الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام المرسلين، وخاتم النبيين، المرسل رحمة للعالمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الكرام الميامين، وعلى أهل العلم العاملين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فإن بين أيدينا المجلد الخامس من كتاب" مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" للعلامة المؤرخ الأديب، المدقق النحرير شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العمري (700- 749 هـ) ، أحد مجلدات موسوعته العلمية التاريخية الحضارية التي بلغت سبعا وعشرين مجلدة، إنها معلمة حضارية تاريخية شاملة. ضم هذا السفر القسم الثاني من الكتاب في سكان الأرض من طوائف الأمم، وهو أنواع:
النوع الأول: في الإنصاف بين المشرق والمغرب. وفيه فصلان:
الفصل الأول وهو الخطابي
الفصل الثاني في الإنصاف بين المشرق والمغرب على حكم التحقيق
في ظلال النوع الأول الذي وسمه" في الانصاف بين المشرق والمغرب" نلاحظ ابن فضل الله العمري في هذا العرض والموازنة الظاهرة بين المشرق والمغرب، يعرض لليونان والرومان والهنود والفرس قبل الإسلام، ثم يعرض لأكابر العلماء والحكماء في الإسلام في المشرق والمغرب، وأظنه قصد إبراز التواصل الحضاري
بين اللاحق والسابق، وبيان حضارة الإسلام والمسلمين في مشارق الدنيا ومغاربها في مختلف مناحي الحياة وميادينها، وحرص المسلمين على البحث والعلم وتطبيقه ونشره، والإبداع فيه، والزيادة عليه وحفظه ونقله إلى الآفاق لخير الإنسانية، وإذا عرّج على ذكر الخلافة والممالك والسلطنات، إنما أراد أن يبرز حسن سياسة المسؤولين، وحسن إدارتهم وصيانة رعاياهم، ودفع أعدائه، وقطع أطماع المتربصين بهم..... وحملته الأمانة التاريخية أن يبين في كل جانب من الجوانب التي عرضها ما له وما عليه، ليفيد الخلف من تجارب السلف، مهما يكن الأمر نحن أمام موسوعة علمية شاملة، تناولت معظم جوانب الحياة العلمية، والاجتماعية والمعاشية والسياسية، والأرض وما فيها من إنسان وحيوان ونبات، وما في باطنها من جواهر ومعادن، وبعض الصنائع في مشرق الدولة الإسلامية ومغربها في نحو سبعة قرون، وقد أوغلت أحيانا في أعماق تاريخ ما قبل الإسلام.
وأما الفصل الأول الخطابي فقد ذكر في مطلعه أنه كان لا يرغب أن يفتح في هذا الفصل مغلق بابه، حتى لا يوغر عليه صدورا، ولأن فضل المشرق- في نظره- ظاهر كوضوح الشمس في رائعة النهار، ولكنه لما رأى تطاول بعض أهل المغرب وتفاخره بالمغرب- مع قصر باعه- على المشرق، رأى المؤلف أن يفتح هذا الباب، مع إقراره أن لكل من المشرق والمغرب فضله، ولا يخلو كل منهما من مدح وذم، فشرع ببيان فضل المشرق من حيث تقديم ذكر المشارق في القرآن الكريم على المغارب، وسعة سلطان المشرق، واتساع مساحة بره وزيادتها على المغرب، لدخول البحر المحيط فيه، فقلت مدنه وعمارته بالنسبة إلى المشرق التي اتصلت فيها العمارة فجاء كله مدنا آهلة وقرى عامرة، وقد أقر بهذا ابن سعيد المغربي (- 673 هـ) في كتابه الجغرافية، ثم انتقل من الأرض إلى ساكنيها،
وأنكر أن تسوى بلاد جنوبها الهند، وهم من أهل العلم والحكمة.... وحسن الصور وما فيها من عقاقير وأغذية وتوابل وجواهر- ببلاد جنوبها حثالة السودان.... وهم أقل للمعارف تأويلا
…
