

- ‌ بَابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌ بَابُ الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌ بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- ‌ باب احتساب الآثار

- ‌ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة

- ‌ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد

- ‌ باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

- ‌ باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

- ‌(بَابُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ

- ‌(بَابٌ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ)

- ‌(بَابٌ: مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ

- ‌(بَابٌ: أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ)

- ‌(بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ

- ‌(بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

- ‌(بَابُ إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ)

- ‌(بَابٌ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)

- ‌(بابٌ: مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى)

- ‌(بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

- ‌(بَابٌ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

- ‌(بَابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ)

- ‌(بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ)

- ‌(بَابُ إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا)

- ‌(بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ)

- ‌(بَابٌ: الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ)

- ‌(بَابٌ: هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ

- ‌(بَابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ، عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)

- ‌(بَابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

- ‌(بَابٌ: إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

- ‌(بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

- ‌(بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ

- ‌(بابُ مَيمَنَةِ المسجِدِ وَالإِمامِ)

- ‌ باب صلاة الليل

الفصل: ‌ باب قول الرجل: فاتتنا الصلاة

لا يؤذِّنَ إلا وهو طاهر. وقاله علي بن عبد الله بن عباس، ورواه عن أبيه أيضاً مرفوعاً، وعند ابن أبي شيبة: أمر مجاهد مؤذنَه ألَّا يؤذن حتى يتوضأ.

قوله: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ:) أي أم المؤمنين رضي الله عنها، ترجمتها في بدء الوحي.

قوله: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) هذا التعليق وصله مسلم من حديث عبد الله البهي عن عائشة، وقال فيه الترمذي: حسن غريب. وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار

(1)

قول النَّخَعي كما تقدم، وهو قول مالك والكوفيين، لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يُشترط فيه ما يُشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة، كما لا يُستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفاتُ وجَعْلُ الإصبع في الأُذُن.

وبهذا تعرف مناسبة ذِكْرِه لهذه الآثار والترجمة، ولاختلافِ نظر العلماء فيها أوردها بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم.

قال شيخنا وقال العيني: فإن قلتَ: ذكر البخاري هنا عن بلال وابن عمر وإبراهيم وعطاء وعائشة رضي الله عنهم، فما وجه ذلك في هذا الباب وليس في الترجمة ما يشتمل على شيء من ذلك؟ قلتُ: إنه لما ترجم هذا الباب بما ترجم به وذَكَر فيه الاستفهام في موضعين ولم يجزم بشيء فيهما لأجل الاختلاف الذي ذكرناه فيهما، أشار بالخلاف الذي بين بلال وابن عمر إلى أن هذا الذي شاهد بلالاً حين يتبع فاه، رآه بالضرورة أنه جعل إصبعيه في أذنيه، والذي شاهد ابن عمر لم ير منه ذلك، فكان لذكر ذلك في هذا الباب وجهٌ من هذه الحيثية.

ثم أشار بالخلاف الذي بين إبراهيم وعطاء: إلى أن هذا المؤذن الذي يتبع فاه أو غيره يتبعه فاه كيف حاله؟ أهو في الطهارة أم لا؟ وهو أيضاً وجهٌ ما من هذه الحيثية.

فوُجِدت المناسبة في ذِكرِ هذين الشيئين، وأدنى المناسبة كافٍ، لأن المقام إقناعي لا برهاني. وأما وجه ذِكرِ ما رُوي عن عائشة ههنا فهو لبيان عدم صحة إلحاق الأذان بالصلاة، لأن قولها:(عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) مُتناولٌ لحين الحدث. انتهى.

قال شيخنا: وقد تقدم الكلام على حديث عائشة في باب تقضي الحائض المناسك من كتاب الحيض.

634 -

قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) أي الفَريابي، ترجمته في باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) أي الثوري، ترجمته في باب علامات المنافق.