وعتب ابن العمري على ابن سعيد المغربي في قوله" فوجب التسليم من المغاربة للمشارقة، لأنه يجب للمشارقة على المغاربة التسليم في كل شيء شاؤوا أو أبوا، اللهم إلا في القليل النادر الذي لا حكم له (ثم بدأ يبين فضل المشرق بأنه مظاهر الأنبياء ومباعث الرسل، وفيه قبورهم ومهابط الوحي والتنزيل عليهم، وفيه معارج الملائكة، وفيه أنزلت كتب الله تعالى، ومنه انتشرت شرائعه، وعلت رايات الدين، ومنه نشرت الفرق والملل، ومن الشرق انبثت التصانيف شرقا وغربا، وفي الشرق جزيرة العرب بسلطانها ولسانها، فينابيع الشعر تفجرت منها، وعن العرب طارت شهرته، فهم نبع البيان وسحره، واستشهد بما ذكره عماد الدين الكاتب الأديب (519- 597) من فضل المشرق على المغرب في هذا الباب
…
ثم أضاف ابن العمري أنه لم تقع الجهات الشريفة كالحرمين ومكة والمدينة وبيت المقدس «1» التي لا تشد الرحال إلا إليها، إلا في المشرق، وعرّج على ذكر الحواريين ثم الصحابة رضي الله عنهم، والصناديد الأبطال الذين لم يسمع عنهم إلا في المشرق، وبخاصة في جزيرة العرب وما والاها من الجانب الشرقي، ومشاهد الكرام والعظماء، الذين طارت شهرتهم في المشرق، ومن العظماء ممن لا يعدون كثرة من أكاسرة وقياصرة وملوك اليمن والترك والعرب والعجم كلهم من المشرق، ثم تساءل هل في المغرب مثل عنترة العبسي وذكر عددا من مشاهير الجاهلية والإسلام كالزبير بن العوام والمقداد بن الأسود، والأشتر النخعي
…
وغيرهم من
رجالات الفرس
…
ثم عرض للأئمة الأعلام مثل أبي حنيفة والإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة التابعين وأتباعهم، وأئمة الحفاظ من المحدثين والتفاوت بين المشارقة والمغاربة في هذا الميدان
…
ثم تساءل هل في الغرب من السادات الأولياء كما في الشرق كعبد الله بن المبارك، وعتبة بن إبان البصري، والجنيد وغيرهم
…
وانتقل بعد ذلك إلى ذكر بعض المصنفات كرسالة القشيري، وحلية الأولياء وتاريخ السلمي، وعوارف المعارف للسهروردي، التي ظهرت في المشرق، وتساءل هل تجد للغرب مثل ذلك. وتساءل أي القطرين- الشرق والغرب- أقدم إسلاما وأكثر كراما، وأيهما بادر إلى حمل راية الفصاحة، وتلقين آية السماحة؟ ولم يصل إلى الغرب من السؤدد إلا ما فضل عن الشرق، ولم يتجل شيء من هذا قبل المائة الرابعة.
ثم عرج على فلاسفة المشرق وحكمائه وعلمائه من اليونان والهند، ثم من كان في الإسلام كابن المقفع والفزاري الفلكي والخوارزمي الرياضي الفلكي، والرازي الطبيب
…
والفارابي فيلسوف المسلمين وابن سينا
…
ثم عرج على أصحاب الموسيقا وإجادة الغناء، وذكر أن المنصف يدرك أن قصبات السبق لرجال الشرق في هذا الميدان، وساق ثلاثة وعشرين من مشاهير هذا الفن من رجال ونساء
…
" ممن يصغي الصم لسماعه، وتغني الطير على إيقاعه"، وذكر ثناء أديب الأندلس بل الغرب ابن بسام (- 542 هـ) على أدب أهل الأندلس في مقدمة كتابه (الذخيرة) إذ قال: (الذين صبوا على قوالب النجوم غرائب المنثور والمنظوم، بعجائب الأشعار والرسائل
…
إلا أن أهل هذا الأفق أبوا إلا متابعة أهل المشرق، يرجعون إلى أخبارهم المعتادة
…
) .
وكفى- عند ابن العمري- قضاء هذا الأديب الفريد على أهل الأندلس،
وهم صفوة أهل المغرب بولوعهم بما لأهل المشرق
…
".
ويعجب ابن فضل الله العمري ما حكي عن الصاحب بن عباد الوزير الأديب (326- 385 هـ) حين اطلع على كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (246- 327 هـ) إذ قال: (هذه بضاعتنا ردت إلينا، ظننا أن هذا الكتاب يشمل على شيء من أخبار بلادهم، فإذا هو لا يشمل إلا أخبار بلادنا لا حاجة لنا فيه، وردّه) .