قوله: (عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ) أي بفتح العين المهملة. وجُحَيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة. واسمه وهب بن عبد الله، ترجمته في باب الصلاة في الثوب الأحمر.

قوله: (عَنْ أَبِيهِ) أي أبو جُحيفة. ترجمته في كتابة العلم.

قوله: (أَنَّهُ رَأَى بِلَالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا بِالأَذَانِ) مطابقته للترجمة ظاهرة.

قوله: (هَهُنَا وَهَهُنَا بِالأَذَانِ) قال شيخنا: كذا أُورد مختصراً، ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتمُّ حيث قال:((فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يميناً وشمالاً يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح)). وهذا فيه تقييد الالتفات في الأذان وأن محلَّه عند الحيعلتين، وبوب عليه ابن خزيمة: انحرافُ المؤذن عند قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، بفمه لا ببدنه كله.

قال: وإنما يمكن الانحراف

(1)

في (الأصل) : ((اختيا)) والصواب ((اختيار)).

ص: 172

بالفم بانحراف الوجه. ثم ساقه من طريق وكيع أيضًا بلفظِ ما تقدم. وفي رواية عبد الرزاق

(1)

عن الثوري في هذا الحديث زيادتان: إحداهما: الاستدارة، والأخرى: وضعُ الإصبع في الأذن.

فأما قولُه فيه: ((ويدور)) فهو مدرج في رواية سفيان عن عون، بيَّن ذلك يحيى بن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال:((رأيتُ بلالاً أذَّن فأتبع فاه ههنا وههنا والتفت يميناً وشمالاً)). قال سفيان: كان حجاج - يعني: ابن أرطأة - يذكره لنا عن عون أنه قال: فاستدار في أذانه، فلما لَقِينَا عونًا لم يذكر فيه الاستدارة. وقد ذكرنا اختلاف الروايات فيه في أول الباب.

(20)

‌ بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

أي هذا باب في بيان قول الرجل: فاتتنا الصلاة، يعني: هل يكره أم لا؟

قوله: (وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ) أي بكسر السين المهملة، ترجمته في باب اتباع الجنائز.

قوله: (أَنْ يَقُولَ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ، وَلِيَقُلْ: لَمْ نُدْرِكْ) هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة في «مصنفه» : عن أزهر عن ابن عون، قال: كان محمد - يعني: ابن سيرين - يكره أن يقول: فاتتنا الصلاة، ويقول: لم أدرك مع بني فلان.

قوله: (أَنْ يَقُولَ) أي الرجل.

قوله: (وَلِيَقُلْ) ويروى: <ولكن ليقل>.

قوله: (وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصَحُّ) هو بالرفع، لأنه كلامٌ إضافيٌّ مبتَدَأ.

وقوله: (أَصَحُّ) خبره، وليس المراد منه أفعل التفضيل، لأنه إذا أريد به التفضيل يلزم أن يكون قول ابن سيرين صحيحًا وقولُ النبي صلى الله عليه وسلم أصح منه، وليس كذلك، وإنما المراد بالأصح: الصحيح، لأنه قد يُذكر أفعل ويراد به التوضيح لا التفضيل.

وهذا كلام البخاري رادٌّ على بن سيرين، ووجه الرد أن الشارع أطلق لفظ الفوات فدل على الجواز، وابنُ سيرين مع كونه كرهه فإنما هو من جهة اللفظ لأنه قال:(وَلِيَقُلْ لَمْ يُدْرِكْ) وهذا مُحصِّل معنى الفوات. لكن قوله: (لَمْ يُدْرِكْ) فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف: (فَاتَتْنَا).

قال شيخنا: فلعل ذلك هو الذي لحظه ابن سيرين.

635 -

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) أي الفضل بن دُكين، ترجمته في باب فضل من أستبرأ لدينه في كتاب الإيمان.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) أي بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف بعدها الباء الموحدة، ابن عبد الرحمن النحوي، ترجمته في باب كتابة العلم.

قوله: (عَنْ يَحْيَى) أي ابن أبي كثير، ترجمته في الباب أيضاً.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ) ترجمته في باب النهي عن الاستنجاء باليمين.

قوله: (عَنْ أَبِيهِ) أي أبو قتادة، الحارث بن رِبْعِيٍّ الأنصاري، ترجمته في الباب أيضاً.

في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: أن رواته ما بين كوفي وبصري. وفيه: القول في موضعين.

قال شيخنا: في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير التصريحُ بإخبار عبد الله له به وبإخبار أبي قتادة لعبد الله.

قوله: (بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ الرِجَالِ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ:«مَا شَأْنُكُمْ؟» قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ

(1)

((الرزاق)) ليست في (الأصل).

ص: 172

بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»).

مطابقته للترجمة في قوله: (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا).

قال شيخنا: وموضع هذه الترجمة وما بعدها من أبواب الأذان والإقامة: أنَّ المرءَ عند إجابة المؤذن يُحتمل أن يدرك الصلاة كلَّها أو بعضَها أو لا يدرك شيئًا، فاحتيج إلى جواز إطلاق الفوات وكيفيةِ العمل عند فوات البعض ونحو ذلك. انتهى.

والحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصلاة عن إسحاق بن منصور وعن أبي بكر بن أبي شيبة.

قوله: (بَيْنَمَا) أصله: «بين» ، فزيدت فيه الميم والألف، وربما تزاد الألف فقط، فيقال:«بينا» ، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة، ويضافان إلى جملةٍ من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يَتِمُّ به المعنى، والأفصح أن لا يكون «إذ» و «إذا» في جوابهما. يقول: بينا زيد جالس دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه عمرو، وإذا دخل عليه عمرو.

قوله: (جَلَبَةَ) بجيم ولام وموحدة مفتوحة.

قوله: (الرِجَالِ) بالألف واللام، وهما للعهد الذهني، وقد سُمِّي منهم أبو بكرة فيما رواه الطبراني من رواية يونس عن الحسن عنه في نحو هذه القصة في رواية الأكثرين، وفي رواية كَريمة والأصيلي: <جلبة رجال> بغير ألف بدون الألف واللام، والجَلَبَة، بالفتحات: الأصوات، وذلك الصوت كان بسبب حركتهم وكلامِهم واستعجالهم.

قوله: (مَا شَأْنُكُمْ؟) الشأنُ - بالهمز والتخفيف -: الحال، أي ما حالُكُم حيثُ وقع منكم الجَلَبَة؟

قوله: (لَا تَفْعَلُوا) أي لا تستعجلوا، وذُكِر بلفظ الفعل لا بلفظ الاستعجال مبالغةً في النهي عنه.

قوله: (بِالسَّكِينَةِ) بفتح السين المهملة وكسر الكاف: التأني والهِينة، ويروى: <فعليكم السكينةَ> بدون حرف الجر، وبالنصب نحو: عليك زيدًا، أي الزمه، ويجوز الرفعُ على أنه مبتدأٌ وخبرُه هو قوله:(عَلَيْكُمْ).

قوله: (فَمَا أَدْرَكْتُمْ) أي القدْرُ الذي أدركتموه من الصلاة مع الإمام فصلوا معه، وما فاتكم منها فأتموه.

وفي هذه اللفظة اختلاف، فعند أبي نعيم الأصبهاني:((وما فاتكم فاقضوا))، وكذا ذكرها الإسماعيلي من حديث شيبان عن يحيى، وفي رواية أبي داود من حديث أبي هريرة:((فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا))، وكذا هو في أكثر روايات مسلم.