ثم أخذ بعرض أصحاب الصنائع العملية، وأشرفها رسم الكتابة، وذكر خمسة من أعلام الخطاطين في الشرق، وغالب ظنه أن المغاربة لا يتطاولون إلى مفاخرة أهل الشرق فيها.
ثم عرض لأصحاب الصنائع والمهن، وأجلها الفلاحة، وصناعة السيوف والرماح والأقواس العربية والدروع، والديباج، والأطلس والصوف، والوشي العراقي، وغضار الصين، وفخار قاشان وزجاج الشام في حين لا يسمع للمغرب في هذا حسّا، إلا ما كان من قباطي مصر، وأخيرا من قماش نيس ثم الإسكندرية، هذا لو سلم أن مصر من الغرب!!
ثم عرض للملك فأشاد برسو قواعد الخلافة في المشرق منذ الخلافة الراشدة إلى الخلافة العباسية، ورد دعوى من يرى بعض حلل الخلافة في المغرب، بأنه لم يذكر إلا الخلافة المجمع عليها، واستشهد بقول ابن سعيد المغربي:" إن الاصطلاح أن لا تطلق هذه السمة- أي السلطنة والملك- إلا على من يكون في ولايته ملوك، فيكون ملك الملوك مثل الشام أو مثل أفريقية، أو مثل الأندلس، ويكون عسكره عشرة آلاف فارس أو نحوها، فإن زاد بلادا أو عددا في الجيش كان أعظم في السلطنة.... فإن خطب له في مثل مصر والشام والجزيرة
…
كانت
سمته سلطان السلاطين
…
والفضل في هذا للمشرق.
ومع هذا فإن ابن فضل الله العمري يرى أن ابن سعيد المغربي لم يوف الشرق حقه، وأن الفارق بين سلطنة المشرق، وسلطنة المغرب ما بين الأرض والسماء والدر والحصباء، وإن كان لا يغمط ابن العمري للغرب حقه، فنقل عن الثقات من أهل كل قطر ما هو عليه..
وعرض لخلافة بني العباس في المشرق وللسلطنة الغزنوية وأصناف عساكرها، وملوك جرجان وطبرستان والهند والسند والترك
…
ومظاهر الملك فيها من فرش وتيجان مرصعة بالجواهر واليواقيت
…
وإلى أسمطة الطعام والشراب وأوانيها بما يقصر الوصف عنها، وعرض لبعض سلاطين وأمراء السلاجقة الشجعان الذين اتسع سلطانهم وملكهم كالسلطان ملكشاه بن ألب أرسلان وذكر حسن تدبير وزيره، وعلاء الدين ملك خوارزم وسعة سلطانه وولده السلطان جلال الدين محمد، إذ كان جيش كل واحد منهم ستمائة ألف فارس
…
وبوفاتهما طمى سيل التتار على الآفاق الإسلامية..
ورأى انه لا يقاس أهل الغرب بأهل الشرق، وذكر بعض طرائف لأهل المغرب وعرّج بعد ذلك إلى الكلام في الحيوان والنبات والمعادن في المشرق بما لا يماثله في الغرب، فعرض لأنواع الخيول في المشرق والبراذين والبغال والجمال والأغنام وغير ذلك من الحيوانات التي يستفاد من جلودها كالنمور والسنجاب والغزال وغيرها ثم عرض لمعادن المشرق من ذهب وبيّن مواضعه كما ذكر مواضع الذهب والفضة في المغرب.
وعرض لأنواع الجواهر في المشرق، ومنابت العود والصندل والكافور والراوند والقرنفل والفلفل وأنواع الطيب والعقاقير النافعة وأنه ليس في الغرب ما يضاهي
هذه المحاسن
…
ثم ذكر جواهر الغرب ومعادنه وبين مواطنها وأن الزمرد الذي بجهة مصر أفضل- حرصا منه على العدل والإنصاف بين المشرق والمغرب، ومع ثبوت المحاسن للشرق فما يسلب ابن فضل الله العمري من المغرب حلله، ولا ينقصه حقه ولا يدعي ما ليس له
…
فذكر في أيامه في المغرب ملكا صب على الكفار، يدرأ في نحورهم ويجاهد في سبيل الله من جاوره منهم برا وبحرا، والغرب هو أحد جناحي الأرض وبه من كرائم الخيل والمعادن، ويقذف بحره الحيتان
…
وفيه من العقاقير النافعة، وفيه الكتان المعدوم المثيل إن صح أن مصر في القسم الغربي.. وذكر أنه سيورد في كل موضع ما يليق به، ويذكر في خصائص كل أرض ما بها، ولا ينكر أن بالغرب سادة أجلاء وأئمة فضلاء من ذوي العلم والحكمة.. ومنهم الصلحاء الأفراد، وفيهم بقايا المسكة في الدين والتشدد في الحق، وأثنى على الأندلس زمان بني أمية، وملوك الطوائف بعدهم.. لكن الدهر شتت جمعهم (وطمس آثارهم، وبدّلهم بعبّاد الصليب والكنائس بالمساجد والمذابح بالمحاريب، والله يؤيد من يقوم لاسترجاع هذه الضالة، وانتزاع هذه الأخيذة، إنه على ما يشاء قدير..) . وفي الغرب (من شجعان الرجال ممن لا يقص بهم للغرب جناح، ولا يقصر طماح، وإن لم يكن كالشرق في اليسار، ولا هو من الطائر قادمته اليمين، فهو قادمته اليسار) بهذه العبارة ختم الفصل الأول من هذا النوع.
وأما الفصل الثاني: الإنصاف بين المشرق والمغرب على حكم التحقيق، فقد فصل القول فيما أجمله في الفصل الأول، وافتتحه ببيان حدود المشرق والمغرب، معتمدا على ما ذكره ابن سعيد المغربي في كتابه الجغرافية، ورأى أن ابن سعيد قد تعصب غاية التعصب للغرب، في كتابه (المغرب في حلى المغرب) ، واستعان ابن فضل الله العمري بما ذكره ابن سعيد في كتابه (المشرق في حلى
المشرق) ، وانطلق في بيان وجه التناظر والموازنة بين المشرق والمغرب في البقاع الجغرافية، ورأى أن المناظرة بينهما تحتمل كتابا، صنفه في بلاد الشام حين رأى من شدة اتحاد المشارقة على المغاربة، سماه (الشهب الثاقبة في الإنصاف بين المشارقة والمغاربة)، واستشهد بقول البيهقي في المشرق وفضله:(وكل شيء يفخر به فإن المشرق فيه للمغرب رأس) ، وذكر ما قاله ابن سعيد في المشرق والمغرب من فضائل ومظاهر اجتماعية وحضارية، ومآكل ومشارب ومراكب ومجالس، وغير ذلك من عادات وتقاليد مغربية ومشرقية، متفاوتة ومتباينة، وقد استشهد ابن سعيد بقول بعض شعراء المغرب للمشارقة:
نراح لفضل أن يكون لديكم
…
فما لكم تأبون إن كان عندنا
وإن كنتم في العد أكثر مفخرا
…
فلا تظلمونا في القليل الذي لنا
وبعد هذا انبرى ابن فضل الله العمري ينقض أكثر ما ذكره ابن سعيد، موازنا بين المشرق والمغرب في الملبس والمركب، والخدم والمأكل والمشرب، وفي الطهاة وأنواع المآكل والطيب وأمر الرفاهية، وتوظيف الوظائف، وترتيب طبقات الخدم.. الذي لم يخرج إلا من المشرق، ورد على ابن سعيد في اتهام المشارقة بخلف الوعد، ونبذ الحقوق بما فعله ابن تاشفين (- 500 هـ) ملك المغرب مع المعتمد بن عباد (431- 488 هـ) الذي كانت له يد عليه، وما آلت إليه حاله ممثلة بشعره، إذ يقول:
تبدلت من ظل عز البنود
…
بذل الحديد وثقل القيود
وكان حديدي سنانا ذليقا
…
وعضبا رقيقا صقيل الحديد
وقد صار ذاك وذا أدهما
…
يعض بساقي عض الأسود
ووجه العمري أكثر ما استشهد به ابن سعيد لصالح المغرب ليصبح إقرارا منه
في فضل المشرق، فقال:(وكلام ابن سعيد كله لمن تأمله إثبات لفضل المشرق وأهله على الغرب وأهله الذي لا يمترى فيه) ، ثم انتقل إلى الحديث عن جود مناخ المشرق ورطوبة هواء المدن المغربية.... وطوّف في الحيوان والنبات والمعادن في كل منهما، وعرض لألوان وهيئات أهل المشرق والمغرب، مشيدا بالمشارقة
…
ثم أشاد بحسن ديباجة الألفاظ لدى المغاربة، وحسن إحكام قواعد المعاني لدى المشارقة وذكر سبعة من أعلام شعراء المشرق، وأثنى على لطائف أهل المغرب، بأنها أعلق بالقلوب، وأدخل على النفوس في كل أسلوب.