وفي رواية: ((فاقضِ ما سبقك))، وفي روايةٍ لأبي داود:((فاقضوا ما سبقكم)) وعند أحمد من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سعيد عنه: ((وما فاتكم فاقضوا))، وفي «المحلَّى» من حديث ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أنه قال:((إذا كان أحدُكُم مقبِلًا إلى الصلاة فليمش على رِسْلِه، فإنه في صلاة، فما أدرك فليصل، وما فاته فليقضِ بعدُ)). قال عطاء: وإني لأصنُعه.

وفي «مسند أبي قرة» عن ابن جريج عن الزهري عن أبي سلمة عنه بلفظ: ((فاقضوا)). قال: وذكر سفيان عن سعد بن إبراهيم حدثني عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عنه، بلفظ:((وليقض ما سبقه)).

قال العيني: اختلف العلماء في الإتمام والقضاء المذكورين: هل هما بمعنًى واحد أو بمعنيين؟ وترتب على ذلك خلافٌ فيما يدركُه الداخل مع الإمام: هل هو أولُ صلاته أو آخرُها؟ على أربعة أقوال:

أحدُها: أنه أولُ صلاتِه، وأنَّهُ يكون بانِيًا عليه في الأفعال والأقوال، وهو قول الشافعي وإسحاق والأوزاعي، وهو مروي عن علي

ص: 173

وابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول، وروايةٌ عن مالك وأحمد. واستدلوا بقوله:(وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)، لأن لفظ الإتمامِ واقعٌ على باقٍ من شيءٍ قد تقدم سائرُه، وروى البيهقي من حديث عبد الوهاب بن عطاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه: ما أدركتَ فهو أول صلاتك. وعن ابن عمر بسند جيدٍ مثلُه.

الثاني: أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيَبني عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها، وهو قول مالك. وقال ابن بطال عنه: ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من القراءة بأم القرآن وسورة، وقال سُحنون: هذا الذي لم يُعرف خلافُه، دليلُه ما رواه البيهقي من حديث قتادة: أن علي بن أبي طالب قال: ما أدركتَ مع الإمام فهو أولُ صلاتِك، واقض ما سبقك به من القرآن.

الثالث: أنَّ ما أدرك فهو أولُ صلاتِه إلا أنه يقرأ فيها بالحمد وسورةٍ مع الإمام، وإذا قام للقضاء قضى بالحمدِ وحدَها، لأنه آخرُ صلاتِه، وهو قول المزني وإسحاق وأهل الظاهر.

الرابع: أنَّهُ آخِرُ صلاتِه وأنه يكون قاضيًا في الأفعال والأقوال، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في رواية، وسفيان ومجاهد وابن سيرين. وقال ابن الجوزي: الأشبهُ بمذهبنا ومذهبِ أبي حنيفة أنه آخرُ صلاتِه، وقال ابن بطال: رُوي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وإبراهيم النخَعي والشعبي وأبي قلابة، ورواه ابنُ القاسم عن مالك، وهو قول أشهب وابن الماجِشون، واختاره ابنُ حبيب، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:((وما فاتكم فاقضوا)). ورواه ابنُ أبي شيبة بسندٍ صحيح عن أبي ذر، وابنُ حزم بسندٍ مثلِه عن أبي هريرة، والبيهقيُّ بسندٍ لا بأس به على رأي جماعةٍ عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه.

قال العيني أيضًا: والجواب عمَّا قال الشافعي ومن تبعه وهو قولُه: (فَأَتِمُّوا) أنَّ صلاةَ المأموم مرتبطةٌ بصلاة الإمام، فحُمِل قولُه:(فَأَتِمُّوا) على أنه من قضى ما فاته فقد أتمَّ، لأن الصلاة تنقُصُ بما فات، فقضاؤه إتمامٌ لما نقص.

فإن قلتَ: قال النووي: وحجة الجمهور أن أكثر الروايات: (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)، وأجيب عن رواية:((واقض ما سبقك)) أن المراد بالقضاءِ الفعلُ لا القضاءُ المصطلح عليه عند الفقهاء، وقد كثُرَ استعمال القضاء بمعنى الفعل، فمنه قوله تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12]. وقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200]. وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10]. ويقال: قضيتُ حقَّ فلان، ومعنى الجميعِ: الفعلُ.