وعرض لتفوق المشرق في العلوم العقلية والرياضيات والإلهيات
…
ثم طرق باب الموازنة بين المتنزهات في المشرق وما يناظرها في المغرب، ففصل القول في مواقعها وهضابها وأنهارها وأشجارها، ونسائمها ومناظرها وأسوارها، وبين خصائصها ومزايا بعضها على بعض، وذكر أقوال العلماء فيها وفي وصفها، وأقوال بعض الشعراء فيها، كما ذكر ما دار من سجال بين الشعراء في مدح متنزهات المشرق والمغرب، أو في مدحهما، كما ذكر أقوال بعض الرحالة الذين زاروا تلك الأقاليم، وتحدثوا في آثار البيئة في ألوان السكان وهيئاتهم وأخلاقهم وسلوكهم.... ومواليهم وغلمانهم، وذكروا الفروق بين أجناسهم، وبين خصائص كل جنس وأقوال المشاهير فيهم، حتى إن الإسكندر أجلّ ملوك الروم أقرّ بفضل الترك، واعترف بحكمة صاحب الصين وفضله
…
واستجره الحديث عن الديار المصرية إلى الحديث عن حكامها من بعض الفرق الذين استعصوا على خصومهم إلا على صلاح الدين الأيوبي رحمه الله (532- 589 هـ) الذي طهر البلاد منهم.
ورأى العمري مما يتكلم فيه من أحكام المناظرة بين المشارقة والمغاربة في النبوة، وهذا الفخر مسلّم به للمشرق، فذكر الأنبياء والرسل وأعدادهم
ومواطنهم من بلاد الشرق، ومواطن ولادتهم وأماكن قبورهم، ولا يعلم نبي ظهر في المغرب ما خلا الديار المصرية
…
ثم عرض للخلافة وبيّن أن شأنها مسلّم للشرق أيضا منذ الخلافة الراشدة، وذكر تعاقب الخلفاء والأمراء والسلاطين وأولادهم، وحكمهم وموطنه ومن توارثه، وفصل القول في أحوال الخلفاء وتعاقبهم، وانتقال الخلافة من أسرة إلى غيرها.
ثم عرض للمناظرة في أشخاص الخلفاء وأحوالهم، ومددهم بين أهل المشرق والمغرب في الحرب والسلم، والجود والكرم والفتنة والعدل والزهادة
…
وحب العلوم واقتناء الكتب، وحب الشعر والشعراء، ومن ذكرت صولته وعظمت آثاره، وكثرت أسفاره وانتصاراته من المشارقة والمغاربة، وذكر بعض عجائب أولي الأمر فيهم، وعرض لعظمائهم وأكابر أمرائهم وذكر سلطنات ما وراء النهر وخراسان، وسجستان وكرمان والديلمان وطبرستان والجبال (عراق العجم) ، وفارس والأهواز والعراق وشهر زور والجزيرة، وبلاد الشام ومن تعاقب على ملك كل ما ذكر قبل الإسلام وبعده من خلفاء وأمراء، ومصر ومن تعاقب عليها من الجاهلية وبعد الإسلام إلى بني طولون، وعرّج على جزيرة العرب، وذكر من تعاقب عليها، وذكر سلطنات كثيرة في اليمن وحضر موت وهجر، واليمامة، ثم عرّج على البلاد في شمال بلاد الشام والجزيرة كأزربيجان والبيلقان، وباب الأبواب والراز وأرمينية، وبلاد الروم والصقلب، ولم يكن في هذه مسلمون إلا البلغار، ثم وصل التتر إلى بلادهم، كما تحدث عن ممالك الهند والصين الكثيرة، وداخل التتر أهل الصين في بلادهم.