قال أيضًا: أما الجواب عن قوله: (فَأَتِمُّوا) فقد ذكرناه آنفا، وأما قوله: المراد بالقضاءِ الفعلُ، فمشترك الدلالة، لأن الفعل يُطلق على الأداء والقضاء جميعًا، ومعنى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] : قدَّرَهُنَّ، ومعنى {قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] : فرغتُم عنها، وكذا معنى {فَإِذَا قُضِيَتِ} [الجمعة: 10]. ومعنى: قضيتُ حقَّ فلان، أنهيتُ إليه حقه، ولو سلمنا أنَّ القضاء بمعنى الأداء فيكون مجازًا، والحقيقةُ أولى من المجاز، ولا سيما على أصلهم أن المجازَ ضروري لا يُصار إليه إلا عند الضرورة والتعذر.

فإن قلتَ: حكى البيهقي

ص: 173

عن مسلم أنه قال: لا أعلم هذه اللفظة - يعني: ((فاقضوا)) - عن الزهري إلا ابن عيينة، وأخطأ. قال أيضًا: تابعه ابن أبي ذئب فرواها عن الزهري كذلك، وكذا وقع في رواية لمسلم وأبي داود كما ذكرنا عن قريب. انتهى.

قلتُ: الجمهور على قول الشافعي، والروايات التي فيها لفظُ (فَأَتِمُّوا) أكثر كما قدَّمناه فكان العمل بها أولى، وما أجاب به العيني عن مذهبه ستعرفُ ما يرُدُّه من الكلامِ على الحديث في الباب الآتي إن شاء الله تعالى.

وقال الكِرماني: (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)، دليلٌ للشافعية حيث قالوا: ما أدركه المسبوقُ مع الإمام فهو أولها

(1)

، لأن الإتمام لا يكون إلا للآخِر، لأنه يقع على باقي شيءٍ تقدم أولُه، وعَكَس أبو حنيفة فقال: ما أدرَكَ مع الإمام فهو آخرُها. انتهى.

قال العيني: عكس هو حيث غفل عن رواية: ((فاقضوا))، وما قال فيه العلماء وقد ذكرناه، ولو تأدَّبَ لأحسن في عبارته، وليس أبو حنيفة فيما قاله وحده. انتهى.

وفي الحديث: الحث في الإتيان إلى الصلاة بالسكينة والوقار، وسواء فيه سائرُ الصلوات، سواءٌ خاف فوْت تكبيرة الإحرام أم لا.

وفيه: جواز قول الرجل: فاتتنا الصلاة، وأنه لا كراهة فيه عند جمهور العلماء، وقد مر الكلام فيه.

(21) بَابُ لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ، وَلْيَأْتِها بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ

أي هذا باب يذكر فيه: لا يسعى الرجل إلى الصلاة

إلى آخره، وسقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلي ومن رواية أبي ذر عن غير السرخسي.

قال شيخنا: وثبوتها أصوب لقوله فيها: (قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ) لأن الضمير يعود على ما ذُكِر في الترجمة، ولولا ذلك لعاد الضمير إلى المتن السابق فيكون ذكرُ أبي قتادة تكرارًا بلا فائدة، لأنه ساقه عنه.

قال العيني: وفي بعض نسخ الشُّرَّاح: <باب ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا، قاله أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم>، والأوجه ما مشينا عليه.

قوله: (وَقَالَ: «مَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا») أي قال النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الضمير المنصوب في: (قَالَهُ) يرجع إلى المذكور في الترجمة، وهو قوله:(مَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) والمعنى: قاله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي رواه البخاري في الباب السابق.

636 -

قوله: (حَدَّثَنَا آدَمُ) أي ابن أبي إياس، ترجمته في باب أمور الإيمان.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) أي محمد بن عبد الرحمن، ترجمته في باب حفظ العلم.

قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ) أي محمد بن مسلم، ترجمته في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة.

قوله: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ) ترجمته في باب من قال الإيمان هو العمل.

قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أي عبد الرحمن بن صخر، ترجمته في باب أمور الإيمان.

قوله: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قوله: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه.

في هذا الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في سبعة مواضع.

وفيه: أن الزهري حدَّثَ به عن شيخين حدثاه به عن أبي هريرة، وقد جمعهما المصنف في

(1)

في (الأصل) : ((آخرها)) والصواب ((أولها)).

ص: 174

باب المشي إلى الجمعة عن آدم، فقال فيه: عن سعيد وأبي سلمة، كلاهما عن أبي هريرة، وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عنهما.

وذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الزهري، وجزم بأنه عندَه عنهما جميعًا، قال: وكان ربما اقتصر على أحدهما، وأما الترمذي فإنه أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن ابن أبي سلمة وحده، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وحده. قال: وقول عبد الرزاق أصح. وأخرجه من طريق ابن عُيينة عن الزهري قال عبد الرزاق، وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أنَّ الزهري حدَّث به عنهما.

وقد أخرجه المصنف في باب المشي إلى الجمعة من طريق شعيب، ومسلم من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة وحده، ورَجَحَ ما قاله الدارقطني.

وفيه: أن رواته كلهم مدنيون ما خلا شيخ البخاري فإنه عسقلاني.

قوله: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»)

مطابقته للترجمة ظاهرة.

قوله: (إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ) قال شيخنا: هو أخصُّ من قوله في حديث أبي قتادة: ((إذا أتيتم الصلاة)) لكنَّ الظاهر أنه من مفهوم الموافقة، لأن الْمُسرِع إذا أقيمت الصلاة يترجَّى إدراكَ فضيلةِ التكبيرة الأولى ونحو ذلك، ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع فغيُره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع، لأنه يتحقق إدراكُ الصلاة كلِّها فيُنهى عن الإسراع من باب أولى.

وقد لحظ فيه بعضُهم معنًى غيَر هذا فقال: الحكمةُ في التقييد بالإقامة أن المُسرع إذا أقيمت الصلاة يصلُ إليها وانبهر، فيقرأ وهو في تلك الحالة فلا يُحصِّل تمامَ الخشوع في الترتيل وغيره، بخلاف من جاء قبل ذلك فإنَّ الصلاة لا تُقام حتى يستريح. انتهى.

وقضيةُ هذا أنه لا يُكره الإسراعُ لمن جاء قبل الإقامة، وهو مخالفٌ لصريح قوله:((إذا أتيتم الصلاة)) لأنه يتناول ما قبل الإقامة، وإنما قُيِّدَ

(1)

في الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحاصلُ في الغالب على الإسراع.

قوله: (وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ) كذا في رواية أبي ذر، ولغيره: <وعليكم السكينةَ> بالنصب بلا باء، وكذا في رواية مسلم من طريق يونس، وضبَطَها القرطبيُّ الشارحُ بالنصب على الإغراء، وضبطها النووي بالرفع على أنها جملةٌ في موضع الحال.

واستشكَل بعضُهم دخولَ الباء، قال: لأنه مُتَعَدٍّ بنفسِه كقوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105]، ورُدَّ بأنَّها زائدةٌ للتأكيد. قال شيخنا: وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث: ((عليكم برخصة الله))، وحديث:((فعليه بالصوم فإنه له وِجاء))، وحديث:((عليك بالمرأة)) قاله لأبي طلحة في قصة صفية، وحديث: عليكَ بعَيْبَتِكَ قالته عائشة لعمر، وحديث: ((عليكم بقيام

(1)

في (الأصل) : ((قيل)) والصواب ((قيد)).