ثم ذكر سلطنات المغرب وأولها مما بأيدي المسلمين الديار المصرية وهي
عظيمة في الجاهلية والإسلام، ثم ذكر من تعاقب عليها إلى أن آلت إلى الناصر صلاح الدين، وعرّج على ذكر سلطنات برقة وأفريقية ومن توالى عليها من الأسر الحاكمة، وسلطنة المغرب الأقصى، وهي أعظم جهات المغرب، وقد توالى عليها الأدارسة ثم بنو مدران ثم يوسف بن تاشفين الذي بنى مراكش، ثم عرض للسودان، وأعظم قواعد السلطنة فيها الحبشة والنوبة، وبلاد التكرور سلطنة، وجزيرة الأندلس سلطنتان، سلطنة للمسلمين، وسلطنة للنصارى، وتوالى على سلطنة المسلمين ولاة بني أمية إلى أن ملكها صقر قريش، وتوارثها بنوه ثم بنو عبد المؤمن، كما عرض لغيرها من السلطنات في شمال البلاد الإسلامية.
ثم ذكر ما قاله ابن سعيد المغربي في الجندية في المشرق، وأهم خصائصها ومميزاتها، وموازنتها بخصائص الجندية في المغرب ومميزاتها، من خلال مشاهداته في رحلاته، ولقاءاته بالمسافرين، وبيان ما لكل فارس في المشرق من مركوب وعتاد ومساعدين، مما ليس لأمثاله في الأندلس والمغرب الأوسط والأقصى وأفريقيا، كما وصف أنواع أسلحة كل من الفريقين، كما وازن بين فرسان المغرب والأندلس ومهاراتهم، وما لأمراء الجيوش في المشرق من مظاهر لم يحظ بها قادة المغرب، ومثل هذا في أعطياتهم وطعامهم وفراشهم وآلات اللباس، والفضيلة في كل هذا واضحة للمشارقة على المغاربة، وأثنى على انضباط جند المغاربة وسرعة نجدتهم، وبيّن أسباب ذلك، وناقشه ابن فضل الله العمري في بعض ما أثنى به على الجند المغربي.
ثم عرض للوزارة في المشرق وأنها فيه أعظم منها في المغرب، وذكر مزايا الوزراء ودورهم في الحكم وآثارهم
…
وعرض بعد ذلك لكتاب المشرق، وبراعتهم وسحر كلامهم، وأجاد في وصفهم، مما لا تجد للمغرب لدى المشرق يدا في فضل، ولا باعا في علياء.
ومهّد بعد ذلك للحديث عن أهل الفضل في الشرق والغرب بعد الأنبياء، ورأى أن أعلاهم كعبا القراء، ثم أهل الحديث الشريف، ثم الفقهاء، ثم أهل اللغة، ثم أهل النحو، ثم الفقراء أصحاب القلوب، فالحكماء والوزراء والكتاب.... الذين سيذكرهم في قسمي المشرق والمغرب، وسيأتي بمشاهيرهم في الجاهلية والإسلام إلى عصره، وسيذكر بعد الإنسان سائر الحيوان، ثم النبات، ثم المعادن، ناقلا كل ذلك من مصادره التخصصية، مصورا لما قدر على تصويره منها،، وقد رأى أن يبدأ بالقراء، لشرف القرآن العظيم، وبشرف القرآن العظيم شرف أهله، وتقدمهم تبع لفضله
…
ثم ترجم للقراء تراجم وافية، على النحو الآتي:
1-
مشاهير قرّاء المشرق.
2-
القرّاء بالجانب الغربي.
3-
القرّاء في مصر.
4-
المحدّثون بالجانب الشرقي.
5-
المحدّثون بالجانب الغربي.
6-
من كان منهم بمصر.
7-
فقهاء المحدّثين بالجانب الشرقي.
8-
فقهاء الجانب الغربي.
9-
فقهاء الديار المصرية.
عرض ما قدمه بأسلوب إخباري حينا وتقريري أحيانا، وحواري في بعض الأحيان، ويؤيد ما يذهب إليه بالأدلة المنقولة، والوقائع التاريخية المشهورة،
وكثيرا ما يرد على ما يدلي به غيره، بالشعر تارة، وبالنثر تارات، وقد غلب على بيانه السجع المقبول، وقد تضطره المحافظة على فاصلة السجع أن يستعمل غريب الألفاظ، هذا إلى جانب كثرة الصناعة البديعية، ولا سيّما تراجم العلماء، التي يورد فيها من الحقائق واللطائف والطرائف، ما يثلج الصدور، ويدخل على النفوس الحبور. جزاه الله تعالى خير الجزاء، فقد حفظ لنا في موسوعته الكثير الكثير، والخير العميم، نفع الله تعالى بها العباد والبلاد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
أ. د محمد عجاج الخطيب
الاثنين 16 صفر 1423 هـ
الموافق 29 نيسان 2002 م