ص: 174

الليل))، وحديث:((عليك بخُوَيْصَةِ نفسِك))، وغيرِ ذلك. ثم إن الذي علله به هذا المعترِضُ غيرُ مُوفٍ بمقصودِه إذْ لا يَلزمُ من كونه يتعدى بنفسِه امتناعُ تعديته بالباء. إذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لُغتين. والله أعلم.

قال العيني: هذا القائل لم يَشَمَّ شيئًا من علم التصريف، ونفيُ الملازمةِ غيرُ صحيح. انتهى.

قلتُ: يقال للعيني رحمه الله ما قاله عن قريبٍ في حق الكِرماني: لو تأدَّبَ لأحسن في عبارته، وكلامُ شيخنا صحيح، لأن المتعدِّي بنفسه لا يمتنع تعديته مع الباء. انتهى.

فائدة: الحكمةُ في هذا الأمر تستفاد من زيادةٍ وقعت في مسلم من طريق علاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكر نحوَ حديثِ البابِ وقال في آخره: ((فإنَّ أحدَكُم إذا كان يعمَد إلى الصلاة فهو في صلاة)) أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتمادُ ما ينبغي للمصلي اعتمادُه واجتنابُ ما ينبغي للمصلي اجتنابُه.

قوله: (وَالوَقَارِ) قال عياض والقرطبي: هو بمعنى السكينةِ، وذُكِر على سبيل التأكيد. وقال النووي: السكينة: التأني في الحركات واجتنابُ العبث والوقارُ في الهيئة، كغضِّ البصر وخفضِ الصوت وعدم الالتفات.

قوله: (وَلَا تُسْرِعُوا) فيه زيادةُ تأكيد، ولا منافاة بينه وبين قوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، وإن كان معناه يُشعر بالإسراع، لأن المراد بالسعي الذهابُ، يُقال: سعيتُ إلى كذا أي ذهبتُ إليه، والسعي أيضًا جاء بمعنى العملِ وبمعنى القصد.

ويستفاد من قوله: (وَلَا تُسْرِعُوا

(1)

) الذي هو لزيادة التأكيد الردُّ على من أوَّلَ قولَه في حديث أبي قتادة: ((لا تفعلوا)) أي الاستعجالُ المفضي إلى عدم الوقار، وأما الإسراعُ الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة فلا، وهذا محكيٌّ عن إسحاق بن راهويه، وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها:((فهو في صلاة)) قال النووي: نبَّهَ بذلك على أنه لو لم يدرك من الصلاة شيئًا لكان محصِّلًا لمقصوده لكونه في صلاة، وعدمُ الإسراعِ أيضًا يستلزم كثرة الخُطا، وهو معنًى مقصوٌد لذاته وَرَدت فيه أحاديث كحديث جابر عندَ مسلم أَنَّ بكل خطوة درجة.

ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعًا: ((إذا توضأ أحدُكُم فأحسن الوُضوء ثم خرج إلى المسجد لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنةً، ولم يضع قدمه اليُسرى إلا حَطَّ الله عنه سيئة، فإنْ أتَى المسجدَ فصلَّى في جماعة غُفِر له، فإن أتى وقد صَلَّوْا بعضًا وبقي بعضٌ فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، وإن أتى المسجدَ وقد صلَّوْا فأتَمَّ الصلاة كان كذلك)).

قوله: (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا) قال الكِرماني: الفاءُ جوابُ شرطٍ محذوفٌ، أي إذا بينتُ لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا. قال شيخنا: أو التقدير: إذا فعلتم فما أدركتم أي فعلتم الذي أمرتُكم به من السكينة وتَرْكِ الإسراع.

قوله: (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) أي أكملوا، قال شيخنا: هذا هو الصحيح في رواية الزهري، ورواه عنه ابنُ عيينة بلفظ:((فاقضوا))، وحَكَم مسلم في «التمييز» عليه بالوهم في هذه اللفظة،

(1)

في (الأصل) : ((ولا تسعوا)) والصواب ((ولا تسرعوا)).

ص: 175

مع أنه أخرج إسناده في «صحيحه» لكن لم يسق لفظَه، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة فقال:((فاقضوا))، وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ:((فأتموا))، واختُلف أيضًا في حديث أبي قتادة، فروايةُ الجمهور، ((فأتموا))، ووقع لمعاوية بن هشام عن شيبان:((فاقضوا))، كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه.

وأخرج مسلم إسناده في «صحيحه» عن ابن أبي شيبة فلم يسُقْ لفظهُ أيضًا، وروى أبو داود مثلَه عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة، واختُلِف في حديث أبي ذر، قال: وكذا قال ابنُ سيرين عن أبي هريرة: ((وليقض)). ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ: ((صلِّ ما أدركت واقضِ ما سَبَقَك))

والحاصل أن أكثر الروايات وَرَدَ بلفظ: ((فأتموا))، وأقلَّها بلفظ:((فاقضوا))، وإنما تظهر فائدةُ ذلك إن جعلنا بين الإتمام والقضاء مغايرة لكن إذا كان مَخرجُ الحديث واحدًا واختُلِف في لفظةٍ منه وأمكن رَدُّ الاختلاف إلى معنًى واحدٍ كان أوْلى، وهنا كذلك، لأنَّ القضاء وإن كان يُطلَق على الفائت غالبًا لكن يُطلق على الأداء أيضًا. ويَرِدُ بمعنى الفراغ، كقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10]، ويَرِدُ بمعان أُخَر، فيُحمَل قولُه هنا:((فاقضوا)) على معنى الأداء أو الفراغ فلا يُغايِرُ قولَه: ((فأتموا)).

فلا حجة فيه لمن تمسك برواية: ((فاقضوا)) على أنَّ ما أدرك المأمومُ هو آخرُ صلاته حتى استُحِبَّ له الجهرُ في الركعتين الأخيرتين وقراءةُ السورة وتركُ القنوت، بل هو أوَّلُها وإن كان آخرَ صلاة إمامِه، لأن الآخِر لا يكون إلا عن شيءٍ تقدَّمَهُ، وأوضحُ دليلٍ على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهَّدَ في آخر صلاتِه على كل حال، فلو كان ما يدرِكُ مع الإمام آخِرًا له لَمَا احتاجَ إلى إعادة التشهد.

وقولُ ابنِ بطال إنه ما تشهد إلا لأجْلِ السلام لأنه يحتاج إلى سبْقِ التَشَهُّد. ليس بالجواب الناهضِ على دفع الإيراد المذكور، واستَدَلَّ ابنُ المنذر لذلك أيضًا أنهم أجمعوا على تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى، وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهورُ، فإنهم قالوا: إنَّ ما أدركه المأمومُ هو أولُ صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السور مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يَستَحِبُّوا له إعادة الجهرِ في الركعتين الباقيتين، وكأن الحجة فيه قول علي: ما أدركتَ مع الإمام فهو أوَّلُ صلاتك، واقض ما سبقك به من القرآن. أخرجه البيهقي.

عن إسحاق والمزني: لا يقرأ إلا أمَّ القرآن فقط، وهو القياس، واستُدِلَّ بحديث الباب على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزءٍ من الصلاة لقوله:((فما أدركتم فصلُّوا))، ولم يفصِّل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور، وقيل: لا تُدرَك الجماعةُ بأقل من ركعةٍ للحديث السابق: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك))، وقياسًا على الجمعة، وقد قدَّمنا الجوابَ عنه في موضعه، وأنه وَرَدَ في الأوقات، وأنَّ في الجمعة حديثًا خاصًّا بها.

واستُدِلَّ به أيضًا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وُجِدَ عليها. وفيه حديثٌ أصرحُ منه أخرجه ابنُ أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعًا: ((من وجدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكن

ص: 175